أسباب وأعراض تليف الكبد وعلاج تشمّع الكبد
يعتبر الكبد أحد أهم أعضاء الجهاز الهضمي حيث يقوم بالكثير من الوظائف الأساسية في الجسم وينظم معظم العمليات الاستقلابية -أي استغلال العناصر الغذائية في تركيب أنسجة الجسم وتوليد الطاقة- بالإضافة لمهام أخرى كثيرة سنتحدث عنها بالتفصيل.
يصاب الكبد بالكثير من الأمراض والتي يجب علينا متابعتها وعلاجها فورياً لما له من أهمية فائقة ولأمراضه خطورة كبيرة.
في هذا المقال سنتحدث عن أحد أهم وأخطر الأمراض الكبدية وهو تليف الكبد أو كما يسمى "تشمع الكبد" حيث يحدث فيه تخرب غير قابل للعكس في الخلايا الكبدية يؤدي إلى عدم قدرة هذه الخلايا الكبدية على القيام بوظائفها وبالتالي سينعكس ذلك على كل أعضاء الجسم بنتائج خطيرة.
ما هي الوظائف التي يقوم بها الكبد في الجسم؟
يقوم الكبد بالعديد من المهام في الجسم لا تنحصر في الجهاز الهضمي، سنذكر أهمها:
- استقلاب وطرح الكثير من المواد والأدوية وتخليص الجسم من مخلفاتها الضارة.
- تركيب بعض المواد المهمة كالعصارة الصفراوية التي تساعد على هضم المواد الغذائية وامتصاصها من الجهاز الهضمي.
- تركيب بعض العناصر الأساسية في الدم (عوامل التخثر) والتي تساعد على إيقاف النزف وضبط تمييع الدم.
- يعتبر الكبد مخزناً للعديد من المواد الهامة مثل السكر والشحوم والفيتامينات.
ما هو تشمع الكبد؟ وما هي مراحل تليف الكبد؟
يعرف تليف الكبد بأنه تخرب غير عكوس في الخلايا الكبدية حيث تتشكل ندبات على النسيج الكبدي[1] تكون هذه الندبات غير فعالة وظيفيا وغير قادرة على القيام بوظيفة الخلايا الكبدية السليمة، تنجم هذه الندبات عن محاولة النسيج الكبدي شفاء نفسه بعد كل أذية يتعرض لها ويتشكل نتيجة لذلك ندبات وعقيدات على سطح الكبد تسمى (عقيدات التجدد) ويصبح الكبد بسببها ضخماً، متعرج الحواف وغير متجانس البنية.
لتليف الكبد عدة مراحل تختلف شدة المرض وأعراضه حسب كل مرحلة:
- المرحلة الأولى:
في هذه المرحلة يكون الكبد قادراً على شفاء نفسه والقيام بمهامه جزئياً، يكون المريض في هذه المرحلة مستقراً ولا تظهر عليه أي أعراض ولذلك يكون من الصعب جداً تشخيص المرض خلال هذه المرحلة.
- المرحلة الثانية:
في هذه المرحلة تبدأ أعراض المرض بالظهور بشكل تدريجي، حيث يشعر المريض بالتعب والوهن الدائم مع بداية تشكل وذمات في القدمين، نقص وزن بالإضافة إلى بداية أعراض الاصفرار واليرقان.
- المرحلة الثالثة:
وهي المرحلة الأخيرة والنهائية من تليف الكبد حيث تفقد معظم الخلايا الكبدية حيويتها وقدرتها على القيام بوظائفها ويصل الكبد لمرحلة الفشل التام، نشاهد في هذه المرحلة الاختلاطات النهائية للتليف الكبدي والتي سنتحدث عنها لاحقاً.
هناك الكثير من الأسباب المؤدية لتشمع الكبد، سنذكر أهمها:
- التهابات الكبد الفيروسية:
تعد التهابات الكبد الفيروسية من أشيع أسباب تليف الكبد، ويعتبر التهاب الكبد من النمط B والتهاب الكبد من النمط C أهم الأسباب لتليف الكبد حيث تسبب أذية دائمة وغير عكوسة في الخلية الكبدية بينما باقي التهابات الكبد الفيروسية كالنمطين A و E فهي لا تسبب تليفاً في الكبد.
- إدمان الكحول بشكل مزمن:
معظم السموم ومن ضمنها الكحول يتم استقلابها وتحطيمها في الكبد للتخلص من مخلفاتها الضارة ولكن عندما يتم تعاطي كمية كبيرة من الكحول ستعجز الخلايا الكبدية عن استقلابها بشكل كامل وبالتالي تخليص الجسم من سمومها مما يؤدي إلى تراكمها في الكبد وإحداث أذية فيه تتطور حتى تصل إلى التشمع في النهاية.
- تشحم الكبد:
تشحم الكبد هو آفة كبدية ولكنها عكوسة تنجم عن تراكم الشحوم في النسيج الكبدي مما يمنعه من أداء وظائفه لكنه قابل للتراجع بالعلاج الدوائي والحمية.
لتشحم الكبد عدة أنواع أحدها قد يتطور في بعض الحالات نحو التليف (تشحم الكبد صغير الخلايا) وينجم عنه أذية دائمة في الخلايا الكبدية.
- أمراض المناعة الذاتية:
وهي أمراض يعاني منها بعض الأشخاص الذين لديهم مشاكل في الجهاز المناعي مما يجعل الخلايا تهاجم بعضها بعضاً وتؤذي بعض أجزاء الجسم ومنها الكبد حيث تسبب ما يسمى بـ (التهاب الكبد المناعي الذاتي) والذي يتطور في بعض الأحيان ليسبب تليفاً في الخلايا الكبدية.
- أسباب أخرى:
هنالك الكثير من الأسباب النادرة لتليف الكبد مثل تراكم الحديد في الجسم في سياق داء ترسب الأصبغة الدموية (الهيموكروماتوز) أو ترسب النحاس في الجسم في سياق داء ويلسون حيث يؤدي تراكم هذه المواد الضارة في أنسجة الجسم ومن ضمنها الكبد إلى إحداث أذية كبدية غير عكوسة.
من الأسباب الأخرى أيضاً الأدوية مثل (الميتوتريكسات) وهي أدوية تستخدم في بعض الأمراض المفصلية الشديدة، كما أنه هنالك بعض الأمراض الوراثية والجينية التي تؤهب لإحداث التليف الكبدي كداء التليف الكيسي والتهاب الطرق الصفراوية المصلب البدئي، وقد تسبب بعض الإصابات الجرثومية تليفاً كبدياً مثل الإصابة بالبلهارسيا.
ما هي أعراض تشمع الكبد وبما يتظاهر؟
في المراحل الأولى من تليف الكبد يكون المرض بدون أعراض ولا يشكو المريض من أي شيء أبداً ومع تقدم المرض وتفاقمه تبدأ الأعراض بالتظاهر تباعاً وسنذكر أهمها:
- الوهن والتعب:
وهي أول الأعراض التي يتظاهر بها المرض في بداية مرحلته الثانية إذ يشكو المريض من تعب يتفاقم يوماً بعد يوم بالإضافة إلى آلام معممة غير محددة في الجسم.
- نقص الشهية وفقدان الوزن:
تتطور هذه الشكاية في المرحلة التالية للوهن والتعب بالإضافة إلى أعراض هضمية أخرى كالألم البطني والغثيان والإقياء اللذين ينتجان عن تراكم السموم في الجسم نتيجة عدم قدرة الكبد على استقلابها وتحطيمها.
- الحكة:
وتنتج أيضاً عن تراكم السموم في الجسم وأهمها الفوسفور.
- الوذمات واحتباس السوائل في الجسم:
يعاني مرضى التليف الكبدي من احتباس السوائل بالأطراف وخاصة الطرفين السفليين مما يؤدي إلى تورمهما وإحساس ألم بهما مع تحدد الحركة وصعوبتها، كما يمكن أن تتجمع السوائل في البطن مشكلة ما يسمى (الحبن) والذي من الممكن أن يتجمع بكميات كبيرة قد تصل ل 10 ليتر مما يشكل ضغطاً على أجزاء البطن والحجاب الحاجز ويعيقه عن أداء وظيفته مما يسبب ضيقاً وصعوبة في التنفس.
- سهولة النزف وغزارته:
كما ذكرنا فإن الكبد مسؤول عن تركيب بعض العناصر الدموية وهي عوامل التخثر وبالتالي فإن أي تخرب في الخلايا الكبدية سيؤثر على ذلك التصنيع مما يسبب فقراً بها وبالتالي تزداد احتمالية النزف عند المرضى إثر رضوض خفيفة وتتشكل كدمات حمراء تحت الجلد.
- اصفرار لون الجلد والعينين (اليرقان):
ويحدث نتيجة تخرب الطرق الصفراوية، انسدادها وزيادة انحلال الدم مما يؤدي إلى اليرقان.
- أعراض متفرقة:
كظهور الأوعية الدموية التي تشبه العناكب في أعلى الصدر وتضخم الثدي عند الرجال وضمور الخصية.
ما هي اختلاطات تشمع الكبد في المراحل المتأخرة؟
تظهر اختلاطات تليف الكبد في المرحلة الأخيرة منه وتعتبر خطيرة جداً وتتطلب المعالجة والمتابعة الفورية، سنذكر أهمها:
- الاعتلال الدماغي الكبدي:
يحدث في المراحل الأخيرة من التليف الكبدي نتيجة تراكم السموم في الجسم بكميات كبيرة مما يؤثر على الدماغ والحالة العقلية للمريض فيعاني المريض من النعاس والميل الدائم للنوم مع تشوش في الرؤية وثقل اللسان وفي بعض الحالات يحدث اضطراب ذهني لدى المريض.
- دوالي المري النازفة:
من اختلاطات التليف الكبدي أيضاً هو تشكل دوالي في المري تنشأ نتيجة احتقان الأوعية الدموية في المري وارتفاع الضغط فيها مما يجعلها هشّة وسهلة النزف[2] وذلك بدوره يسبب نزفاً هضمياً كبير الكمية وخطراً جداً، تعالج هذه الحالات بإجراء تنظير هضمي علوي إسعافي.
- سرطان الكبد:
أثبتت الدراسات أن نسبة الإصابة بسرطان الخلية الكبدية ترتفع لدى المرضى المصابين بتليف الكبد.
كيف نشخص تشمع الكبد ونؤكده؟
يعتمد التشخيص بشكل أساسي على الحالة السريرية ووجود الأعراض التي تحدثنا عنها سابقاً، يوجهنا نحو التشخيص التحاليل الدموية حيث تبين وجود ارتفاع في الخمائر الكبدية كما يساعد التصوير بالأمواج فوق الصوتية (الإيكو) في التشخيص فنجد الكبد متضخماً متعرج الحواف يحوي العديد من العقد[3].
أما التشخيص النهائي فيكون عبر إجراء خزعة كبدية وتحليلها واكتشاف نسبة التليف الموجودة ضمنها.
ما هو علاج تليف الكبد وكيف نخفف أعراضه؟
بما أن تليف الكبد هو أذية غير عكوسة في الخلايا الكبدية فإنه لا علاج جذري له إلا زرع كبد جديد للمريض في الحالات المتقدمة.
تصل نسبة نجاح هذه العملية إلى 80% وتعتبر من العمليات نادرة الإجراء.
أما في المراحل الأولى فنعتمد على علاج المرض المسبب كالتهابات الكبد الفيروسية وغيرها بالإضافة للعلاج التلطيفي لدى المريض والذي يعتمد على تخفيف الأعراض كتسكين الألم والمدرات لعلاج احتباس السوائل في الساقين والبطن، نقل الدم والعديد من العلاجات الداعمة الأخرى.
ما هي أساليب الوقاية من تليف الكبد؟ وكيف نمنع تطوره؟
تعد الوقاية حجر الأساس في تليف الكبد بسبب عدم إمكانية علاجه بشكل تام وتعتمد الوقاية على ما يلي:
- عدم شرب الكحول:
وخاصةً عندما يكون المريض مصاباً بالمراحل الأولى من تليف الكبد أو أي مرض كبدي آخر حيث يكون الكبد ضعيفاً أصلاً وغير قادر على التخلص من السموم بكفاءة الكبد السليم وبالتالي فإن أي كمية من الكحول ستتراكم في الجسم وتفاقم الأذية الكبدية.
- اتباع نظام غذائي صحي:
ويعتبر من أهم الخطوط في الوقاية من تليف الكبد إذ يجب علينا اختيار نظام غذائي غني بالفواكه والخضراوات فقير بالشحوم الدهون والتي تفاقم التليف الكبدي، كما يجب علينا التخلص من السمنة والحفاظ على وزن طبيعي.
- الوقاية من التهابات الكبد الفيروسية:
باعتبارها أشيع أسباب التليف الكبدي، ويتم الوقاية منها باتباع قواعد النظافة الشخصية والتأكد من خلو الدم من الأمراض قبل نقله حيث أن الطريق الأساسي لانتقال الفيروسات الكبدية هو عبر نقل الدم الملوث بالفيروس[4] أو عبر الأدوات الجراحية الملوثة به.
وبذلك نرى أهمية الكبد الكبيرة لما له من وظائف ضخمة وأساسية في الجهاز الهضمي، الدموي والمناعي، وهذا يبين أهمية الوقاية من الأمراض الكبدية خاصة تليف الكبد الذي يعد من الأمراض الشائعة، المهمة والخطيرة جداً في حال إهمالها.
[1] مقال "أعراض وأسباب تشمع الكبد" منشور في Myoclinic، تمت مراجعته في 3/7/2019.
[2] "التعريف بتليف الكبد" منشور في موقع خدمة الرعاية الصحية الوطنية في المملكة المتحدة nhs.uk ، تمت مراجعته في 3/7/2019.
[3] مقال الدكتور Daniel Murrell "كل ما تريد معرفته عن تليف الكبد" منشور في medicalnewstoday.com، تمت مراجعته في 3/7/2019.
[4] مقال الدكتور John P. Cunha "تليف الكبد" منشور في medicinenet.com، تمت مراجعته في 3/7/2019.