الإجهاض وآثاره النفسية على المرأة

الإجهاض واحد من أسباب الوفاة العشرة حول العالم.. ما هي المخاطر النفسية والعاطفية للإجهاض على المدى الطويل؟ هل يؤثر الإجهاض على الأب أيضاً؟
الإجهاض وآثاره النفسية على المرأة
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

يسبب الإجهاض المبكر أو في مراحل متقدمة من الحمل تأثيرات بعيدة المدى على المرأة، سواء كان إجهاضاً عمداً للتخلص من الحمل أو لأسباب صحية تشكل خطراً على الأم أو الجنين (مثل كشف تشوهات خلقية)، أو إجهاضاً غير مقصود بعوامل خارج إرادة السيدة، وفي مقالنا هذا نناقش الآثار النفسية والاجتماعية للإجهاض على المرأة، مع الإشارة لبعض المعلومات المتعلقة بوفاة السيدات بسبب الإجهاض غير الآمن.

هل يمكن أن يكون الإجهاض العامل الأول في ارتفاع أعداد الوفيات؟
تموت آلاف النساء كل عام بسبب مضاعفات الإجهاض غير الآمن، ففي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، التي تتحمل العبء الأكبر من اعتلال الصحة والوفاة نتيجة الإجهاض غير الآمن، تموت واحدة من كل أربع نساء في حالات إجهاض غير آمنة، خاصة بين المراهقات الذين تتراوح أعمارهم بين 15-19 سنة، ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، هناك ما يتراوح بين 40 و 50 مليون حالة إجهاض كل عام حول العالم، وهذا يقابل حوالي 125000 حالة إجهاض يومياً، حيث قدرت منظمة الصحة العالمية هذا بين عامي 2010 و 2014.
فإذا كانت هناك 56 مليون حالة إجهاض في جميع أنحاء العالم كل عام، وذلك عندما نشرت المنظمة العالمية دراسة استقصائية حول الأسباب العشرة الأولى للوفاة على مستوى العالم؛ سيفوق عدد حالات الإجهاض في جميع أنحاء العالم عدد الوفيات الإجمالية الناجمة عن أمراض القلب والسكتة الدماغية! وهما أعلى أسباب الوفاة في عام 2016 مثلاً، وبما أن الإجهاض إجراء قانوني في معظم دول العالم، حيث يتعلق بحسابات صحية تتعلق بالأم أولاً؛ يمكن اعتبار إحصائيات منظمة الصحة العالمية إشكالية إلى حد ما، هذا ما دفع بعض الجهات لاعتبار الإجهاض المسبب الرئيسي للوفاة عام 2020 لأنه قضى على حياة 42.7 مليون طفل في الرحم، وعرّفوا الإجهاض كجريمة قتل للأطفال في الأرحام وسلبهم حقّ الحياة.
وعلى كل حال.. لا تقدم الساحات القانونية والفلسفية والدينية والعلمية أي إجابات نهائية.. إذ أن العلم لا يستطيع الحسم حول متى تبدأ حياة الجنين! وهذا هو الخلاف الرئيسي الذي يغذي الجدل حول الإجهاض عالمياً..، فقد تواجه المرأة التي تتعامل مع حسرة فقدان الحمل؛ عقوبة السجن، واعتقد أن جميع الآراء المضادة للإجهاض تتأثر بالدين والفلسفة والعادات والتقاليد ولا علاقة للعلم بالموضوع، وهنا موضوع مقالنا، حيث لا نريد الخوض في جدل وعقوبات الإجهاض، لكن سنخوض بقية المقال في التأثيرات النفسية والاجتماعية التي تعانيها المرأة بسبب الإجهاض.

animate

هل المرأة هي من تختار الإجهاض، وما هي الأسباب؟
الحمل غير المقصود هو الأكثر شيوعاً بين النساء الفقيرات والنساء دون التعليم الثانوي، حيث أن لديهن معدل حمل غير مقصود أعلى بخمس مرات من النساء ذوات الدخل المتوسط أو العالي، كما تلعب العوائق التي تحول دون تحديد النسل.. دوراً رئيسياً في ذلك، فتختار أغلبية هؤلاء النسوة إنهاء الحمل، لكن بين النساء الأكثر وعياً، فإن السبب الأكثر شيوعاً هو أن الحمل سيتداخل مع التعليم أو العمل أو القدرة على رعاية الأطفال الأكبر [5]،  ومثلاً فإن بعض الأسباب بالنسب المئوية وفقاً لدراسة 957 امرأة عام 2004.. هي [6]:

  1. غير جاهزة لرعاية طفل أو التوقيت غير صحيح بنسبة 25٪.
  2. لا أستطيع تحمل مسؤولية طفل الآن بنسبة 23 ٪.
  3. لدي أطفال ولا أريد زيادة عدد الأشخاص الذين يعتمدون عليّ، أو أطفالي كبروا بنسبة 19٪.
  4. لا أريد أن أربي الطفل لوحدي (بسبب وفاة الأب أو الطلاق) أو لدي مشكلات في العلاقة الزوجية بنسبة 8٪.
  5. لا أشعر بالنضج الكافي لتربية طفل بنسبة 7٪.
  6. الإنجاب ورعاية طفل يتداخل مع خطط التعليم أو المهنة بنسبة 4٪.
  7. مشكلة جسدية بنسبة 4٪.
  8. مشاكل محتملة تؤثر على صحة الجنين بنسبة 3٪

إن خطر الوفاة أثناء الولادة أعلى بـ 14 مرة من خطر الوفاة بتأثير ومضاعفات عمليات الإجهاض الآمن! ومثلاً تشير دراسات أمريكية.. إلى أن الإجهاض الآمن؛ لا يرتبط بالمضاعفات الصحية طويلة الأجل، بما في ذلك سرطان الثدي والعقم أو الاضطرابات النفسية، كما أكدت الكلية الأمريكية لأطباء التوليد وأمراض النساء، على سلامة الإجهاض. [7]
لكن على العكس، فإن الآثار السلبية الناجمة عن قيود الإجهاض موثقة، ومن المرجح أن تعيش النساء غير القادرات على الإجهاض في فقر أو يعتمدن على المساعدة من الآخرين ولا يحصلن على العمل لسدّ احتياجات رعاية طفل.
علاوة على ذلك، فإن حظر الإجهاض غير فعّال في الحدّ من الإجهاض، لأن البلدان التي تطبق سياسات الإجهاض الأكثر تقييداً؛ لديها معدلات أعلى من الإجهاض وهو غير آمن في معظمه، حيث يقوم به أفراد غير مدربين ودون معدات أو مرافق مناسبة، لذا تحتاج النساء إلى الوصول الآمن إلى الإجهاض كجزء من الرعاية الصحية.

ينطوي الإجهاض على مخاطر حدوث مضاعفات كبيرة مثل: النزيف والعدوى والأضرار التي تلحق بالجسد، حيث تحدث مضاعفات طبية خطيرة بشكل غير متكرر في حالات الإجهاض المبكر، ولكنها تزداد مع حالات إجهاض الحمل المتأخر، وهناك أدلة على أن الإجهاض يمكن أن يرتبط بتدهور الصحة العاطفية والجسدية للمرأة؛ على المدى الطويل، هذا فإن المخاطر المرتبطة بالإجهاض محدودة بسبب عدم الإبلاغ عنها في الدول التي تحرّم الإجهاض شرعاً وقانوناً، كذلك عدم وجود سجلات لحفظ عمليات الإجهاض ومضاعفاتها، لكن المعلومات المتاحة تتحدث عن المخاطر الجسدية مثل: (نزيف شديد- عدوى تخدير-الأضرار التي تلحق الأعضاء- الموت ومضاعفات تهدد الحياة... الخ)، كما يرتبط الإجهاض (غير الآمن)؛ بمخاطر الولادة المبكرة مستقبلاً، والإصابة بسرطان الثدي أيضاً.

وهناك أدلة على ارتباط الإجهاض غير الآمن؛ بتدهور الصحة النفسية على المدى الطويل، كما أنه من غير المعروف مدى التأثير النفسي على المرأة عند الإجهاض وقت يكون عمر الجنين بين 7-10 أسابيع، حيث يكون بإمكان الأم رؤية جنينها مكتمل تقريباً؛ وأبرز المخاطر النفسية المعروفة للإجهاض: [8]

  • الاكتئاب السريري.
  • القلق.
  • تعاطي المخدرات والكحول.
  • اضطراب ما بعد الصدمة .
  • الأفكار والسلوكيات الانتحارية.

أما التأثيرات العاطفية بسبب الإجهاض فهي: (إثم- حزن -  غضب -  قلق -  كآبة - أفكار انتحارية - مشاكل في العلاقة مع الشريك أو الأطفال -  اضطرابات الأكل)، هذا ولا تتوقف الآثار النفسية والعاطفية على المرأة فحسب، بل أن تورط الرجل في اختيار الإجهاض، قد يكون السبب في هذه التأثيرات على الأب: (قلق – حزن – عار – إثم – هلع – غضب – كوابيس - شعور بالعجز – رفض – ارتباك – ندم – كراهية الذات -  عزلة وفقدان الثقة بالآخرين)، 
وفي الوقت الذي يختار العديد من الأزواج الإجهاض؛ معتقدين أنه سيحافظ على علاقتهم، يكشف البحث في هذا الموضوع.. أن الأمر عكس ذلك تماماً، بحيث يكون الأزواج الذين يختارون الإجهاض عمداً؛ أكثر عرضة لمشاكل العلاقة الزوجية، على الرغم من أن رضا الشريكين على القرار وصنع القرار المشترك حول ضرورة إجراء عملية الإجهاض؛ يؤثر بشكل إيجابي على النتائج النفسية بعد الإجهاض. [9]
وقد تكون جودة الاستشارة مهمة في هذا القرار، بالنظر إلى الطبيعة الحساسة المتعلقة بإنهاء الحمل، كذلك بسبب المضاعفات الجسدية والنفسية والاجتماعية للإجهاض. [10]
رغم ذلك قد تكون للإجهاض الآمن والضروري لصحة الأم بعض الفوائد للصحة النفسية العقلية مقارنة بالاستمرار في الحمل غير المرغوب فيه! ففي عام 2013 وجد تحليل علمي، أنه لا يوجد دليل قاطع على أن الإجهاض؛ قلل من خطر اضطرابات الصحة العقلية للحمل غير المرغوب، لكنه ارتبط بزيادة معتدلة بالقلق والأفكار الانتحارية، وتختلف الآثار النفسية والاجتماعية للإجهاض المقصود عن الإجهاض غير المقصود، كما يحدد وقت الإجهاض سواء مبكر أو متأخر؛ مدى وعمق التأثيرات على المرأة. [11]

يسمح بالإجهاض قانوناً في بعض الدول، وفق دراسة حالة في 162 بلد حول العالم من عام 1985 إلى 2013، من خلال منح درجة مرونة تتراوح من صفر إلى سبعة، تعني درجة المرونة التي تبلغ صفراً أن الإجهاض غير مسموح به قانوناً لأي سبب من الأسباب، كما أن درجة المرونة البالغة 7 تعني أن الإجهاض مسموح به قانوناً، لأي سبب من الأسباب التالية: [4]

  1.  التدخل لإنقاذ حياة المرأة.
  2. الحفاظ على الصحة البدنية للمرأة (أسباب صحية ضيقة).
  3. الحفاظ على الصحة العقلية للمرأة (أسباب صحية واسعة).
  4. إنهاء الحمل الناجم عن الاغتصاب، أو سفاح القربى (أسباب قانونية).
  5. الاشتباه بضعف الجنين (عيب خلقي).
  6. إنهاء الحمل لأسباب اقتصادية أو اجتماعية.
  7. عند الطلب؛ هنا يُسمح بالإجهاض على جميع الأسس.

حيث تقدم هذه الدراسة دليلاً على أن إصلاح قانون الإجهاض في البلدان؛ ذات قوانين الإجهاض المقيدة.. قد يقلل من وفيات الأمهات.

أخيراً.. لا بد أن نتحدث عن تأثيرات الإجهاض القاتلة نفسياً واجتماعياً، في حالات إجبار المرأة على التخلص من جنينها (الإجهاض بالإكراه) لأسباب عديدة، أعلم أن الموضوع شائك لكننا سنخوض النقاش في مقالات أخرى حول الإجهاض، لذا ننتظر أسئلتكم وآرائكم من خلال التعليقات، أو التدوين عبر موقع حلوها.

المراجع