علاج السرقة عند الأطفال
السرقة من أكثر أنماط السلوك شيوعاً بين الأطفال، ويتفق الباحثون على أن السرقة تعتبر جزءاً من تطور وعي الطفل بنفسه وبالعالم من حوله وبمفاهيم كثيرة مثل الملكية والأمانة وغيرها، لكن الأهل قد يجدون صعوبة في تقبل سلوك السرقة عند الأطفال كمرحلة تطورية، هذا ربما يجعلهم أيضاً أقل قدرة على ضبط السرقة عند الطفل والتخلص منها بالطريقة الصحيحة، وأقل تمييزاً للسرقة التي يمكن التعامل معها منزلياً والسرقة التي تحتاج لعلاج نفسي تخصصي.
تحدثنا في مقالات سابقة عن سلوك السرقة عند الأطفال بشكل عام، وفي مقالنا هذا نتناول بشكل محدد علاج السرقة والتخلص من سلوك السرقة عند الطفل، لكن قبل ذلك لا بد من إلقاء نظرة على وجهة نظر علم النفس التربوي بسلوك السرقة عند الطفل.
يعتقد الأطباء المختصون بتقويم سلوك الأطفال أن السرقة عند الطفل من السلوكيات الأكثر شيوعاً، ويمكن القول أن سلوك السرقة يظهر عند كل طفل في عمر سنتين تقريباً، لكنه في هذه المرحلة يكون أقرب إلى سوء فهم للملكية والمشاركة منه إلى السرقة[1].
في المرحلة الثانية -بين 5 و8 سنوات- بعد أن يدرك الطفل أكثر مفاهيم الملكية والمشاركة سيكون سلوك السرقة نوعاً من اختبار القواعد والضوابط، وتكون ردة فعل الأهل في هذه المرحلة مهمة جداً في تكوين المنظومة الأخلاقية عند الطفل وفهمه للروادع والضوابط وإدراكه لمعنى السرقة وللعقوبات والعواقب دون معاملته كمجرم، هذه المرحلة هي الفرصة الأهم لغرس قيم الأمانة واحترام ملكيات الآخرين عند الأطفال.
قد يستمر سلوك السرقة بعد السنة التاسعة وبأشكال أكثر تعقيداً، قد يسرق الطفل بدافع الانتقام، أو الحصول على أشياء غير مشروعة مثل التدخين أو الكحول، وقد يسرق الطفل أشياء عزيزة على والديه أو أخوته ويقوم بتدميرها...إلخ.
ويمكن القول أيضاً أن السرقة إلى هذا الحد تعتبر جزءاً من تطور سلوك الأطفال، لكن الطفل الذي سيستمر بالسرقة بعد تجاوزه التاسعة كأقصى حد سيكون بحاجة فعلياً للعلاج ليتخلص من السرقة، خاصة عندما يترافق سلوك السرقة مع سمات الشخصية المعادية للمجتمع (إيذاء الحيوانات، الأذى في الأماكن العامة، السرقة من المتاجر...إلخ)، أو ترافق سلوك السرقة عند الطفل مع انعدام الشعور بالندم والذنب.
الخلاصة أن السرقة عند الأطفال تكون في البداية جزء من إدراكهم لهذا العالم ومعاييره وضوابطه، ومع تقدم الطفل بالعمر سيكون بأمس الحاجة إلى أسلوب تعامل مدروس ليفهم ماهية السرقة ومعنى القيم الأخلاقية العامة والروادع الذاتية والاجتماعية التي تجعله يبتعد عن سلوك السرقة، واستمرار الأطفال بسلوك السرقة بشكل منتظم بعد السنة التاسعة يتطلب دون شك مراجعة الطبيب المختص لدراسة حالة السرقة عند الطفل وتقديم الحلول الملائمة[2].
يعتمد التخلص من السرقة عند الأطفال وعلاج هذا السلوك بطريقة صحيحة أو الوقاية منه على معرفة الأهل والمربين ومقدمي الرعاية بحقيقة سلوك السرقة عند الأطفال وكيفية تفاعل الطفل مع السرقة، والأسباب العامة التي تدفع الأطفال للسرقة، إلى جانب الأسباب الخاصة التي تدفع طفلاً بعينه نحو السرقة، وكلما كانت معرفة الآباء والأمهات علمية ودقيقة لسلوك الأطفال عموماً والسلوكيات المنحرفة خصوصاً مثل السرقة والكذب والخداع؛ كلما كانت قدرتهم على علاج السرقة وغرس القيم المطلوبة عند الأطفال أكبر وأكثر فاعلية.
وإلكم مجموعة من الحقائق والمفاهيم التي تساعدكم على فهم سلوك السرقة عند الأطفال في سبيل تقديم العلاج الأنسب والأفضل للتخلص من السرقة:
- في مقال سابق عن إدمان السرقة لدى البالغين تحدثنا أن أول تعامل للطفل مع السرقة وكيفية تفاعل الآخرين مع الموقف قد يعتبر سبباً في إدمان سلوك السرقة على الأمد الطويل، فالتهاون والتسامح مع السرقة عند الأطفال سيرسخ عندهم تسامحاً ذاتياً مع السرقة، كذلك التعامل القاسي والعنيف مع أولى تجارب الطفل مع السرقة سيخلق عنده دوافع انتقامية تجعله يتعامل مع السرقة كأسلوب لإزعاج الأهل مثله مثل الصراخ والعناد.
القصد أن التعامل مع السرقة عند الأطفال في مرحلة مبكرة وبطريقة صحيحة سيترك أثراً طويل الأمد على الطفل وشخصيته ومنظومة قيمه، لذلك لا يجب الاستخفاف بأهمية فهم كيفية التعامل مع السرقة عند الأطفال الصغار من سن 3 سنوات وحتى المراهقة. - الأطفال أكثر ميلاً للسرقة في مجموعات مجهولة الهوية: أظهرت دراسة تم اجراؤها على أكثر من ألف طفل في عيد الهالوين[3] أن الأطفال المتنكرين الذي يعتقدون أنهم مجهولو الهوية كانوا أكثر ميلاً للسرقة مقارنة بالأطفال الذين كانوا معروفين، نتائج هذه الدراسة ركزت على نقطتين؛ الأولى هي أن الأطفال سيكونون أكثر إقداماً على السرقة في حال أمنوا العواقب، والثانية أن الأطفال ينقادون لسلوك المجموعة، بمعنى أن السرقة الجماعية غالباً ما تكون شائعة بين الأطفال بمجرد أن يقدم أحدهم على السرقة، وكأنه يرسم قواعد المجموعة، وهذا ما يعرف بفقدان الوعي الذاتي في المجموعات [4].
- التخلص من السرقة عند الأطفال وعلاج سلوك السرقة لا يمكن أن يتم دون مراعاة عمر الطفل، لأن دوافع الطفل للسرقة تختلف من مرحلة عمرية إلى أخرى، وطريقة تفاعل الطفل مع السرقة تتغير مع التقدم في العمر، لذلك يجب أن يضع الأهل بالاعتبار تأثير عمر الطفل على طريقة العلاج من السرقة.
- ستختلف تقنيات تعليم الطفل قيم الأمانة واحترام ملكيات الآخرين ونبذ السرقة من أسرة إلى أخرى ومن والد إلى آخر، لكن الهدف من هذه العملية يجب أن يكون واحداً، وهو تعزيز فهم الطفل أن سلوك السرقة خاطئ ويتعدى الاستيلاء على الأشياء إلى إلحاق الضرر بالآخرين[5]، فما دامت الطريقة مهما كانت تخدم هذا الهدف ستكون طريقة جيدة.
- مساعدة الأطفال على التخلص من السرقة لا تتمحور فقط حول الحديث النظري عن الأخلاق أو تعليمه مساوئ السرقة، لأن السرقة عند الأطفال غالباً ما يكون سببها الرئيسي ضعف القدرة على التحكم بالدوافع وضبطها[6]، لذلك فإن تعليم الطفل التحكم بمشاعره عموماً والتحكم بدوافعه ورغباته والسيطرة عليها بشكل عام وفي مرحلة مبكرة سيجعل؛ من مهمة الأهل أسهل في مواجهة سلوك السرقة.
كيف يمكن التخلص من السرقة عند الأطفال؟ ما هي طرق علاج السرقة المتاحة للأطفال؟
كما ذكرنا سابقاً فإن طريقة تعامل الأهل مع الطفل في أول تجاربه مع السرقة تعتبر حاسمة وحساسة، كما أنه لا يمكن حتى الآن تقديم وصفة جاهزة لتخليص الطفل من سلوك السرقة وحمايته من إدمان السرقة، لكن يمكن القول أن هناك قواعد عامة ورئيسية متفق عليها في التعامل مع السرقة عند الأطفال من جهة الأهل، أبرزها [7]:
- يبدأ الأطفال في فهم أن السرقة سلوك خاطئ بين الرابعة والخامسة، تأكد أنك تشرح لطفلك بشكل جيد حول الملكية والمشاركة، وتأكد أنه يفهم السرقة كسلوك خاطئ ومرفوض ابتداءً من هذا العمر.
- اهتم دائماً بمعرفة الأسباب الحقيقية والخاصة التي جعلت طفلك يفكر بالسرقة، هل هو محروم من شيء ما، هل الأنانية هي الدافع الرئيسي، هل يرغب بالانتقام، أم أنه لا يفهم السرقة كسلوك خاطئ ولا يستطيع فهم وإدراك العواقب، وربما تكون السرقة محاولة للفت الانتباه أو الاندماج مع الأقران...إلخ، بناء على معرفتك بأسباب السرقة يمكن أن تتخذ الإجراءات المناسبة.
- في حال اكتشفت أن طفلك يسرق لأول مرة يجب أن تفكر بالتالي:
- حافظ على هدوئك وتجنب ردة الفعل الغاضبة أو العنيفة.
- اشرح للطفل بطريقة واضحة لا تقبل اللبس أن الفعل الذي قام به فعل خاطئ ومرفوض، وحاول أن يفهم العواقب التي تترتب على السرقة، وتذكر أن السرقة لها آثار متعددة ومتشعبة ليست فقط مادية أو متعلقة بالمسروقات نفسها.
- اجعل طفلك يعيد ما سرقه إلى صاحبه مع الاعتذار منه، أو يقدم تعويضاً مادياً من مصروفه الخاص أو من أغراضه الخاصة بدلاً من الشيء الذي سرقه، ويمكن حرمانه من بعض الامتيازات لفترة من الزمن.
- تجنب أن تضع الطفل في موقف محرج أمام الآخرين وأن تنعته بصفات مثل لص أو سارق، هذا سيفقد الطفل ثقته بك، المطلوب هو تعديل السلوك وليس جعله مشكلة أكثر عمقاً يصعب التعامل معها لاحقاً، تجنب وصمة العار العلنية.
- أظهر احترامك ومحبتك للطفل الذي تراجع عن خطأه، مع التأكيد وإعادة التأكيد أن السرقة سلوك خاطئ وأن الأمانة من القيم المفضلة.
- على الرغم من أهمية تنمية الروادع الذاتية وتعزيز قدرة الطفل على التحكم بدوافعه ومقاومة الإغراء؛ إلا أنه أيضاً من واجب الأهل أن يتجنبوا وجود ما تسهل سرقته في متناول الطفل، ليس هذا وحسب، بل عليهم أيضاً تعليم الطفل أن يخفي أشياءه التي يخاف عليها وأن يهتم بالحفاظ على أغراضه وأمواله الخاصة كما يفعل الكبار تماماً[7]، وعلى الأهل خاصة عندما يكون الأطفال في مرحلة المراهقة أن يحافظوا على أموالهم وأشيائهم الثمينة بعيدة عن الأطفال الكبار.
- إذا كنت تعتقد أنَّك عاجز عن التعامل مع السرقة عند طفلك، أو أنَّك لاحظت أن طفلك يجد صعوبة في إدراك السرقة كسلوك خاطئ ويكرر هذا الفعل بشكل مستمر حتى مع إدراكه عواقبه وخطورته، في هذه الحالة لا بد من طلب الاستشارة النفسية التخصصية لعلاج السرقة، وتذكر أن وجود قواعد عامة للتعامل مع السرقة عند الأطفال لا ينفي ضرورة تشخيص ودراسة حالة السرقة عند الطفل بشكل فردي من قبل متخصص.