قواعد أساسية في تربية الأطفال
تحدثنا في مقال سابق عن مفهوم السياق التربوي وأهمية تحديد السياق التربوي الذي يستجيب لاحتياجات الطفل والأهداف التربوية للأهل في نفس الوقت، لكن السؤال الجوهري هنا؛ هل هناك قواعد ثابتة في تربية الأبناء مع اختلاف السياقات التربوية؟ هل هناك أساسيات لا يمكن تجاهلها في تربية الأبناء مع اختلاف الأهداف التربوية بين أسرة وأخرى؟... سنحاول من خلال هذا المقال تحديد بعض أبرز وأهم النصائح التربوية التي تعتبر بمثابة قواعد أساسية لتربية الأبناء.
جميعنا نريد أطفالاً متوازنين، واثقين، ناجحين في حياتهم، وفخورين أنهم أبناؤنا، ويدفعوننا لنكون فخورين بهم، لكن ليس الجميع قادراً على تحقيق ذلك، فمن يريد ويتمنى ليس كمن يبذل جهداً، ومن يريد ويعمل ليس كمن يعلم ما يعمل، إنها معادلة سهلة ممتنعة.
هناك ما يمكن أن ندعوه قواعد أساسية في تربية الأبناء أو اقتراحات أسياسية في التربية، هذه القواعد بمجملها لا تستهدف تغذية أو تنمية صفة محددة عند الطفل بقدر ما تستهدف أن يكون السياق العام لتربية الأبناء متزناً، وأن يكون الطفل مستقراً نفسياً وقادراً على مواجهة الحياة بشجاعة وراحة، وفخوراً بأبويه وما منحاه إياه.
بعض هذه القواعد تم وضعها من تجربة شخصية للآباء والأمهات، وبعضها تم وضعها بناء على دراسات تربوية ونفسية، وبعضها يعتبر من القواعد الأساسية التي فتحت الطريق أمام تفسير أنماط التربية المختلفة، سنحاول أن نقدم أبرز هذه القواعد الاقتراحات التربوية الأساسية في الفقرات القادمة.
تعتبر آن ليندرز Ann Landers واحدة من أشهر الكتاب والصحفيين الذين ساهموا في مساعدة الأطفال والمراهقين والآباء على تجاوز مشاكلهم، حيث استمرت آن بكتابة نصائحها التربوية التي تناقلتها أكثر من 1200 2صحيفة حول العالم ولسنوات طويلة[1].
وقد قامت آن ليندرز بتدوين 12قاعدة في تربية الأبناء اعتبرتها القواعد الذهبية في التربية، هذه القواعد هي [2]بتصرف:
1- تذكر أن الطفل هدية من الله تفوق كل النعم، لا تحاول أن تجعله على صورتك أو على صورة والدك أو جارك، كل طفل فرد مستقل يجب أن يكون نفسه، وقد سبق جبران خليل جبران آن ليندرز بالقول: أبناؤكم ليسوا لكم، أبناؤكم أبناء الحياة.
2- لا تقارن طفلك بالآخرين إن تفوقوا عليه أبداً، ولا تسحق روح طفلك عندما يفشل.
3- الغضب والعدوانية مشاعر طبيعية، يجب أن تساعد طفلك على إيجاد طرق مقبولة للتنفيس عن غضبه والتعامل مع هذه المشاعر، وإلا سيكبتها وتسبب له أمراض جسدية ونفسية.
4- حتى الأطفال الصغار لديهم شعور قوي بالعدالة، لذلك تأكد أن العقوبات مناسبة للأخطاء ومفهومة من قبل الأطفال، ويجب أن يكون الحزم عاقلاً، ولا تسمح لغضبك أن يجعلك ظالماً.
5- يجب أن تحافظ على التعاون مع شريك حياتك في تربية أبنائكما، لا تستخدم طفلك أبداً في مواجهة مع شريكك، ولا تقف إلى جانب الطفل بمواجهة شريكك، هذا سيترك عند الطفل شعوراً بعدم الأمن.
6- امنح طفلك فرصة الفرح بتحقيق الإنجاز ولا تمنحه كل ما يتمناه بسهولة.
7- لا تضع نفسك مثالاً للكمال والشخص الذي لا يخطأ، هذا حمل كبير لن تتمكن من حمله، يجب أن يفهم الطفل أن الأب والأم يخطئان أيضاً.
8- لا تهدد وتتوعد بشكل مبالغ به عندما تكون غاضباً، ولا تعطي وعوداً وردية وغير معقولة عندما تكون في مزاج جيد، الطفل يتعامل مع وعد الأهل ووعيدهم وكأنه حقيقة مطلقة وينتظر تنفيذ الوعد والوعيد، لذلك تأكد أن تحافظ على ثقة أطفالك بك من خلال وعود منطقية تستطيع تحقيقها.
9- لا تخنق طفلك بمظاهر الحب السطحية، الحب الحقيقي والصحي هو الذي يتم التعبير عنه يوماً بعد يوم، وسيولد لدى الطفل الثقة بالذات والشعور بالاستقلال.
10- علم طفلك أن هناك كرامة في العمل الشاق، سواء في مناجم الفحم أو في غرفة العمليات الجراحية، دعه يعرف أن الحياة المفيدة هي حياة مباركة.
11- لا تبالغ بحماية طفلك، فالشدائد تقوي الشخصية، والتجارب وإن أخفق ستكون مهمة بالنسبة له.
12- الأطفال يتعلمون من الأمثلة وليس من الأقوال، علم طفلك الإيمان العميق بالله من خلال ما يراه ويختبره وليس من خلال التلقين.
وضع عرَّاب علم النفس الحديث سيجموند فرويد مجموعة من الملاحظات في تربية الأبناء، والتي تعتبر القاعدة التي انطلق منها العديد من الباحثين المعاصرين في تفسير أنماط الأمومة والأبوة وتحديد أهم النقاط التي يجب النظر فيها لوضع سياق تربوي جيد منذ الولادة، وأهم ملاحظات فرويد كانت [3]:
- الرضاعة الطبيعية في منهج فرويد: يبدأ فرويد مع تحديد أنماط الرضاعة الطبيعية المعتدلة، حيث يعتبر أول من أشار إلى وجود آثار نفسية ممتدة -بعيداً عن الصحة الجسدية- للرضاعة، فالرضاعة الطبيعية حسب فرويد مهمة لكن يجب أن تكون معتدلة، حوالي 18 شهراً، وإلا سيكون الفطام المبكر سلبياً على الأطفال، كذلك سيكون الفطام المتأخر.
- التدريب على استخدام الحمَّام: اعتقد فرويد أن البدء بتدريب الطفل على النظافة واستخدام الحمام بشكل مبكر سيكون له آثار سلبية على النفسية والشخصية، استكملت آنا فرويد هذه النظرية بالقول أن هناك رابطاً بين التدريب المبكر والقاسي على استخدام الحمام وبين قدرة الأطفال في السيطرة على مشاعر العدوان لديهم، وحددت عمر السنتين تقريباً كمرحلة مناسبة للبدء بالتخلي عن الحفاض.
- أين يجب أن ينام الأطفال؟: أيضاً يعتبر فرويد من أوائل علماء النفس الذين اعتنوا بنوم الطفل في سرير منفصل عن والديه، حيث يميل الأهل غالباً إلى وضع الرضيع معهم في السرير وهذا قد يكون عادياً باستثناء أخطار الاختناق والموت المفاجئ في المهد.
لكن فرويد يرى أن الفترة بين 3-6 سنوات تعتبر الأكثر حساسية في تكوين الفهم الجنسي عند الأطفال، لذلك يعتبر نوم الطفل في نفس السرير مع الأبوين خياراً سيئاً يؤدي إلى تفاقم النزاعات المربكة نفسياً عند الأطفال، ويعزز عقدة إلكترا عند البنات وعقدة أوديب عند الصبيان، لذلك يجب أن يحظى الطفل بنوم مستقل بعيداً عن سرير الأبوين في مرحلة مبكرة، ويبدو هذا سهلاً مع وجود تقنيات ووسائل حديثة لمراقبة سرير الطفل وبرمجة التنبيهات.
- القواعد والحدود في تربية الأبناء: بعد موت فرويد بعقود طويلة وتحديداً عام 2000 تم الحديث بكثافة عن الآباء المتشددين بالتربية والذين يبالغون برسم حياة الأطفال وتمت تسميتهم آباء المروحية The helicopter parent، تيمناً بتحليق الآباء المستمر فوق رؤوس أبنائهم للتأكد أنهم يلبون التوقعات المرتفعة.
لكن فرويد تناول هذه القضية في وقت مبكر، وأكد أن منح الأطفال مساحات متوازنة للعب والترفيه، ووضع قواعد وحدود أكثر مرونة من شأنه أن يساعدهم على النمو بطريقة طبيعية وصحيحة، وهذا لا يعني أن يصل الأمر إلى الإهمال، كل ما في الأمر أن تكون القواعد والحدود والتوقعات عقلانية ومرنة، وأن يكون لدى الطفل هوامش لاختبار الفشل والإخفاق كمحفز للنجاح.
براين تريسي مدرب رائد في مجالات التنمية الذاتية وتدريب وتطوير الأفراد والشركات، وله العديد من الكتب والندوات والمحاضرات التحفيزية، وقد وضع تريسي ثلاث قواعد أساسية في تربية الطفل ليكون واثقاً من نفسه، هذه القواعد هي[4]:
1- تأكَّد أن أطفالك لديهم قواعد: على عكس ما يظن بعض الآباء فإن الأطفال يحبون وجود قواعد واضحة في حياتهم، ويرتاحون أكثر لوجود انضباط واضح غير مستبد، ويعتقد تريسي أن محاولة تمييع القواعد أو مصادقة الأطفال بشكل يلغي الدور التوجيهي للأهل هي محاولة خاطئة وشائعة، يحتاج الأطفال للتوجيه والقواعد الواضحة وتعليمهم الانضباط والالتزام بهذه القواعد، دون أن يتحول الأب أو الأم إلى ديكتاتور.
2- تمكين الطفل لاتخاذ قراراته الخاصة: تمكين الأطفال من اتخاذ قراراتهم الشخصية يكون من خلال مساعدتهم على فهم القواعد والمكافآت والعقوبات المترتبة على كل فعل، ويتميز الأطفال الواثقون والسعداء بمساحة من الحرية في المفاضلة والاختيار، إضافة إلى الانضباط في تحمُّل مسؤولية قراراتهم.
3- تحدث إلى أطفالك بإيجابية: تعتبر الطريقة التي تخاطب بها أبناءك من أهم العوامل المؤثرة في بناء شخصيتهم، حيث يقوم الأطفال برسم ملامح صورتهم الذاتية وتقديرهم لذاتهم واحترامهم لأنفسهم من خلال طريقة تعامل أقرب الناس معهم.
فلوم الأطفال أو الشكوى منهم أو انتقادهم بشكل لاذع؛ كل ذلك ينعكس سلباً على احترامهم لذاتهم وثقتهم بأنفسهم، وإن كان مديح الأطفال المبالغ به ضاراً أيضاً، لكن بلا شك سيكون الخطاب والحديث الإيجابي مع الأطفال ذو نتائج ممتازة.
ختاماً... إن عالم نظريات التربية عالم واسع ممتد تصعب الإحاطة به، فهناك مئات الكتب عن تربية الأطفال التي تناقش أنماطاً مختلفة من الأمومة والأبوة وأساليب مختلفة للتربية، لكنها جميعاً لن تكون ذات فائدة إن لم يعمل الأهل أنفسهم على تطوير أسلوب خاص للتربية، استجابة إلى ظروفهم الاجتماعية وتطلعاتهم الشخصية والسمات التي تميز أبناءهم.
[1] صفحة تعريفية "آن ليندرز" منشورة في موقع موسوعة بريتانيكا britannica.com، تمت مراجعته في 5/7/2019.
[2] مقال Ann Landers "اثنتي عشرة قاعدة ذهبية في تربية الأبناء" منشور في chicagotribune.com، تمت مراجعته في 5/7/2019.
[3] مقال CRISTEN CONGER "خمسة نصائح للأمومة والأبوة الحديثة من فرويد" منشور في people.howstuffworks.com، تمت مراجعته في 27/6/2019.
[4] مقال Brian Tracy "ثلاث قواعد لتربية طفل واثق من نفسه" منشور في briantracy.com، تمت مراجعته في 5/7/2019.