أنواع أمنيات الأطفال ومصدرها
لا شك أن معظمنا مر بذلك الموقف حين وجه إليه أحد المعلمين ذلك السؤال المعروف "ما الذي تتمنى أن تكون عليه حين تكبر؟"، وعندما نمعن النظر نجد أن هذا السؤال أبعد مما كنا نظن ونحن أطفال، فمن جهة أطلق المعلم في سؤاله هذا العنان لمخيلتنا لتتمكن من إلقاء نظرة على المستقبل، ومن جهة أخرى جعلنا نفهم الفرق بين الأماني الخيالية التي اعتدناها ونحن صغار كأن نصبح أبطالاً وشخصيات أسطورية وبين الطموحات الحقيقية المرتبطة بالواقع، بالإضافة لأننا أصبحنا ندرك ما هي هذه المشاعر التي تراودنا في أحلام يقظتنا ورغباتنا بعيدة المدى التي نتطلع لتحقيقها.
الأمنية كمعنى مجرد يمكن القول إنها رغبة ملحة في تحقيق غاية محددة ومؤقتة مثل النجاح في الامتحان أو الحصول على بعض الأشياء المرغوبة، أو الوصول لهدف عام في الحياة يمثل طموح وحلم بالنسبة للشخص المتمني سواء في الدراسة أو العمل أو المكانة الاجتماعية أو حتى التشبه والتماهي مع شخصية خيالية وأسطورية كما يحدث في مرحلة الطفولة المبكرة.
ولعوامل عديدة ومختلفة قد تتعلق بالمرحلة العمرية للطفل والخبرات الحياتية التي كونها في هذه المرحلة أو بيئته الاجتماعية من حيث ثقافتها وطريقة رؤيتها للأشياء العظيمة والمرغوبة بالإضافة لطبيعته النفسية بما تحتويه من اهتمامات شخصية وفروق فردية؛ تختلف أماني الأطفال من حيث نوعها وشكلها ومضمونها[1]، فمن الأنواع المعروفة لأماني الأطفال:
- الأمنيات البسيطة المؤقتة: ويقصد بهذا النوع من الأمنيات تلك التي تتعلق بالرغبات الآنية المرتبطة بغاية محددة ومباشرة مثل الحصول على دمية أو لعبة معنية أو الذهاب في نزهة، أو النجاح في الامتحان، ويعتبر هذا النوع من الأمنيات مؤقت كونه مرتبط بشيء مادي مباشر وليس من الصعب إدراكه وتحقيقه.
- الأمنيات المرتبطة بالخيال: فالأطفال كثيراً ما يتعلقوا بالشخصيات الخيالية وما تظهره من صفات جيدة وبطولية وقدرات خارقة وعظيمة، وتعتبر مثل هذه الصفات والقدرات جذابة ومغرية للأطفال خاصة في المرحلة المبكرة فيتمنون امتلاكها.
- الطموحات والأحلام: وهذا النوع من الأمنيات يعتبر مشترك بين الأطفال والكبار، وهي تمثل ربما هدفهم الأسمى في الحياة[2] كأن يصبح فناناً أو بطل رياضي أو شخص ثري أو الوصول لدرجة علمية معينة ، والكثير من الأشياء الأخرى التي تمثل الطموح المهني.
- الأمنيات العاطفية: فمثلاً قد يتمنى الأطفال اللقاء بشخص محبب لديهم مثل صديق بعيد أو قريب مهاجر أو يقطن في بلد أخرى وهنا فالأمنية ناتجة عن مشاعر الشوق، ومن جهة أخرى قد يتمنى الطفل القدرة على الانتقام من شخص يزعجه أو يخيفه أو يغار منه.
- الأمنيات المستحيلة: فبعض الظروف تضع الأطفال في مواقف من الصعب عليهم إدراكها أو تحملها فيلجأ لأماني قد تعتبر مستحيلة لتهدئة مشاعره والتنفيس عنها، كحالة الطفل الذي يتمنى عودة أحد والديه المتوفين، أو استرجاع لعبته التي تحطمت.
كل حدث أو موقف يتعرض له الطفل قد يكون المصدر الذي نشأت منه إحدى أمانيه، فالأطفال لديهم دقة ملاحظة وسعة خيال تجاه الأشياء التي تلفتهم وتشبه اهتماماتهم ورغباتهم، وتكمن ضرورة معرفة منشأ هذه الأمنيات[3]، في محاولة مساعدة الطفل على تحقيقها ولو جزئياً أو على الأقل تعديل مسارها وشرح حقيقتها له، ومن الأشياء التي قد تعد مصدراً لأمنيات الأطفال:
- الحرمان والأمنيات: فأي نوع من الحرمان الذي يعاني منه الطفل يمكن أن يكون المسبب في نشوء أمينة معينة لديه متعلقة بموضوع الحرمان، مثل الطفل المنتمي لأسرة فقيرة ولا يحصل على ما يريد من ألعاب وملابس وأطعمة على غرار أقرانه، فيتمنى أن يصبح ثري.
- الاقتداء والتقليد والإعجاب: قد يعجب الطفل بأحد الأِشخاص أو الأدوار الاجتماعية سواء في محيطه أو من يسمع عنهم بالقصص والتلفزيون، فيتمنى أن يصبح مثل هؤلاء المعجب بهم عندما يكبر ويصبح بالغ، كالإعجاب بشخصية الوالد أو الطبيب أو المعلم، وغيرها من الأدوار الاجتماعية المتنوعة التي يقابلها الطفل في حياته الطبيعية.
- الغيرة: عالم الأطفال مليء بموضوعات الغيرة، وهذا ناتج عن فرديتهم ورغبتهم في الحصول على كل شيء وأنانيتهم إلى ما، فالطفل قد يتمنى أن يصبح ثري لكي يتمكن من امتلاك ما يمتلكه صديقه أو زميله أو يتمنى الحصول على ملابس كالتي لدى صديقه الآخر، وغيرها من الأمنيات البسيطة التي تنتج عن مشاعر غيرة الأطفال.
- الأحلام: وهي تعد المصدر الأساسي لأمنيات الصغار، وغالباً ما ترتبط هذه الأحلام بميوله وطموحاته ورغباته التي كونها من عواطفه أو اهتماماته، كأن يتمنى أن يصبح ممثل أو رسام أو عالم.
- الأساطير والقصص: كثيراً ما يسمع الأطفال بقصص أسطورية ويشاهدوا على التلفزيون عروضاً وأفلام خيالية، وهذه الأشياء مصممة لتثير عواطف الأطفال وتنال إعجابهم، ولهذا قد يتمنى الطفل التماهي مع شخصيات هذه القصص أو يتمتع بقدراتها وصفاتها.
- العواطف وعلاقتها بالأمنيات عند الأطفال: يتمنى الطفل أن يتمتع بقدرات غير عادية مثلاً لينال إعجاب الآخرين ومحبتهم، ويتمنى أن يصبح متفوق في دروسه ليحصل على الإطراء من المعلم والزملاء، أو يتمنى التشبه بوالده بدافع محبته له وإعجابه به.
- الحاجات الطبيعية: فالأطفال لديهم حاجات متنوعة ومتعددة منها ما هو ضروري لحياته ونموه كالطعام والتعلم واللباس واللعب، ومنها ما هو نابع عن رغباته وميوله، كالحصول على بعض الألعاب المميزة أو الانخراط في بعض النشاطات والبرامج الترفيهية، وكثيراً ما تنبع أماني الأطفال عن هذه الحاجات بسبب الحرمان منها أو ضرورة تطويرها وزيادتها.
أمنيات الأطفال هي انعكاس لما يدور في خلدهم من أفكار ورغبات وأحلام، وهي تعبّر بطريقة ما عن ما لديهم من اهتمامات وميول وطموحات، ولهذا يصح القول أن الطريقة التي تسير فيها هذه الأمنيات وما تلاقيه من خيبة أمل لبعضها وتحقيق لبعضها الآخر، يساهم ويؤثر في معظم مراحل تكوين شخصيته، فمن الآثار التي تعكسها أمنيات أطفالنا على شخصياتهم:
- تحفيز الإبداع والمواهب: فالأطفال يتمنون تحقيق ما يميلون نحوه ويهتمون به، وعن طريق سعة الخيال التي توفرها حالة التمني عند الطفل يمكنه أن يتصور ما سيكون الأمر عليه لو توصل لغايته، وهذه المسألة سوف تحفز إبداعاته ومواهبه التي يتخيل تحققها عن طريق أمانيه.
- السعي نحو النجاح وتطوير المهارات: فالطفل وهو يحاول الوصل لتحقيق أمانيه سوف يجد أن عليه الكثير من المهام والأعمال الجدية التي عليه القيام بها أولاً، وهو سوف يسعى للنجاح في هذه المهام وإنجازها أملاً منه في تحقيق أمنيته بعد الانتهاء منها.
- التنفيس عن المشاعر والعواطف: لا حدود للمواقف والأسباب التي قد تسبب للطفل الشعور بالقلق والتوتر أو الخوف والحزن، مثل الغيرة و خيبات الأمل والتراجع في التحصيل الدراسي أو الحرمان فقدان أحد الوالدين وغيرها الكثير، وتعد الأمنيات في معظم هذه الحالات بمثابة المهرب الوحيد ليخفف الضغط الناتج عن هذه المشاعر ويقلل سلبياتها وآثارها عنه.
- المبالغة بالخيال والبعد عن الواقع: وهي من الآثار السلبية لبعض أماني الأطفال، ففي بعض الأحيان تزيد هذه الأمنيات عن حدودها الطبيعية ويسترسل الطفل في خياله ويستمتع في ما يراه بهذا الخيال، وقد يؤدي به هذا لرفض الواقع وما يحتوي عليه من صعوبات وخيبات أمل وعراقيل لأمانيه، ويهرب من كل هذا للاسترسال في تخيل تحقيق ما يتمنى.
- إدراك صعوبات الواقع: الواقع دائماً مختلف عن ما يتمنى الإنسان، وليس بالبساطة التي يتيحها الخيال والتمني، فهو لن يرضخ دائماً لرغبات الطفل ولا يساير أهدافه، والطفل أثناء سعيه لتحقيق أهدافه يصطدم بهذا الواقع وصعوباته، وهذا يجعله يدرك ما يحتاجه تحقيق أمانيه من عمل وجهد ويبذل أقصى ما يستطيع لتجاوز عقبات هذا الواقع والوصول لما يريد، وهذا يجعله أكثر إدراكاً للطرق المؤدية لتحقيق أمنياته.
سواء في سبيل تطوير مهاراتهم ومواهبهم، أو تحفيز تفوقهم وإبداعهم، يتساءل الأهل باستمرار عن الطريقة التي يمكنهم من خلالها استثمار كل ما لدى طفلهم من خصائص وإمكانات لتحقيق هذه الغاية، والحقيقة أن أمنيات الأطفال وأحلامهم قد تتضمن الكثير من أوجه الإبداع يمكن تطويرها[4] وتنميتها إذا ما أحسن التعامل معها، ويمكن تحقيق ذلك من خلال بعض الخطوات فمثلاً:
- الربط بين تحقيق الأمنيات وضرورة العمل بجد: فالطفل كثيراً ما يبوح بأمنياته سواء لذويه أو معلميه، ويمكن استغلال هذه المسألة عن طريق الاستماع للطفل ومعرفة ما هي أمنيته ثم الربط بينها وبين واجباته الضرورية، فإذا كان يرغب بالسفر مثلاً يمكن أن نقرن رغبته هذه بضرورة تعلم لغة أخرى متناسبة مع منهاجه التعليمي سوف تساعده في الوصول لغايته.
- اكتشاف الميول والاهتمامات وتوجيهها: فعن طريق أمنيات الأطفال يمكن أن نعرف ما يدور في باله وما الأشياء التي يهتم بها ويميل نحوها، مثل نوع من الفنون أو العلوم الذي يفضله وبالتالي مساعدته في توجيه هذه الميول بالطريقة الأفضل.
- علم طفلك الخطوات الضرورية لتحقيق أهدافه: في كثير من الأحيان قد تكون أمنيات الطفل واقعية ومتعلقة بمستقبله المهني والاجتماعي والتعليمي، وهنا يتوجب علينا الاهتمام بهذا النوع من الأماني حال ظهورها ومساعدة الطفل على فهم الخطوات الضرورية لتحقيق غايته والوصول لأمنيته.
- تنمية المواهب والقدرات: من خلال إتاحة الفرصة للطفل للتعلم أكثر حول الموهبة التي يتمتع فيها وتأمين بعض المتطلبات التي تحتاجها هذه الموهبة مثل أدوات الرسم أو الآلات الموسيقية وأي شيء متناسب مع موهبته التي يتمتع فيها ويتمنى الوصول لتحقيقها.
يمكن القول أن طموحات الأطفال الصغار وأمنياتهم جزء من عملية النمو العقلي والفكري لتلك الناحية الخلاقة والمبدعة في شخصياتهم، فهي طريقة يمكنهم باستخدامها من النظر إلى المستقبل وتوقع أحداثه ومجرياته وفهم مصاعب رسمه والتحكم فيه ومحاولة منهم للتغلب على هذه المصاعب وتجاوزها، ومن هنا كان لأماني الأطفال أهمية في عملية تربيتهم وتعليمهم، وهذا ما حاولنا إلقاء الضوء عليه في هذه المقالة.
[1] استبيان بعنوان "ماذا تريد أن تكون عندما تكبر؟" منشور في trade-schools.net، تمت مراجعته بتاريخ 22/6/2019.
[2] مقال "الطموحات الملهمة- مساعدة الأطفال ليطمحوا أن يكونوا أفضل ما يستطيعون"، منشورة على موقع onegoal.co.uk، تمت مراجعته بتاريخ 22/6/2019.
[3] مقال Nathan Berger "ماذا تريد أن تكون عندما تكبر" منشور في EduResearch Matters.com، تمت مراجعته بتاريخ 22/6/2019.
[4] مقال Sara Bean "هل يتمتع أطفالك بالتفكير التواق أو التفكير بالتمني، كيف يمكن أن تساعدهم على تحقيق أهدافهم؟" منشور في empoweringparents.com، تمت مراجعته بتاريخ 22/6/2019.