الأسرة النموذجية لتربية الطفل
قبل الإقدام على الزواج يفكر الجميع في بناء ما يسمى بالأسرة النموذجية وذلك يبدأ من البحث عن الشريك المناسب، ثم الزواج وتأسيس النواة الأولى للأسرة، وبعدها تحديد موعد إنجاب الطفل الأول، انتقالاً للاهتمام بعدد الأطفال المراد إنجابهم والوسائل التربوية التي سوف يتبعها الوالدين في تربية الأبناء، لذلك يجب أن نفكر كيف يمكن بلوغ الهدف في بناء أسرة نموذجية، وما هي فوائدها في تربية الأطفال؟.
ما المقصود بالأسرة النموذجية؟ يمكن شرح فكرة الأسرة النموذجية أو المعيارية بأنها الشكل الأمثل الذي يجب أن تكون عليه الأسرة الحديثة وفق لمجموعة من المعايير الاجتماعية والاقتصادية والصحية، التي تضمن أو تساعد في تحقيق نوعية حياة أفضل لجميع أفراد هذه الأسرة، وتربية أخلاقية وصحية وتعليمية واجتماعية أفضل لأطفالها.
الخطوة الأولى في بلوغ أو تحقيق الأسرة النموذجية، هي معرفة ما هي المعايير التي تصنف على أساسها هذه الأسرة، ثم العمل على بناء الأسرة بما يتناسب مع هذه المعايير قدر المستطاع، وبالتالي الاقتراب قدر الإمكان من هذا النموذج، ويمكن توزيع هذه المعايير على عدة مجالات:
معايير اجتماعية (تنظيمية) للأسرة النموذجية
- تكامل مكونات الأسرة الرئيسية: والمقصود بالتكامل [1] هو وجود وحضور جميع العناصر الطبيعية المكونة للأسرة من أب وأم وأخوة وأخوات، حيث يمكن أن يغيب أحد هذه العناصر في حالات مثل الطلاق أو الوفاة أو المرض والهجرة، وكل هذا له أثر على الشكل النموذجي للأسرة.
- الفروق العمرية بين أفراد الأسرة: حيث يجب أن يكون هناك توافق أو تناسب في الأعمار بين أفراد هذه الأسرة، مثل الفرق في العمر بين الأب والأم، ومدى اقتراب العمر بين الوالدين والأبناء، والفروق العمرية بين الأبناء نفسهم سواء كبيرة جداً أو متقاربين في السن.
- المستوى التعليمي للوالدين: فدرجة ثقافة الوالدين وتحصليهما العلمي والدراسي له أثر على عدة مجالات أو مستويات تربوية مثل الاهتمام بدروس الأبناء والاطلاع على مناهج ووسائل التربية الأفضل هذا بالإضافة لتحديد وضبط الشكل الذي يرغبان بان تكون عليه أسرتهما.
- عدد الأطفال في الأسرة: من جوانب عدة يؤثر عدد الأطفال على شكل وطريقة ومستوى التربية والرعاية الذي سوف يحصلون عليه من أسرهم، فالعدد القليل سوف يتيح الفرصة للأبناء للحصول على رعاية أفضل من حيث الغذاء والتعليم والتربية ومدى تفرغ الوالدين.
- نسبة الذكور إلى الإناث: حيث أن زيادة عدد أفراد أحد الجنسين ضمن الأسرة على حساب الجنس الآخر سوف يعود بدوره بآثار مختلفة وفي مجالات عديدة، من حيث مثلاً حصول الجنس الأقل على اهتمام أكبر في الرعاية والتربية وتلبية الحاجات.
- الحالة الاجتماعية للأسرة: وهي من أكثر الأشياء المؤثرة وخاصة في مجتمعاتنا، مثل السمعة الجيدة للأسرة أو مدى انسجام الوالدين أو انفصالهما أو وجود مشاكل في الأسرة كانحراف أحد أفرادها والعديد من الأشياء الأخرى.
معايير مادية للأسرة النموذجية
- تناسب الدخل مع عدد أفراد الأسرة: في مختلف مراحل تكوين الأسرة يجب أخذ هذا المعيار بعين الاعتبار بدأً من الخطوة الأولى وهي الزواج ومن ثم إنجاب الطفل وبعدها تحديد عدد الأطفال المراد إنجابهم، وذلك بهدف الحفاظ على الأمان الاقتصادي للأسرة وضمان نوعية حياة أفضل لأفرادها.
- القدرة علة تأمين المتطلبات الغذائية: فالغذاء هو أساس الصحة والنمو السليمين، ويجب أن يكون لأسرة الطفل القدرة على تأمين الغذاء الكافي له الذي يضمن حصوله على كل أنواع العناصر الغذائية الضرورية لجسمه ونموه وصحته.
- حصول الأطفال على التعليم المناسب: التعليم اليوم أصبح من ضروريات الحياة ولا يمكن الاستغناء عنه بالنسبة للأطفال وهو من أبسط حقوقهم، ويجب أن تكون الأسرة قادرة على تحمل أعباء ونفقات تعليم أطفالها من حيث اللوازم المدرسة والالتحاق ببرامج التقوية بالإضافة لرعاية مواهبهم.
معايير صحية للأسرة النموذجية
- تمتع الوالدين بالصحة الجيدة: قبل الزواج أو إنجاب الأطفال يجب على الوالدين القيام بفحوصات طبية شاملة للتأكد من سلامتهما من أي أمراض قد تضر بهما بعد الزواج أو بأطفالهما وخاصة الأمراض الوراثية، وذلك بغية تحقيق الشرط أو المعيار الصحي للأسرة النموذجية.
- القدرة على العناية بصحة أفراد الأسرة: سواء من الناحية المادية أو الثقافية أو النظافة أو البيئة السكنية يجب أن تكون الأسرة لديها القدرة الأهلية الكافية للعناية بجميع أفرادها صحياً، وذلك لتجنب إصابة أحد أفرادها بمرض خطير أو انتشار وتفشي أي أمراض بين أفرادها، مثل القمل أو الجرب.
قد لا تتوفر لجميع الناس كل المعايير التي تمكنهم من جعل أسرهم متوافقة مع شكل وتكوين الأسرة النموذجية، وخاصة عند الحديث عن المعايير المادية والاقتصادية، ولكن من ناحية أخرى فهناك بعض المسؤوليات والقرارات التي يمكنهم عند التفكير فيها واتخاذها، بلوغ هذا الهدف ولو بشكل جزئي، وذلك طبعاً أفضل من لا شيء، هذا بالإضافة لبعض المسؤوليات التي تقع على عاتق المؤسسات الحكومية أو غيرها المعنية في أمور الأسرة، فمثلاً:
مسؤوليات الأفراد لتحقيق الأسرة النموذجية
- تقدير السن الأنسب للزواج: بسبب العادات الاجتماعية من ناحية أو الظروف الاقتصادية من ناحية أخرى وعوامل أخرى يحدث حالات الزواج المبكر أو المتأخر، وهذه الحالات جمعياً لها أثر على الشكل الذي سوف تكون عليه الأسرة، ولذلك يجب تقدير أفضل سن للزواج من قبل الوالدين بما يناسب ظروفهم المادية والاجتماعية قبل اتخاذ هذه الخطوة.
- الالتزام بالمعايير الصحية قبل الزواج والإنجاب: مثل القيام بالفحوص الطبية قبل الزواج فكثير من الأمراض تحدث لأسباب وراثية أو عدم توافق أجساد الوالدين كحالة القرابة بينهما مثلاً، بالإضافة لأنه يجب الانتباه لحالة الأم الصحة قبل وأثناء وبعد الحمل والإنجاب وذلك حفاظاً على صحتها وصحة جنينها.
- دراسة الفترة الأفضل لإنجاب الأطفال: سواء بالنسبة للوضع المادي أو عمر الوالدين واستعدادهما للإنجاب وتحمل مسؤولية تربية ورعاية الطفل وتأمين البيئة السكنية المناسبة والشروط الصحية والغذائية الكافية، كل هذا يجب أن يأخذ بالاعتبار عند التخطيط للإنجاب.
- اتخاذ الإجراءات الوقائية لتحديد عدد الأطفال: مثل استخدام وسائل منع الحمل[2] المختلفة تحت رقابة طبية، ولذلك ضرورة في قدرة الأٍسرة على تأمين ظروف تربوية ومعيشية أفضل للطفل.
- تقدير الوضع الاقتصادي قبل الإنجاب: فرعاية الطفل وخاصة الرضيع تتطلب الكثير من الوقت والجهد والنفقات، وهي مهمة مستمرة مدى الحياة ويجب التخطيط لها جيداً قبل اتخاذها.
- بلوغ مستوى تعليمي وثقافي جيد: وهو أيضاً من المعايير الهامة لتحقيق الأسرة النموذجية، فالولدين الذين لديهم مستوى تعلمي وثقافي مرتفع أكثر دراية بأهمية وطريقة تنظيم حياتهما الأسرية حتى تكون قريبة من الحالة النموذجية.
مسؤوليات المؤسسات والمنظمات المعنية بتنظيم الأسرة
- نشر الوعي والثقافة: وذلك من خلال رفع السوية التعليمية للوالدين، والترويج لأهمية تنظيم الأسرة ووسائل تحقيقه، وإنشاء منظمات تعليمية مثل محو الأمية وتعليم الأهل على الوسائل التربوية الجيدة.
- برامج دعم الأسرة والشباب: فيما يخص الدعم الاقتصادي التي من شانها مساعدة الأسرة في تقديم الرعاية الكافية لأطفالها من غذاء وصحة وتعليم، مثل برنامج الغذاء العالمي
- سن قوانين تحديد النسل[3] وبرامج الرعاية الصحية للطفل وأسرته: وهذه وظيفة المنظمات أو الهيئات الحكومية، فمن شأن هذه القوانين المساعدة في السيطرة على حركة معدلات السكان من جهة وتنظيم الأسرة من جهة، هذا بالإضافة لقوانين الفحوصات الصحية قبل الزواج، والعناية بالأم الحامل وجنينها.
الأسرة بالنسبة للطفل تمثل الانتماء والمدرسة الأولى التي يتعلم فيها خبرات وأساسيات وبديهيات الحياة الرئيسية، والأسرة بالنسبة للطفل هي ملجأ الأمان وينبوع الرعاية والمحبة والحنان، والأسرة هي النواة الأساسية في تشكيل المجتمع واللبنة الأولى في بنائه، ومن هنا تتضح أهمية أن تكون هذه الأسرة محققة لشروط النموذج الأفضل، فتكمن فوائد الأسرة النموذجية في أنها:
- تتيح حصول الطفل على الرعاية الصحية والتعليمية والغذائية: فالأسرة التي تحقق معايير الأسرة النموذجية تعتبر أقدر من غيرها على توفير شروط وظروف حياة أفضل لأفرادها، سواء من الناحية المادية أو الاجتماعية أو درجة تفرغ الوالدين لرعاية أطفالهما والوعي بالوسائل الجيدة في التربية.
- الحفاظ على صحة الوالدين: من أهم فوائد الأسرة النموذجية وشروطها تحقيق مستوى صحي أفضل لأفرادها بما فيهم الوالدين وخاصة الأم فيما يتعلق بالرضاعة أو الحمل والإنجاب المتكرر.
- تفرغ الوالدين لحياتها وأنفسها وتسهيل مهمتهما التربوية: فمن جهة عدد الأطفال القليل والمتناسب مع قدرات الأسرة ومواردها ووقتها يتيح للوالدين أن يعيشا حياتهما دون أن يغرقا بكثرة المسؤوليات المرافقة للأسرة ذات الحجم الكبير والتي تحتاج قدر أكبر من التفرغ والاهتمام، كما أن لهذا فائدة في مستوى التربية الذي يحصل عليه الأطفال فكل ما كان عددهم أقل يحصل كل منهم على عناية أفضل.
- تحسين العلاقات الأسرية: في الأسرة النموذجية المتناسقة من حيث أعمار أفرادها والقادرة على تلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم والتي تتمتع بالصحة بالجيدة ووجود واكتمال مكوناتها، يصبح فيها نمط العلاقات بين أفرادها أفضل وأكثر ترابطاً وانسجاماً.
- إعطاء فرصة أفضل لمستقل الأطفال ثمرات هذه الأسرة: ففي الأمور المادية فإن الأسرة النموذجية قادرة على ضمان مستقبل أفضل لأطفالها كون ما لديها سوف يتوزع على عدد أقل، كما أن المستوى التعليمي الذي سوف يحصل عليه هؤلاء الأطفال سوف يكون أكثر جودة وعناية.
حتى المجتمعات الكبيرة أو بعض الأنظمة الاجتماعية برمتها تتعرض للتغير والتطور في الحياة العصرية الراهنة، فمن حيث الحاجات والضروريات أو أساسيات الحياة بالإضافة للأهداف والطموحات أو سبل ووسائل بلوغها وتحقيقها، فكل هذه الجوانب يطالها التغيير والتطور، وبالنسبة للأسرة نواة المجتمع الأساسية كان عليها أن تتطور ايضاً كي تتلاءم وتتناغم مع كل هذه التغيرات، فالأسرة النموذجية في الأمس تختلف من حيث شكلها ومكوناتها عن ما يجب أن تكون عليه الأسرة النموذجية العصرية، وهنا كان على أفراد المجتمع ومؤسساته الوعي بهذا التغير والعمل على مجاراته في بناء الأسرة وفق أفضل المعايير، بهدف الوصول لحياة أفضل وتربية أنجح لأطفال هذه الأسرة.
[1] مراجعة لمجموعة دراسات patrica Voydanoff وآخرين "هيكل وتنظيم الأسرة، ونوعية الحياة الأسرية" منشورة على موقع link.springer.com. تمت مراجعته بتاريخ 2/7/2019.
[2] تقرير منظمة الصحة العالمية "فوائد تنظيم الأسرة ووسائل منع الحمل" منشور على موقع المنظمة who.int، تمت مراجعته بتاريخ 2/7/2019.
[3] مقال "تحديد النسل وتنظيم الأسرة حول وسائل تحديد النسل" منشور في medlineplus.gov، تمت مراجعته بتاريخ 2/7/2019.