مشكلة الاغتصاب الزوجي والإكراه الجنسي في العلاقة الزوجية
قد تبدو عبارة "زوجي يغتصبني" غريبة على مسامع الرجال ومستهجنة بل ومرفوضة، فحتى الآن لا يعترف معظم الرجال وبعض النساء بوجود اغتصاب في العلاقة الزوجية، ويؤمنون أن العلاقة الجنسية واجبة على الزوجة متى طلبها الزوج، وليس من حقها الرفض، فكيف يكون الاغتصاب بين زوجين بينهما حلال الله؟!، لكن هل رفض الزوجة لأداء "واجبها الجنسي" يبرر إكراهها عليه؟
ما هو مفهوم الاغتصاب الزوجي إذاً، ومتى يمكن القول أن الزوج يغتصب زوجته، ثم ما هي دوافع الزوج لاغتصاب الزوجة أو ممارسة العنف في العلاقة الزوجية، وكيف يمكن أن تتعامل الزوجة مع الزوج المغتصب؟، هذه الأسئلة وغيرها نحاول أن نجيب عنها من خلال الفقرات القادمة.
كما ذكرنا في المقدمة فإن معظم الرجال يرفضون الاعتراف بوجود الاغتصاب الزوجي، وبعض النساء لا يعتقدن أن إجبارهن على ممارسة الجنس يعتبر اغتصاباً، لكن الحقيقة أن آثار الاغتصاب الزوجي على الصحة النفسية والجسدية للزوجة لا تقل خطورة عن آثار الاغتصاب المعترف به أو اغتصاب الغريب للمرأة، هذا يعني بالضرورة أن الاغتصاب الزوجي لا يمكن إنكاره أو تجاهله.
ويتم تعريف الاغتصاب الزوجي أنه كل فعل أو نشاط جنسي يتم دون موافقة الزوجة، سواء انطوى على عنف جسدي أم لا، وبطبيعة الحال لم تكن فكرة الاغتصاب الزوجي مقبولة في أكثر المجتمعات تحرراً وانفتاحاً حتى وقت قريب، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً بقي الاغتصاب الزوجي محلَّ نزاع من السبعينات وحتى عام 1993 حيث اعترفت جميع الولايات الأمريكية بالاغتصاب الزوجي ونظمت قوانين متفاوتة بالصرامة لمواجهة الزوج الذي يغتصب زوجته. [1]
لا شك أن الجدال المحتدم حول اغتصاب الزوج للزوجة يعني جدالاً أوسع حول حدود الاغتصاب الزوجي وأشكاله، وما هي الممارسات أو السلوكيات التي تعتبر اغتصاباً زوجياً، فهناك من يعتقد أن العنف هو المبرر الوحيد لتسمية الاغتصاب الزوجي، فيما يرى آخرون ومنهم مشرعون ورجال قانون أن العتبة الأدنى للاغتصاب الزوجي قد تبدأ مع الكلمات والإيحاءات الجنسية التي ترفضها الزوجة، انتهاء بالعنف في العلاقة الزوجية، وفي ضوء هذه الخلافات يمكن تحديد أهم أشكال الاغتصاب الزوجي على الشكل التالي: [2]
- الإكراه الزوجي على العلاقة الطبيعية: الحالة الأولى للاغتصاب الزوجي هي إجبار الزوجة على العلاقة الحميمة الطبيعية المألوفة بينها وبين زوجها في حال لم تكن هي راغبة، وهذه أكثر الحالات التي يدور حولها الجدال إذا كان من حق الزوجة رفض العلاقة الجنسية أم لا، وإن كان من حق الزوج إجبارها على العلاقة الجنسية الطبيعية أم لا، وما يميز هذه الحالة عدم وجود عنف ظاهر أو عدم إكراه الزوجة على ممارسات غير مألوفة ومرفوضة من قبلها، بل فقط إجبارها على العلاقة المألوفة عندما ترفضها.
- العنف في العلاقة الجنسية بين الزوجين: يعتبر العنف مرغوباً وتفضيلاً جنسياً لدى بعض الزوجات والأزواج (راجع قصة الزوجة التي تطلب من زوجها ضربها بعنف)، لكن في حال كان العنف في العلاقة الجنسية بين الزوجين من طرف واحد ومرفوض من الطرف الآخر، أو كان القصد منه الإرغام على العلاقة الحميمة فيعتبر شكلاً من أشكال الاغتصاب في الزواج.
- السادية وهوس الاغتصاب: الفرق بين العنف في العلاقة الجنسية وبين هوس الاغتصاب أو السادية هو استقرار العنف عند الزوج أو الزوجة كتفضيل جنسي فيما يكون مرفوضاً من الآخر، كما يتسبب هوس العنف أو السادية بأذية جسدية ونفسية عميقة للطرف الذي يتعرض للتعنيف بالإكراه، ما يجعله يعتبر نوعاً من الاغتصاب الزوجي.
- إرغام الزوجة على سلوك جنسي: ويندرج تحت هذا المسمى إرغام الزوجة على ممارسات جنسية غير مرغوبة مثل الجنس الفموي أو الشرجي أو تصوير العلاقة الجنسية أو ممارسة العلاقة الحميمة أمام الأطفال أو أمام آخرين أو مشاركة العملية الجنسية مع آخرين وغيرها من الممارسات الجنسية المنحرفة.
وعادة ما تعاني الزوجات بشكل أساسي من رغبة الزوج بممارسة الجنس الشرجي، حيث يعتبر الجنس الشرجي من أكثر التفضيلات الجنسية غير السوية شيوعاً بين الرجال، وذلك لأسباب عديدة سبق وأن تناولناها في مقالنا عن مخاطر الجنس الشرجي.
ويمكن القول ببساطة أن كل سلوك جنسي مهما كان يعتبر اغتصاباً في العلاقة الزوجة ما لم يكن قائماً على رضا الطرفين، وهنا تجدر الإشارة أن الاغتصاب الزوجي ليس حكراً على الرجال، فهناك نساء تمارس اغتصاب الزوج بطرق مختلفة من خلال إرغامه على ممارسات معينة أو إجباره على العلاقة الجنسية الطبيعية.
العلاقة الجنسية بين الزوجين تعتبر من القضايا المهمة والحساسة على طول فترة الزواج، كما أن الزواج نفسه بالنسبة للكثيرين يعتبر الطريقة الأفضل لتجنب الدخول في علاقات جنسية محرمة، فما الذي قد يجعل الزوج يغتصب زوجته ويجبرها على العلاقة الجنسية؟ وما الذي يجعل الزوجة تسمي هذه الممارسة اغتصاباً؟، يمكن أن نتحدث عن بعض الأسباب الرئيسية لهذا السلوك:
- رفض الزوجة للعلاقة الجنسية الطبيعية: حيث لا يتقبل الزوج مرور زوجته بظروف نفسية أو صحية معينة تجعلها غير راغبة بالعلاقة الحميمة، وفي هذه الحالة سيحاول الزوج إرغام زوجته على العلاقة الجنسية بغض النظر عن أسبابها أو مشاعرها تجاه هذه العلاقة.
- السيطرة الذكورية: في سياق متصل قد لا يتفهّم الزوج حق الزوجة بقبول أو رفض العلاقة الجنسية، ويعتبر أنه هو وحده من يحق له اختيار الوقت المناسب للعلاقة الجنسية، أو أنه يحق له فرض الممارسات الجنسية المفضلة على الزوجة من موقعه كزوج، حتى إن كانت هذه الممارسات مرفوضة أو حتى مؤذية.
وفي نفس السياق قد يلجأ الرجل لإثبات ذاته بعد الشجار أو الخلافات الزوجية من خلال إكراه الزوجة على ممارسة الجنس كنوع من تثبيت السيطرة والتأكيد على السلطة. - الميول والتفضيلات الجنسية: كلٌّ منّا يمتلك تفضيلات جنسية معينة يصعب تتبع أسبابها، إنها ببساطة ممارسات ممتعة وقهرية في كثير من الأحيان، لكن عندما تكون هذه الممارسات منحرفة أو مرفوضة من قبل الزوجة أو خارج إطار العلاقة الزوجية المألوفة والطبيعية فقد يلجأ الزوج إلى إجبار الزوجة عليها، مثل الجنس الشرجي أو الفموي أو غيرها.
- الميول العنيف والسادية الجنسية: قد لا يكون الاغتصاب متعلقاً بقبول الزوجة أو رفضها، وإنما بوجود ميول عنيفة وسادية عند الزوج تجعله أكثر استمتاعاً في تمثيل الاغتصاب مع الزوجة، وقد يصل به الأمر إلى الضرب المبرح والأذية الجسدية والعنف اللفظي.
- إثبات القوة الجنسية: لأسباب يطول شرحها قد يعتبر الرجل أن العنف في العلاقة الجنسية جزء من إثبات رجولته، فلا يقبل العلاقة الجنسية الهادئة ويرغب دائماً بعلاقة صاخبة.
يميل معظم الأزواج إلى التقليل من تأثير الاغتصاب الزوجي على الزوجات، ورفض مقارنة العلاقة الزوجية بالاغتصاب، لكن مع اهتمام علم النفس أكثر بقضية الاغتصاب بين الزوجين تبيَّن أنه لن يختلف كثيراً من حيث آثاره عن الاغتصاب من شخص غريب!.
حيث بيَّنت الدراسات أن الأعراض التي تعاني منها الزوجات اللواتي تعرضن للاغتصاب من أزواجهن تشبه إلى حد بعيد الأعراض التي تعاني منها النساء المغتصبات من شخص غريب، وهي أعراض ما بعد الصدمة مثل الاكتئاب والقلق والرهاب الاجتماعي، إضافة إلى الخلل الوظيفي الجنسي، واضطرابات الخوف والوسواس القهري وغيرها من الاضطرابات النفسية التي ترتبط بالاغتصاب الزوجي.
هذا طبعاً إلى جانب تدهور العلاقة الزوجية عموماً ودخولها في نفق مظلم، وانخفاض رغبة الزوجة بممارسة العلاقة الجنسية الطبيعية والمألوفة، وقد يصل الأمر إلى تبدل مشاعر الزوجة إلى الكره والنفور الكامل الذي يصعب علاجه.
يضاف إلى ذلك الأخطار الصحة والجسدية الناتجة عن العنف أو استخدام الأدوات، مثل الجروح والرضوض والكسور والأذية المهبلية والشرجية. [3]
حتى الآن لا يوجد قوانين صريحة متعلقة بالاغتصاب الزوجي في الدول العربية، فميا تعتبر بعض الدول أن الاغتصاب الزوجي يمكن أن يتم التعامل معه في ضوء قوانين العنف الأسري في حال تعرض المرأة للضرب والتعنيف، وبناء على ذلك قد يصعب التعامل مع الاغتصاب الزوجي من خلال المحكمة خاصة إن لم يكن مترافقاً مع عنف واضح يترك آثار جسدية على المرأة.
كما تغطي المحاكم الشرعية التعامل مع حالات الممارسات الشاذة أو غير الشرعية مثل الجنس الشرجي أو ممارسة الجنس أمام آخرين أو مشاركة الأزواج، لكن المشكلة هي في قدرة المرأة على اللجوء إلى المحكمة بقضية من هذا النوع في مجتمعاتنا العربية وحتى في الكثير من المجتمعات حول العالم.
في ظل هذا الوضع غالباً ما تلجأ الزوجات اللواتي يتعرضن للاغتصاب الزوجي إلى الوسائل التقليدية مثل الحديث مع الزوج وشرح مشاعرها إزاء هذه الممارسة، أو إبلاغ أحد أفراد أسرتها أو أسرة الزوج، أو حتى طلب الانفصال بشكل نهائي.
وفي غياب التغطية القانونية للزوجة المعنفة جنسياً من قبل زوجها لا يمكن تقديم الكثير من النصائح حول التعامل مع اغتصاب الزوج، حيث تحتاج كل حالة فردية إلى حلول مختلفة تتعلق بأسباب المشكلة وتفاصيلها، لذلك يعتبر اللجوء إلى المستشار الأسري أو النفسي المختص مفيداً في هذه الحالة.
في إحدى الاستشارات على موقع حِلّوها تقول سيدة متزوجة أنّ زوجها عانى من الضعف الجنسي لعدة سنوات، وكانت تصبر عليه في رحلة علاجه حتى استعاد قدرته الجنسية، لكنها واجهت مشكلة في العلاقة الحميمة بسبب الألم والجروح في المنطقة الحساسة، وعندما حاولت رفض العلاقة مع زوجها خوفاً من الألم تعرضت للضرب والاغتصاب، ثم تحول الاغتصاب إلى عادة يومية عند الزوج!
اقرأ آراء مجتمع وخبراء حِلّوها في هذه القضية وشارك رأيك من خلال النقر هنا.