تطوير الذات بدون مدرب وقواعد التنمية الذاتية للمبتدئين
ليس مفهوم تطوير الذات مفهوماً حديثاً على أية حال؛ حيث وضعت الفلسفة اليونانية يدها على أهم قواعد تطوير الذات قبل أكثر من ألفي عام بعبارة "اعرف نفسك" المنقوشة على جدران دلفي والتي شرحها الفيلسوف سقراط.
كما ناقش الشعراء والأدباء العديد من مفاهيم تطوير الذات على مر العصور، وفي العقود الأخيرة تحول تحسين الحياة من خلال تطوير الذات إلى صناعة قائمة بحد ذاتها بلغ حجمها في الولايات المتحدة الأمريكية قرابة عشرة مليارات دولار عام 2016.
فما هو إذاً تعريف تطوير الذات وكيف نستفيد من تقنيات تطوير الذات؟ ما هي القواعد الأساسية في تحسين الحياة من خلال تطوير الذات؟ وكيف يمكن أن تبدأ بتطوير ذاتك بذاتك دون مدرب؟ إليك أهم المفاهيم والأفكار حول التنمية الذاتية.
لن يكون وضع تعريف ضيق ومختصر ومحدد مفيداً في مجال تنمية الذات وتطويرها، فمفهوم تطوير الذات على الرغم من بساطته إلى أن فهمه بشكل خاطئ يقود غالباً إلى فقدان الأهداف من عملية تطوير الذات وتضييع الوقت والجهد في المكان الخطأ.
سكوت يونج scott H. young المؤلف في مجال تطوير الذات والتنمية البشرية وصاحب كتاب "سبعة طرق لتتعلم أي شيء بشكل أسرع"؛ يميّز بين مفهوم تطوير الذات ومفهوم تحسين الحياة أو التطوير الخارجي، ببساطة إن التطوير الخارجي أو تحسين مظاهر الحياة يكون من خلال التغيرات المادية أو المعنوية الظاهرة التي نسعى إلى تحقيقها، مثل زيادة الدخل أو الحصول على مركز اجتماعي مرموق، بيمنا ينحصر مجال تطوير الذات بتحسين طريقة التفكير، المفاهيم والمعتقدات، المهارات المستقرة في حل المشكلات ومواجهة الحياة، والتغيرات التي نحاول إدخالها على استراتيجية حياتنا الإجمالية، والتي تكون عادة مستقرة نسبياً[1].
يفترض يونج أيضاً أنك استيقظت من النوم فوجدت نفسك مكان شخص آخر، ناجح وثري وتتمتع بمركز اجتماعي جيد، لكنك على الرغم من ذلك قد تفقد كل ما اكتسبته فجأة أو تحافظ عليه وتنميه من خلال فهمك للحياة واستراتيجيتك الخاصة بإدارة الحياة "ربح ورقة يانصيب أمر رائع لكنه ليس كافياً!"، المهم كيف تضبط استجابتك للتحديات الجديدة على الأصعدة المختلفة.
من خلال هذا الفهم يمكن القول أن عملية تطوير الذات وتنمية المهارات الشخصية تستهدف تغيير الاستراتيجيات الداخلية وطريقة تفاعل الفرد مع التحديات وحل المشاكل والتفكير بالمستقبل والماضي وتفاعل كل ذلك معاً، إنها عملية إعادة النظر بما نعتقد أنه جدير بإعادة النظر دون أن نصاب بلوثة التغيير من أجل التغيير التي قد تجعلنا نتخلى عما هو جيد، إنها عملية تحسين قدرتنا على التكيف مع أنفسنا أولاً، ثم مع محيطنا وظروفنا.
ومن الجدير بالذكر أن عملية تطوير الذات ليست خياراً!، جميعنا مرغمون على تطوير ذواتنا من حيث ندري أو لا ندري، كل مواقفنا التي نتخذها وخبراتنا التي نكتسبها وقراراتنا وتجاربنا هي جزء من عملية تطوير الذات، وأما التنمية الذاتية كمنهج فهي إدارة تطوير الذات، وجعل هذه العملية التطورية الغريزية منظمة ومدركة ومفهومة.
هل تطوير الذات مفيد حقاً؟
إذا كنا قد نجحنا بتوضيح مفهوم تطوير الذات من خلال السطور القليلة الفائتة، فلا بد إذا أن الجواب على سؤال "هل تطوير الذات مفيد حقاً؟" بات أيضاً واضحاً، إنه مفيد بشكل فردي، وغير فعال بشكل فردي أيضاً، بمعنى أن إدراك الفرد لمفاهيم تطوير الذات وتنمية المهارات الشخصية، ووضعه أهداف مسبقة للجوانب التي يجب أن يستهدفها في استراتيجية تطويره لنفسه، إضافة إلى اختياره الخطة المناسبة والمنطقية وقدرته على ملاحظة التغيرات وشكلها وعمقها، وقبل كل ذلك الرغبة الصادقة والقدرة الحقيقية على التغيير.
أعتقد أن هذا السؤال أيضاً مهم جداً في سبيل فهم فاعلية التنمية الذاتية وتطوير الذات، ذلك أن التجربة الشخصية هي المصدر الأساسي والرئيسي لتطوير الذات... تاريخياً تناول الفلاسفة والشعراء العديد من الأفكار المتعلقة بتطوير الذات وتحسين الحياة من خلال إعادة النظر بالمفاهيم والأفكار، كذلك فعل الكتاب والروائيون في العصر الحديث بوصف تجارب التنمية الذاتية الناجحة.
ومع تطور علم النفس وظهور مفاهيم التحليل النفسي والإيحاء والتنويم المغناطيسي وغيرها من التقنيات والمدارس التي أثبتت قوة الأفكار والمعتقدات ومدى تأثيرها على حياتنا وقراراتنا؛ أصبح دور علم النفس الحديث تتبع تقنيات واستراتيجيات تطوير الذات لرصد فاعليتها، ليس فقط في تحسين حياة الأشخاص الطبيعيين، بل بمساعدة المضطربين والمدمنين أيضاً، حيث يعتبر العلاج السلوكي المعرفي اليوم من أهم أشكال العلاج النفسي، وهو يحتوي على قدر كبير من الاستراتيجيات الشائعة في تطوير الذات.
يمكن القول إذاً أن المصدر الرئيسي لتطوير الذات هو التجارب الشخصية التي خاضها ويخوضها الأشخاص الملهمون، والتي تمت ترجمتها إلى قواعد وأفكار مجردة، ثم تم اختبارها نظرياً وعملياً وحتى عيادياً، اقرأ مقالنا عن الاستفادة من قصص النجاح لتعرف أكثر عن قيمة نقل التجربة الإنسانية الناجحة للآخرين.
كخطوة أولى في تطوير الذات بدون مدرب لا بد أن تفكر بالتفضيلات، اتخاذك القرار لتغيير بعض جوانب حياتك لا يجب أن يكون مجرد حديث قصير مع الذات تمحيه المشاغل الصغيرة أو حتى الكبيرة.
وأفضل طريقة لتحديد أهدافك وتفضيلاتك في التنمية الذاتية هي أن تحدد العادات أو الأشياء التي ترغب باكتسابها، مقابل العادات أو الأشياء التي ترغب في تغييرها واستبدالها[2]:
- ما هي الأمور التي تعتقد أنها ستجعلك متميزاً كما تريد: مثلاً هل تعتقد أنك بحاجة لتعزيز احترامك لذاتك، هل تعتقد أنك تعتمد على الآخرين أكثر من اللازم، هل يجب أن تكون أكثر مجازفة في قراراتك وخيارتك؟ حدد كل ما تعتقد أنه جدير بالتغيير في حياتك لتصل إلى النسخة المحسَّنة من نفسك، هذا السبيل لتبدأ رحلة تطوير الذات بدون مدرب.
- العادات والأفعال التي لا تحب فعلها لكنك تفعلها: هل تشعر أنك تأكل أكثر مما ترغب، تدخن أكثر مما ينبغي، تقضي وقتاً أطول من اللازم في تصفح الانترنت، هل تعامل الناس بطريقة لا تحبها؟ ...إلخ.
- الأمور التي تعتقد أنك تحتاج للقيام بها لكنك لا تقوم بها: هل تحب الموسيقا لكنك إلى الآن لم تتخذ خطوة جدية لتعلّم العزف، هل تحب أن تكون مثقفاً لكنك لم تقرأ كتابك الأول بعد، هل ترغب في صداقات جيدة ولا تجد سبيلاً لذلك، تحب اللغات ولا تتعلمها؟... فكر بالأشياء التي لطالما رغبت بها لكنك لم تتخذ خطوات فعلية نحوها أو أنك لم تكن صبوراً بما يكفي.
- الأشياء التي تريد تغييرها أو امتلاكها: على الرغم من أهمية الفصل بين عملية تطوير الذات العميقة، وبين عملية تحسين جودة الحياة والرفاهية؛ لكن هناك اتصال عضوي بين الجانبين، لذلك يجب أن تفكر بالأشياء التي تريد تغييرها وتعتقد أن ذلك سيجعلك مرتاحاً أكثر، وظيفتك، منزلك، الحي الذي تسكنه، كذلك الأشياء التي ترغب بامتلاكها، سيارة، منزل جديد، رصيد في البنك يحقق الأمان المالي، مشروع خاص.
إن هذه القائمة من التفضيلات والأهداف بالغة الأهمية في علمية تطوير الذات بدون مدرب، يجب أن تكون واعياً فاهماً وعارفاً لكل التفاصيل التي ترغب بتغييرها في حياتك، ولكل ما ترغب حقاً في اكتسابه، ونصيحتنا لك أن تستخدم الكتابة في تسجيل هذه القائمة وتبتعد عن التفكير الذهني دون توثيق، بل خصص دفتراً لرحلة تطوير الذات التي ستبدأها.
وتذكّر أيضاً أن هذه القائمة لا تعني بشكل من الأشكال أنك بدأت، لنقل أنها المرحلة صفر من تطوير الذات، أنت بالكاد تحاول إيجاد الطريق نحو التنمية الذاتية، وقبل أن تبدأ باتخاذ إجراءات فعلية تغير شكل هذه القائمة وطبيعتها لا يمكن القول أنك بدأت حقاً.
بما أننا نتحدث عن البدء برحلة تطوير الذات دون مدرب للمبتدئين، فإننا بحاجة للحصول على الخطوط العريضة والقواعد العامة والرئيسية التي من شأنها مساعدة الشخص العادي على وضع خطته واستراتيجيته الخاصة لتطوير الذات، ونستفيد هنا من مقال مدرب التحفيز والمؤلف في التنمية الذاتية Steven Handel، والذي يقدم عشر وصايا أو تعليمات مهمة لفهم تطوير الذات والاستفادة من تقنيات وآليات التنمية الذاتية: [3]
- المسؤولية: إن الأشخاص الذين يرمون المسؤولية على الآخرين أو الظروف ويتهربون من الاعتراف بمسؤوليتهم عن حياتهم وكيف تسير؛ سيجدون صعوبة بالغة في سلوك درب التغيير، لذلك فإن إيماننا أننا مسؤولون بشكل كبير عما نحن فيه هو من أهم الأمور التي يجب فهها والإيمان بها في رحلة تطوير الذات، لكن المبالغة في تحمل مسؤولية كل ما يحصل تعتبر من عيوب التنمية الذاتية الحديثة، راجع مقالنا عن عيوب وأخطار تطوير الذات.
- حدد ما تريد لتتمكن من تحقيقه: اعرف ما الذي تريده بالضبط، حدد النقطة التي تسعى إلى تحقيقها، وتذكر أن الكثير من الأشخاص يهدرون حياتهم لأنهم لا يعرفون حقاً ما هو هدفهم الصغير أو الكبير.
- تحمل التكاليف قصيرة الأجل لحصاد الفوائد طويلة الأجل: عملية تطوير الذات ليست نزهة، وليس العمل على تغيير العادات والأفكار والاستراتيجيات عملاً سهلاً، لكن عملك بجد على أهداف تطوير الذات واحتمالك للتكاليف المعنوية والمادية قصيرة الأجل سيضمن لك فوائد طويلة الأجل نتعكس على حياتك المستقبلية.
- أنت تتغير شئت أم أبيت: جميعنا نتغير بطريقة أو بأخرى بغض النظر عن مدى تحكّمنا بهذا التغيير أو سعينا إليه، لذلك فإن تطوير الذات يعني أن تكون مسؤولاً ومتحكماً بهذا التغيير.
- اهتم بأفكارك: لا تقلل من قيمة الأفكار والحوار الذاتي والمعتقدات والتصورات النمطية، كل ذلك يلعب دوراً بالغ الأهمية في طريقة حياتك ومسيرتك نحو الأفضل، اقرأ مقالنا عن الإيحاء الذاتي وقوة الأفكار.
- اهتم بعاداتك: خلال سنتين نسيت مفاتيح البيت 3مرات، في المرة الأولى والثانية وجدت حلولاً بسيطة نسبياً للدخول إلى المنزل دون مفتاح، في المرة الثالثة قضيت ساعتين بانتظار النجار ليفتح الباب، ودفعت مبلغاً محترماً كنت بأمس الحاجة لتوفيره، منذ ذلك الحين اكتسبت عادةً جديدة، سأعلق المفتاح على الباب من الداخل لأراه كلما خرجت وأتذكر أن آخذه معي.
فكر دائماً باكتساب عادات جديدة، بسيطة أو معقدة، وفكر دائماً بتغيير العادات السيئة أو التي تعتقد أنها تعيق تقدمك، تذكر أن عادتك تفتح لك الأبواب المغلقة، وتوفر وقتك وجهدك، وقد توفر أموالك أيضاً. - العناية الشخصية: العناية الشخصية أحد أهم خطوات تطوير الذات، العناية بالأمور الصحية والعادات الصحية، والعناية بالنظافة والترتيب والمظهر الخارجي، الاهتمام بجسمك الذي هو أداتك لعيش هذا العالم، فمعظم الأشخاص الذين يهملون صحتهم والعناية بأنفسهم يمتلكون قدراً أقل من الاهتمام بتطوير الذات وتحقيق النجاح.
- الوقت الحاضر: من قواعد أوشو أن تعيش حياتك هنا والآن، أن تستغلّ الوقت الحاضر وتتعامل مع الآن باهتمام استثنائي، فالأمس قد ذهب، والغد لم يأتِ بعد، هذا لا يعني بالطبع التخلي عن التخطيط الاستراتيجي للمستقبل، ولا يعني نسف الماضي والتخلي عن دروسه القيمة، لكن الحاضر هو وقت الفعل والحركة، السلطة في الوقت الحاضر فقط، ولا سلطة لنا على الماضي والمستقبل.
- دروس الماضي: كما ذكرنا فإن الاهتمام بالآن وبالوقت الحاضر لا يعني خسارة خبرة الماضي، كل التجارب الناجحة والفاشلة في الماضي هي ذخيرة ممتازة في رحلة تطوير الذات.
- التفاؤل بالمستقبل: أعتقد أن التشاؤم المعقول أو الحذر المنطقي من المستقبل فرصة جيدة لاتخاذ الاحتياط، لكن التفاؤل بالمستقبل هو الفرصة الأفضل لجعل الأمنيات حقيقة، التفاؤل بالمستقبل يمنحنا الفرصة للعمل على تحقيق الأفضل واقتناص الفرص وتخطي العقبات، على ألّا يتحوَّل هذا التفاؤل إلى سذاجة.
أخيراً... هدفنا من هذا المقال أن نقدم للمبتدئين الأرضية المناسبة لفهم تطوير الذات، وأن يتعرَّفوا إلى تقنيات تطوير الذات بمعزل عن السمعة التجارية أو الصورة النمطية لممارسات التنمية الذاتية، أن يضعوا قدمهم على أول الطريق لتطوير الذات دون مدرب، ونتمنى أن نكون قد حققنا هذا الهدف، شاركونا آرائكم بالتعليقات وشاركوا المقال عبر حسابتكم الشخصية علها تكون مفيدة لآخرين.