الشخصية السيكوباتية عند المراهقين
الشخصية الشريرة أو الشخصية المعادية للمجتمع، الشخص المنحرف المؤذي صاحب الميول العدوانية والرغبات المضرة بالآخرين، كلها صفات أو أنماط سلوكية عادةً ما يفسر من خلالها المقصود بالشخصية السيكوباتية، وهذا التفسير يخلق نوع من الخلط المجحف بين أصحاب الشخصية السيكوباتية كاضطراب نفسي وسلوكي مميز، وبين بعض الأشخاص الذين يحملون صفات متفقة أو متشابهة من حيث شكلها أو جوهرها مع الخصائص السلوكية لهذا الاضطراب، كالخلط الحاصل بين حالات الاعتلال النفسي الاجتماعي في حالاته البسيطة وحالة الاعتلال العقلي الاجتماعي المقصودة بالسيكوباتية[1].
والمراهقين بسبب طبيعتهم النفسية وحساسية مرحلتهم العمرية هم المعرضون أكثر لمخاطر هذا الخلط أو التعرض فعلاً لأعراض هذا الاضطراب.
بغية تلافي الخلط والخطأ الذي يحصل في تشخيص حالات السيكوباتية عمدنا للاطلاع والبحث في مختلف التعريفات[2] التي تفسر هذا المفهوم بهدف الخروج بملخص يشرح معنى هذا المفهوم بشكل عام ومبسط، حيث وجدنا أن مختلف التعريفات كانت تتفق في طرحها وجوهرها على تقسيم السيكوباتية كمصطلح إلى جزأين:
الأول يعني الشخصية، والثاني يعني الانحراف، وبإعادة التركيب يصبح التعريف بالمفهوم على أنه اضطراب الشخصية المختلة أو المعتلة أو المنحرفة، وهو حالة مزمنة تتعلق بالصحة العقلية[3] وهذه الحالة غالباً ما يأتي اعتلاها على شكل سلوكيات معادية للمجتمع والأخلاق والقوانين، وخالية من أحكام الضمير والتعاطف والاحترام، ويتصف أصحاب هذه الشخصية بالشر والرغبة في التسبب بأذى الآخرين (راجع مقالنا عن سلوك الطفل المعادي للمجتمع)
الشخصية السيكوباتية كاضطراب أو خلل نفسي لا يشبه الاضطرابات أو الأمراض الفيزيولوجية من حيث الأعراض الواضحة والتشخيص المحدد والدقيق، وإنما هي نوع من الشخصيات النظرية المعيارية التي تحمل مجموعة من الخصائص النفسية والسلوكية المجردة، والتي يقاس على أساس مدى اقتراب المراهق منها درجة اتصافه بهذا النوع من الاضطرابات، ويمكن ظهور هذه الصفات أو الأعراض قبل سن 15 سنة ولكن التشخيص الأدق يأتي بعد سن 18 سنة[4]، ومن هذه الصفات:
- التكبر الغرور والنرجسية: فأصحاب الشخصية السيكوباتية يبدون سلوكيات متكبرة ويتصفون بالنرجسية والتفاخر بأفعالهم السيئة، بالإضافة للغرور والنظرة الاستعلائية تجاه الآخرين.
- الطيش والتهور: وهذه الصفة ناتجة عن عدم تقديرهم لعواقب الأمور من جهة بالإضافة لشخصياتهم الغير مبالية أيضاً، فيفعلوا كل ما يحلو لهم أو يخطر ببالهم غير مكترثين بنتائج هذه الأفعال وما يمكن أو توقعه من أضرار.
- الإدمان على العقاقير المخدرة: وخاصة المشروبات الكحولية والمواد المخدرة المنتشرة والمتوفرة مثل الحشيش أو الأدوية التي تحتوي على مركبات مخدرة خطيرة.
- ضعف في الاندماج أو التأقلم الاجتماعي: سواء من حيث بناء علاقات الصداقة العميقة، أو العلاقات الخاصة مثل الزواج والارتباط، بالإضافة للفشل غالباً في الاستقرار المهني أو التفاهم مع شركاء وزملاء ومدراء العمل.
- الشعور بالفخر عند التسبب بأشياء سيئة: مثل التباهي عند إيذاء الآخرين او ممتلكاتهم أو حتى خرق الأنظمة والقوانين مثل الهروب من المنزل أو المدرسة، فالشخص السيكوباتي يشعر بالمتعة أو النصر عندما يرى أنه ينجح في التسبب بالضرر للآخرين ولا يلتزم بالقواعد والأنظمة في مجتمعه.
- عدم الاكتراث بأي شيء أو تحمل المسؤولية: فمن صفات السيكوباتيين أنهم غير مبالين ولا يهتمون بمشاعر الآخرين أو ما قد تؤدي إليه سلوكياتهم الضارة تجاه المجتمع، ولا يتحملون المسؤولية حتى في شؤونهم الشخصية.
- الكذب والاحتيال: فالسيكوباتين لديهم درجة من الذكاء والجاذبية تجعلهم يبدون مقنعين بالنسبة للأشخاص الذين يتعاملون معهم، وهم يستغلون هذه المسألة في إيذاء الآخرين وخاصة في العلاقات الغرامية.
- افتقار للتعاطف أو الضمير او الاستجابات الوجدانية: حيث أن السيكوباتي لا يبدي تعاطف تجاه من حوله ولا حتى أقربائه أو أسرته، فهو لا يهتم بأحكام الضمير وعلى العكس من ذلك فهو يشعر بالرضا عندما يؤذي من حوله.
- ميول جنسية مبالغ فيها أو ضارة: مثل الاتصاف بالسادية أو إقامة علاقات جنسية متعددة وعدم إبداء أي اهتمام بمشاعر الشريك.
لا يوجد أسباب واضحة أو سبب جوهري فيزيولوجي أو سيكولوجي يتسبب بظهور علامات الشخصية السيكوباتية عند المراهق وإنما هناك أسباب تعتبر من شأنها تنمية وتطوير هذه الصفة لدى بعض المراهقين الطبيعيين أو الذين يحملون خصائصها بدرجات بسيطة، ولا يمكن اعتبار هذه الصفة مكتسبة بشكل مطلق كون بعض الأطفال يبدون هذه السلوكيات بسن مبكرة، فقد يؤثر في تنمية صفات الشخصية السيكوباتية عند المراهق مثلا:
وجود اضطراب أو خلل السيكوباتية عند أحد الوالدين: وهنا تنتقل هذه الصفة للأبناء بطرق عديدة إما عن طريق المحاكاة والاقتداء أو ترسيخ بعض القيم السيئة نتيجة التربية التي يتلقاها على يد الوالد الحامل لهذه الصفة، كما تتم دراسة احتمال وجود عوامل جينية متعلقة بالسايكوباتية.
التعرض للإحباط والرغبة بالانتقام: وخاصة في حالات الفشل في العلاقات الغرامية فكثيراً ما نلاحظ أن الذين يتعرضون للفشل في هذه المسائل تنمو لديهم دوافع الانتقام من الشريك أو السبب الذي أدى لفشلهم.
الفشل وخيبات الأمل التراكمية: فهذه الأشياء تنمي مشاعر الحقد والكراهية سواء على المجتمع أو نحو أسباب الفشل مثل الأهل أو المدرسين أو المجتمع، وهذه الكراهية عادةً تكرس الصفات المتفقة مع اضطرابات الاعتلال النفسي والاجتماعي.
تعاطي المخدرات: وهو سبب ونتيجة في آن معاً فمن خصائص السيكوباتيين أنهم يدمنون على تعاطي المخدرات والمواد الكحولية، ومن جهة أخرى فمن صفات هذه المسألة أنها تضعف المحاكمات العقلية وتقدير عواقب الأمور أو الاهتمام بمشاعر الآخرين.
البيئة التربوية: فهناك أنواع من البيئات التربوية التي تكرس خصائص وصفات السيكوباتية في شخصية المراهق، سواء مكان السكن أو طبيعة العلاقات الاجتماعية الموجودة وما تفرضه من استجابات من قبل الفرد أو ما تطرحه من نماذج لشخصيات سيئة.
الحرمان ومشاعر الظلم والقهر الاجتماعي: فهذه المشاعر أيضاً تنمي بدورها ردّات فعل سيئة بدافع الانتقام أو تعويض مشاعر النقص الناتجة عن الحرمان والظلم.
آثار اتصاف المراهق بأعراض السيكوباتية على شخصيته ومحيطه
بالنظر إلى صفات وخصائص الشخصية السيكوباتية وأفعال المراهق المتصف بها، يمكن التنبؤ بآثار سلبية على مختلف نواحي حياته من جهة، وعلى محيطه والأشخاص الذين يتعاملون معه أو يعتبرون ضحايا له من جهة أخرى، فالسيكوباتين غير أسوياء على المستوى النفسي والاجتماعي والأخلاقي، بالإضافة لأنهم غالباً ما يتصفون بالخبث والذكاء والجاذبية الشخصية، وقد ينتج عن هذا:
أن يتسبب لنفسه بالسجن: فبسبب تصرفات السيكوباتي التي غالباً ما يخرق فيها القانون والأنظمة والقواعد الاجتماعية، فقد يسرق أو يعتدي على الآخرين والممتلكات، فمن الممكن أن يتسبب لنفسه بالسجن جراء هذه الأفعال.
الفشل في العلاقات العاطفية: فكون صاحب الشخصية السيكوباتية لا يبدي اهتمام بمشاعر الشريك ويتصف بالأنانية والسلوكيات المؤذية تجاه الآخرين، فبسبب ذلك يفشل بعلاقات الارتباط والعواطف الغرامية أو الرومانسية.
عدم القدرة على الثبات في أي مهنة أو عمل: فدائماً تجده يقع في مشاكل مع مدراء العمل أو زملائه وهذا يجعله يبقى على خلاف معهم وبالتالي لا يستقر بأي عمل ويتنقل دائماً بين أعمال مختلفة.
التسبب بالأذى للآخرين: سواء الأذى النفسي أو الجسدي أو حتى الضرر بالممتلكات، وذلك بشكل مقصود فالسايكوباتيين يشعرون بالفخر والرضا جراء مثل هذه التصرفات.
نمو شخصية إجرامية: حيث أن خصائص السيكوباتية بحد ذاتها تعتبر تربة خصبة وأساس لنمو شخصية إجرامية إذا لم تعالج في مرحلة مبكرة.
عمليات العلاج لأي اضطراب نفسي أو سلوكي تختلف إلى حد بعيد عن عمليات علاج المشاكل العضوية من حيث الأسس التي تقوم عليها، فالعلاج السلوكي لأي اضطراب نفسي لا يتم من خلال استئصال المرض بعملية جراحه أو علاجه بجرعات دوائية، فأسس العلاج النفسي تختلف من حيث جوهرها، ويمكن توضيح صورة هذه الأسس من خلال مجموعة نقاط:
تعلم الطفل منذ الصغر قيم المشاركة والعطاء: واحترام مشاعر الآخرين وفهم وتقدير حاجاتهم وعدم التسبب لهم بالأذى، وذلك من خلال فهم مبدأ كما تدين تدان.
التقليل من أسباب مشاعر الإحباط أو الاكتئاب: سواء بالوفاء بالوعود التي تقطع للطفل وتحقيق رغباته ودعمه نفسياً وتحمل أخطائه إلى حد معين.
حماية المراهق من أشكال الإدمان: حتى لا يغيب عقله وأحكامه المنطقية بشكل كامل عند تفاعله مع الآخرين أو قيامه بأي تصرف.
تعليم الطفل أن يكرر المحاولة عند التعرض للفشل: وأن يكون لديه عزيمة وإرادة قوية، وذلك بدلاً من الشعور بالخيبة والإحباط أو الرغبة بالانتقام من أسباب فشله أو تعويضها بطرق غير مشروعة.
تنمية الاهتمامات والميول: حتى لا يشعر بالفراغ وبالتالي تنمو لديه رغبات سيئة، فمثلاً قد يكون الطفل متمتع بموهبة معينة فمن الأفضل توجيه فكره واهتمامه لها من خلال دعمها وتنميتها حتى ينشغل بها عن التصرفات الخاطئة.
استشارة المختصين في الحلات الصعبة والمستعصية: وذلك عند عدم القدرة على السيطرة والتحكم بتصرفات المراهق ذو الشخصية السيكوباتية أو قيامه بسلوكيات كبيرة الضرر على الآخرين والمجتمع.
التقرب العاطفي من الطفل: ولكن دون المبالغة في الدلال حيث يجب أن يعي الطفل بنتائج أفعاله السيئة وكيف تضر به وبالآخرين.
قد يصل السايكوباتيون إلى درجات ومناصب كبيرة أو قيادية بسبب ذكائهم وجاذبيتهم وقدرتهم على الاقناع، وهذه الحالة تمثل أعلى درجات خطورتهم على المجتمع وهنا قد يتسببوا بأشياء كارثية ويمكن القول أن معظم الشخصيات الإجرامية تحمل صفات سايكوباتية خاصة عندما لا يكون إجرامهم ناتج عن حاجة او ظروف خاصة مثل القتلة المهوسين أو المغتصبين أو مرتكبي الجريمة المنظمة، وكل هذا يوضح أهمية توضيح أعراض السيكوباتية وتشخصيها منذ السن المبكرة خلال الطفولة أو المراهقة، ومحاولة علاج واستبعاد أسبابها إن أمكن.
[1] مقال Kara Mayer Robinson "الفرق بين حالات الاعتلال الاجتماعي العادية (sociopath) وبين الاعتلال العقلي الاجتماعي (psychopath)" منشور في webmd.com، تمت مراجعته بتاريخ 21/6/2019
[2] مقال "تعرف أكثر إلى السايكوباتية" منشور في sciencedirect.com، تمت مراجعته بتاريخ 21/6/2019
[3] مقال للدكتورة Kathleen smith "اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع" منشور في موقع psycom.net، تمت مراجعته بتاريخ 21/6/2019
[4] بحث للكاتبة في مجال الاضطرابات ثنائية القطب NATASHA TRACY "تشخيص أعراض وصفات السيكوباتية" المنشور على موقع healthyplace.com، تمت مراجعته بتاريخ 21/6/2019