علاقة الأهل بمدرسة الطفل في العملية التربوية
في إطار عملية متابعة وضع الطفل التربوي والتعليمي والصحي، ومن منطلق التعرف على عالمه وفهم احتياجاته وشخصيته والتنبؤ بمشاكله وتصرفاته، تأتي أهمية وجود علاقة مستمرة بين أهل الطفل ومدرسته أساسها المشاركة في تعليمه وبناء شخصيته وثقافته ووظيفتها تكامل الأدوار وتنسيقها بين الأهل والمدرسة في سبيل تحقيق هذه الغايات، والأخذ بيد الطفل للوصول به إلى أفضل مستوى تعليمي وتربوي وصحي ممكن، فما هي الأسس التي يجب أن تبنى عليها هذه العلاقة وما أهميتها في العملية التربوية، وكيف يمكن توظيفها بالشكل الأمثل بحيث لا تزعج الطفل من جهة وتشعره باهتمام الآخرين به وبشؤونه من جهة أخرى؟.
الطفل بحاجة لمتابعة في مختلف مراحله العمرية ومجلات حياته ونشاطاته، والمدرسة بجميع مكوناتها التعليمية والاجتماعية والتنظيمية تأخذ المركز الثاني من حيث الأهمية في تربية الطفل بعد الأسرة، فمنها ينهل الطفل معلوماته الاكاديمية الموجهة وفيها يبني علاقات اجتماعية مختلفة عن علاقاته ضمن الأسرة والعائلة وفيها يتعرف على مفهوم الأنظمة والقوانين، ومن هنا تبدو أهمية التنسيق بين الأهل والمدرسة[1] لتحقيق أفضل نتائج ممكنة في هذه المجالات، يتم ذلك من خلال:
- متابعة التحصيل الدراسي: فهذه العلاقة يتعرف من خلالها الطفل على درجات طفلهم الامتحانية ومستوى مشاركته في الدروس بالإضافة لتطور معارفه ومعلوماته، وبالتالي يمكنهم التنبؤ بأي خلل ومساعدة المدرسين في تجاوزه واستبعاده أسبابه.
- متابعة المشاكل الاجتماعية وعلاقاته مع الآخرين: فهذه العلاقة تتيح أيضاً الإحاطة بطبيعة وشكل العلاقات الاجتماعية التي يبنيها الطفل في المدرسة، وثم تقدير مستوى ذكائه التفاعلية وقدرته على التعامل مع الآخرين سواء من مدرسين أو زملاء بالإضافة للتعرف على صفات شخصيته الاجتماعية مثل الخجل أو الانطوائية.
- تعقب مشاكل الطفل في المدرسة: مثل معرفة أسباب كرهه للمدرسة وعدم قدرته على الاندماج والتأقلم معها فربما كان يتعرض للاعتداء أو يخاف من المدرسين، أو يعاني من أمراض نفسية أو جسدية تجعله غير قادر على التأقلم مع جو ومحيط المدرسة.
- الوقوف على جوانب الضعف في عملية تعليم الطفل: فقد يعاني الطفل ضعفاً في مستواه بأحد المواد الدراسية دون الباقي، وقد يعود هذا في سببه لعلاقته بالمدرس أو عدم استيعابه لهذه المادة بالذات أو أي سبب آخر، والتعرف على هذه الأسباب يتيح الفرصة لعلاجها بالتعاون بين المدرسة والأهل.
- مراقبة نشاطات الطفل خلال وقت الدوام: حيث أن الطفل وخاصة بمرحلة متأخرة يتعرض لأنواع عديدة من أشكال الانحراف مثل الهروب من المدرسة وارتياد الحداق وتعلم التدخين والعديد من سلوكيات الانحراف الأخرى وعلاقة الأهل بالمدرسة تجعلهم يعرفون مسبقاً باقتراب الطفل من هذه الأشياء وبالتالي حمايته منها.
- قد يكون الأهل ليسوا على خبرة كافية: سواء في تدريس الطفل بعض المواد أو في التعامل مع الطفل في الحلات الخاصة، والمدرسة هنا يمكنها توجيههم عن طريق المدرسين الذين يعطون الطرق المفيدة لتعليم طفلهم أو قسم الإرشاد النفسي والاجتماعي الموجود في أغلب المدراس.
متابعة الطفل في مدرسته لا تعني مراقبته وتحديد حركته بين المنزل والمدرسة أو القيام بزيارات يومية قد تسبب تعطل الأهل عن وظائفهم المتعددة أو إزعاج إدارة المدرسة وإشغال الطفل ومدرسيه أثناء الدوام والحصص الرسمية بما يعرقل ويعيق سير العملية التعليمة، بل الأمر لا يحتاج إلا لمستوى معين من الاتصال يضمن الاطلاع على آخر المستجدات حول وضع الطفل في مدرسته، ويتم ذلك عبر بعض القنوات مثلاً:
- عن طريق مؤتمرات واجتماعات أولياء الأمور: والتي تنظمها المدارس وتستمع خلالها لشكاوى الأهل أو استفساراتهم واقتراحاتهم كما وتطلعهم على أوضاع ابنائهم في المدرسة سواء بتحصيلهم الدراسي أو ما يعانوه من مشاكل.
- عن طريق الرسائل بين المعلم والأهل والإدارة[2]: مثل تسجيل الملاحظات على دفاتر التلاميذ والتقارير التي تلحق عادة بالأوراق الامتحانية أو نتائج الفحوصات والتي قد تحتوي على نصائح وتوجيهات من قبل المدرسين، وهناك أيضاً مدارس بدأت بالتواصل مع الأهل بشكل مباشر عبر الهاتف أو برامج التواصل.
- التعاون مع المرشد الاجتماعي في حال وجود مشكلة: في الحلات التي يعاني فيها الطفل من مشاكل اجتماعية مثل عدم الاندماج مع المدرس أو البكاء أثناء الدوام أو المشاحنات مع الزملاء وغيره كثير، يمكن للمرشد الاجتماعي المسؤول في المدرس أن يساعد بالتعاون مع الاهل في تجاوز هذه الحلات.
- الزيارات الدورية للمدرسة: سواء من خلال تحديد أيام رسمية معينة من قبل المدرسة لهذه الزيارات أو قيام الأهل بزيارة كل أسبوع أو شهر حسب ما يحتاج لهوما تقتديه الضرورة، حتى يشعر الطفل أن أهله يقفون معه وهم بجانبه.
- بناء علاقة مع المدرسيين الأساسين: فالمدرسين الأساسين المسؤولين عن الطفل هم الأكثر دراية وتقديراً سواء في خصائص طفلهم النفسية والاجتماعية أو مستواه الدراسي، ويمكنهم أن يقدموا الكثير من النصائح للأهل في حال كانوا على علاقة جيدة به.
طرق ووسائل المتابعة متغيرة ومختلفة بحسب المرحلة العمرية والتعليمية للطفل من حيث طريقة الاتصال بين الوالدين والمدرسة وهدفها وأهميتها، وهذا كون حاجات الطفل وما يواجه من مشاكل تعليمية وشخصية هي أيضاً مختلفة بحسب هذه المراحل، وبالنظر إلى طبيعة هذه الحاجات والمشاكل وطرق إشباعها وعلاجها والتعامل معها يمكن تقسيم المتابعة إلى ثلاث مراحل أساسية وكل منها لها خصوصية معينة في طبيعة الاتصال والمتابعة[3] وهي على الشكل التالي:
مرحلة بداية دخول المدرسة
- يحتاج الطفل لتواجد أهله بشكل أكبر معه: مثل ايصاله إلى المدرسة وإشعاره بأنه ليس وحيد، وبناء علاقة مع مدرسيه فعندما يلاحظ الطفل أن هناك علاقة تربط والديه بالمعلم تتغير نظرته للمعلم كشخص غريب ويصبح يراه وكأنه أحد أقاربه.
- دمج الطفل مع المدرسة وبيئته الجديدة: وهي من مسؤوليات المدرسة في إقامة برامج تعريف الأطفال على بعضهم البعض وتفريغ أوقات لتعريف الأطفال بقوانين المدرسة وأنظمتها وضرورة الالتزام بها.
- المراقبة الصحية من الناحية النفسية والجسدية: فقد يتعرض الطفل في بداية دخوله المدرسة للعديد من الأمراض الناتجة عن اختلاف البيئة والاقتراب من أشخاص غرباء أو الاضطرابات النفسية الناتجة عن الضغوط التي يتعرض لها.
مرحلة اندماج الطفل مع بيئة المدرسة وقوانينها ومكوناتها
- تعرض الطفل للاعتداءات: أو حالات الشجار مع الزملاء، فالأطفال عموما يتصفون بالاتكالية والأنانية واعتادوا على المسايرة في منزلهم ومن قبل أسرهم، ولكن اختلاف الرغبات والمصالح الذي يحصل في المدرسة غالباً ما يؤدي للشجار والاصطدام بين الأطفال.
- الحاجة لمتابعة تطور المستوى التعليمي: حتى إذا كان الطفل ينشغل باللعب أثناء الدروس بعد التعرف على أصدقاء جدد ويتراجع في مستواه أو يبدي تفوقا وقدرات خاصة، والحالتين قد تحتاجان لعناية خاصة من قبل الأهل بالتعاون مع المدرسة.
- التعرف على تفاعله في المدرسة: والصف وذكائه الاجتماعي وقدرته على بناء العلاقات والحفاظ عليها، أو وجود مشاكل اجتماعية لديه يجب علاجها في أوانها قبل أن تتطور.
المرحلة الثانوية أو وصول الطفل لسن المراهقة
- الانخراط في مجموعات سيئة السمعة من الأصدقاء: فهذه المسألة من أكثر الأشياء التي يتعرض لها المراهقين في مرحلتهم الدراسية المتأخرة وهذه المجموعات قد تؤثر على تحصليه الدراسي أو تعلمه أفعال تخريب سيئة أو إيذاء الآخرين أو التمرد على ذويه، وهذه المسألة يجب مراقبها بعناية من قبل الأهل والمدرسة.
- التراجع الدراسي نتيجة خصوصية الطبيعية النفسية لهذه المرحلة: ويكمن دور الأهل بالتعاون مع المدرسة علاج أسباب هذه المشاكل التي تواجه معظم المراهقين في هذه المرحلة.
- افتعال المشاكل والمشاجرات مع الزملاء والمدرسين: كطريقة لفرض الرأي أو الحضور يفتعل المراهق مثل هذه المشاكل، واضطلاع الأهل عليها يمكنهم من لجمها قبل أن تطور لسلوكيات تمرد وعدوان.
- تعلم سلوكيات سيئة مثل التدخين والهروب من المدرسة: ودور الرقابة هنا من قبل المدرسة والأهل في التخفيف من أثر هذه السلوكيات وابعاد المراهق عنها.
- المشاكل الجنسية مثل بناء العلاقات الغرامية: فكلا الجنسين معرضين كثيراً لهذه المشكلة كونهم في مرحلة بلوغ جنسي ويجب إبقاء هذه المسألة تحت رقابة ونصائح وارشادات المدرسة والوالدين لتجنب مخاطرها الأخلاقية والاجتماعية.
حتى لا ينزعج الطفل من العلاقة بين والديه ومدرسته أو يجد فيها تدخلاً في شؤنه الخاصة أو عدم ثقة به وخاصة لدى الأطفال الكبار لا يجب أن تبدو على أنها تدخلاً وتسلطاً ومراقبة أو يراها الطفل كذلك، فهذا الأمر من شأنه أن يجعل الطفل يتعامل بسلبية مع هذه العلاقة ويرفضها وبالتالي لا يعود يستجيب للإرشادات والتوجيهات الناتجة عنها، ولذلك يجب الالتزام ببعض المعابير في هذه العلاقة فمثلاً:
- يجب أن تكون بقبول الطفل ورغبته: في الحالات التي لا يعاني الطفل من مشاكل تعليمة أو اجتماعية فعلية تجده يرفض العلاقة بين أهله ومدرسته، كونه يرغب باستقلاليته وعدم تدخل أحد في شؤونه، وهنا يجب أن نقنعه بضرورة هذه العلاقة ونجعله يقبلها حتى لا يتفاعل معها بشكل سيء.
- في الحالات الخاصة يجب أن تكون سرية: وهي الحالات التي يعاني الطفل فيها من مشاكل شخصية فيكون التدخل ضروري بين المدرسة والأهل دون إحراج الطالب أو إزعاجه، وفي هذه الحالات لا بأس بأن تكون سرية.
- من الجيد أن تكون هذه العلاقة ذات طابع رسمي: بحيث تظهر بأنها مفروضة من قبل إدارة المدرسة حتى لا يتمكن الطفل من ممانعتها، ويراها مسألة طبيعية بالنسبة له أو لزملائه.
- يجب أن تبقى بحدود متابعة وضعه التدريسي وعلاج مشاكله: ولا تتحول لعملية تنصت عليه ومراقبة لا داع لها، فهو لديه خصوصيته ومن حقه أن نحترمها ولا نتدخل في شؤونه التي لا تعتبر مشكلة.
اتصال الأهل بمدرسة طفلهم هو جزء أساسي سواء من عملية التربية أو التعليم، وهذا الجزء يعتبر واحد من أهم البوابات التي يمكن من خلالها للأهل من دخول عالم طفلهم والتعرف على محتوياته المتعلقة بوضعه في المدرسة من مشاكل اجتماعية أو نفسية أو تعليمية مثل مخاوفه من بعض المدرسين أو ضعفه في أحد المواد بالإضافة لطبيعة تفاعله مع زملائه في المدرسة من قدرة على تنمية علاقات جيدة مع الآخرين أو الشعور بالوحدة والعزلة أو حتى تعلم نماذج سلوكية سيئة من هؤلاء التلاميذ، ولهذا لا يمكن إغفال أهمية هذه العلاقة لما لها من آثار إيجابية عديدة على مختلف جوانب شخصية الطفل والعملية التربوية وتحصيله الدراسي.
[1] مقال الاتحاد الأمريكي للمعلمين "بناء علاقات بين المعلمين والوالدين" منشور على موقع Reading Rockets.com، تمت مراجعته بتاريخ 22/6/2019.
[2] مقال الباحث Holly Welham "أهم النصائح للمعلمين حول إشراك أولياء الأمور في التعلم" منشورة على موقع the guardian.com. تمت مراجعته بتاريخ 22/6/2019.
[3] مقال "كيف يمكن للآباء البقاء على تواصل مع المدرسة في المرحلة المتوسطة والثانوية" منشور على موقع gretschools.org، تمت مراجعته بتاريخ 22/6/2019.