الحرمان في الطفولة وتأثيره على شخصية الطفل ومستقبله

أوجه وأنواع حرمان الأطفال، الأسباب التي تؤدي لحرمان الطفل، آثار مشاعر الحرمان على شخصية الطفل، وكيفية التعامل مع الطفل المحروم؟
الحرمان في الطفولة وتأثيره على شخصية الطفل ومستقبله
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

هناك صورة نموذجية موجودة في الذهنية العامة للناس حول مفهوم الطفل المحروم، والتي غالباً ما تكون ناتجة عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لأسرة هذا الطفل أو بلده الذي يعيش فيه، فما أن يذكر مصطلح حرمان الأطفال حتى يتبادر إلى الذهن صورة أولئك الأطفال شديدو النحافة وتبدو عليهم علامات المرض والضعف، ومع صحة وحقيقة هذه الصورة إلا أن الحرمان من حيث أنواعه قد يشمل أشكال وأوجه أخرى يعاني منها الأطفال حتى في أغنى البلدان والمجتمعات، ومن هنا كان من الضروري التعرف على معنى حرمان الطفل وأشكاله وآثاره وكيف يجب التعامل معه.

ظروف الحياة لا تأتي دائماً كما هو متوقع ومرغوب، سواء بالنسبة للأطفال أو لأسرهم أو مجتمعاتهم، وفي كثير من الأحيان قد تأتي هذه الظروف بأثر سلبي على رغبات وحاجات الأطفال الأساسية ومن ثم تسبب لهم نوع من الحرمان من أحد هذه الحاجات[1] ويمكن ذكر بعض العوامل التي تسبب حرمان الأطفال:
- انفصال الوالدين: وهو من العوامل المؤثرة بالعديد من أوجه حرمان الطفل فبسبب انفصال الوالدين سوف يحرم الطفل أولاً من العيش في كنف أسرة طبيعية متكاملة الأطراف والبنية الأسرية، هذا بالإضافة لحرمانه من التربية الصحية التي تحتاج وجود الوالدين بدورهما المتكامل وأيضاً عدم تلقي الطفل الاهتمام الكافي بسبب ما يحدث عادة من رمي المسؤوليات كل باتجاه الآخر من قبل الوالدين المنفصلين.

- الحوادث والتشوهات الخلقية: قد يخلق الطفل وهو يعاني من مرض معين أو تشوه في أحد جوانبه الجسدية أو قد يتعرض لحادث خلال حياته الطبيعية يسبب له هذا التشوه أو العاهة، بالتالي سوف يؤدي كل هذا لحرمانه من العيش بشكل طبيعي على غرار أقرانه وافتقاره للخواص الجسدية الموجودة لدى أي طفل طبيعي.

- الفقر والضعف الاقتصادي: وهو من أهم أشكال الحرمان المادي للطفل الذي يعيش في كنف أسرة فقيرة أو ضعيفة اقتصادياً، وهذه الحرمان سوف ينسحب تأثيره على مختلف مجالات حاجات الطفل ورغباته سواء التعليمية أو الغذائية أو الرعاية الصحية والبيئة السكنية، وسوف يؤثر أيضاً على حياته اليومية مثل الملبس واللعب والحصول على الرغبات.

- عدم أهلية الوالدين: في بعض الأحيان يكون الوالدين أنفسها غير مؤهلين نفسياً أو اجتماعياً لإنجاب طفل وتربيته، سواء لصغر سنهما أو معاناة أحدهما من مرض معين أو جهلهما بكيفية العناية بالطفل وبحاجاته، وهذا أيضاً سوف يؤدي للعديد من أوجه الحرمان العاطفي والمادي والتربوي وربما التعليمي للطفل.

- الظروف الاجتماعية والسياسية: فبعض المجتمعات والبلدان قد تعاني من كوارث طبيعية وأزمات إنسانية حقيقة بسبب الظروف الطبيعية لتلك البلدان أو قد تعاني من اضطرابات سياسية وإدارية تسبب حروب وفساد إداري بما ينعكس سلباً على الحالة الاقتصادية المعيشية لشعوب تلك البلدان، وهذه الحالات يكون سبب الحرمان فيها خارج عن إرادة وإمكانات الوالدين أو حتى المجتمع كله على مواجهتها وهي بحاجة لتضافر جهود حكومية ودولية وعالمية على نطاق واسع للتخفيف من أثرها.
 

animate

مفهوم الحرمان وخاصة ذلك النوع الذي نقصد به الأطفال واسع جداً في معناه والأشكال التي يشتمل عليها، فأي جانب من جوانب حاجات الطفل الأساسية المادية أو العاطفية والاجتماعية التي لا يمكن استغناء الطفل عنها في حياته اليومية معرضة لنوع من أنواع الحرمان بسبب ظروف الحياة المتغيرة، ومن أهم أشكال أو أنواع الحرمان:

الحرمان المادي
- الحرمان الغذائي:
وهو يعني عدم حصول الطفل على النوعية والكمية المناسبة والكافية من العناصر الغذائية الضرورية لنموه السليم[2] والحفاظ على صحته وطاقة جسده، وعادة ما يحصل هذا النوع من الحرمان نتيجة للحالة المادية الاقتصادية السيئة سواء لأسرة الطفل أو بلده.
- الحرمان من اللباس: يعتبر اللباس أيضاً من الحاجات الضرورية للطفل سواء في تأمين دفئه في الشتاء، أو راحته وحرية حركاته خلال ممارسة أنشطته اليومية، هذا بالإضافة لأهمية اللباس في الصورة التي يراها الآخرين عن الطفل، والحرمان من اللباس الجيد المناسب للطفل له العديد من الآثار السلبية عليه.
- الحرمان من اللعب والحركة: حيث ان اللعب هو من الأنشطة بالغة الأهمية في نمو الطفل وتربيته واكتسابه المعارف والخبرات والعلاقات الاجتماعية بالإضافة لمتعته وتفريغ طاقته، والحرمان من اللعب لأسباب عديدة مثل عمالة الأطفال، يؤدي للكثير من المساوئ على تربيته وشخصيته[3].
- الحرمان من التعليم: فالتعليم هو حق لجميع الأطفال وواجبنا تأمينه لهم بأفضل المستويات الممكنة، وحرمان الطفل من هذا الحق سوف ينسحب تأثيره السلبي على مختلف مراحل حياته ومستقبله.

الحرمان الاجتماعي والعاطفي
- التيتم:
لأسباب خاصة في كثير من الأحيان قد يحرم الطفل من أحد والديه أو كليهما، وهذا يعتبر من أسوأ أشكال الحرمان، فالطفل حتى يحصل على التربية المناسبة له يجب أن يكبر في كتف كلا والديه وكل منهما يقوم بدوره على أكمل وجه.
- وجود عاهة جسدية: فإصابة الطفل بمرض أو عاهة جسمية نتيجة ظرف أو حادث، أو ولادته مع بعض التشوهات والإعاقات يحرمه من الحياة بشكل طبيعي على غرار أقرانه، وهذا ما يؤدي لعجزه عن القيام بالكثير من الأعمال أو الحركات البسيطة، وشعوره بهذا العجز له آثار سلبية عديدة على شخصيته.
- الطفل مجهول النسب: وهو الطفل الذي يتربى دون أن يكون له والدين معروفين، وهذا الطفل يعاني الكثير خلال حياته سواء من تعامل الآخرين معه أو تقبلهم له، وكل هذا لسبب لا ذنب له فيه، وهذا الطفل يعاني من العديد من أشكال الحرمان المادي والعاطفي والاجتماعي.
 

ما يتوفر للطفل من ظروف وحاجات ورغبات وضروريات خلال مراحل نموه الأولى سوف ينعكس بطبيعة الحال سلباً أو ايجاباً على طبيعته النفسية وشخصيته وما يتلقاه من تربية على كافة الصعد، وبالتالي فإن حرمانه من هذه الحاجات سوف يكون له آثار واضحة عليه إما مباشرة أو بعيدة على مستوى بناء شخصيته، ومن هذه الآثار:

- الشعور بالنقص وقلة الثقة بالنفس: حيث أن شعور الطفل بأي من أنواع الحرمان والضعف، وخاصة بالأشياء البسيطة التي يرى أنها من أبسط حقوقه وهي متوفرة للأطفال الآخرين، سوف ينمي لديه شعور بأنه أقل منهم ولا يستحق ما يستحقونه وبالتالي يفقد ثقته بنفسه ومحبته لذاته.

- الشعور بالغيرة والحسد: وهذا يحدث عندما يلاحظ الطفل بان كل ما هو محروم منه متوفر ببساطة لغيره من الأطفال بمحيطه سواء من أقربائه أو زملائه في المدرسة أو حتى أصدقائه المقربين وهذا ما ينمي لديه شعوراً بالغيرة منهم ومن كل شخص يملك ما ليس لديه. 

- تعلم السرقة وسلوكيات سيئة: فحتى يعوض الطفل ما هو محروم منه من الأشياء المادية قد يلجأ في بعض الحلات للسرقة للحصول على ما يريده كأن يسرق من ذويه ليشتري بعض الأطعمة المحروم منها، أو قد يسرق من زملائه أغراضهم والعابهم حتى يشبع رغباته.

- تعلم مواجهة ظروف الحياة: وهي تعتبر من إيجابيات مشاعر الحرمان إذا كان هذا الحرمان بمستوى بسيط وثانوي في موضوعه، فيتعلم الطفل أن ليس كل ما يرغب فيه متوفر ببساطة بل يحتاج لعناء للحصول عليه وبالتالي يتعلم كيف يحافظ على ممتلكاته ويدافع عن ما لديه. 

- الإصابة بالإمراض: في حالات حرمان الطفل من ضروريات الحياة الأساسية كاللعب والراحة والرعاية الصحية واللباس الجيد والحركة قد يصاب الطفل بالعديد من الأمراض أو مشاكل النمو بسبب هذه المسائل، مثل ضعف الجسم والمناعة، فضلاً عن الأمراض النفسية والعقلية التي قد تكون نتيجة مباشرة للحرمان في الطفولة[4].

- الضعف والتراجع بالتعليم: والمقصود هنا التعليم من حيث الخبرات التي يكونها الطفل أثناء لعبه وتكوين صداقات وعلاقات أو التعليم بمعناه المدرسي والأكاديمي، فنتيجة لحرمان الطفل من بناء العلاقات الجيدة مع الآخرين أو عدم قدرة ذويه على تغطية تكاليف تعليمه واعتمادهم عليه ولو جزئياً بمصروف المنزل ومسؤوليته يؤدي غالباً لتراجع مستوى الطفل التعليمي.

- العزلة في حال الحرمان الاجتماعي: من الأصدقاء والزيارات بسبب ظروف الأسرة والعائلة ومشاكلها أو سمعتها.

- السلوكيات العدوانية: فالطفل الذي يشعر بالحرمان من أي شيء مادي أم عاطفي أو اجتماعي، يشعر دائماً بعدم الثقة بالآخرين وأن عليه الدفاع عن نفسه بكافة الطرق، وهذا ما ينمي لديه سلوكيات عدوانية بالإضافة لاتصافه بالعصبية والغضب كنتيجة لشعوره بالظلم.
 

في أغلب الحالات قد لا يتمكن الوالدين من مواجهة وضع طفلهما المحروم وحدهما دون إعانة ودعم وخاصة في الحلات التي تكون فيها ظروف الحرمان واسبابه خارجة عن قدراتهم وامكاناتهم، وفي هذه الحالة يجب تضافر الجهود الاجتماعية والمؤسسية لدعم الوالدين في هذه المسألة، ومن الخطوات الضرورية لتقليل حلات حرمان الأطفال:

دور الوالدين
- تقدير الوضع قبل انجاب طفل:
فيجب على الوالدين المقبلين على انجاب طفل التخطيط وتقدير ظروفهما المادية واستقرارهما الاجتماعي والعاطفي قبل الاقدام على هذه الخطوة، وذلك لتأمين أفضل ظروف تربوية ومعيشة للطفل قبل انجابه.
- تعليم الطفل قيم القناعة والصبر: حيث ان هذه القيم من شأنها التخفيف من مشاعر الاكتئاب والحزن المصاحبة لحالة حرمان الطفل من أي شيء، وعندما يتعلم القناعة والصبر يصبح بإمكانه أن يرضى بواقع الحال وتوقع الأفضل في المستقبل والعمل بجد لتحسين وضعه.
- زيادة ثقة الطفل بنفسه: فحالة الحرمان كما سبق الذكر تضعف ثقة الطفل بنفسه ومحبته لذاته، وهذه المسألة بدورها لها العديد من السلبيات على شخصيته وتوازنه النفسي، ويجب تعزيز ثقته بنفسه حتى نخفف من آثار مشاعر الحرمان عليه.

دور المؤسسات
- برامج دعم الاسرة والطفل:
وهي من مسؤوليات المؤسسات الحكومية أو الدولية او حتى الأهلية والمحلية، ويم ذلك عن طريق تأمين عمل للوالدين العاطلين عن العمل مثلاً أو برامج الرعاية الصحية أو تأمين الاحتياجات الغذائية.
- دور المدرسة: ويأتي دور المدرسة في المسائل التعليمة حيث أن بعض الأطفال قد لا يستفيدون من الحصص المدرسية نتيجة لضغوط الحياة المختلفة، ويجب على المدرسة التعاون مع أهل الطفل وكافة المؤسسات المعنية بشؤون الطفل، لتنظيم برامج وأنشطة توفر للطفل التعليم بشكل مجاني، مثل الحصص الإضافية وتأمين الكتب المدرسية بشكل مجاني.

لا شيء أسوء من رؤية أطفالنا يحرمون من الحصول على أبسط حقوقهم وحاجاتهم كأطفال، فهم لا ذنب لهم في الظروف أو الأسباب التي أدت لهذا الحرمان مهما كانت، ولذلك فمن أهم واجباتنا تجاههم سواء كأهل أو كمجتمعات أو حتى مؤسسات حكومية أو خيرية أو أهلية أو دولية، أن نعمل ما بوسعنا معاً لمواجهة حرمان الأطفال بكافة أوجهه وتخفيف شدته والتقليل من آثاره، ولهذا كان اهتمامنا في هذه الدراسة بمفهوم حرمان الأطفال من حيث المعنى والظروف المسببة بالإضافة للنتائج والآثار وأفضل الخطوات لمواجهته.
 

[1] تقرير حول التعريف القانوني للطفل المحروم منشور في  definitions.uslegal.com، تمت مراجعته بتاريخ 22/6/2019.
[2] مقال Christion Nordqvist "ما تحتاج معرفته عن سوء التغذية" منشور في medicalnewstoday.com، تمت مراجعته بتاريخ 22/6/2019.
[3] مقال Stuart Brown "حرمان الطفل من اللعب يمكن أن يسبب مشاكل في نمو الطفل" منشور في childandfamilyblog.com، تمت مراجعته بتاريخ 22/6/2019.
[4] مقال Dr Jana Kreppner "الحرمان في الطفولة المبكرة يمكن أن يؤثر على الصحة العقلية عند البلوغ" منشور في southampton.ac.uk، تمت مراجعته بتاريخ 22/6/2019.