الإجهاض القسري وآثاره على المرأة
الإجهاض هو الإنهاء الطبي أو الجراحي للحمل، وهو أحد أقدم الإجراءات الطبية والأكثر شيوعاً وإثارة للجدل، ويرتبط الإجهاض بالإكراه مع العديد من العواقب النفسية، التي تؤثر على حياة المرأة، حيث تقلل عملية اختيار الإجهاض من قبل المرأة؛ من تأثيرات المشاعر السلبية، التي تحملها المرأة المُكرهة أو المضطرة على الخضوع لعملية إجهاض حملها.
الإجهاض القسري انتهاك للمرأة نفسياً وجسدياً
قد يحدث الإجهاض القسري عندما يتم إجبار المرأة على الإجهاض بالقوة أو التهديد أو الإكراه، أو عن طريق الاستفادة من عدم قدرة المرأة على إعطاء موافقتها (حالات المشكلات الذهنية والإعاقات العقلية)، أو عندما تمنح موافقتها تحت الإكراه (في بعض الدول التي تحدد النسل مثل الصين، أو إذا كان جنس الجنين أنثى كما في الهند)، وقد يشمل ذلك الحالات التي يحصل فيها الإجهاض بالخطأ عن طريق الأخطاء الطبية في عيادة أو في المستشفى، وكما عملية التعقيم القسري؛ قد يتضمن الإجهاض الإجباري بالإكراه، انتهاكاً جسدياً لأعضاء الإناث التناسلية، كذلك حالات اغتصاب!
كما أن الإجهاض بالإكراه؛ هو الإنهاء المتعمد للحمل دون موافقة مسبقة وعن سابق اطلاع من المرأة، حيث أنه شكل من أشكال الممارسات الضارة، التي يتم إجراؤها عادة على الفتيات والنساء المراهقات اللائي يتعرضن لضعف أو تهميش اجتماعي واضح، فقد تواجه هؤلاء الفتيات والنساء عوائق كبيرة؛ أمام تفعيل حقوقهن في اتخاذ قرارهن بحرية؛ بشأن المسائل التي تؤثر على حياتهم، بما في ذلك الحق في تكوين أسرة ومتى ومع من. [1]
كما يعتبر المدافعون عن حق الأجنة بالحياة أن حالات الإجهاض -القسري أو الإرادي- تعتبر جريمة قتلٍ للجنين الذي يمتلك حقّ الحياة ولا يحق لأحد سلبه هذا الحق، لذلك اعتبروا الإجهاض المسبب الرئيسي للوفاة حول العالم في سنة 2020، وذلك وفق تقرير الدكتور توماس ويليامز الذي رصد 42.7 مليون حالة إجهاض اعتبرها حالات قتلٍ للأطفال في الرحم. [8]
ما هي الآثار النفسية للإجهاض بالإكراه؟
في دراسة مقارنة ردود فعل الصدمة النفسية لدى النساء اللائي تعرضن للإجهاض عن عمد، في العامين التاليين للحدث عبرت نسبة 47.5 ٪ من النساء اللائي تعرضن للإجهاض، عن مشاعر مباشرة من الحزن والخسارة، بينما نسبة 30 ٪ للنساء اللائي تعرضن للإجهاض عن غير قصد، كانوا أكثر عرضة لتجربة مشاعر طويلة الأمد من الخسارة والحزن، كذلك الشعور بالذنب والعار، لذا يبدو أن ردود الفعل العاطفية قصيرة الأجل تجاه الإجهاض؛ أكبر وأقوى من ردود الفعل على الإجهاض بالإكراه، حيث أفادت النساء اللاتي أُجبرن على الإجهاض؛ بتجنب الأفكار والمشاعر المرتبطة بالحدث بشكل ملحوظ، أكثر من النساء اللائي تعرضن للإجهاض بشكل عرَضي، كما نستنتج أن هناك عواقب نفسية سلبية للحمل والإجهاض غير المخطط له، لكن قد تهدأ هذه المشاعر السلبية مع مرور الوقت، إلا في حالات الإجهاض بالإكراه فإن الآثار النفسية قد تمتد لأجل طويل. [2]
ويعرف الأطباء الممارسون للطب النسائي؛ بأن ولادة جنين ميت أو الإجهاض؛ حالة حزن لا يمكن تخطيها بسهولة، وكل حالة ترشد الممارسين والقيمين على الرعاية حول كيفية الاستجابة لها، فالحمل غير المخطط له وقرار إجهاضه.. معقد وصعب جداً، حيث يمكن التخفيف من الشكوك والشعور بالذنب والحزن والأسف، من خلال التمكين وتصميم المرأة وعزيمتها على تجاوز هذه الحالة النفسية الصعبة.
كيف يمكن أن تعمل القوانين على إدانة الإجهاض القسري؟
ليس الحل الجذري للإجهاض القسري؛ من خلال قوانين الحظر النهائي للإجهاض كإجراء طبي أو حق من حقوق المرأة، لكن بالقوانين التي تدين الإجهاض القسري، كما لا ترتبط بسياسات تحديد الأسرة أيضاً، فمثلاً ترافقت سياسة الطفل الواحد في الصين، مع حالات بشعة لتطبيق إجراءات الإجهاض التعسفي والقسري بحق المخالفين لهذه السياسة، حيث يمكن أن يتم العمل على إيقاف الإجهاض بالإكراه؛ بالقانون كما جرى منذ مدة بسيطة في بريطانية مثلاً، حيث نقض قضاة بريطانيون، حكماً بإجهاض امرأة لا تتمتع بالقوى العقلية الكافية، ستقوم والدتها برعاية الطفل، وكان قرار قضائي سابق مدعوم بأسباب طبية، حول تأثير الحمل من ثم الولادة على صحة امرأة لا تتمتع بالقوى العقلية الكافية؛ آثار موجة من الاحتجاجات الدينية والمدنية، على ما اعتبروه قراراً همجياً بأمر من القضاء وسريان قانونية الإجهاض القسري في بلد ديمقراطي مثل المملكة المتحدة! وعلى الرغم من فرادة هذه القضية، إلا أن الإجهاض القسري مع أنه عدم قانوني؛ لا يزال ساري المفعول في دول مثل الصين. [4،3،5]
باختصار.. تتعامل البنية القانونية في بلدان مختلفة؛ مع الإجهاض ما بين الرفض القاطع كما في إيرلندا، أو بسن قوانين تتعامل معه كحق من حقوق المرأة الإنجابية، بالإضافة إلى ما يتعلق بضرورته للمحافظة على صحة المرأة، على الرغم من الرفض الديني والمدني كما في قضية المرأة البريطانية المشار إليها، التي اُستأنف حكم إجهاضها ورفضته المحكمة، مع أنها امرأة فاقدة للمؤهلات العقلية التي تسمح لها بلعب دور الأمومة، حيث أن والدتها تعهدت برعايتها ورعاية الوليد كما أسلفنا.
ما يعنينا فيما يخص الإجهاض الإجباري بالإكراه، هو التعامل القانوني الفضفاض معه بين الدول المختلفة، لأنه سرّي للغاية ولا تتوفر الإحصاءات والبيانات، التي ترصد وتدرس مخاطر هذه الظاهرة، حتى لو عُدت قليلة الحدوث!
وبالنسبة للإجهاض القسري عربياً؛ لن نتحدث عن تحريم وتجريم الإجهاض بشكل عام، لكن في بحثنا حول الإجراءات المتخذة في العالم العربي ضد الإجهاض الإجباري بالإكراه، لم نجد ما يمكن أن نستند إليه في هذا المقال، على الرغم من انتشار حالات الإجهاض القسري في العالم العربي، وتكفي نظرة على الأسئلة والحالات المطروحة للنقاش على صفحات موقع حلّوها (أوردنا بعضها بروابط على النص)؛ لنعلم واقعية هذه المشكلة على الرغم من عدم اعتبارنا ما ورد هنا بمثابة إحصاءات، حيث يحتاج الأمر لإحصاءات رسمية فعلية، ودراسات تنظر في حلول هذه الظاهرة، بينما سأتناول عقوبات الإجهاض عربياً.. في مقال لاحق.
يترافق الإجهاض الإجباري بالإكراه.. بألم سري تعانيه النساء بصمت
الإجهاض من أكثر المواضيع التي تشهد نوعاً من حرب اللغة وحروب القوانين بين مؤيد ومعارض بشكل عام؛ وبالطبع ليس هو موضوع حديثنا، إلا أننا في موضوع الإجهاض القسري، نجد أنفسنا معارضين بالفطرة لهذا الإجراء فلكل مقام مقال، ومن جهة الإجهاض الآمن هو حق من حقوق المرأة في التحكم بصحتها الإنجابية ومدعوم أممياً، وهو يجري وشائع في كل العالم مع قوانين تدعم هذا الحق، ومع قوانين تحرمه... فيتم بصورة غير قانونية وخطيرة على حياة آلاف النساء.
فيما يخص موضوع هذا المقال.. ونظراً لأن سرية الإجهاض بالإكراه مثيرة للقلق، حيث تترك العديد من النساء بعد تجاوز المخاطر الصحية؛ مع شعور بأنهن بمفردهن ومعزولات، وغير مدعومات خلال هذا الوقت المؤلم.
دعنا ننهي الحديث عند الألم النفسي والندبة، التي قد يخلفها هذا النوع من الإجهاض في حياة المرأة بعد العملية ولمدة طويلة ربما، هنا أود التطرق لفيلمين سينمائيين تناولا قضية الإجهاض بحرفية؛ تعكس الألم الفعلي للإجهاض العمدي أو القسري:
- تناول الفيلم الروماني (4 أشهر و 3 أسابيع ويومان)، قصة مساعدة شابة لصديقتها بإتمام إجراء عملية الإجهاض غير القانونية، في ثمانينات القرن الماضي (خلال فترة حكم الديكتاتور نيكولاي تشاوشيسكو)، حيث كانت القوانين الرومانية تحرم الإجهاض، لكنه يتم على كل حال بشكله غير القانوني وغير الآمن، بالتالي تعرضت الكثيرات للمخاطر وفقدت الآلاف حياتهن، والفيلم يركز على التحديات التي تفرضها القوانين الغوغائية الديكتاتورية، حيث تعرضت بطلتا الفيلم لاغتصاب من قبل (الرجل) الذي يقوم بالإجهاض غير القانوني! ليتحول الإجهاض كحق من حقوق المرأة إلى عقوبة وقسر وإكراه، بالتالي ليس من الضروري أن توافق أو أن تعارض على إجراء عملية الإجهاض، لأنها حالة خاصة بكل سيدة على حدة، على الرغم من اختبار حالة الإجهاض لأغلبية النساء خلال حياتهن.[6]
- ترافقت عمليات الإجهاض الإجباري مع دعم قانوني في أوروبا خلال خمسينات القرن الماضي مثلاً في الدنمارك، حيث تم تعقيم النساء لأسباب عرقية وعنصرية وأخلاقية، مع إجهاض حالات حمل عديدة لنساء بشكل قسري، تناول فيلم (نقاء الثأر.. ملف 64) (The Purity of Vengeance) [7]، القضية من باب اكتشاف جريمة قتل مروعة، حدثت نتيجة لانتقام سيدة تعرضت للإجهاض والتعقيم القسري في ستينات القرن العشرين، في قضية أعادت تسليط الضوء على الإجراءات العنصرية لتحديد النسل ومن ضمنها الإجهاض القسري والتعقيم الإجباري، الذي اُتبع ضد نساء من أصول عرقية مهاجرة خلال القرن 21 أيضاً!.
في النهاية... مهما استفضنا للحديث عن الإجهاض بالإكراه، فإن الموضوع يحتمل الكثير من الجدل، المهم هو إدراك المخاطر النفسية قبل الجسدية.. لهذا النوع من الإجهاض، الذي يتم بإكراه المرأة على التخلص من جنينها دون موافقتها وبدون علمها في بعض الأحيان، ففي حالات الاغتصاب هناك حمل قسري، ويتم تحريم إجهاضه دينياً وقانونياً في بعض البلدان، وهناك حالات الحمل التي تتعرض لإجهاض قسري باعتبارات مختلفة أيضاً، لذا فإن نقاش هذه المواضيع حرب لغوية قبل كل شيء لن يصل إلى نتيجة حاسمة، والضحية الأساسية دوماً وأبداً هي الأم.. شاركنا رأيك.. وحاول أن تنظر في موضوع الإجهاض ككل؛ من دون قناعات مسبقة.