الجدل حول الإجهاض والصحة العقلية للأم

الإجهاض وارتباط الأم بالجنين، نظرة في بعض الدراسات التي تناولت التأثيرات النفسية والعقلية للإجهاض، والجدل حول تأثير الإجهاض على الأم وقياس الأثر النفسي للإجهاض
الجدل حول الإجهاض والصحة العقلية للأم
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

أشار تقرير علمي عام 2021 أن الإجهاض هو المسبب الأول للوفاة حول العالم إذا ما تم احتساب الأجنة في الأرحام كحالات وفاة، حيث بلغ عدد وفيات الأجنة في الرحم بسبب الإجهاض حوال 43 مليون حالة سنة 2020، وهذا الرقم يتفوق على جميع مسببات الوفاة الرئيسية التي تعترف بها منظمة الصحة العالمية مثل وفيات الأمراض المزمنة وضحايا السرطان أو ضحايا حوادث السير... إلخ.
يمكن أن يكون الإجهاض -المتعمد أو غير المقصود أو الإجهاض بالإكراه- مدمّر عاطفياً.. ورغم انتشاره منذ فترة طويلة لم يتم التحدث عن التأثير النفسي للإجهاض، باتساع أو عمق كافيين.. هذا ما نحاول نقاشه من خلال هذا المقال.

مطلوب المزيد من الدراسات حول الآثار النفسية للإجهاض
حتى الثمانينات من القرن الماضي، كان هناك نقص في الاهتمام البحثي للتأثير النفسي والعاطفي لفقدان طفل أثناء الحمل أو أثناء الولادة أو بعدها، حيث من المتوقع أن تتحمل النساء جميع أنواع الألم والمعاناة كجزء أساسي للإنجاب، وكان فقدان جنين أثناء الحمل جزء من هذا، وتم الصمت عن عمليات الإجهاض وتجاهلها أيضاً، لأنه كان من المفترض أن لا تستطيع الأم؛ الارتباط مع طفلها الذي لم يولد بعد! وعلى الرغم من أنه قد تم الاعتراف بأن المرأة قد تكون أكثر انزعاجاً إذا مات طفلها أثناء الحمل، فقد كان يُعتقد منذ فترة طويلة، أنها لا يجب أن تحزن فعلياً على الحمل المُجهض، والذي لم يثبت جيداً. [1]

نشر المحللان النفسيان؛ إيمانويل لويس (Emanuel Lewis) وستانفورد بورن (Stanford Bourne)، عدداً من المقالات في المجلات الطبية حول اهتمامهما بالصحة العاطفية والحاجة لمزيد من الرعاية؛ للنساء اللائي فقدن أطفالهن قبل موعد الولادة، وفي الوقت نفسه حذروا بأنه لا ينبغي تضخيم الإجهاض إلى كارثة! حيث ستكون قدرة المرأة على الصمود أكبر؛ بعد خسارة جنينها في مراحل مبكرة من الحمل، إلا أن عملها الرائد مهد الطريق لتفكير جديد، حول كيفية ارتباط النساء بأطفالهن، الذين لم يولدوا بعد! حيث تشير مؤلفات الأنثروبولوجيا كذلك التمريض والعلاج النفسي الحديث؛ إلى اهتمام متزايد بفهم التجربة الحية للإجهاض.
بحلول عام 2010، اتسع وبشكل كبير؛ نطاق بحث التأثير العاطفي المحتمل للإجهاض، على الرغم من أنه لا يزال هناك الكثير من الخطوات البحثية، التي يتعين القيام بها في هذا المجال، لكن حتى اليوم هناك مجموعة قيّمة من الأبحاث النفسية المعاصرة، التي ترسم وتقيس النتائج المحتملة للإجهاض (ما يسمى بالعقابيل النفسية)، بما في ذلك الحزن والقلق والاكتئاب، وتم دراسة الأعراض والتشخيصات المحتملة للإصابة بعد الصدمة كذلك اضطراب الإجهاد. [2]

لكن في حين أن العواقب النفسية للإجهاض تشير فقط إلى وجود علاقة مع الجنين، حاول مجال آخر من الاستقصاء النفسي -باستخدام نظرية الارتباط قبل الولادة- قياس هذه العلاقة وجودتها، وذلك بالتركيز على الحمل في مراحله المتقدمة، عندما لا يكون وقوع الإجهاض وارد أو لا يمكن أن يحدث (كولادة جنين ميت في الأسبوع 24 أو الأسبوع 20)،  ومن أكثر الأدوات لقياس الرابطة بين الأم والجنين استخداماً؛ أداة كرانلي (التي ابتكرت عام 1981)، وتستند في الأصل إلى ستة جوانب من عالم الأم الحامل: [3]

  1. تمايز الذات عن الجنين.
  2. التفاعل مع الجنين.
  3. انتقال الخصائص إلى الجنين.
  4. منح الذات.
  5. أخذ الدور.
  6. التعشيش.. (تم إسقاط هذا المكون الأخير لاحقاً).

بحيث تنطبق هذه الجوانب على الأمهات الحوامل.. في وقت مبكر أيضاً! لكن لا بد من إجراء الكثير من البحوث والدراسات حول ذلك، وريثما يتم البت في تأثيرات الإجهاض على الأم المكلومة، لا بد أن يكون القائمون بالرعاية والأطباء المختصون أكثر فضولاً؛ لاكتشاف المعنى الخاص للحزن الذي يسببه الإجهاض للأم والأب على حد سواء، هذا يعني فتح محادثة من قبل طبيب نفسي، مثل قول: "أخبرني عن حملك" أو "أود حقاً أن أفهم ما كان يعنيه هذا بالنسبة لك".. فهذا سيكون وسيلة أكثر فاعلية لكشف الحالة التعاطفية مع الأم، بالتالي مساعدتها على تجاوز الأزمة.

animate

لا يمكن قياس المضاعفات النفسية في تجربة معظم النساء مع الإجهاض، وفق دراسات وجدت أن هناك ثلاث مجموعات من النساء المشاركات في أبحاث حول ذلك [4]: 

  1. أولئك الذين لا يشعرون بأي ندم أو مشاعر سلبية.
  2. أولئك الذين يعانون من ندم عميق ومشاعر سلبية عميقة.
  3. من لديهم مزيج من المشاعر، بما في ذلك المشاعر المتناقضة (السلبية: حزن وإجهاد، إيجابية: التخلص من مسئولية الحمل).

حيث تشير أفضل الأدلة إلى أن النساء ذوات المشاعر السلبية، هم أقل عرضة للموافقة على المشاركة في الدراسات، التي بدأت في عيادات الإجهاض، ويتبع ذلك أنه من غير المرجح أن يتم تمثيل النساء اللائي لا يشعرن بالأسف في دراسات النساء، اللائي سعين للحصول على المشورة بعد الإجهاض، حيث يؤكد كل من هذين العاملين على أنه من المستحيل قياس دقيق؛ لكيفية رد فعل معظم النساء على تجربة الإجهاض عندما تكون المشاركة في البحث طوعية، ومع استمرار الجدل واختلاف الرأي حول التأثيرات النفسية للإجهاض، فإن هناك أرضية مشتركة كافية لبناء الجهود المستقبلية بهدف تحسين البحوث فيما يتعلق:

  • بالحقيقة الأساسية المتمثلة في أن بعض النساء على الأقل يواجهن مشكلات كبيرة في الصحة العقلية نتيجة الإجهاض: أو أنه يتسبب في تفاقمها وتعقيدها، فقد يكون هذا بسبب الشعور بالضغط والإكراه على الإجهاض أو اختيار الإجهاض دون الاهتمام الكافي برغبات الأمهات، أو المعتقدات الأخلاقية والدينية والمجتمعية، التي قد تجعل من الصعب التوفيق بين اختيار الأم  ورغبتها الحقيقية.
  • بحقيقة أن عوامل الخطر هي التي تحدد هوية النساء الأكثر تعرضاً لمخاطر الإصابات النفسية أو العقلية بفعل الإجهاض: بما في ذلك تاريخ الإصابة بمرض عقلي سابق، والتي يمكن استخدامها لتحديد النساء اللائي قد يستفدن من مزيد من المشورة قبل الإجهاض وما بعد الإجهاض، كما يمكن إجراء البحوث الإضافية المتعلقة بعوامل الخطر، والمؤشرات التي تحدد متى يحتمل أن يؤدي الإجهاض؛ ما تأمله وتسعى إليه النساء دون عواقب سلبية.
  • هناك أرضية مشتركة حول الحاجة إلى بحث أفضل: هذه الحقيقة وحدها هي حجة قوية لفرق البحث، وللتعاون في تصميم الدراسات التحليلية من قبل أي باحث، كذلك تبادل البيانات والتعاون في الاستجابة لطلبات إعادة التحليل
    ستساعد كل هذه الخطوات على تزويد العاملين في مجال الرعاية الصحية بمعلومات أكثر دقة للفحص وتقييمات المخاطر، كذلك تقديم رعاية ومعلومات أفضل للنساء قبل الإجهاض وبعده، وغير ذلك مما يتعلق بالصحة الإنجابية.

الجدل حول الإجهاض والصحة العقلية
على سبيل المثال.. ينص قرار الجمعية البرلمانية الآسيوية بشأن الإجهاض، والذي تم تبنيه في عام 1969؛ على أن إنهاء الحمل هو حق مدني للمرأة الحامل، وأن يتم التعامل معه مثل الإجراءات الطبية والجراحية الأخرى، بالتشاور مع الطبيب، على أن تعتبر قانونية إذا تم تنفيذها بواسطة طبيب مرخص في منشأة طبية مرخصة، كما أكدت سياسات الجمعية اللاحقة، التي تم تبنيها في أعوام 1980 و1989 و1992؛ حق المرأة في اختيار الإنجاب وضمت السياسات كذلك.. تأكيدات سلبية بشأن الآثار النفسية الضارة للإجهاض [5].
وهذا يفرض ألا يكون الطبيب المختص هو وحده المسئول عن الموافقة على الإجهاض، ثم تقديم المشورة بعد خضوع الأم للعملية، وتعيد القرارات تأكيد ضرورة دراسة التاريخ المرضي (بأحد الأمراض العقلية والنفسية)، وعلاقة ذلك بالتأثيرات الناجمة عن الإجهاض.
لكن يبدو أن تجربة الحمل غير المرغوب فيه (والتي يدور فيها سجال حول أهمية الإجهاض)، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بتأثيرات الصحة العقلية على النساء في وقت لاحق من العمر، بناء على تأكيدات علمية: [6] 

  • فالنساء اللائي يُحرمن من الإجهاض أكثر عرضةً في البداية لأن يواجهن مستويات أعلى من القلق وتدني مستوى الرضا عن الحياة وانخفاض احترام الذات مقارنة بالنساء اللائي تعرضن للإجهاض.
  • ارتبط الحمل غير المرغوب فيه؛ بعجز في العمليات المعرفية والعاطفية والاجتماعية اللاحقة للطفل، وهؤلاء الأطفال هم أكثر عرضة لتجربة نتائج سلبية طويلة الأجل في مرحلة البلوغ، مثل زيادة احتمال الانخراط في السلوك الإجرامي، وزواج غير مستقر... الخ.
  • من المرجح أن يزداد عدد حالات الإجهاض غير الآمن عندما تحد السياسات من الوصول إلى الرعاية الصحية الإنجابية.
  • هناك علاقة قوية بين الحمل غير المرغوب فيه والعنف الأسري، فعدم قدرة الحصول على الإجهاض قد يجبر النساء على البقاء مع شركاء عنيفين، مما يعرضهن وأطفالهن للخطر.
  • الوصول إلى الإجهاض الآمن والقانوني أمر أساسي لتحقيق المساواة الاجتماعية للمرأة، إن القوانين التي تقيد الوصول إلى الإجهاض الآمن والقانوني، ستكون ضارة بشكل خاص على النساء ذوات الدخل المنخفض والنساء ذوات الأقليات العرقية، كذلك أولئك الذين يعيشون في المناطق الريفية أو المحرومة طبياً.

ضرورة دعم المرأة نفسياً؛ قبل وبعد الإجهاض
مهما كان دافع الأم للتخلص من جنينها، ومهما احتدم الجدل حول تأثيرات الإجهاض العقلية والنفسية، لن نناقش في مقالاتنا حول الإجهاض أي إشكاليات مثيرة للجدل، فيما يخص المعتقدات والأخلاقيات وغيرها من القضايا المتعلقة برفض أو قبول الإجهاض، فعلى القائمين بالرعاية التخصصية من أطباء وممرضين وغيرهم تقديم الدعم والمشورة الطبية، حتى لو كانوا يرفضون موضوع الإجهاض! كذلك الأهل والأقارب والزوج بتقديم الدعم النفسي واحترام رغبة الأم، وبالنسبة للرعاية المتخصصة.. فربما يعمل مفهوم كارل روجر حول "الاحترام الإيجابي غير المشروط"، وهذا المكون من العلاج الإنساني، يتمثل المبدأ الأساسي في قبول ودعم المريض، بغض النظر عن القرارات التي يتخذها، من خلال تسهيل ودعم خياراته الصحية الصحيحة.. كذلك تحديد الدعم الذي يمكنه الوصول إليه، حيث يرتبط الإجهاض.. بالنسبة للعديد من النساء؛ بضيق نفسي قصير وطويل الأجل، على الرغم من أنه ليس دائم، لذا يجب أن يكون مقدمو الرعاية، في حالة استعداد لهذا الاحتمال، وأن يقدموا المساعدة حيث يمكنهم ذلك. [7]

في النهاية..  لا بد من دراسات وبحوث مكثفة وطويلة، حول التأثيرات التي يسببها الإجهاض..  بدراسة التاريخ الطبي للمرأة، كذلك احتمالا إصابتها النفسية بسبب خضوعها لعملية الإجهاض وفقدان جنينها، شاركنا رأيك... ليس حول رفضك أو قبولك لخيار الإجهاض، بل حول التأثيرات المحتملة.

المراجع