تزوجت رجلاً لا يخاف الله
وجدت نفسي في بيت العائلة وحيدة، فالعرائس مثلي تفرح في بيوتها التي اختارت بها كل زاوية... و جهَّزتها بعناية وحب، إلا إنا!.
وكان الأصعب... هو أنني سأتحمل مسؤولية تفوق كل ما تحمّلته صديقاتي في عمري اللواتي سبقنني للحياة الوردية... فلا بد أن أكون الزوجة المطيعة لزوجي... وزوجة الابن المتفانية لوالديه... والراعية لأخته.
نعم استيقظت لأجد أنني ما أن نزعت ثوبي الأبيض عن جسدي حتى عاد كل شيء لمكانه وانكشفت حقيقة حياتي البائسة.
تعلمت الصمت حتى لا أسبب الألم لوالدي الطاعن بالسن ووالدتي التي أحسنت تربيتي فظننت أني بعودتي لها بعد الأسبوع الأول سأكون وصمة عارها... فاخترت البقاء عروساً لرجل لا يخاف الله...
تزوجت رجلاً كلَّما علا صوت والدته... متعمدة أن تغرقني بحزني، تعمَّد أن لا يرى ويتصنع الانشغال بأمر آخر... استصرخ بصمت أن يحميني... ان يضمني بين ذراعيه... لكنه كان يجيد فن تجاهلي!.
كان أصمّاً لا يسمع انتقاد أخته -التي لم تتزوج بعد- لقبولي مشاركتهم المنزل، لم يملك الشجاعة ليخبرها أنه لم يكن يوماً خياري وأنه كاذب كبير... لم أطلب منه يوماً إلّا الحياة بكرامة، لكنه لم يقدم لي شيء، وسرق مني حتى ما تبقى لي منها.
كنت أظنه رجلاً مستقلاً... لكنه كان يختبئ تحت جلباب والده، يصرّ أن يبقى الطفل الذي يستيقظ صباحاً ليناوله والده دراهم نهاره.
لم أشعر يوماً بالبرد كما شعرت بهذا المنزل... ولم أشعر بالجوع، كان صوت معدتي الثائرة يمنعني من النوم بعد نهاري الشاق... كنت أشعر بالخجل أن أمد يدي لكسرة خبز... كنت أخاف انتقاد جوعي وعطشي...
حتى فنجان القهوة الذي أحب.. أصبح بلا طعم، كان كالسم في كل رشفة... كنت أرى في عيونهم ألَّا حق لي به.
حقائب سفري ما زالت تنتظر النور... ثياب عروس ((في سدة ذاك المنزل ليس لها مكان مثلي أنا)) تغيَّر لونها من الهجر كما جفت ألوان الحياة بملامحي.
كنت أبحث عن السعادة في أبسط الأشياء فلم أجد شيء... كنت أبحث عن الحب... فاكتفيت بقصص العشق الخيالية... كنت أبحث عن الحياة.
كنت أخاف الطلاق.. طلاق أعود به لعائلة وهبت عمرها لأطفالها. اخترت الألم... بصمت؛ واعتزلت البشر ، أتأمل ردود فعله الباردة... فيذبل حبي له.. كما يذبل العمر في روحي...
كلّما رأيته يسجد في محرابه... تساءلت هل يخاف الله بي؟...فلا أجد الإجابة
أمضيت عشر سنوات أبحث عن كرامتي معه... وعن الحب البارد... لكنني لم أجد سوى روحي المتساقطة.. وخيبات عمر تتوالى.. ورضيعتي الصغيرة.
هل أرحل؟! حقائبي جاهزة, فكما خرجت من منزل والدي ستعود... فهي ما زالت فوق، يأكلها الغبار والعث..
اخترت الرحيل... فصرخت في وجههم جميعاً... لكنني سقطتُ.. في غرفتي الخاصة.
وأخيراً غرفة خاصة لي... بيضاء... أسمع صوت جهاز... هل هو صوت دقات قلبي... أظنه هو... كنت أسمعهم.. صراخ أمي التي لا تدرك أني تألمت حتَّى... نخر هذا الغريب عظامي... لكنه كان رحيماً علي منهم جميعاً... فقد نخرها محافظاً على كرامتي...
وانكسار والدي... كأنه يرسم ملامحي... للمرة الأخيرة
أدركت أنني سقطتُ... وأنني سأرحل، بعيداً عن رجل لا يخاف الله بي... كنت سعيدة جداً.. لأني طلبت من الله أن أحافظ على ما تبقى لي من كرامة... وأن أعود لمنزل والدي بكفنٍ أبيض كما خرجت منه بالأبيض...
نعم سأخرج إلى قبري من منزل والديّ.. فهو المكان الوحيد الذي أسميته بيتا.
همستُ للطبيب أني أعرف الحقيقة وأني أريد الرحيل سعيدة، وأشرت إلى والدي ووالدتي... فطلب دخولهما... همست لهم أن يفخرا بي حتى اللحظة الأخيرة... وأنهما أحسنا تربيتي فسترت رجلاً غريبا أشقاني.
أشتاق لسريري في زاوية الغرفة فهل نرحل... عدت معهم.. وفي نظراتي.. غضب.. ألم. همست لزوجي بأنني لن أسامح رجلا لا يخاف الله... وأن ملاكي الصغير ستكبر في بيت العز والكرامة ولن تذل كأمها... وستكون امتدادي بعد رحيلي...
احتضنتها بقوة... وغرقت في نوم لم أعرفه منذ سنين... رائحة الطفولة في وسادتي، أحلامي الوردية.. والوردة الحمراء المختبئة في كتبي القديمة... وصورة حبيبي وفارسي الوحيد الذي تمنيته يوماً زوجي.. زوج يخاف الله.
غرقت في نوم لا صحوة بعده... نفذ الجميع وصيتي ودفنت في قبر ليس له عنوان... فكم صبرت حتى أصبح لي بيت.. لا أشعر به بالجوع والعطش.. سعيدة كنت به ووحيدة... رحلت غير مطلقة ولا ناشز... لكنني في هذه اللحظة أدركت أنني أنا أيضا لا أخاف الله... فقد أهلكت نفسي... بغير حق وأهلكت طفلتي بعدي.. لأجل رجل لم يخف الله يوماً بي... #خرابيش_عبير