كيف تكتشف شغفك وكيف يؤثر الشغف على خيارتك؟
"اتبع شغفك" نصيحة تتردد كثيرًا في السنوات الأخيرة، وقد يُساء فهمها واستخدامها أحيانًا فيترك البعض عمله ويستقيل من وظيفته بدون تفكير أو ترتيب، أو يتصور أنه عندما يعمل ما يحب فلن يحتاج إلى جهد، ولن تعترضه الصعاب.
وبعيدًا عن هذه التصورات الخاطئة، فإن مفهوم الشغف بشكل عام يجعل الإنسان أكثر وعيًا بمواهبه، ويدفعه للبحث عن رسالة وهدف لحياته يبني عليه اختياراته ووظيفته مما يفتح له بابًا للتميز في عالم شديد التنافسية.
بعض الناس يعرفون ما يريدون منذ وقت مبكر في حياتهم، ولكن الغالبية لا تظهر لهم الأهداف والميول بشكل واضح إلا بعد محاولات عديدة، وكثيرًا ما تؤثر نظرة المجتمع وضغوط المحيطين، وأحلام الوالدين على تشكيل الحياة العلمية والعملية، مما يجعل اكتشاف الشغف، وبناء الحياة المهنية التي تشبع الطموحات وتثير الحماسة أمرًا صعبًا.
وفي هذا المقال نقدم مجموعة من الأفكار والأسئلة تساعدك على معرفة شغفك في الحياة.
الشَغَف لغةً مصدر شَغَفَ، وشَغِفَ به شَغَفاً: أحبه وأُولِعَ به، والشَّغَافُ: غِلافُ القلب، أو سُوَيْداؤُهُ وحَبَّته، وشغَفَه الحبُّ: فتنه وأصاب قلبَه، مثال: يتطلّع بشغف- وما حُبّ الديار شَغَفْن قلبي.. ولكن حبُّ من سكن الديارا- وفي القرآن الكريم: {قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا}.
معنى كلمة شغف بالإنجليزية (passion)، ويعرفها قاموس كامبريدج بأنها: قوة العاطفة أو التعبير عنها، مثل: عاطفة الحب أو الغضب أو الكراهية أو الانجذاب الجنسي، وتُستخدم للتعبير عن الشيء الذي تهتم وتستمتع به بشدة، ويشاع استخدام مصطلح الشغف / passion مؤخراً في الحديث عن العمل والمسار المهني والاستفادة من الهوايات وأحلام تحقيق الذات، ويُستخدم بصورة أقل في وصف العلاقات العاطفية.
ملاحقة المسؤوليات، وكثرة الضغوط، ومقارنة النفس بالآخرين، والاهتمام بنظرة المجتمع أكثر من اللازم.. كلها أمور تضع طبقات فوق رغباتنا وأهدافنا الحقيقية، ورؤيتنا للحياة، يختفي تحتها الشغف فيصبح من الصعب على البعض اكتشافه.
إليك 11 فكرة وسؤالًا لمساعدتك على معرفة شغفك:
1- اسأل نفسك هذه الأسئلة الثلاثة البسيطة
"ما الموضوع الذي يمكنني قراءة 500 كتاب عنه دون الشعور بالملل؟"
"ماذا يمكنني أن أفعل لمدة خمس سنوات متصلة بدون مقابل مالي؟"
"كيف سأقضي وقتي إذا كانت لدي الوفرة المالية للقيام بأي شيء؟"
2- لا تفترض أن شغفك يجب أن يكون عملك
من الأفكار التي تعيق اكتشاف الشغف هي ربطه بالربح المالي، فكر في شغفك كشيء يثير حماستك وسعادتك في الحياة، وتشعر بتميزك واستغراقك أثناء القيام به حتى وإن لم يجلب لك المال مطلقًا.
إن وجود الشغف في حياة الإنسان يساعده على عيش حياة سويّة ووقايته من الاكتئاب والكسل، وهذا أمر لا يُقدر بثمن، وله انعكاسات إيجابية كثيرة على حياة الشخص المهنية والاجتماعية والنفسية.
3- فكر بشكل عكسي: ما الذي تكره عمله؟
ضع قائمة بالمهام والوظائف التي تكرهها تمامًا، وبمجرد إزالتها من تفكيرك قد يصبح شغفك الحقيقي أكثر وضوحًا.
4- ممن تغار؟
كن صادقًا مع نفسك، وضع قائمة بالأشخاص الذين تغبطهم على الأعمال التي يقومون بها، قد تجد شغفك في هذه القائمة.
5- دمج المهارات المتوسطة
عندما نبحث عن الشغف فإن أول ما نفكر فيه تلك المهارات التي نجيدها ونتقنها، وهو أمر منطقي وفعّال، ولكن حتى لو لم يكن لديك مهارات استثنائية ومميزة في شيء معين، يمكنك استغلال الأمور التي تؤديها بشكل مقبول.
كتب "أوليفر إيمبرتون" مؤسس برامج Silktide على موقع Quora قائلا: "إذا دمجت مهاراتك المتواضعة معًا فستجد شغفك".
على سبيل المثال: إذا كنت فنانًا متوسطًا، وتتمتع بروح الدعابة، فقد لا يبدو لذلك علاقة بالشغف، فليس لديك أمل كبير في الحصول على شهادة في الفن، ولا يمكنك دراسة "الفكاهة" كموضوع مستقل، ولكن إذا دمجتهما معًا فيمكن أن تكون رسام كاريكاتير رائع.
مثال آخر: طالب متوسط في الأعمال، مع بعض القدرة على البرمجة، ومهارات بيع جيدة. هذا الشخص مناسب بشكل مدهش لأن يصبح رئيسًا للآخرين الذين كانوا أفضل منه في كل مجال من هذه المجالات على انفراد.
وبحسب إمبرتون فإن الأشخاص الأكثر نجاحًا، والأكثر شغفًا بعملهم، لا يقومون بهذا أبدًا انطلاقًا من مهارة واحدة، بل إنهم يمزجون المهارات العادية بشكل مميز واستثنائي.
ويضيف: "لم يكن ستيف جوبز أعظم مهندس، أو مندوب مبيعات، أو مصمم أو رجل أعمال في العالم. لكنه كان جيدًا بشكل فريد بما فيه الكفاية في كل هذه الأشياء، وجمعها معًا ليصنع شيء أكبر بكثير".
6- تأمل يومي لاكتشاف الشغف
قد يكتشف البعض شغفهم في الحياة في لحظة، يصيبهم الإلهام ويصلون إلى ذواتهم بشكل رائع، ولكن الكثيرين يحتاجون إلى وقت وعمل لمعرفة شغفهم في الحياة بشكل حقيقي.
يوصي البعض بقضاء الباحث عن الشغف 20 دقيقة يوميا للتفكير في الأشياء التي أثارت اهتمامه مؤخرًا، أو الفرص التي اكتشفها.
7- اسأل الأصدقاء والمقربين
يمكنك أن تسترشد بآراء من يحبونك، ويعرفونك جيدًا، عما يعتقدون أنه يجب عليك فعله في حياتك، ولكن لا تدع هذه الآراء تحكم عليك.. هي فقط للاسترشاد.
8- تذكر ما كنت تحب القيام به في طفولتك
هل كنت تحب الرسم أو كتابة القصص عندما كنت صغيراً؟
حاول أن تتذكر الأنشطة التي استمتعت بها خلال طفولتك قبل أن يبدأ ضغط الدراسة وتصورات المحيطين عن مجال التعليم الأفضل والوظائف الجيدة.
ما هي الهوايات التي استمتعت بها قبل أن تصبح محملاً بالمسؤوليات والضغوط؟ هل ما زلت تستمع بها إلى الآن؟.. استخدم ذكرياتك لمساعدتك في العثور على شغفك الحقيقي.
ربما لا تزال تمارس بعض هوايات الطفولة إلى الآن، هل يمكن أن تتوسع فيها حتى تأخذ مركز الصدارة في حياتك؟
9- تخيل أنك كبير السن، كيف ستتمنى لو أمضيت آخر عشرين أو ثلاثين عامًا من حياتك؟
ما هي الأمور التي ستتمنى لو عشتها، وتنقل خبرتك فيها إلى أحفادك؟
اسأل نفسك: ما الفرق الذي تريد أن تُحدثه في العالم؟، وما الإرث الذي تريد تركه وراءك؟
10- قم بشيء جديد
لكل جديد لذة، ومن الطبيعي أن تشعر بالحماسة وأنت مُقبل على مشروع أو عمل جديد.
استغل حماسة البدايات للعثور على شغفك الحقيقي، ما تستمر رغبتك في القيام به، وتتجدد حماستك نحوه مهما طال الوقت هو شغفك.
11- قوة الخيال
قوة الخيال يمكن أن تكشف لك عن أمور كثيرة لا تعلمها عن نفسك، ففي الخيال تسقط الحواجز والمعيقات.
تخيل أنك تستيقظ مبكرًا، تقفز من السرير، وتفتح نافذتك للشمس، وترتدي ملابسك بسرعة وتشعر بالحماس للذهاب إلى العمل، ولعيش يوم مليء بالإنجاز والتميز. الآن.. اترك لخيالك العنان لتصور أين أنت ذاهب، وأي نوع من الأعمال ستقوم به؟
هذه بعض الأسئلة السريعة والمهمة لمساعدتك في العثور على شغفك
1- فكر في خمسة أشخاص يلهمونك حول العالم، من هم.. وما هي مجالات تخصصهم وسر إعجابك بهم؟
2- ما هي أهم ثلاثة موضوعات مفضلة لك في النقاش، ويمكنك الحديث حولها لساعات دون الشعور بالملل؟
3- إذا حصلت على ميراث بقدر 300 مليون دولار، كيف ستغير حياتك؟، وماذا ستفعل في أيامك؟
4- إذا أهداك أحدهم في يوم ميلادك اشتراكًا سنويًا في مجلة ما، أي نوع من المجلات تود أن تكون؟
5- ما الذي ستندم عليه في حياتك إذا كنت ستموت غدًا؟
6- ما هي الأمور التي يلجأ إليك الناس للحصول على معلومات أو نصيحة بشأنها؟
ما هي الجوانب المعرفية والعملية التي تحب أن تكون مرجعًا فيها؟
7- إذا أُتيحت لك فرصة التعلم الكثيف والحر من رائد أعمال يعلمك كيفية الربح من مجال واحد من اختيارك.. أي المجالات ستختار؟
8- إذا كنت متأكدًا من أنك لن تفشل في أي مهنة ستختارها.. فماذا ستختار؟
9- في لحظات الصدق والتواصل مع نفسك.. ما هي الأشياء التي تُشعرك بالحرية والانتماء، وتجدد إحساسك بالرغبة في الحياة في لحظات الإحباط والضيق؟
وفي النهاية من المهم أن نتعامل مع مفهوم الشغف كعامل مساعد على النجاح والسعادة وتحقيق الذات، وليس مصدرًا للضغط والحيرة، والأسئلة السابقة تساعد على إعادة اكتشاف الذات، والبحث عن نقاط القوة والإلهام.