سلوك الاندفاع والتهور عند الشباب والمراهقين
التهور والطيش صفات ملازمة للمراهقة كمرحلة عمرية في حياة الفرد حيث تتميز هذه المرحلة بالاندفاع الشديد والحماسة المبالغ فيها تجاه الكثير من الأمور التي لا تعتبر آمنة دائماً، وهذا ما يعرض المراهق للكثير من المخاطر والمغامرات التي لا تحمد عقباها، والحقيقة أن هذه المسألة تعد مشكلة كثيراً ما تقلق الأهل والمربين وتوتر العلاقة بينهم وبين أبنائهم، ولذلك فقد لاقت اهتمام كبير في الأوساط العلمية التربوية من حيث تفسير أسبابها وتعريف خصائص مرحلة المراهقة والبحث عن حلول تربوية لها، فما هي الشخصية الاندفاعية التهورية؟ وما خصائصها وعلاماتها عند أبنائنا المراهقين؟
من علامات ومظاهر الشخصية الاندفاعية المتهورة أنها لا تقدر عواقب الأمور ونتائج التصرفات والأفعال ولا تضع حساب لما قد يحصل في النتيجة، ولكن هذه الصفات تختلف من حيث نتائجها باختلاف المرحلة العمرية أو الجنس والثقافة والرغبات والحاجات، ولكن بالحديث عن المراهقين وبشكل عام فيمكننا الإشارة إلى بعض المجالات الأكثر شيوعاً في تهور المراهقين وتصرفاتهم الطائشة المندفعة:
- المغامرات والعلاقات الجنسية في مرحلة المراهقة: حيث أن اجتماع قلة الخبرة لدى المراهقين في وسائل إشباع حاجاتهم الجنسية ومرحلة البلوغ الجديدة عليهم التي يمرون بها وما يتخللها من هيجان عاطفي وجنسي، قد تجعل المراهق يوقع نفسه بالكثير من المشاكل وخاصة بالحديث عن المراهقات الإناث هذا بالإضافة لإمكانية بروز بعض الميول الشاذة.
- التحديات الخرقاء للمراهق: كل ما هو محيط بالمراهقين يشكل موضوع تحدي بالنسبة لهم، في علاقاتهم مع زملائهم وأصدقائهم أو طريقة فهمهم لأخذ حقوقهم أو الوسائل التي يتبعونها للتعبير عن أنفسهم وإثبات وجودهم، فلكل ذلك قد يدخلون بأشكال من التحديات مثل الشجار والعنف التي يتسببون خلالها بالأذى سواء لأنفسهم أو لغيرهم.
- التعلق والإيمان بمعتقدات وفلسفات غريبة: مثل ظاهرة ما يعرف بالإيمو أو ظاهرة عبدة الشياطين التي لا تمت لثقافة أو دين أو مجتمع المراهق بأي صلة وإنما تعارضها وتتناقض مع كل مكوناتها إلى أبعد الحدود وقد يجد المراهق في هذه الأشياء مغامرات وطريقة في التعبير عن بعض رغباته الغريزية المكبوتة وهي خطرة جداً على صحته النفسية وحضوره الاجتماعي.
- الانخراط في مغامرات وتجارب جريئة: مثل الرغبة بالسفر وهي من الأشياء شديدة الانتشار بين المراهقين أو تعلم التدخين وإدمان المواد المخدرة والكحولية ولا يدفعهم إلى ذلك سوى الرغبة بالتجريب والمغامرة دون إدراك أو اهتمام بعواقب هذه الأمور.
- التهور في استعراض المهارات والقدرات البدينة: وخاصة بالنسبة للذكور مثل تجربة القيام ببعض الحركات الرياضية الخطرة أو الدخول في أنشطة عنيفة مثل ألعاب القوة والعراكات.
في كثير من الحالات يعزى السبب الأساسي في بروز صفات الطيش والتهور عند المراهقين إلى ضعف الخبرة وقلة الحكمة ولكن من ناحية أخرى يمكن ملاحظة أن المراهقين أكثر تهوراً حتى من الأطفال الذين يعتبرون أقل خبرة وحكمة منهم يفسر هذا عادةً بأن الأطفال أكثر شعوراً بالخوف من المراهقين، وهنا يأتي السؤال ما الذي يسبب تراجع صفة الخوف في مرحلة المراهقة لصالح صفة التهور والاندفاع؟.
- الأسباب الجسدية الفيزيولوجية للحالة الاندفاعية عند المراهق
- عدم الاستقرار في الإفرازات الهرمونية: ومنها ما يتعلق بالأمور الجنسية أو أمور عصبية، فنجد طريقة تفكير المراهق ورغباته وميوله تختلف عن ما كانت عليه في صغره وبالتالي تتأثر سلوكياته وتصرفاته بهذه المسألة.
- أدمغة المراهقين مرتبطة بالتهور: وهذا ينتج النظر للمراهق على أنه بدأ بالنضوج في الوقت الذي تعتبر خبراته ومعارفه وتجاربه ووعيه وإدراكه للأمور شبيهة أكثر بدماغ الطفل منها لدى البالغ[1]، وهنا عندما يحصل المراهق على حقوق البالغ بينما لديه عقل طفل، من الطبيعي أن يبدو أكثر تهوراً ومجازفة وعدم تقدير للعواقب والمخاطر، كما بينت الدراسات الحديثة[2] أن تركيبة دماغ المراهقين ترتبط بشكل وثيق بسلوك المخاطرة، وهذا يعيدنا إلى وجهة نر علم النفس التطوري، حيث يعتبر سلوك الاستكشاف المحفوف بالمخاطر جزء من النمو.
- التغيرات الجسدية الحاصلة في مرحلة المراهقة: فمرحلة المراهقة هي بداية النضوج الجسدي التام وبهذه المرحلة تحصل الكثير من التغيرات في أعضاء جسده المختلفة وهذا يسبب بعض المشاعر غير المستقرة لديه التي تؤثر على شكل سلوكياته.
- أسباب نفسية واجتماعية لتهور المراهقين
- الرغبة بالتحدي والتمرد: وهي مسألة كثيراً ما تتحكم في سلوكيات المراهق، حيث أنه يرغب لسبب ما في تحدي أحد الأشخاص مثل ذويه أو معلميه أو غيرهم ويريد التمرد على سلطتهم عليه فيقوم بسلوكيات متهورة تعبيراً عن هذا التمرد.
- فكرة التجربة والمغامرة: مرحلة الطفولة والمراهقة تعد بمثابة الأرض الخصبة للتجارب وحس المغامرة ويختلف نوع هذه المغامرات بين الأطفال والمراهقين، حيث تأخذ عند المراهقين شكلاً أكثر حماسية واندفاعية وربما خطورة.
- قلة الخبرة والمعرفة: فالمراهق لم يكتسب بعد الكثير من المعلومات حول ما قد تؤدي إليه تصرفاته بالمجالات المختلفة ولم يدرك بعد النتائج الحقيقة لتصرفاته المتهورة ولم يختبر خطورتها وهذا يجعله أكثر تهوراً وأقل تقديراً للعواقب.
- ضعف المحاكمات العقلية: التي تجعله غير قادر على تقدير عواقب الأمور والأفعال، فهو لا يمكنه على غرار الكبار توقع النتائج التي سوف يفضي إليها سلوكه أو إدراكها ذهنياً بالاعتماد على الخبرة والمحاكمة العقلية دون أن يضطر لتجربتها.
- مشاعر المراهقين والشخصية العاطفية: أغلب تصرفات المراهقين وأفعالهم ناتجة عن حالات انفعالية عاطفية تولد شعور مبالغ فيه بالحماس والاندفاع عند المراهق، وليس بناء على المصلحة وتقدير أفضل ما يمكن فعله إزاء رغباته وهذا يجعله أكثر تسرعاً في تصرفاته.
لا تمر المواقف التي يتصرف بها المراهق بطيش وتهور بسلام وأمان بشكل دائم، فبسبب اندفاعه وتهوره وعدم تقديره لنتائج أفعاله وعواقب تهوره يمكن أن يتسبب لنفسه بالكثير من مواقف الخسارة والفشل والإحباط وحتى المخاطرة والإيذاء في بعض الأحيان والتسبب بمشاكل كبيرة لنفسه ولأهله وللآخرين[3]، حتى أنه قد يدخل السجن في بعض الأحيان بسبب تصرفاته، ولهذا لا بد من البحث عن وسائل يمكنها المساعدة في درء مخاطر تصرفاته وحمايته من تهوره، من خلال توجيه سلوكه وتعريفه بعواقب الأمور:
- محاربةأوقات فراغ المراهق: عن طريقه إدماجه في بعض الأنشطة المفيدة والتي لديه ميل نحوها، مثل الرياضة وبعض أنوا ع الفنون، ومنها ما هو خاص بالإناث ومنها للذكور.
- الاهتمام بمشاكله الشخصية والعاطفية: لا يجب أن يترك المراهق وحده في مواجهة هذه الأشياء ويجب أن يقف ذويه إلى جانبه فيها، ولكن دون المبالغة في التدخل بشؤونه وكأننا نقتحم حياته وخصوصيته، بل لا بد من إيجاد الفرصة المناسبة لتقديم المساعدة حيث يشعر المراهق أنه بحاجة لها بالفعل، وبهذا يرى أن ذويه هم أكثر من يهتمون به وبشؤونه.
- معرفة السبب وراء تصرفات المراهق الغريبة: فهذه التصرفات غالباً ما تكون تعبيراً عن بعض الأشياء التي تحصل معه ولا يمكنه البوح بها، فيجب معرفتها والتدخل في حال كانت تشكل خطورة على المراهق وليس بدافع عقابه أو كبت رغباته.
- تعريفه بعواقب خرق الأنظمة والقوانين: وهي مهمة مشتركة بين المدرسة والأهل فمعرفة المراهق بما قد تؤدي له تصرفاته من سلبيات تعود عليه، يمكن أن يشكل رادع بسيط لديه عن المبالغة في المخاطرة.
- الحوار مع المراهق حول المخاطر المحدقة به: دون إجبار أو تحديد التصرفات بشكل قسري، وإنما من خلال الحوار والنقاش فالمراهق يرغب بأن يتعامل معه الآخرين كناضج، واستخدام الحوار معه يقلل من التوتر والتحدي في العلاقة بينه وبين ذويه.
- بناء علاقة ودية تقوم على الصداقة بين الأب والابن: حيث يرغب المراهق في الحديث لوالده من نفس الجنس حول رغباته ومشاكله وأفكاره مع هذا الوالد وبذلك تتاح الفرصة لتوجيه هذه الأفكار والرغبات.
- تحميل المراهق مسؤولية أفعاله: كما يرغب المراهق في الحصول على حريته يجب أن يتحمل مسؤولية تصرفاته، وهذه أفضل طريقة ليتعلم المراهق من تجاربه وأخطائه ونتائج أفعاله لضمان عدم تكرارها.
- عدم معاملته كطفل: فهذه المسألة من أكثر الأشياء التي تزعج المراهق وتوتر علاقته مع ذويه، وتؤدي به للتهور بهدف إثبات ذاته.
- علاج المشاكل النفسية إن وجدت: في بعض الحالات قد يكون اندفاع المراهق ناتج عن أمراض نفسية أو اضطرابات في شخصيته، وهنا المسألة بحاجة للمساعدة من قبل المختصين والخبراء.
- الرقابة المستمرة على علاقاته ومعارفه: فالمراهق يتأثر جداً بعلاقاته ومعارفه وثقافاتهم وأفكارهم، وكثير من تصرفاته السيئة قد تنتج عن هذه العلاقات.
بعد التعرف على أسباب وأشكال التصرفات والأفعال الاندفاعية والمتهورة التي تميز صفات بعض شخصيات المراهقين أو مرحلة المراهقة بشكل عام، هل يمكن تصنيف الاندفاع والتهور عند المراهقين على أنه مرض أو اضطراب نفسي في شخصيتهم، أم هو مجرد صفة سلوكية تميز هذه المرحلة بناء على اعتبارات نفسية وعمرية للمراهقة، تكمن أهمية الإجابة على هذا السؤال في تحديد كيفية التعامل مع ابنائنا المراهقين ووقايتهم من نتائج هذه المشكلة وأعراضها، وهذا ما حاولنا عرضه في هذه المقال حول صفة الاندفاعية والتهور المصاحبة لمرحلة المراهقة.
- مقال MICHAEL MOSLEY "أدمغة المراهقين مرتبطة بالتهور" منشور في bbc.com، تمت مراجعته في 24/7/2019.
- مقال Christopher Bergland "سلوك المراهقين المحفوف بالمخاطر وارتباطه بنشاط الدماغ غير المتوازن" منشور في psychologytoday.com، مراجعته في 24/7/2019.
- مقال Patrickm A Coleman "كيف نوقف الطفل المتهور عن تعرض نفسه للمخاطر" منشور في Fatherly.com تمت مراجعته بتاريخ 25/7/2019.