مخاطر الإجهاض غير الآمن وآليات الإجهاض القانوني
شغل الإجهاض خلال السنوات الماضية مكان الصدارة بين المواضيع الطبية المثيرة للجدل في الرأي العام من النواحي الصحية والأخلاقية والدينية على حد سواء، إذ يرى البعض أن الإجهاض أمر خاطئ وغير مقبول بأي شكل من الأشكال، بينما يرى الآخرون أن المرأة لوحدها هي من يملك الحق في اتخاذ القرارات المتعلقة بجسدها.
في هذا المقال سنركز على الجانب الطبي من هذا الجدال، ونتحدث بشيء من التفصيل حول الدواعي الطبية للإجهاض والمخاطر التي قد تنتج عنه خصوصاً في حالات إجرائه من قبل أشخاص غير مختصين.
لمحة عامة عن الإجهاض
يمكن تعريف الإجهاض (Abortion) بأنه عملية إنهاء الحمل وإزالة محصول الحمل (المضغة أو الجنين) قبل وصوله إلى الفترة التي يمكنه فيها البقاء على قيد الحياة بمفرده خارج الرحم، يمكن أن يحدث الإجهاض بشكل عفوي ويدعى في هذه الحالة باسم الإسقاط (Miscarriage) أو الإجهاض العفوي (Spontaneous Abortion)، أو أن يكون محرضاً بشكل فعال ويدعى باسم الإجهاض المحرض (Induced Abortion).
عند إجرائه بشكل صحيح، يعتبر الإجهاض واحداً من أكثر الإجراءات الطبية أماناً حتى أنه أكثر أماناً من الناحية الصحية بالمقارنة مع الخيار الآخر إكمال الحمل حتى الولادة[1] والذي يحمل خطورة وفاة أعلى بـ 14 مرة[2].
إحصائيات عن الإجهاض من منظمة الصحة العالمية
تبعاً لإحصائيات موقع منظمة الصحة العالمية (WHO) فإن 56 مليون إجهاض محرض (آمن وغير آمن) حدثت حول العالم سنوياً بين عامي 2010 و 2014، وأن هذا الإجهاض يشكّل إنهاء لـ 25% من حالات الحمل متركزاً في الدول النامية مقارنة مع بلدان العالم المتطور.
أما الإجهاض غير القانوني فيقدر أنه يجري 25 مليون مرة حول العالم سنوياً جميعها تقريباً في الدول النامية خصوصاً في آسيا ثم أفريقيا التي كانت معظم عمليات الإجهاض فيها غير آمنة وغير قانونية مما جعلها تحتل موقع الصدارة في خطورة المضاعفات والوفيات الناجمة عن الإجهاض. [3]
ما هي الطريقة الآمنة لإجراء الإجهاض؟ وما الشروط الواجبة للقيام به؟
الإجهاض القانوني هو عملية طبية بسيطة وآمنة يقوم بها المختص لإنهاء الحمل إذا كان خياراً مفضلاً، أما عن الشروط الطبية لإجراء الإجهاض فهي واضحة ومنطقية وهي:
- خطورة الحمل: أي أن استمرار الحمل يعرض صحة المرأة وحياتها للخطر.
- فائدة الإجهاض: أي أن إنهاء الحمل يساهم في وقاية المرأة من هذه المخاطر.
- أمان الإجهاض: أي عدم تسبب الإجهاض بمشاكل صحية قد تكون أخطر من استمرار الحمل.
- التشوهات الجنينية: خصوصاً التشوهات الشديدة غير المتوافقة مع الحياة.
يتم اختيار وسيلة الإجهاض اعتماداً على عدة عوامل أهمها عمر الحمل ويقسم تبعاً لهذه الوسائل إلى:
- الإجهاض الدوائي: يتم من خلال تناول نوعين من الدواء بفاصل 24 إلى 48 ساعة من أجل تحريض الإجهاض.
- الإجهاض الجراحي: وهو عملية بسيطة لا تحتاج إلى النوم في المشفى يتم من خلالها سحب الخلايا الجنينية من الرحم باستخدام أداة شفط أو بواسطة التوسيع والتجريف (D&C).
لمحة عن الإجهاض الجنائي
يعتبر الإجهاض غير آمن إذا تم إجراؤه من قبل أشخاص غير مختصين أو إذا حدث في شروط دون المستوى الصحي المطلوب، يشمل الإجهاض غير الآمن ما يلي:
- الإجهاض المحرض ذاتياً.
- عمليات الإجهاض المنفذة في ظروف غير عقيمة أو من قبل أشخاص غير مختصين.
- عمليات الإجهاض التي أجراها مختصون، لكنهم لم يقدموا العناية الطبية اللازمة بعد العملية.
أما عن وسائل الإجهاض الجنائي فنذكر منها:
- محاولة تمزيق السائل الأمنيوسي (Amniotic Sac) المغلف للجنين داخل الرحم باستخدام أداة حادة أو سلك، قد تؤدي هذه الوسيلة إلى أذية الأعضاء الداخلية للمرأة وحدوث نزف قد يودي بحياتها.
- ضخ المركبات الكيميائية السامة مثل الفلفل أو المبيدات داخل جسم المرأة، مما يعرض المرأة لحدوث صدمة سمية (Toxic Shock) خطرة.
- تحريض الإجهاض عبر استخدام الأدوية المسببة لتقلصات الرحم والإجهاض مثل الأوكسيتوسين (Oxytocin)، البروستاغلاندين (Prostaglandin) ومركبات الإرغوت (Ergot) بشكل ذاتي أو دون طلب رأي الطبيب المختص، تتضمن مخاطر هذه الوسيلة تمزق الرحم، اضطراب ضربات القلب، هبوط الضغط المفاجئ، فقر الدم الذي قد يضطر المصابة إلى نقل الدم، وذمة الرئة وتحريض نوبات الربو، بعض هذه المضاعفات عالية الخطورة وقد تصل إلى حد الوفاة.
هل الإجهاض عملية خطرة؟ وما هي المشاكل التي قد تنتج عنها؟
علينا التنويه إلى أن الغالبية العظمى من المضاعفات تحدث لدى إجراء الإجهاض غير الآمن، أما عند إجرائه من قبل مختصين فإن نسبة حدوث المضاعفات فهي لا تزيد عنها في أي إجراء طبي مشابه، تزداد نسبة حدوث المضاعفات كلما تم إجراء العملية في وقت متأخر من الحمل، وأهمها:
- إصابة الرحم بالعوامل الممرضة: يمكن أن يلتهب الرحم بالبكتيريا في 1 من كل 10 عمليات إجهاض، وتستجيب هذه الالتهابات عادة على العلاج الدوائي بالمضادات الحيوية (Antibiotics).
- بقاء جزء من محصول الحمل داخل الرحم: يحدث هذا الاختلاط في أقل من 5% من الحالات، ويتطلب عادة القيام ببعض الإجراءات الإضافية للتأكد من تمام خروج الخلايا الجنينية.
- استمرار الحمل: يبلغ احتمال حدوث هذا الأمر أقل من 1%، وهو يستدعي إعادة الإجهاض والتأكد من إنهاء الحمل.
- النزف الغزير: وهو اختلاط نادر يحدث في واحد من كل ألف إجهاض، قد تتطلب النزوف الغزيرة نقل الدم.
- أذية عنق الرحم: وهو اختلاط غير شائع يحدث خصوصاً عند إجراء الإجهاض الجراحي بعد الأسبوع الحملي الثاني عشر، أو إذا قامت المرأة بمحاولة إجهاض الطفل من تلقاء نفسها.
- الخثرات الدموية في الرحم: تؤدي هذه الخثرات إلى حدوث تشنجات مؤلمة في الرحم، عادة ما تتم إزالتها بإعادة إجراء الإجهاض الجراحي.
- الاختلاطات المتعلقة بالتخدير: يترافق التخدير في أي إجراء طبي مع مجموعة من الاختلاطات مثل التحسس للدواء المستخدم في التخدير أو استنشاق المفرزات الهضمية أو تثبيط التنفس.. لهذا السبب يفضل الكثير من الأطباء إجراء الإجهاض دون استخدام التخدير مما قد يعرض المرأة لدرجة كبيرة من الألم.
- تشكل ندبة على جدار الرحم: يمكن أن تتشكل ندبة في مكان تجريف باطن الرحم إذا بالغ الطبيب في هذا الإجراء، يؤدي هذا إلى ما يعرف باسم متلازمة آشرمان (Asherman’s Sydrome) التي تتميز بكون الدورات الطمثية غائبة أو مضطربة أو مؤلمة، كما أن المرأة قد تواجه مشاكل في الحمول اللاحقة مثل الإجهاضات العفوية ونقص الخصوبة.
- تنافر الزمر الدموية Rh: تحدث هذه المتلازمة إذا كانت زمرة دم الأم سلبية وزمرة دم الجنين إيجابية (لا تحدث إذا كان كل من الزوجين سلبي الزمرة) في هذه الحالة يؤدي الإجهاض إلى عبور كمية قليلة من دم الجنين إلى الدوران الدموي للمرأة مما يؤدي إلى تشكيل أجسام مناعية مضادة لهذه الزمرة، وفي الحمول اللاحقة يمكن أن تعبر هذه الأجسام المناعية إلى دم الجنين الجديد وتهاجم كرياته الحمراء إذا كان ذا زمرة دم إيجابية مما قد يعرض حياته للخطر.
ما هي عواقب الإجهاض على المستقبل الإنجابي للمرأة؟
أهم الاختلاطات المتأخرة المتعلقة بالإجهاض (وخصوصاً عند إجراء عدد كبير من الإجهاضات الجراحية) هي صعوبة تحقيق حمل ناجح في المستقبل، كما أن الإجهاض يزيد من نسبة حدوث المشاكل النسائية التالية خلال الحمول اللاحقة:
- النزف التناسلي المبكر في الحمل.
- موت الجنين داخل الرحم.
- نقص وزن المولود.
- مشاكل المشيمة مثل التصاق المشيمة أي عدم خروجها بعد المخاض والولادة.
- الولادة المبكرة والإسقاط العفوي.
كما أن إنهاء الحمل قد يوقع المرأة في صراعات ومشاكل نفسية، إذ يكثر ظهور الاكتئاب واضطرابات القلق والغضب لدى النساء بعد الإجهاض، يمكن أن تؤدي هذه الاضطرابات إلى تدمير العلاقات العاطفية والجنسية للمرأة إذا لم يتم التعامل معها بالشكل المناسب والاستعانة بالطبيب النفسي عند الحاجة.
وفي الختام... يصعب أن نجد موقفاً موحداً وحاسماً تجاه الإجهاض إنما يجب معاملة كل حالة بشكل مستقل، أما من الناحية الطبية فيمكن القول إنه عمل آمن وغير مؤذ لدى إجرائه ضمن الشروط الصحية المناسبة في سياق الأسباب الطبية الموجبة له.
اعتبر تقرير نشره البروفيسور توماس ويليامز مطلع عام 2021؛ أن الإجهاض هو المسبب الأول للوفاة في العالم، حيث أدى الإجهاض إلى قتل 42.7 مليون طفلاً في الرحم، واحتسب التقرير إجهاض هؤلاء الأجنة كحالات قتل يجب احتسابها بين مسببات الوفاة الرئيسية، حيث تتفوق وفيات الأجنة في الرحم بسبب الإجهاض على حالات الوفاة بسبب الأمراض المزمنة والسرطان وحوادث السير والانتحار والتدخين، وحتى على الوفيات التي تسبب بها فيروس كورونا المستجد منذ ظهوره، مع العلم أن المنظمات العالمية -منها منظمة الصحة- لا تصنّف الإجهاض كسبب من الأسباب الرئيسية للوفاة، لعدم اعتبارها الأجنة في الأرحام ضمن الإحصائيات. [4]