تربية طفل سليم نفسياً والعناية بصحة الطفل النفسية
هل تحلمون بتربية طفل قوي عقلياً وجسدياً؟ عليكم أن تعلموا أنكم لن تستطيعوا تحقيق هذا الأمر دون أن تبنوا قوته النفسية في البداية. فالأطفال السليمين نفسياً قادرين دوماً على مواجهة تحديات العالم، كما أنهم قادرين على التغلب على المصاعب والفشل والخسارة. إن كنتم ترغبون في تعزيز هذه المفاهيم والقيم عند أطفالكم، تابعوا معنا هذا المقال لكي تعرفوا أكثر عن أساسيات التربية النفسية السليمة للطفل وكيفية فهم نفسية الطفل بشكل فعّال.
خطوات تنشئة طفل سليم نفسياً
تعجّ حياة الآباء والأمهات بالمهام الروتينية اليومية التي تستهلك معظم وقتهم، مما ينسيهم أحد أهم العناصر في التربية السليمة للطفل، وهي التربية النفسية. سنتعلم في هذا المقال كيف ننظر إلى تربية الأطفال من منظور أوسع، لنتخطّى تعليمهم الأمور البديهية كالنظافة الشخصية وحل الواجبات وممارسة الرياضة، وننتقل إلى تعزيز الجانب النفسي بشكل صحي وسليم. تابعوا معنا أساسيات التنشئة النفسية السليمة للطفل[1].
- علّم طفلك مهارة التفكير المنطقي
يتعرّض الكثير من الأطفال إلى مشاكل نفسية يومية في حياتهم، فهم معرّضون للشك بذاتهم ولتدني احترامهم لنفسهم وللتعامل مع الانتقادات القاسية. بدلاً من أن تقول لطفلك "توقف عن القلق" أو "ستكون الأمور على ما يرام" أو "فكّر بإيجابية"، علّم طفلك كيف يتخّطّى هذه المشاكل عن طريق التفكير المنطقي. على سبيل المثال، في المرة القادمة التي يشتكي فيها طفلك من قلقه بسبب امتحان الرياضيات، علّمه أن يخبر نفسه "يمكنني أن أحسن درجاتي من خلال الدراسة الجادة وطلب المساعدة وأداء واجباتي المنزلية".
- علّم طفلك مهارة التحكم بالمشاعر
يفتقر العديد من الأطفال لمهارة التحكم بالمشاعر، فهم لا يمتلكون المهارات اللازمة للتعامل مع المشاعر غير المريحة التي تواجههم كالشعور بالوحدة والقلق والحزن والاجهاد. لابد من أن ننظر إلى هذه المشكلة على أنها أمر خطير وبحاجة إلى تدخل تربوي فوري، فبدلاً من أن تقول لطفلك "لا تخاف" أو "إنها ليست مشكلة كبيرة"، علّم طفلك أن يكون صريحاً مع مشاعره وستعلم بأنك حققت غايتك عندما يجرؤ طفلك على القول "أنا أشعر بالقلق وهذا الأمر يخيفني" مما يعني أنه بدأ بإدراك مشاعره واستطاع التعبير عنها.
- علّم طفلك مهارة مواجهة المخاوف
إن كنت تخاف من تعرّض ابنك للخطر وتتدخل لإنقاذه في كل مرة فأنت تؤذيه بشكل أو بآخر! يحتاج الأطفال إلى مواجهة مخاوفهم وإلى اتخاذ قرارات صحيّة سليمة من تلقاء أنفسهم، تذكّر عزيزي القارئ بأن الطفل الذي يثق في قدرته على التصرف أمام مخاوفه ويتحمّل المصاعب التي تواجهه وحده سيمتلك ميزة تنافسية مستقبلية تجعل منه أكثر نجاحاً في الحياة. ننصحك عزيزي القارئ بأن تظهر لطفلك أنه قادر على إحداث تغيير في حياته وحياة الآخرين.
كيف يمكنك أن تربّي طفلك دون أي مشاكل نفسية؟
بعد أن تعرّفنا على أهم الأساسيات في عملية تنشئة طفل ذو صحة نفسية جيدة، سنقوم الآن بالتحدث بشكل مفصل عن كيفية تحقيق هذا الأمر. هنالك مجموعة من الخطوات والاستراتيجيات التربوية التي يمكنكم اتباعها لمساعدة أطفالكم في بناء عقل منفتح ومتّزن نفسياً، تعرّفوا معنا على أهم هذه الخطوات[2].
- علّم طفلك بعض المهارات
هل تظن بأن تأنيب طفلك عند قيامه بأي تصرّف خاطئ هو أمر صحيح؟ للأسف عزيزي القارئ، تعتبر تقنية التأنيب ودفع الطفل للشعور بالذنب أحد تقنيات التربية القديمة التي لم تعد فعّالة أبداً. ما عليك فعله هو أن تعلّم طفلك كيف يتجنّب خطأه في المرات القادمة عن طريق استخدامك للعواقب التي تحمل في طياتها مهارات حل المشاكل والتحكم في الدوافع والانضباط الذاتي.
- دع طفلك يرتكب الأخطاء
نعلم بأن عنوان هذه الفقرة قد يبدو مضللاً بعض الشيء، إلا أنه صحيح بالفعل! ننصحك عزيزي القارئ بأن تعلّم طفلك أن الأخطاء جزء لا يتجزأ من عملية التعلّم، واترك طفلك يتعلّم من نتائج أفعاله الطبيعية دون أن تدفعه للشعور بالخجل والإحراج مما فعل. وكما تحدّثنا في الفقرة السابقة، ننصحك عزيزي القارئ بأن تعلّم طفلك كيفية تجنب الوقوع في الخطأ[3].
- اسمح لطفلك أن يجرّب المشاعر السيئة
نعلم بأنك لا تقوى على رؤية طفلك يعاني من أي شعور سيء، إلا أنه من الضروري جداً عزيزي القارئ أن تترك طفلك يستكشف ماهية هذا الشعور في سن صغيرة كي لا يشعر بالصدمة عندما يكبر في السن. إن قمت بمساعدة طفلك في كل مرة يشعر بها بالحزن أو الوحدة، سيشعر طفلك بأنه عاجز عن حل مشاكله وحده. نحن بالطبع ندعوك إلى مساندة طفلك والوقوف في إلى جانبه عند شعوره بالحزن، إلا أننا ننصحك بعد حل مشاكله بدلاً منه.
- أخلق جوّا منزلياً متوازناً
يظنّ العديد من الآباء بأن معاقبة الأطفال على سلوكهم السيء هو الحل الأفضل، بينما يرى آخرون أن التساهل مع الأطفال واتباع أسلوب المكافآت وحسب يجلب نتائج أفضل. أما نحن فنعتقد بأن التوازن هو الحل الأمثل! الأمر لا يتعلّق بالثواب والعقاب وحسب، لذلك ننصحكم أعزاءنا القراء بخلق جو من التوازن العادل في المنزل، فمن المهم جداً ألا تميّزوا بين أطفالكم لأن أحدهم أجمل أو أذكى أو مطيع أكثر، لأن لهذه التصرفات نتائج وخيمة على صحة أطفالكم النفسية.
- أخلق جوّاً منزلياً متحاباً
يتأثر الأطفال بالكثير من الأمور والمشاكل التي تحدث في حياتنا اليومية، إلا أن هذا التأثر لا يظهر بشكل واضح إلا بعد فترة طويلة من الزمن. لذا نجد العديد من الأهالي الذين لا يكترثون إلى نتائج أفعالهم وتصرفاتهم أمام أطفالهم، لأنهم ببساطة لا يرون مدى تأثيرها عليهم. إن المنزل الذي يحتوي على مشاكل بين الأم والأب سيؤثر سلباً على صحة الأطفال النفسية، لذا إن كنتم تملكون خلافات فيما بينكم، عليكم أن تقوموا بحلّها بعيداً عن أعين أطفالكم.
كيف يمكنكم أن تعززوا من صحة أطفالكم النفسية؟
هل ترغبون في تربية أطفالكم كي يصبحوا أفراداً أصحاء نفسياً؟ لقد أتيتم إلى المكان المناسب، سنقوم في هذه الفقرة بالتحدث عن أفضل النصائح التي ستساعدكم على تربية أطفالكم ليصبحوا أقوى نفسياً. تابعوا معنا هذه النصائح الرائعة والفعّالة[2].
1- ساعد طفلك في بناء شخصيته، فهو بحاجة إلى بوصلة أخلاقية تنير دربه وتساعده على التوصل إلى أفضل القرارات والخيارات في حياته.
2- علّم طفلك أن يكون ممتنّناً لكل ما هو جيد في حياته، فالامتنان وسيلة فّعالة للتخلص من العادات السيئة، كما أنه يساعد على تعزيز قوة طفلك النفسية.
3- اجعل طفلك يتحمّل مسؤولية جميع قراراته الشخصية كحل الوظائف ومشاهدة التلفاز وحتّى تعامله مع الأصدقاء، ولا تسمح له بتقديم الحجج الواهية عندما يخطأ؛ عليه أن يتعلّم أن الاعتراف بالخطأ والسعي لتصحيحه هو الخيار الأفضل.
4- علّم طفلك احترام القواعد والقوانين التي من شأنها أن تحميه وتحد من سلوكياته السلبية؛ إلا أن إجبار الطفل على اتباعها سيؤدي حتماً إلى التمرّد في وقت لاحق، ولكن تعليمه أهمية احترامها سيؤدي إلى نتائج أفضل بكل تأكيد.
5- تقرّب من طفلك أكثر عندما يصل إلى مرحلة المراهقة، فهي مرحلة عمرية صعبة بالنسبة للآباء والأطفال على حد سواء، تعلّم كيف تكون صديقاً لطفلك قبل أن تكون والداً.
6- إن أحد أسرار تربية الأطفال السليمين نفسياً هي التحلّي بالثقافة، فمن المهم أن يكون أفراد المنزل مثقفين ومؤمنين بطرق التربية الحديثة الفعّالة كي يتصرفوا بنضج وحكمة مع أطفالهم.
كيف يمكنك أن تفهم ما يمر به طفلك نفسياً؟
لقد تحدّثنا أعزاءنا القراء عن أهمية تعزيز قوة الجانب النفسي للطفل والاعتناء بصحته النفسية التي لا تقل أهمية عن صحته الجسدية، إلا أننا لن نستطع القيام بذلك دون أن نفهم احتياجات طفلنا النفسية وما يفكر به داخل عقله الصغير. هنالك بعض الخطوات البسيطة التي تسهّل علينا القيام بهذه المهمة كي نفهم نفسية أطفالنا أكثر، تابعوا معنا[4].
- أهمية الملاحظة
إن إحدى أفضل الطرق وأسهلها لمعرفة وفهم نفسية أطفالنا هي الملاحظة، فلا يحتاج الأمر برمّته أكثر من بعض الوقت الذي تمضيه برفقة طفلك حيث تتشاركون سوية بعض الأنشطة كي تدققوا فيما يقوله ويفعله عن كثب. قم عزيزي القارئ بمراقبة تحرّكات طفلك وتعابيره ومزاجه عندما يأكل ويشرب وينام ويلعب، ومن ثم اسأل نفسك هذه الأسئلة كي تحصل على المعلومات الضرورية عن حالة طفلك النفسية.
1- كيف يتصّرف طفلي عندما يواجه أمراً لا يحبه مثل حل الوظائف أو تناول الخضروات؟
2- كيف يتصرف طفلي في محيطه الاجتماعي وهل هو قادر على تجربة الأشياء الجديدة؟
3- هل يستغرق طفلي وقتاً طويلاً في التكيف مع محيطه والتغييرات التي تحصل من حوله؟
- أهمية قضاء الوقت مع الطفل
هل تقومين باللعب مع طفلك أثناء قيامك بتحضير وجبة الغداء؟ هل تقوم بالتحدّث مع طفلك أثناء قيامك بإنهاء بعض الأعمال الورقية؟ إذا كان جوابكم لا فأنتم لا تمضون وقتاً كافياً برفقة أطفالكم! ننصحكم أعزاءنا القراء بأن تجدوا بعض الوقت المخصص لأطفالكم، فهي إحدى أفضل الطرق في اكتشاف وفهم جانبهم النفسي. يمكنكم أن تخصصوا وقتاً للتحدث أو اللعب معهم كي تعرفوا أكثر عن الأنشطة التي يمارسونها في المدرسة والمنزل، تعّرفوا على برامجهم التلفزيونية المفضلة واكتشفوا أكثر عن هواياتهم.
- أهمية الانتباه إلى بيئة الطفل
هل تظّن بأن طفلك قد ورث سلوكياته السيئة كالغضب والعدوانية والصراخ من شخص ما في العائلة؟ قد تكون محقاً فالوراثة تلعب دوراً مهما في هذا الخصوص. إلا أن البيئة التي تحيط بطفلك هي من يلعب الدور الرئيسي في تشكيل طباعه وبناء شخصيته وتحديد سلوكياته، لذا ننصحك عزيزي القارئ بأن تعير هذه البيئة اهتماماً أكبر[5].
لا تؤثر البيئة عن سلوكيات طفلك وطباعه وحسب، بل أنها أيضاً تؤثر في قدراته المعرفية ومقدراته اللغوية وفي تطور عقله أيضاً! لذا ننصحكم أعزاءنا القراء بأن تفحصوا البيئة التي يتواجد بها طفلكم باستمرار كالمنزل والمدرسة والحيّ الذي تقطنونه كي تعرفوا أكثر عن نفسية طفلكم.
في النهاية، تحدّثنا في هذا المقال عن تربية الأطفال السليمين نفسياً وكيفية القيام بذلك على أكمل وجه، كما قمنا بالتعّرف على بعض النصائح التي ستساعدكم على فهم نفسية أطفالكم.
[1] مقال لأخصائية العلاج النفسي Amy Morin، "كيف تربّي أطفالاً أقوياء نفسياً في عالمنا اليوم"، المنشور في موقع psychologytoday.com، تمت المراجعة في 29/8/2019.
[2] مقال لأخصائية العلاج النفسي Amy Morin، "كيف تربّي أطفالاً أقوياء عقلياً؟"، المنشور في موقع verywellfamily.com، تمت المراجعة في 29/8/2019.
[3] تقرير بحثي للمجلس الوطني للبحوث ومجلس الأطفال والشباب والأسر ومؤسسات أخرى (2011)، "علم المخاطرة عند المراهقين: تقرير ورشة عمل"، ألمنشور في موقع ncbi.nlm.nih.gov، تمت المراجعة في 29/8/2019.
[4] مقال لأخصائية تربية الطفل Sagari Gongala، "ثلاث عشرة نصيحة كي تفهم نفسية طفلك بشكل أفضل"، المنشور في موقع momjunction.com، تمت المراجعة في 29/8/2019.
[5] دراسة Roeser, R. W. وMidgley, C. وباحثون آخرون (1996)، "تصورات البيئة النفسية المدرسية والأداء النفسي والسلوكي للمراهقين في سن مبكرة: الدور الوسيط للأهداف والانتماء"، المنشورة في موقع psycnet.apa.org، تمت المراجعة في 29/8/2019.