مفهوم مقاومة التغيير وأسباب مقاومة التغيير عند الموظفين
ليست مقاومة التغيير ظاهرة متعلقة ببيئة العمل والموظفين فحسب؛ وإنما هي ميل عام يمكن ملاحظته لدى معظمنا في هذا المجال أو ذاك، وعادة ما يواجه المدراء مشاكل خطيرة في الاستراتيجيات والخطط الجديدة نتيجة مقاومة التغيير لدى الموظفين، هذه المشاكل قد تدفع الإدارة إلى التعديل في خططها أو تغييرها جذرياً أو حتى التنازل عن التغيير تحت ضغط مقاومة التغيير.
لكن هذه الطرق لن تكون الحلول المثالية لمقاومة التغيير!، لأن التغيير المستمر ومواكبة الوقائع الجديدة وإدخال التعديلات الصحيحة وفي وقتها الصحيح؛ كل هذه الأمور هي حجر الأساس في التطور والنجاح، لذلك نتعرّف أكثر إلى مفهوم مقاومة التغيير لدى الموظفين وأسباب رفض التغيير في الشركات والمؤسسات، وكيفية تعامل الإدارة مع مقاومة التغيير وعلاج مقاومة التغيير.
كما ذكرنا في المقدمة فإن مقاومة التغيير ليست مصطلحاً تنظيمياً وإدارياً فقط، وإنما هي ظاهرة يمكن رصدها في مختلف مجالات الحياة الاجتماعية، انطلاقات من مقاومة التغيير عند الأطفال وليس انتهاءً بمقاومة التغيير عند الفئات الاجتماعية والجماعات السياسية والنقابات.
وأما عن مفهوم مقاومة التغيير التنظيمي في المؤسسات والشركات Resistance change؛ فهو مصطلح يشير إلى رفض الموظفين العلني أو السرّي للتغييرات التي تعلن عنها الإدارة لاعتقادهم أن هذه التغييرات تتعارض مع مصالحهم الشخصية أو المصلحة العامة، وقد يعبِّر الموظفون عن مقاومة التغيير بشكل فردي أو جماعي، سري أو علني، ومن خلال أنشطة باردة أو عدوانية أو خجولة[1].
وتعتبر مقاومة التغيير المسؤول الرئيسي عن فشل أكثر من ثلث استراتيجيات تطوير المؤسسات الكبرى، وفي هذا السياق ظهرت دراسة إدارة التغيير كمجال حيوي للبحث والتجربة في بيئات العمل لمساعدة الإدارة على تبني السياسات الملائمة لإدارة التغيير ومواجهة مقاومة التغيير لدى الموظفين.
يعتبر فهم أسباب مقاومة التغيير لدى الموظفين مفتاح علاج مقاومة التغيير، ليس فقط بالنسبة للإدارة وإنما بالنسبة للموظفين أنفسهم، لنتعرَّف أكثر على الأسباب الثلاثة الأبرز لمقاومة التغيير التنظيمي في بيئة العمل:
تضارب المصالح بين الإدارة والموظفين السبب المباشر لمقاومة التغيير
هناك عشرات الأسباب التي تقف وراء مقاومة التغيير التنظيمي، لكن أهمها وأبرزها على الإطلاق هو تضارب المصالح والرؤى بين الموظفين والإدارة، حيث يشعر الموظفون أن التغيرات الجديدة التي تحاول الإدارة إدخالها تتعارض مع مصالحهم الشخصية أو مع الصالح العام للموظفين والشركة، ما يدفعهم لاتخاذ موقف سلبي من الاستراتيجيات الجديدة، ما يؤدي بدوره إلى إفشال عملية التغيير أو إعاقتها عن التقدم.
ويمكن القول أن جميع الأسباب الأخرى لمقاومة التغيير تصب في تضارب المصالح هذا، فغياب الاتصال بين المستويات الإدارية المختلفة، وتحييد الموظفين عن عملية التغيير وكأنها نزلت فجأة من السماء، وشعور الموظفين بفقدان السيطرة، وغيرها؛ تؤدي جميعاً إلى توليد الصراع بين الإدارة والموظفين نتيجة تضارب المصالح.
الإدارة المتسلطة وفقدان الاتصال بين المستويات الإدارية والتنظيمية
في مسح أعدته شركة ماكنزي حول إدارة التغيير وعوامل النجاح -وهي شركة رائدة في مجال التخطيط ووضع الاستراتيجيات- تبيَّن أن الشركات التي فشلت في تحقيق أهداف التحوّل والخطط الجديدة هي الشركات التي حيَّدت المستويات الوظيفية المختلفة عن عملية التغيير واحتكرت الإدارة العليا فيها وضع الاستراتيجيات الجديدة، فيما أظهرت الشركات التي شاركت الموظفين في مختلف المستويات بعملية اتخاذ قرار التغيير كفاءة أعلى بتحقيق أهداف هذه التغييرات[2].
هذه النتائج لم تكن صادمة بالنسبة لخبراء الإدارة الناجحين، فتعطيل دور المستويات الإدارية المختلفة وحتى أدنى المستويات الوظيفية يعني شعور الموظفين بمخاوف مختلفة مرتبطة بعملية التغيير وفقدان الثقة بقرارات الإدارة واهتمامها بمصلحة الموظف، فيما يساعد إشراك الموظفين بعملية التخطيط للتحوّل والتغيير على تفهمهم أكثر حاجة المؤسسة للتغيير بل والتضحية في سبيل إنجاح هذا التغيير.
جماعات الجيل السابق ومقاومة التغيير
لا نقصد هنا الجيل من حيث السن؛ بل من حيث التجربة، فعندما تقوم الشركة مثلاً بإقفال سوق معيّن لاعتقادها أنه غير مثمر، قد تواجه اعتراضات كبيرة وفعالة من الموظفين المسؤولين عن هذا السوق، ليس فقط خوفاً على مصدر رزقهم، بل خوفاً من وسمهم بالفشل أيضاً.
كذلك الأمر في حال إدخال تغييرات جذرية على آليات العمل أو أدواته، هناك دائماً من يخشى أنه غير قادر على التعامل مع الطريقة الجديدة، لذلك يضغط بكل قوته لتعطيل التغيير، وقد برزت هذه الأزمة بشكل واضح مع إدخال الكومبيوتر كجزء أساسي من الأعمال بديلاً عن ثلاثة أرباع أدوات العمل المكتبي القديمة وأساليبه!.
الأسباب الثلاثة التي ذكرناها تعتبر أكثر أسباب مقاومة التغيير أهمية وتأثيراً، وهناك بعض الأسباب الأخرى التي تعتبر مؤثرة أيضاً بتوليد موجة من رفض التغيير بين الموظفين[3]:
- سوء تقدير الإدارة لعملية التغيير: يتفق خبراء الإدارة أن عملية التغيير التنظيمي ليست عملية سهلة على الإطلاق، ومن الأسباب المهمة لمقاومة التغيير في المؤسسات هو مبالغة الإدارة بقدرة الموظفين على الانصياع للتغيير أو مبالغتهم بقدر التغيير الذي تحتمله المنظمة، أو حتى مبالغتهم بالخطة الزمنية لإحداث التغيير (اقرأ مقالنا عن كيفية اتخاذ القرار المناسب).
- سوء فهم الإدارة لمقاومة التغيير: قد يعتقد بعض المدراء وأصحاب الأعمال أن مقاومة التغيير أشبه بحركة تمرد من قبل الموظفين دون التفكير بالأسباب الحقيقة لهذا التمرد، فعلياً يقاوم الموظفون التغيير من منطلقات تشعرهم بالكمال والقوة، يدافعون عن احترامهم لأنفسهم وعن استمرارهم في العمل وقدرتهم على التأثير.
- عدم فهم الموظفين لحقيقة التغيير وأهميته: ما لم يتمكن الموظفون في المستويات الإدارية المختلفة من استيعاب أهمية التغيير الذي تقترحه الإدارة وفائدته لهم على المستوى الشخصي أولاً ثم فائدته للمؤسسة؛ لا يمكن آنذاك أن تتوقع منهم قبول التغيير ودعمه، لذلك يجب أن يهتم مدير التغيير بالحوافز المختلفة التي تشعر الموظف بقيمة التغيير وأهمية مشاركته بعملية التحول.
- الصراعات الوظيفية تعيق أيضاً عملية التغيير، فعندما يكون هناك صراعات بين بعض الموظفين وبين مدير التغيير ستواجه عملية التغيير صعوبات كبيرة، فهدف مقاومة التغيير هنا هو إفشال مدير التغيير قبل كل شيء، لذلك يجب أن يتم اختيار مدير عملية التغيير بشكل حكيم.
- التنفيذ السيء لعملية التغيير؛ فمهما كان حجم التغيير الذي تحاول الإدارة القيام به لا بد أن يتم وضع خطة واقعية وقابلة للقياس والمتابعة، وقد يتفق الموظفون مع جوهر التغيير ويعارضون الآلية والطريقة، وتشمل الأخطاء الشائعة في تنفيذ عملية التغيير:
- التغيير بشكل مفاجئ ودفعةً واحدة دون التمهيد أو تجزئة عملية التغيير.
- محاولة فرض التغيير بشكل تعسفي على الموظفين وأعضاء المؤسسة.
- اختيار توقيت سيء للتغيير.
- تكليف أشخاص غير مؤهلين -ومعروف عنهم عدم أهليتهم- بإدارة عملية التغيير.
- وجود تاريخ للإدارة مع التغييرات العشوائية والتراجع عن التغيير، ما يجعل الموظفين ينظرون إلى التغيير في المؤسسة كموجة مؤقتة سرعان ما تنحسر.
- إعلان تغيير غير واضح وغير مفهوم للجميع.
- تجاهل أهلية الموظفين لقيادة المرحلة المقبلة.
إن وضع استراتيجية فعالة لمواجهة وعلاج مقاومة التغيير يجب أن يكون جزءاً أساسياً من خطة التغيير التنظيمي، والتعامل مع مقاومة التغيير لا يتطلب فقط الإلمام بالأسباب المحتملة لمقاومة التغيير، بل أيضاً يتطلب الإلمام بدورة حياة مقاومة التغيير، والمراحل الحساسة في عملية التغيير، وهنا يأتي دور منحنى التغيير الكلاسيكي The Change Curve.
في الأصل تم تطوير منحنى التغيير من قبل Elisabeth Kubler-Ross في الستينات من القرن الماضي في سبيل فهم مشاعر الحزن والاضطراب الناتجة عن التغيرات المفاجئة والكبيرة، ثم أصبح منحنى التغيير شائع الاستخدام لدى كل من يعمل في التخطيط للتغيير على مستوى المؤسسات والشركات وصولاً إلى الحكومات[4].
مراحل منحنى التغيير
يرصد منحنى التغيير المشاعر الكلاسيكية التي تنتاب الواقع تحت التغيير على ثلاثة مراحل كما هو واضح في الرسم أدناه:
- المرحلة الأولى من مقاومة التغيير الصدمة والإنكار ردة الفعل الطبيعية على التغييرات الكبيرة والمفاجئة هي الصدمة والإنكار، وعادة ما يترجم الموظفون شعورهم بالصدمة من خلال انتقاد التغيير وإنكار إمكانية تحقيقه على الأمد البعيد، ومن خلال انخفاض قدرتهم على الانتاج والعمل.
- المرحلة الثانية من مقاومة التغيير الغضب والإحباط تعتبر ذروة مقاومة التغيير هي الشعور بالغضب نتيجة التغيرات الجديدة التي تمس مصالح الموظفين أو تجعلهم خائفين على مراكزهم ومناصبهم أو خائفين من عدم قدرتهم على مواكبتها، وعادة ما يتلو الغضب شعور عميق بالإحباط، فليس من الغريب أن تجد نسبة كبيرة من الموظفين يفكرون بترك العمل بعد الإعلان عن تغيرات مفاجئة.
- نهاية منحنى التغيير القبول والتكامل عادة ما تكون المراحل الأولى انفعالية، ثم تأتي محاولة التأقلم مع التغيرات الجديدة والتعامل مع الأمر الواقع، لنصل إلى نهاية مرحلة مقاومة التغيير من خلال القبول والتكامل والاندماج.
منحنى التغيير الذي يتنبأ بردة فعل الناس تجاه التغييرات المختلفة من شأنه أن يساعد الإدارة على اتخاذ خطوات استباقية فعالة لإدارة التغيير، من خلال تجنب التغيير المفاجئ والصادم، المشاركة مع الموظفين، والحفاظ على مصالحهم بشكل واضح لا لبس فيه.
وعلى الرغم أن مقاومة التغيير تنتهي غالباً بالانصياع للأمر الواقع، لكن السؤال المهم هنا، أيهما سيحصل أولاً؛ فشل الخطة أو انهيار المؤسسة وخسارتها وربما إفلاسها، أم نهاية مقاومة التغيير؟! هذا ما لا يمكن التنبؤ به.
كما ذكرنا فإن مفتاح علاج مقاومة التغيير التنظيمي هو إدراك أسباب ودوافع الموظفين التي تدفعهم إلى مقاومة التغيير من جهة، وإعداد خطة فعالة ومدروسة لإدارة التغيير من كل جوانبه من جهة أخرى، وقد أعدَّ لكم موقع حلوها مقالاً خاصاً بحلول وعلاج مقاومة التغيير يمكنكم مراجعته من خلال هذا الرابط.
وإليكم بعض النصائح السريعة والمهمة لإدارة التغيير والتعامل مع مقاومة التغيير التنظيمي:
- الاتصال الفعال هو حجر الزاوية في عملية التغيير، وعملية التواصل يجب أن تشمل كل المعنيين بهذا التغيير في المستويات الإدارية المختلفة وعلى قدر أهمية وحجم التغيير، والهدف من التواصل مع الموظفين بشكل مسبق قبل الإعلان عن الخطط الجديدة هو تجنيب الموظفين الشعور بالصدمة أو المفاجئة وإشراكهم بعملية اتخاذ القرار في الشركة، إضافة إلى الحصول على مقترحاتهم التي قد تكون مفيدة جداً[5].
- أنشئ رابطاً بين التغيير والقضايا الأخرى التي تهم الموظفين فعلاً، فليس كل من في الشركة يهتم فعلياً بصافي الأرباح إن لم يكن هناك فائدة حقيقة على مستوى دخل الموظف، لكن عندما يشعر الموظف أن التغيير القادم سيضاعف من الأمن الوظيفي وسيسمح للموظف بالاستفادة من الإنتاجية إلى جانب المرتب أو سيمنحه امتيازات مهمة؛ لا بد أنه سيسعى إلى تحقيق أهداف الخطط الجديدة بكل قوة.
- اهتم بالتنفيذ، كما قلنا سابقاً ربما يتفق الموظفون مع رؤية الإدارة بشكل كامل، لكنهم يقاومون التغيير لأن الأشخاص القائمين على التغيير عدائيون أو غير مؤهلين، أو لأن وقت التغيير غير مناسب، وربما لأن الخط الزمني لإحداث التغيير غير منطقي، كل هذه التفاصيل وغيرها تؤثر بشكل كبير على قبول الموظف عملية التحول في المؤسسة.
- التغيير الهادئ والمجزَّأ لديه فرص أكبر بالنجاح من التغير المفاجئ والعنيف، فالتغيير بالأسواق المستهدفة عندما يكون سريعاً ومفاجئاً سيواجه مقاومة أكيدة من موظفي المبيعات، لكن إشراك الموظفين بوضع رؤية للسوق الجديد والتخطيط للحملة الإعلانية ثم رمي البالونات الحراري -أو اختبار السوق- كل ذلك سيساعد بلا شك على مواجهة مقاومة التغيير بشكل مسبق.
- علاج مقاومة التغيير يجب أن يكون ضربة استباقية، أي أن استراتيجية مقاومة التغيير يجب أن تكون جزءاً من خطة التغيير وليست استجابة لردة فعل الموظفين، لأن التعامل مع مقاومة التغيير بعد بدء عملية التحوُّل لن يكون أمراً سهلاً، وغالباً ما يؤثر على مخرجات الخطة.
أخيراً... تواجه الإدارات مقاومة التغيير بطرق مختلفة، بعض المدراء يلجؤون إلى فرض التغييرات بطريقة تعسفية وقد ينجحون بذلك لكنهم بلا شكل لن يستطيعوا تحقيق نتائج التحوُّل المطلوبة، فيما تعمل الإدارة الحكيمة على بذل المزيد من الجهد في سبيل استقرار العاملين لديها وشعورهم بالأمان الوظيفي بالتزامن مع تحقيق أهداف التغيير.