تعديل سلوك الطفل العنيد
عناد وعصبية الأطفال من أكثر المشاكل التي يعاني منها الأهل وتشكو منها الأمهات بشكل أساسي، فالطفل العنيد هو الصورة النمطية للأطفال ابتداءً من عمر ثلاث سنوات تقريباً، وقد يتخلى بعض الأطفال عن عنادهم لاحقاً فيما يستمر العناد لدى آخرين ليصبح سمة في شخصية الطفل ترافقه حتى البلوغ والرشد.
وتعديل سلوك الطفل العنيد يتطلب وعياً وصبراً من الأهل إلى جانب إلمامهم بحقيقة سلوك العناد عند الأطفال وأسبابه، ونحن في هذه المادة نقدم لكم نظرة شاملة حول العناد والعصبية عند الأطفال، وكيفية التعامل مع الطفل العنيد والعصبي، ووضع خطة تعديل سلوك الطفل العنيد.
إن تعديل سلوك الطفل العنيد والعصبي يحتاج قبل كل شيء إلى معرفة الأهل والمربين بطبيعة صفة العناد عند الأطفال وأسبابها عموماً، ثم النظر في حالة الطفل الخاصة والأسباب التي تجعله عنيداً وعصبياً.
يمكن تعريف العناد عند الأطفال أنه رفض الامتثال إلى الأوامر الأبوية أو رفض تغيير الحالة أو الوضع الراهن، والتمسك بسلوك معين أو رفض سلوك آخر -رفض استبدال سلوك بآخر- وعادةً ما يظهر سلوك العناد عند الأطفال بين السنة الثانية والثالثة بشكل واضح.
فالطفل العنيد في السنة الثالثة ما زال يختبر العالم ويتعرّف إليه، وما زال غير قادرٍ على التعبير عن عواطفه بالطريقة المثالية التي ينشدها الأهل، كما أن طبيعة التحول السلوكي والإدراكي الكبير بين سن الثانية والثالثة يجعل من سلوك العناد طبيعياً وواضحاً في هذه المرحلة.
ونقصد بالتحول السلوكي والإدراكي مجموعة القواعد الكثيرة التي يتعلمها الطفل في هذا العمر، والتي تتطلب منه تغيير نمط حياته بالكامل إلى نمط أكثر صرامة والتزاماً، ومن مظاهر هذه المرحلة تعليم الطفل استخدام الحمام بدلاً من الحفاض، وتعليم الطفل كيف يتناول طعامه وحده، وتعليمه القواعد الاجتماعية، وقد يدخل الطفل إلى الروضة أيضاً في هذه السن... كل هذه التعديلات التي يحاول الأهل والمربون إدخالها على حياة الطفل بين السنة الثانية والثالثة تجعله طفلاً عنيداً بلا شك!.
كما أن هناك الكثير من العوامل التي تؤثر على حدة السلوك العنيد عند الأطفال، أبرزها طريقة تعامل الوالدين مع الطفل العنيد، فأسلوب التربية الخاطئ قد يضاعف حدة السلوك العنيد بدلاً من علاجه.
تقول خبيرة تربية الطفل في موقع حلوها في إجابتها عن سؤال (ما الذي يغير الطفل العنيد القسوة أم الحنان؟):
"عزيزتي الأم إن العناد عند طفل في الثالثة من عمره أمر وارد وطبيعي لأنه بقول كلمة -لا- يحاول أن يثبت ذاته ككيان منفصل عن الآخرين، الأمر الذي يزعج الوالدين جراء هذا التصرف لأنه يتعارض مع رغباتهم، لكن يجب أن تبرزي له أن قول كلمة -لا- أو عناده حول أمر معين يكون مقنن معنى ذلك أن تقومي بسؤاله لماذا لا؟".
بناء على ما ذكرناه في الفقرة الأولى؛ لا بد أن نتوقف أولاً مع أبرز وأهم أسباب العناد عند الأطفال قبل الانتقال إلى خطة تعديل سلوك الطفل العنيد:
- تغيير روتين حياة الطفل: يبدأ الأهل عادة بالاهتمام أكثر بالروتين اليومي لأطفالهم بعد عمر السنتين، حيث تظهر أمام الطفل تحديات جديدة مثل الفطام والنظافة وروتين النوم وغيرها من العادات الجديدة التي يحتاج الطفل لتعلّمها والالتزام بها، وبطبيعة الحال يُظهِر معظم الأطفال موقفاً رافضاً وعدائياً تجاه هذه التعديلات السلوكية، وكلّما كان الأهل أكثر قسوة وعنفاً في محاولة فرض هذه التغيرات كلما تعزز الرفض والعناد عند الطفل. من جهة أخرى فإن بعض الأطفال يميلون بطبيعتهم إلى رفض السيطرة عليهم ويمتلكون حساسية مفرطة تجاه ممتلكاتهم وتفضيلاتهم ورغباتهم، ما يجعلهم يدافعون بكل قوتهم عن نمط حياتهم الحالي بمواجهة النمط الذي يحاول الأهل فرضه عليهم.
- الآباء المتسلطون والعناد عند الطفل: يميل الطفل إلى السلوك العنيد أيضاً عندما يحاول الأبوان فرض نظام صارم على الطفل يحرمه من المتعة أو يضع عليه شروطاً تعجيزية، كحرمان الطفل من اللعب كي لا يتسخ، أو إجبار الطفل على تناول نوع محدد من الطعام دون نقاش أو إقناع، وغيرها من قواعد الأبوة الصارمة، اقرأ مقالنا عن أساليب التربية وأنماط الأمومة والأبوة.
- الاستجابة والعناد في سلوك الطفل يبدأ الأطفال باكتساب مجموعة من السلوكيات النموذجية من خلال التجربة اليومية والتفاعل مع الأهل والمحيطين بالطفل، وعندما يشعر الطفل أن العناد طريقة جيدة للحصول على ما يريد فإنه يلجأ إلى العناد والعصبية والصراخ ورمي الأغراض وغيرها من السلوكيات العدوانية للحصول على ما يريد، وفي كل مرة ينصاع الأهل لرغبة الطفل بعد موجة الغضب هذه؛ يصبح السلوك العنيد والعدواني راسخاً أكثر لدى الطفل. [2]
- في سياق متصل يقع بعض الأهل في فخ النمذجة عندما يمتدحون سلوك العناد عند الطفل في الطفولة المبكرة، ويعبرون عن إعجابهم بقوة شخصيته ورفضه للأوامر أو التوجيهات، ليجدوا أنفسهم لاحقاً بمواجهة ذات الصفة التي كانوا يمتدحونها، فيما يتمسك الطفل أكثر بالعناد لأنه يعتقد أن هذا السلوك مفضل اجتماعياً ويمنحه القيمة والمحبة.
- مشاكل التكيّف الاجتماعي: في حالات خاصة قد يواجه الطفل بعض المشاكل في التكيف مع محيطه، وعادة ما يكون العناد من الآليات الدفاعية الشائعة بين الأطفال بمواجهة مشاكل التكيف الاجتماعي، وفي هذه الحالة لا بد من استشارة المعالج المختص لعلاج جذر المشكلة.
معظم الأسباب التي ذكرناها مألوفة وقد تكون معروفة لمعظم الآباء، لكن هناك أسباب أخرى قد تغيب عن ذهن الأهل ولا تخطر ببالهم، منها مثلاً الإمساك!.
حيث أثبتت الدراسات أن الإمساك سبب مباشر لعناد الأطفال في سن التعليم على استخدام الحمام، وأن علاج الإمساك من خلال الأدوية التي يصفها الطبيب ومن خلال النظام الغذائي الصحيح من شأنه أن يقلل السلوك العنيد والعدواني عند الطفل في هذه المرحلة. [3]
وعلى وجه العموم يمكن أن تؤدي الحالات المرضية المختلفة إلى زيادة سلوك العناد عند الأطفال، لذلك يجب على الأهل مراجعة النظام الغذائي لأطفالهم جيداً والتأكد من عدم وجود أي عوارض صحية تجعل الطفل غاضباً وعنيداً أكثر من العادة، واستشارة الطبيب المختص عند اللزوم.
الأبوة غير المتناسقة أيضاً من الأسباب المهمة للعناد عند الأطفال والتي قد يتجاهلها الأهل، حيث يتشتت الطفل بين الأب والأم الذين يتعاملان معه دون قاعدة مشتركة أو تنسيق واضح، ويتشتت بين الشدة واللين، وبين الثواب والعقاب، ما يجعله يكون عنيداً في كثير من المواقف.
ينظر الأهل التقليديون إلى الطفل العنيد أنه طفل متبلد المشاعر وقد ينعتونه بعديم الإحساس، فيما يشير الخبراء إلى عكس ذلك تماماً، حيث يظهر الأطفال الحساسون قدراً أكبر من التحدي والعناد، لأنهم أكثر اعتماداً على الذكاء الحدسي وأكثر مقاومة للسلطة الخارجية التي تحاول أن تملي عليهم الأفعال والأوامر، من جهة أخرى فإن نعت الطفل بالعنيد دائماً يجعله متمسكاً أكثر بهذه الصفة.
على الرغم من وجود استراتيجيات عامة ونصائح فعالة للتعامل مع الطفل العنيد؛ إلّا أن الأفضل دائماً أن يقوم الأهل بالتعامل مع طفلهم العنيد كحالة فردية خاصة، فالتشابه بين سلوك طفل وآخر لا يعني أنَّ الحلول ذاتها ستكون فعالة بالحالتين، وهنا تكمن أهمية رسم خطة تعديل سلوك الطفل العنيد بناءً على شخصية الطفل نفسه، وعمره، وأسبابه الخاصة التي تدفعه إلى السلوك العنيد أو العصبي. ونحن بدورنا نقدم لكم بعض النصائح والاقتراحات الفعَّالة في تعديل سلوك الأطفال والتعامل مع الطفل العنيد:
- ابدأ باكراً في تعديل سلوك الطفل: إذا كان طفلك ما زال رضيعاً تحت السنتين يجب أن تعلم إذاً أن هذه هي المرحلة المناسبة للبدء بتعليم الطفل السلوك الجيد، حيث يبدأ الطفل بإدراك ردة فعل المحيطين به على كل ما يقوم به في هذه المرحلة، ويجب على الأهل أن يكونوا حذرين بتصرفاتهم وردود أفعالهم ليس إزاء ما يقوم به الطفل وحسب، بل بينهم وبين بعضهم أيضاً. [5]
- لا تطبق كل ما تسمعه على طفلك العنيد؛ فكما قلنا كل طفل يجب أن يتم التعامل معه بناء على شخصيته وظروفه وأسباب عناده، وعندما نسمع نصائح الجيران والأقارب -التي بمعظمها مجرد اجتهادات خاصة- يجب أن نكون حذرين بتطبيق هذه النصائح، خاصة ما يتعلق بضرب الطفل أو تعنيفه أو إهانته.
تقول خبيرة التربية في حلوها في إجابتها على سؤال إحدى الأمهات التي رفضت تطبيق نصيحة الضرب مع ابنتها العنيدة: "عزيزتي الأم في البداية أحييك على عدم الاستماع إلى الآخرين بخصوص الضرب لأن الضرب لا يمكن أن يكون أسلوب للتربية، قد تخضع الطفلة إلى الأوامر لكنها ستنمو بعقد نفسية قد لا تستطيع تجاوزها في الكبر من خجل وعدم ثقة بالنفس؛ لذلك يجب عليكِ أن تستخدمي أسلوب التعزيز الايجابي في حال تقيدت الطفلة بالسلوكيات الحسنة أو حرمانها من الأمور المحببة بالنسبة إليها، وعليك ألّا تغيري من قرارك مهما حصل لأن التغيير في القرار يؤدي إلى عدم فاعلية هذه الطريقة معها ظناً منها أنك لن تفعلي أي شيء لو قامت بالبكاء أو التوسل إليك لذلك يجب أن تكوني صارمة حتى تحصلي على نتائج إيجابية". - تجنب التهديد الكاذب: كثير من الآباء والأمهات يعشقون التهديد والوعيد، لكن التهديد الكاذب يعلِّم الأطفال كسر القواعد باستمرار، ليس فقط لأنهم يعرفون مسبقاً أنها موجة من الصراخ والتهديد سرعان ما تذوب وتختفي؛ بل أيضاً لأنهم لن يدركوا القواعد التي يجب أن يسيروا عليها ولن يستطيعوا توقع عواقب الأفعال التي يقومون بها.
- التزم بقواعد المنزل: جميع الآباء والأمهات يحاولون صياغة قواعد منزلية واضحة، لكن البعض لا يتقن شرح هذه القواعد للأبناء أو يقوم بوضع قواعد غير واضحة أصلاً، أو يقوم بتبديل هذه القواعد ووضع استثناءات كثيرة لها ما يفقدها قيمتها، تأكد أن الأطفال جميعاً يحبون الالتزام بالقواعد أكثر من الكبار، والشيء الوحيد الذي يدفعهم لكسر هذه القواعد هو عيوب القواعد نفسها، اقرأ مقالنا عن وضع قواعد للطفل في البيت.
- تحويل العناد إلى مهمة: بدلاً من توجيه الأوامر للطفل ثم الدخول معه في صراع عند رفضه؛ يمكن أن نقوم بتحويل الطلبات إلى مهمات أو ألعاب يقوم به الطفل، فجمع الألعاب وإعادتها إلى مكانها يمكن أن يكون لعبة جميلة ومشتركة بدلاً من الصراخ "أعد ألعابك وإلّا..."، لنقل له مثلاً "تعال لنعد الألعاب إلى أماكنها قبل الخروج في نزهة". [6]
- استراتيجية الأسئلة الذكية: من الاستراتيجيات الفعالة في التعامل مع الطفل العنيد طرح الأسئلة التي لا يمكن أن تكون إجابتها إلّا "نعم"، هذه الاستراتيجية تساعد بكسر حلقة العناد لدى الأطفال وجعلهم ودودين أكثر لأنهم يشعرون أنك أقرب إليهم وتفهم ما يفكرون به، مثلاً قبل أن نخبر الطفل بانتهاء وقت اللعب نسأله "هل تستمتع بهذه اللعبة... نعم، لماذا لا تجرب وضع هذه القطعة هنا..".
- استراتيجية الاختيار من اثنين: في سياق متصل يجب أن نتبع مع الأطفال سياسة الخيارات، فبدلاً من الإعلان عن انتهاء وقت اللعب بالماء بطريقة صارمة يمكن أن نسأله "هل تفضل أن تنشف نفسك أم تحتاج إلى المساعدة؟".
- التساهل في التعامل مع الطفل يعني مزيداً من العناد؛ فكلما شعر الطفل أن الأهل يرضخون لطلباته في النهاية وأنَّهم لا يطبقون التهديدات والعقوبات التي يعدون بها، كلما تمسك أكثر بالسلوك العنيد، لذلك عليك أن تكون حازماً في فرض القواعد دون اللجوء إلى الصراخ أو العنف أو الإهانة، إنه أمر صعب لكن من قال أن تربية الأطفال سهلة؟!
أخيراً... في كثير من الأحيان لا يستطع الأهل بناء خطة مناسبة لتعديل سلوك الطفل العنيد إما لأنهم يفتقدون الخبرة اللازمة أو لأنهم مشغولون بتربية أكثر من طفل ومنهكون بمتطلبات الحياة، أو ربما لأن سماتهم الشخصية لا تساعدهم على ضبط أعصابهم في التعامل مع طفلهم العنيد، وفي هذه الحالة لا مفر من طلب استشارة من متخصص بتعديل سلوك الأطفال، ونحن في موقع حلوها مستعدون لتقديم المساعدة إما من خلال طرح السؤال على مجتمع حلوها عبر هذا الرابط، أو من خلال الجلسات الخاصة عبر خدمة ألو حلوها.