التسامح في بيئة العمل ودور التسامح الوظيفي
حيثما يوجد مجتمع مختلط الأعراق والجنسيات والديانات وحيثما توجد تربة خصبة للنزاعات والخلافات والمشاكل؛ تزداد أهمية التسامح. وبيئة العمل بطبيعة الحال من البيئات الخصبة لظهور الخلافات والنزاعات الشخصية بشتى أشكالها، لذلك يعتبر التسامح الوظيفي والتسامح في بيئة العمل من أهم المفاهيم التي يجب ترسيخها لتحقيق السعادة في العمل وجودة الحياة من جهة، ولتحقيق إنتاجية أفضل في بيئة عمل آمنة ومستقرة من جهة ثانية.
في هذا المقال نحاول أن نسلط الضوء على مفهوم التسامح في بيئة العمل ومعنى التسامح الوظيفي، ونحاول أن نحدد فوائد وإيجابيات التسامح في العمل وخطوات التسامح الوظيفي، إضافة إلى دور الإدارة والموظفين في خلق بيئة عمل متسامحة ومحفزة، وبعض الأفكار والنصائح للوصول إلى السعادة في العمل من باب التسامح.
ما هو مفهوم التسامح عموماً؟ وما هو معنى ومفهوم التسامح الوظيفي والتسامح في العمل؟
تعريف التسامح "الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثري لثقافات عالمنا ولأشكال التعبير وللصفات الإنسانية لدينا" [1]، وإن كان التسامح في اللغة مشتقاً من السماحة واللطف، فإن مصطلح التسامح على مستوى الأفراد يشير إلى قدرة الإنسان على التعامل مع الآخرين بطريقة إيجابية قوامها اللين وتسيير الأمور، وتفضيل الفرد التسامح على الانتقام.
مفهوم التسامح في بيئة العمل
وأما عن مفهوم التسامح في بيئة العمل يمكن القول أن للتسامح الوظيفي وجهان[2]:
1- الوجه الأول للتسامح في العمل هو التسامح الإنساني، والمقصود به تمسّك الموظفين والإدارة بقيم العيش المشترك الإنسانية، من خلال احترام التنوع الثقافي والديني والفكري، وتجنب العنصرية أو التعامل مع الآخرين على أساس التصورات المسبقة أو الانتماءات الدينية والعرقية والإثنية.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن التسامح الإنساني لا يمكن أن يكون في بيئة العمل فقط، بمعنى أن الفرد الذي يحمل قيم التسامح الإنساني يحملها معه في كل مكان والعكس صحيح، لذلك تتحمل الإدارة أعباء ضبط الأشخاص غير المتسامحين بهذا المعنى ومنعهم من التمييز والتنمر في مكان العمل من خلال توعيتهم بقيم التسامح الإنساني من جهة وإيجاد نظام صارم لمنع ظواهر التمييز والتنمر والعنصرية في العمل من جهة أخرى.
2- الوجه الثاني للتسامح في بيئة العمل هو التسامح الإداري: ويتضمن التسامح الإداري الروح الإيجابية للموظفين وتسهيل سير العمل من خلال نزع فتيل الخلافات الشخصية أو الإدارية والتعامل مع المواقف المختلفة بحكمة تقود إلى تقليل التوتر في بيئة العمل.
وما يميز التسامح الإداري عن التسامح الإنساني أن التسامح الإداري يمكن تطويره وتنميته لدى الموظفين من خلال تدريبهم على العمل الجماعي وحل النزاعات والمشاكل باحترافية، فيما يرتكز التسامح الإنساني أكثر على ثقافة الفرد وتربيته وقناعاته المستقرة.
ما هي فوائد التسامح في بيئة العمل؟ وكيف يساهم التسامح الوظيفي في بناء بيئة عمل محفزة؟
كما ذكرنا في المقدمة؛ فإن أهمية التسامح تزداد في المجتمعات المتنوعة التي تضم أفراداً ينتمون إلى ثقافات مختلفة أو أعراق وديانات وجنسيات متنوعة، وبيئة العمل تعتبر من البيئات المختلطة الجديرة بترسيخ قيمة التسامح الإنساني والتسامح الإداري.
وبالحديث عن دور التسامح الوظيفي في خلق بيئة عمل مستقرة وتعزيز السعادة في العمل يمكن رصد أهم فوائد التسامح في العمل:
1- أهمية التسامح الإنساني في بيئة العمل:
يساهم التسامح الوظيفي على المستوى الإنساني بتحسين العلاقات بين الموظفين من خلال معرفتهم بطبيعة الاختلافات التي تميزهم، والتعامل مع هذه الاختلافات مهما كانت كعوامل إغناء لتجربة العمل وللتجربة الإنسانية وليس عوامل تفرقة وخلاف.
حيث يعتبر التسامح الإنساني في العمل واحترام الاختلافات والتنوع باباً واسعاً للمعرفة، يجعل الموظفين منفتحين على الثقافات المختلفة وقادرين على فهم الثقافات الأخرى بعيداً عن التصورات المسبقة أو الدعاية الإعلامية أو الصورة النمطية السائدة.
من جهة أخرى فإن احترام الفروقات والاختلافات الثقافية والفكرية والدينية والعرقية يساعد على خلق بيئة عمل مستقرة ومحفزة، ما ينعكس إيجابياً وبشكل واضح ومباشر على إنتاجية الموظفين وإبداعهم في العمل.
2- أهمية التسامح الوظيفي الإداري:
يشمل التسامح الإداري في العمل التسامح مع الأخطاء وإدارة المواقف المختلفة بطريقة إيجابية، وتقع مسؤولية ترسيخ هذه الروح الإيجابية في العمل على عاتق الإدارة والموظفين في آنٍ معاً، حيث ينعكس التسامح الإداري على العمل كالآتي:
- الاستقرار الوظيفي والانتماء: في بيئة العمل المتسامحة والإيجابية يشعر جميع الموظفون بالاستقرار الوظيفي والانتماء، فالتسامح الإداري بين الإدارة والموظفين وفيما بين الموظفين يبدد الكثير من المخاوف الوظيفية ويجفف العديد من منابع القلق الوظيفي.
- الإبداع والإنتاجية والمغامرة: يقول أستاذ تطوير القيادة والتغيير التنظيمي مانفريد كيتس ديفري أن العديد من بيئات العمل اليوم تبدو أشبه بالمعتقلات في غياب التسامح مع الأخطاء، فيما يساهم التسامح الإداري في بيئة العمل بانصراف الموظف إلى عمله بدلاً من تغطية أخطائه، ومن لا يخطئ لا يعمل[3].
فالتسامح في بيئة العمل يعزز قدرة الموظفين على الإبداع والتفكير الحر، ويساعدهم على خوض المغامرات المفيدة.
- السعادة في العمل: عندما كان التسامح الإنساني يعزز انتماء الموظفين إلى بيئة العمل ويقرب بينهم، وعندما كان التسامح الإداري يعزز ولاء الموظفين ويفتح أمامهم مساحات جديدة للإبداع، فإن محصلة كل ذلك هو الوصول إلى السعادة في العمل.
كيف أكون متسامحاً في العمل؟ وكيف تعمل الإدارة على ترسيخ قيم التسامح الوظيفي؟
1- سياسات مكافحة العنصرية والتمييز في العمل: يجب أن تكون الإدارة صارمة في تحديد القوانين التي تمنع التنمر والتمييز والعنصرية في مكان العمل، حيث يجب أن يتم توضيح وجهة نظر الإدارة حول التنوع والاختلاف والسلوكيات المرفوضة بشكل واضح وللجميع[4].
2- التسامح من الأعلى: يقول Eric Holtzclaw أن التسامح في العمل يبدأ من الإدارة، وقد يغفل المدير عن دوره الحاسم في تعزيز التسامح الوظيفي، فالتعليقات البسيطة التي قد يقولها عن فئات معينة في الشركة والتي قد تبدو غير متسامحة يمكن أن تكون عميقة الأثر على بيئة العمل ككل[5].
3- الحوار والتواصل بين الموظفين: من أهم خطوات التسامح الوظيفي فتح خطوط الحوار والتواصل في بيئة العمل، وهناك الكثير من الأمور التي يمكن القيام بها من أجل ذلك، منها اللقاءات الودية والاجتماعات الترفيهية التي تنظمها الإدارة، والأنشطة الهادفة لتقريب وجهات النظر وتعزيز التبادل الثقافي بين الموظفين، ذلك يساهم في توسيع معرفة الموظفين ببعضهم وبالثقافات التي ينتمون إليها.
4- اللطف والهدوء مدخل أساسي للتسامح الوظيفي: معظمنا اختبر التعامل مع مدير عصبي، أو زميل متوتر كثير الصراخ، ويمكن لمس الأثر السلبي للتوتر والانفعال على الأشخاص وعلى مسيرة العمل برمتها، لذلك يعتبر اللطف في التعامل والهدوء في طرح الآراء ونقاش المشاكل والأخطاء؛ مدخل أساسي من مداخل التسامح الوظيفي.
5- الاحترام المتبادل في مكان العمل: في سياق متصل يجب علينا أن نتعامل مع الزملاء في العمل كما نرغب أن يتعاملوا معنا، حيث يشكّل الاحترام المتبادل في بيئة العمل دافعاً قوياً للتسامح الوظيفي، وبالتالي تحقيق الاستقرار الوظيفي والسعادة في العمل.
6- عرض المساعدة وقبول المساعدة: التعاون والمساعدة في العمل من أهم خطوات التسامح الوظيفي، ودور الموظف هو تقديم المساعدة لمن يحتاجها وقبول المساعدة ممن يعرضها، وأما دور الإدارة فيكمن في تأمين البيئة المناسبة للتعاون بين الموظفين وتسهيل تبادل الخبرات والمعلومات[6].
والمساعدة في بيئة العمل لا تقتصر فقط على الأمور المتعلقة بالعمل، فيمكن للموظف أن يساعد زميله الأجنبي بالتعرف على ثقافة البلاد وأماكن الترفيه، ويمكن للموظفين أن يجتمعوا لتقديم مساعدة مالية لأحد الموظفين الذي يمر بأزمة ما...إلخ.
في النهاية نقدم لكم مجموعة من النصائح والأفكار السريعة للسعادة في العمل من مدخل التسامح:
- تمتع بعقلية إيجابية في العمل، وحاول أن تقاوم المشاعر السلبية ما أمكن.
- حافظ على علاقات طيبة مع الزملاء، وتجاوز عن الأخطاء الصغيرة التي يمكن القفز فوقها في سبيل الحفاظ على بيئة عمل محفزة.
- لا تتصرف وأنت غاضب، لا تنتقد ولا تتهم في حالة الغضب والانفعال، حاول أن تأخذ وقتك قبل أن تقوم بردة فعل غاضبة.
- استفد من التنوع الموجود، من خلال طرح الأسئلة المهذبة واللطيفة عن طبيعة الاختلافات بينك وبين الآخرين، والتعرّف أكثر إلى ثقافات الآخرين.
- اطلب المساعدة حين تحتاجها، ولا تكن فظاً برفض المساعدة التي تعرض عليك إن لم تردها، ولا تتردد بتقديم المساعدة للآخرين.
- احترم الاختلافات، لا تسخر من الاختلافات ولا تحوّل عادات وتقاليد الآخرين أو أشكالهم إلى موضوع للتنمر والسخرية.
- أخيراً... كن مثالاً لغيرك، وحاول أن تناقش آليات تعزيز التسامح الوظيفي مع الإدارة والموظفين.
[1] مقال "معنى التسامح" منشور في موقع وزارة التسامح الإماراتية tolerance.gov.ae، تمت مراجعته في 8/11/2019.
[2] مقال عبد الباسط محمد ابراهيم "التسامح في بيئة العمل يُمهِّد لمستقبل مشرق للمؤسسة ويُبشر بالتقدم والرقي للبلد كله" منشور في موقع دار زايد للثقافة الإسلامية zhic.ae، تمت مراجعته في 8/11/2019.
[3] مقال مانفريد كيتس دي فريس "أهمية التسامح في بيئة العمل"، منشور في aleqt.com، تمت مراجعته في 8/11/2019.
[4] مقال Nicole Long "كيف تكون متسامحاً في مكان العمل" منشور في smallbusiness.chron.com، تمت مراجعته في 8/11/2019.
[5] مقال Kevin Daum "هل تساهم في بيئة عمل متسامحة" منشور في inc.com، تمت مراجعته في 8/11/2019.
[6] مقال "أربع طرق لبناء التسامح في مكان العمل" منشور في jobstore.com، تمت مراجعته في 8/11/2019.