العلاج السلوكي المعرفي (مبادئ وتقنيات وفوائد العلاج المعرفي السلوكي)
يعتبر العلاج المعرفي السلوكي CBT واحداً من إنجازات علم النفس الحديث التي شكَّلت نقلة نوعية في تقنيات العلاج النفسي وانعكست مباشرة على فنيات وتقنيات علم النفس والطب النفسي، ونادراً ما يستطيع المعالجون والأطباء في عالمنا اليوم الاستغناء عن العلاج السلوكي المعرفي كعلاج أساسي أو رديف للمشاكل النفسية على اختلاف حدتها ومستوياتها، فما هو العلاج المعرفي السلوكي؟ وما هي فوائد العلاج السلوكي المعرفي؟ تقنيات وفنيات العلاج المعرفي السلوكي، ومدة العلاج بهذه الطريقة، وكل ما ترغب بمعرفته عن العلاج السلوكي بأسلوب مبسط.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT) هو نوع شائع من العلاج النفسي الحديث، يعمل المريض من خلاله بطريقة منظّمة مع مستشار الصحة العقلية، سواء كان معالجاً نفسيًا أو طبيباً، عن طريق حضور عدد محدود من الجلسات، ويساعدك العلاج السلوكي المعرفي على تمييز التفكير السلبي أو غير الدقيق، حتى تتمكن من رؤية المواقف الصعبة بشكل أوضح والرد عليها بطريقة أكثر فاعلية.
تم ابتكار مبدأ العلاج السلوكي المعرفي في ستينيات القرن الماضي، من قبل د. آرون بيك، مؤسس معهد بيك للعلاج السلوكي المعرفي، وفي السنوات الأخيرة، اعتمد عدد متزايد من الأطباء والمعالجين تقنيات وفنيات العلاج السلوكي المعرفي، لتعليم الناس إعادة ضبط أفكارهم وردود أفعالهم.
يمكن أن يكون العلاج السلوكي المعرفي وسيلة مفيدة للغاية - إما بمفردها أو بالاشتراك مع علاجات أخرى - في علاج اضطرابات الصحة العقلية والنفسية، مثل الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أو اضطرابات الأكل. لكن ليس كل من يلجأ للعلاج السلوكي المعرفي يعاني من حالة صحية عقلية؛ فالعلاج السلوكي المعرفي أداة فعالة لمساعدة أي شخص على تعلم كيفية إدارة مواقف الحياة المجهدة بشكل أفضل حتى وإن لم يكن مصاباً باضطراب مميز.
يستخدم العلاج السلوكي المعرفي لعلاج مجموعة واسعة من المشاكل، غالباً ما يكون العلاج السلوكي المعرفي من طرق العلاج النفسي المفضلة، لأنه يساعدك بسرعة في تحديد التحديات وكيفية التعامل معها، ويتطلب العلاج السلوكي المعرفي عادة جلسات أقل من أنواع العلاج الأخرى ويتم بطريقة ذات هيكلية منظّمة أكثر. [1,2]
وفقا لما ذكرته د. جوديث بيك في كتابها "العلاج المعرفي: الأساسيات وما وراءها" الذي صدر عام 1995، فإن هناك 10 مبادئ رئيسية للعلاج السلوكي المعرفي هي:
- يعتمد العلاج المعرفي السلوكي على صياغة متطوّرة باستمرار للمريض ومشاكله من الناحية المعرفية.
- العلاج المعرفي السلوكي يتطلّب علاقة جيدة بين المريض والمعالج.
- العلاج السلوكي المعرفي يؤكد أسس التعاون والمشاركة الفعّالة.
- هو أسلوب علاجي موجّه تماماً نحو هدف ومركّز على مشكلة محددة بشكل كامل.
- العلاج السلوكي المعرفي يرتكز أولاً على الحاضر.
- هو أسلوب تعليمي يهدف إلى تدريب المريض ليكون هو المعالج الخاص، ويركّز على منع حدوث أي انتكاسات.
- هو علاج ذو فترة زمنية محددة.
- العلاج السلوكي المعرفي يقوم على جلسات علاج منظّمة وذات هيكلية واضحة.
- يساعد المرضى على تمييز أفكارهم ومعتقداتهم السلبية المشوّشة وتقييمها ومن ثم مقاومتها.
- العلاج السلوكي المعرفي يستخدم مجموعة متنوعة من التقنيات لتغيير التفكير والمزاج والسلوك.
- العلاج السلوكي المعرفي يقلّل من أعراض الاكتئاب
العلاج السلوكي المعرفي هو واحد من أشهر العلاجات المحاربة للاكتئاب. تشير الدراسات إلى أن العلاج السلوكي المعرفي يساعد المرضى بالتغلب على أعراض الاكتئاب مثل اليأس والغضب، ويقلّل من خطر حدوث الانتكاسات في المستقبل.
وهناك اعتقد سائد بأن العلاج السلوكي المعرفي، يعمل بشكل جيد لتخفيف الاكتئاب لأنه ينتج تغييرات في الإدراك أو الأفكار المشوّشة التي تغذي دورات مفرغة من المشاعر السلبية والتكهنات، ووجدت الأبحاث أيضا أن العلاج السلوكي المعرفي أسلوب وقاية مهم للغاية من نوبات الاكتئاب الحادة بحيث يمكن استخدامه مع أو بدلاً من الأدوية المضادة للاكتئاب، وقد أظهر العلاج السلوكي المعرفي نتائج واعدة في معالجة اكتئاب ما بعد الولادة، وكمساعد للعلاج الدوائي لمرضى اضطراب ثنائي القطب. - وسيلة فعالة لعلاج القلق
وفقاً لأبحاث منشورة متخصصة في علم الأعصاب السريري، هناك أدلة قوية على نجاح العلاج السلوكي المعرفي في محاربة الاضطرابات المرتبطة بالقلق، بما في ذلك اضطرابات الهلع واضطراب القلق العام واضطراب القلق الاجتماعي واضطراب الوسواس القهري واضطراب ما بعد الصدمة.
ووجد الباحثون أيضاً، أن العلاج السلوكي المعرفي، يعمل بشكل جيد كعلاج للقلق لأنه يشتمل على مجموعات متنوّعة من التقنيات؛ منها: التعلُّم النفسي حول طبيعة الخوف والقلق، والمراقبة الذاتية للأعراض، والتمارين الجسدية، وإعادة الهيكلة المعرفية، والتخلص من إشارات السلامة غير الفعالة، وكذلك الوقاية من الانتكاس. - العلاج السلوكي المعرفي يحارب اضطرابات الأكل
ذكرت مجلة عيادات الطب النفسي في أميركا الشمالية، أن نجاح علاج اضطرابات الأكل دليل قوي على فاعلية العلاج السلوكي المعرفي. تم اللجوء إلى العلاج السلوكي المعرفي للمساعدة في معالجة الأمراض النفسية الكامنة وراء اضطرابات الأكل والتساؤلات المبالغ بها حول المظهر والوزن. كما أن العلاج السلوكي المعرفي، يقاوم مؤشرات الحفاظ على أوزان غير صحية للجسم، ويحسّن التحكم في النبضات للمساعدة في وقف الشراهة عند الأكل، كما أنه يقلّل مشاعر العزلة، ويساعد المرضى على زيادة قابليتهم لتناول "الأطعمة المحفّزة".
إضافة إلى ذلك، أصبح العلاج السلوكي المعرفي وسيلة مثالية لعلاج الشره المرضي العصبي واضطرابات الأكل غير المحددة (EDNOS)، وهما التشخيصان الأكثر شيوعا في اضطرابات الأكل، وهناك أيضاً دليل على أنه يمكن للعلاج السلوكي المعرفي أن يكون مفيداً في علاج حوالي 60 بالمائة من مرضى فقدان الشهية. - يقلل من سلوكيات الإدمان وتعاطي المخدرات
أظهرت الأبحاث المختلفة أن العلاج السلوكي المعرفي فعال في المساعدة في علاج إدمان القنب والحشيش وغيره من المخدرات، أو إدمان المواد الأفيونية والكحول، كما يوفر العلاج السلوكي المعرفي المساعدة للأشخاص الراغبين في الإقلاع عن التدخين والقمار. ووجدت الدراسات المنشورة في مجلة أوكسفورد للصحة العامة، أن مهارات التأقلم المكتسبة خلال جلسات العلاج السلوكي المعرفي كانت فعالة للغاية في الحد من انتكاسات الإقلاع عن التدخين. - يساعد في تحسين احترام الذات وتعزيز الثقة
حتى لو لم تكن تعاني من أي أمراض أو اضطرابات نفسية خطيرة على الإطلاق، يمكن أن يساعدك العلاج السلوكي المعرفي في استبدال الأفكار السلبية المدمّرة التي تؤدي إلى تدني احترام الذات من خلال تأكيدات وتوقعات إيجابية، وهذا ما يساعد في فتح طرق جديدة للتعامل مع التوتر وتحسين العلاقات وزيادة الدافع لتجربة أشياء جديدة. [5]
تقنيات العلاج السلوكي المعرفي هي طرق قائمة على الأدلة والبراهين لتغيير الأفكار والمشاعر والسلوكيات وتحسين الرضا العام عن الحياة والأداء الوظيفي والاجتماعي، وأثبت علماء النفس أن تقنيات العلاج السلوكي المعرفي من أكثر التدخلات فاعلية في اضطرابات المزاج والقضايا النفسية، وتمثّل تقنيات العلاج السلوكي المعرفي المذكورة أدناه، بعضاً من الإجراءات الأكثر شيوعاً والمصمّمة لتحسين الحالة المزاجية والسلوكية. [4]
- تقنيات إعادة الهيكلة المعرفية: إعادة الهيكلة المعرفية هي تقنية علاج سلوك إدراكي تهدف إلى مساعدة الناس على تحديد أنماط التفكير المسؤولة عن الحالة المزاجية السلبية والسلوك غير الفعال. هناك العديد من التقنيات المستخدمة خلال إعادة الهيكلة المعرفية، والأسلوب الأكثر شيوعاً هو تتبع الأفكار المشوّشة أو المضطربة في نموذج لسجلات الأفكار، واستنباط أنماط تفكير أكثر مرونة من الناحية النفسية.
- التعرض المتدرج أو المنهجي: التعرّض أو الكشف هو أسلوب علاج سلوك إدراكي يساعد الناس على التفكير بما يخشونه بشكل منهجي. يؤدي الخوف عموماً إلى تجنب الناس للمواقف، وهو ما يعزز مشاعر الخوف والقلق، ومن خلال التعرض المنهجي، يواجه الأشخاص المواقف التي يخشونها بطريقة تدريجية، ثم يعالجون مهام التعرض المتزايدة. يعد التعرض واحداً من أكثر العلاجات النفسية نجاحاً، مع معدل فاعلية يصل أحيانا إلى 90٪ في بعض اضطرابات القلق.
- جدولة النشاطات: جدولة النشاط هي تقنيات العلاج السلوكي المعرفي الإدراكية المصمّمة لمساعدة الأشخاص على زيادة السلوكيات الإيجابية التي ينبغي تكثيفها. من خلال تحديد وجدولة السلوكيات المفيدة، مثل التأمل والمشي، أو العمل على مشروع معين، فإن احتمالية إنجاز هذه النشاطات تزيد تلقائياً. تقنية جدولة النشاطات مفيدة بشكل خاص للأشخاص الذين لا يشاركون في العديد من الأنشطة المهمة بسبب معاناتهم من الاكتئاب، أو الأشخاص الذين يجدون صعوبة في إكمال المهام بسبب المماطلة والتسويف.
- التقريب المتتالي: تعمل تقنية العلاج السلوكي المعرفي بنجاح مع الأشخاص الذين يجدون صعوبة في إكمال المهمات، إما بسبب عدم الإلمام بالمهمة، أو لأن المهمة تبدو صعبة ومجهدة، وتعمل تقنية التقريب المتتالي من خلال مساعدة الناس على إتقان مهمة أسهل تشبه المهمة الأصلية الأكثر صعوبة. وهو أمر يشبه إلى حد كبير ممارسة الجمع والطرح قبل تعلم التقسيم الطويل. بمجرد ممارستك للجمع والطرح، لن يكون التقسيم الطويل شاقاً. وبالمثل، فإن التمرين على سلوك بسيط واحد، يجعل السلوك الأصعب أكثر قابلية للإدارة ويبدد مخاوفنا أو نظرتنا المسبقة للتحديات الصعبة.
- تمارين اليقظة الراضية: اليقظة الراضية أو الوعي الآني هو تقنية علاج سلوكي معرفي تم استنباطه من البوذية. الهدف من تمارين اليقظة الراضية، هو مساعدة الناس على التخلص من هوسهم بالأفكار السلبية وإعادة توجيه انتباههم إلى ما يحدث فعلياً في الوقت الحاضر. اليقظة الراضية موضوع مهم للكثير من الأبحاث الجديدة في علم النفس، ويمثل أحدث ممارسات العلاج النفسي.
- التدريب على المهارات: العديد من المشاكل تنتج عن عدم وجود المهارات المناسبة لتحقيق أهداف أصحابها. التدريب على المهارات هو أحد أساليب العلاج السلوكي المعرفي المطبق في معالجة مثل هذه العيوب. تشمل المجالات الشائعة للتدريب على المهارات، التدريب على المهارات الاجتماعية والتدريب على التواصل وكذلك على تأكيد الذات، وعادة ما يتم التدريب على المهارات من خلال التعليم المباشر أو الاستعانة بالأمثلة أو لعب الأدوار (Role-plays).
يتضمن العلاج السلوكي المعرفي في الوضع القياسي القيام بالخطوات التالية:
- تحديد المواقف أو الظروف المزعجة في حياتك: قد تشمل هذه القضايا حالات طبية، طلاق أو حزن أو غضب إضافة إلى أعراض اضطراب الصحة العقلية، قد تقضي أنت ومعالجك بعض الوقت في تحديد المشكلات والأهداف التي تريد التركيز عليها.
- كن مدركاً لأفكارك وعواطفك ومعتقداتك حول هذه المشكلات: بمجرد تحديد المشاكل التي يجب العمل عليها، سيشجعك المعالج على مشاركة أفكارك حولها. قد يشمل ذلك مراقبة ما تخبر به نفسك عن تجربة "الحديث الذاتي"، وتفسيرك لمعنى الموقف، ومعتقداتك عن نفسك والأشخاص الآخرين والأحداث، وقد يقترح عليك المعالج أن تحتفظ بمفكّرة عن أفكارك هذه.
- تحديد التفكير السلبي أو غير الدقيق: لمساعدتك في التعرف على أنماط التفكير والسلوك التي قد تكون سبباً في مشكلتك، قد يطلب منك المعالج الانتباه إلى استجاباتك الجسدية والعاطفية والسلوكية في المواقف المختلفة.
- إعادة تشكيل التفكير السلبي أو غير الدقيق: من المرجح أن يشجعك المعالج على أن تسأل نفسك ما إذا كانت نظرتك إلى الموقف تستند إلى حقيقة أو إلى تصور غير دقيق لما يحدث. هذه الخطوة قد تبدو صعبة، ربما يكون لديك طرق طويلة الأمد للتفكير في حياتك ونفسك. مع الممارسة، سوف تتحول أنماط التفكير والسلوك المفيدة إلى أمور اعتيادية لن تتطلب الكثير من الجهد. [1]
يُعتبر العلاج السلوكي المعرفي علاجاً قصير الأجل، يتراوح بين حوالي 5 جلسات و20 جلسة. يمكنك أنت ومعالجك مناقشة عدد الجلسات المناسبة لك. لكن يتوجب أيضاً مراعاة مجموعة من العوامل مثل:
- نوع الاضطراب أو الموقف.
- قوة الأعراض التي تعاني منها.
- المدة الزمنية التي عانيت خلالها من الأعراض.
- مدى سرعة تقدمك في العلاج.
- كمية التوتر التي كنت تعاني منها.
- مقدار الدعم الذي تتلقاه من أفراد الأسرة والأناس المقربين منك.
هناك العديد من الكتب التي تتناول بإسهاب أهمية وفوائد وطرق العلاج السلوكي المعرفي، وفيما يلي لائحة بأهم هذه الكتب:
- العلاج السلوكي المعرفي، النسخة الثانية: الأساسيات وما وراءها (Cognitive Behavior Therapy, Second Edition: Basics and Beyond)، لكاتبته جوديث بيك، صدر العام 2011.
- دليل المعالج لإيجاز العلاج السلوكي المعرفي (A Therapist's Guide to Brief Cognitive Behavioral Therapy)، لكاتبه جيفري أي.كولي، صدر العام 2008.
- صندوق أدوات العلاج السلوكي المعرفي: كتاب تمارين للعملاء والأطباء (The CBT Toolbox: A Workbook for Clients and Clinicians)، لمؤلفه جيف ريغينباخ، صدر العام 2012.
- أوراق عمل خاصة بالعلاج السلوكي المعرفي (CBT Worksheets)، لمؤلفه د. جيمس مانينغ، صدر العام 2016.
- دعونا نفكر في المشاعر: أدوات خاصة في العلاج السلوكي المعرفي الصديق للأطفال (Let’s Think About Feelings: Tools for Child-Friendly CBT)، لمؤلفته مارسي ييغر، صدر العام 2016.
- العلاج السلوكي المعرفي للألم المزمن والرفاه النفسي (CBT for Chronic Pain and Psychological Well-Being)، لمؤلفه مارك كارلسون، صدر العام 2014. [6]