ما هو اللاكتينز Lectins؟ تعرف إلى أضرار اللاكتينز والحمية الخالية من اللكتين
على الرغم من اهتمام الإنسان منذ القدم بنوعية الغذاء ومعرفته العميقة بتأثير الأغذية على الصحة؛ إلا أنَّ العقود الأخيرة شهدت اهتماماً متنامياً لدى عامة الناس ولدى المجتمع الطبي والعلمي للكشف عن أسرار الغذاء، ولا بد أنك سمعت مؤخراً عن اللاكتينز بوصفها سموماً طبيعية نتناولها بطعامنا اليومي، حيث يعتقد أنصار حمية اللكتين فري أن مجموعة الليكتينز مسؤولة بشكل أساسي عن أمراض المناعة الذاتية المختلفة وعن الكثير من المشاكل الصحية.
في هذا المقال نقدم لكم بحثاً عن اللاكتينز؛ ما هو اللكتين Lectin أو عائلة اللاكتينز Lectins؟ ما هي أضرار اللاكتينز المحتملة، وأين يوجد اللاكتينز؟ ما هي الأطعمة عالية اللاكتينز؟ وما هي حمية اللاكتينز أو النظام الغذائي الخالي من اللكتين؟ وكل ما تريد معرفته عن اللاكتينز.
اللاكتينز هو نوع من البروتينات الملتصقة التي تستطيع الارتباط بأغشية الخلايا، وتصنف بروتينات اللاكتينز أنها مرتبطة بالسكر Sugar-Binding لأنها ترتبط أو تلتصق بالكربوهيدرات والبروتينات السكرية، وتعرف أيضاً بالبروتينات اللاصقة Sticky Proteins، حيث تستطيع اللاكتينز الالتصاق بالخلايا دون أخذ الضوء الأخضر من الجهاز المناعي إن صح التعبير، واللاكتينز مقاومة للهضم البشري وتدخل إلى الدم بدون تغيير. [1]
اللكتين مركب طبيعي تقوم الكثير من النباتات بإنتاجه كجزء من نظام الحماية الذاتي الذي تطوره النباتات بمواجهة مخاطر البيئة المحيطة، وعادةً ما يكون تركيز اللاكتينز في البذور بشكل رئيسي لأن النباتات تريد حماية استمرارها من أي هجوم أو خطر، كما يوجد اللاكتين في أجزاء أخرى من النبات مثل القشور.
يقول الدكتور Kevin Stock في وصفه للاكتينز: "اللاكتينز مبيدات طبيعية، وتعد اللاكتينز من أكثر الأسلحة الكيماوية التي تملكها النباتات فتكاً، وهي كجزء من الجهاز المناعي للنبات تنشط في حال تعرضه للتلف أو التوتر". [2]
وبما أن اللاكتينز نظام دفاعي تطوره النباتات لمواجهة الآفات والأحياء الدقيقة والحشرات، يعتقد أن هناك عوامل عديدة أثرت على تطوّر لكتين النبات، منها التغيرات الوراثية في النباتات بعد الثورة الزراعية، والتطور الطبيعي للمناعة النباتية لمواجهة الخطر.
وهناك جدل واسع حول كيفية تعامل الجسم البشري مع اللكتين، وحول الكميات التي قد تعتبر خطيرة من الأطعمة عالية اللكتين، وسنتناول في الفقرات القادمة مجموعة الآراء حول خطورة اللاكتينز وتأثيره على الجهاز المناعي والأمراض المناعية، وتأثيره أيضاً على امتصاص المعادن والفيتامينات.
ما هي الأطعمة والنباتات التي تحتوي على اللاكتينز؟ وما هي الأطعمة التي تصنف "عالية اللكتين"؟
هناك عدد لا يحصى من الأغذية التي تحتوي على اللاكتينز، لكن تعتبر الحبوب والبقول هي أكثر النباتات التي تحتوي على اللاكتينز، فكما ذكرنا تقوم النباتات بإنتاج مستويات عالية من اللاكتينز لحماية البذور بشكل خاص.
والأطعمة عالية اللاكتينز تشمل جميع أنواع الحبوب والبقول مثل القمح والعدس والشوفان والفاصولياء والفول والصويا، وتعتبر الفاصولياء الحمراء أكثر الحبوب إنتاجاً للاكتينز، كذلك الفول السوداني، كما يتواجد اللاكتين في بعض الخضروات مثل الطماطم والبطاطا وفي الألبان ومشتقات الحليب البقري A1.
وسنتعرف أكثر إلى الأطعمة والنباتات التي تحتوي على نسبة عالية من اللاكتينز وكيفية معالجة اللكتين في هذه الأطعمة في سياق حديثنا عن حمية اللاكتينز، لكن قبل ذلك ألا يجب أن نتحدث عن أضرار اللاكتينز! [3]
ما هي خطورة سموم اللاكتينز الطبيعية التي تأتينا عبر النباتات والأطعمة؟ وكيف يؤثر الليكتينات على صحتنا وعلى جهاز المناعة؟
أولاً لا بد من التنويه أن أضرار اللاكتينز المحتملة وكيفية تفاعل الجسم مع سموم اللكتين ما زالت قضية قيد الدراسة والبحث، ولا يمكن القول أن هناك ما هو مسلَّم به عن مدى أضرار اللاكتينز وإن كان هناك إجماع على وجود أضرار لهذه السموم الطبيعية، وحتى حمية اللاكتينز وطرق التخلص من اللاكتينز في الغذاء ما زالت مجالاً واسعاً للنقاش والبحث العلمي.
ومع ذلك يمكن تقسيم أضرار اللاكتينز إلى مرحلتين، الأولى تبدأ من أضرار اللاكتينز على الجهاز الهضمي بشكل مباشر، والثانية تتعلق بتأثير اللاكتينز على جهاز المناعة وتسبُّبه بأمراض المناعة الذاتية، لنتعرف أكثر إلى تأثير وأضرار اللكتين على الأمعاء والمناعة.
- اللاكتينز والجهاز الهضمي: عندما كانت المعدة بيت الداء؛ فمن الطبيعي أن نبدأ تتبعنا لأضرار اللاكتينز من المعدة والأمعاء، وهناك عدد من التأثيرات المحتملة للاكتينز على الجهاز الهضمي والتي تمتد لتأثُّر على عمل الجسم ككل، أهمها:
- اللاكتينز وضرره على الأمعاء: من أهم الأخطار المحتملة للاكتينز هو تعطيل قدرة الأمعاء على إصلاح نفسها والاستشفاء، حيث تسبب الأطعمة المختلفة أضراراً طفيفة بجدار الأمعاء يعمل الجسم على إصلاحها للحفاظ على جدار الحماية من العناصر الضارة الذي يعتبر الحارس الأمين للجسم، حيث يمنع الأجسام الضارة والخطرة من المرور ويسمح للعناصر المفيدة بالمرور.
لكن مع وجود مستويات عالية من اللكتين تتم عرقلة الإصلاح الخلوي ولا تستطيع الأمعاء إعادة بناء الجدار بالسرعة اللازمة، ما يسبب ارتشاح الأمعاء، حيث يتم السماح للأجسام والعناصر أن تنتقل إلى داخل الجسم على راحتها وصولاً إلى الدم، مع عرقلة امتصاص العناصر المفيدة والمهمة، واللاكتينز نفسه يقوم باختراق جدار الأمعاء ملتصقاً بالخلايا داخل الجسم ما يسبب أيضاً فوضى مناعية في الجسم كما سنشرح لاحقاً. [5] - اللكتين وامتصاص المعادن والفيتامينات: وجدت بعض الأبحاث أن مجموعة اللاكتينز قد تتداخل مع امتصاص الأمعاء للمعادن والفيتامينات، وبشكل خاص تؤثر مجموعة اللاكتينز على امتصاص الحديد والفسفور والزنك والكالسيوم، ما يعني أن تناول الحبوب والبقوليات للحصول على المعادن والفيتامينات قد يكون بلا جدوى بسبب وجود اللاكتين في هذه الحبوب، ما يعطل امتصاص العناصر الغذائية المهمة، وتستطيع بروتينات اللاكتينز الالتصاق بجدار المعدة والأمعاء لمدة زمنية طويلة معطلةً عملية الامتصاص الطبيعية.
- اللاكتينز وعسر الهضم: يعتقد أن اللاكتينز هو السبب وراء عسر الهضم الشائع عند تناول البقوليات، حيث تشمل أعراض تناول الحبوب عالية اللاكتينز النفخة والغازات، وتتطور إلى الإسهال والغثيان التقيؤ، وقد تنتج هذه الأعراض عن تناول كمية قليلة جداً من الفاصولياء الحمراء غير المطهوة أو غير الناضجة، حيت تعتبر الفاصولياء الحمراء من أغنى البقول باللكتين.
- اللاكتينز وجهاز المناعة؛ ما علاقة اللاكتينز بالأمراض المناعية ومشاكل المناعة الذاتية؟ تبدأ القصة كما ذكرنا من الجهاز الهضمي، حيث يدمّر اللاكتينز النظام المعوي الذي يحمي أجسامنا من تسرب الأجسام أو العناصر الضارة، ويمنع اللاكتينز الإصلاح الخلوي السريع للجدار، وهذا يعد بمثابة إعلان حربٍ على الجسم!
نتيجة هذا التواجد الخطير لبروتينات اللاكتينز الملتصقة بالخلايا Sticky Proteins والأجسام الضارة التي دخلت نتيجة الضرر في الأمعاء؛ يعلن الجسم حالة النفير العام، ويبدأ بمحاولة اكتشاف الخلل وإصلاحه، مسبباً بذلك أمراض المناعة الذاتية. [2]
أمراض المناعة الذاتية ببساطة هي نيران صديقة، حيث تستهدف المناعة الخلايا السليمة في حربها مع الدخلاء، ولأنَّ اللاكتينز بروتين ماكر يلتصق بالخلايا، يسبب بالتالي هجوم المناعة على الخلايا السليمة، ويرى بعض الأطباء والباحثين أن اللاكتينز مسؤول أول عن زيادة معدلات أمراض المناعة الذاتية مثل التهاب المفاصل وخفقان القلب والحساسية والأمراض الجلدية المناعية وأمراض الغدة الدرقية والبنكرياس وحتى بعض أنواع السكري، كما يعتقد أن التعديلات الجينية للبذور واستخدام المبيدات الحشرية مسؤول أيضاً عن تطور اللاكتينز في النبات ما قد يفسر ازدياد معدلات الإصابة بأمراض المناعة الذاتية في العقود الأخيرة. [5] - من مخاطر اللاكتين على الصحة أيضاً:
- عرقلة عمل الغدد الصماء من خلال التشويش على الهرمونات والرسائل العصبية.
- تعطيل التواصل بين الخلايا ما قد ينتج عنه مشاكل في عمل الدماغ.
- التصاق الخلايا ما يسبب مشاكل مناعية.
- قد يؤثر اللاكتينز على عمل الانقسام الخلوي، مسبباً انقسامات غير طبيعية أو انقسامات سرطانية.
- الجلوتين من عائلة اللاكتينز، بالتالي تعود إلى اللكتين المشاكل الناتجة عن حساسية الجلوتين.
- من عائلة اللاكتينز أيضاً جرثومة القمح أجلوتينين Wheat Germ Agglutinin، والتي تؤثر تأثيراً خطيراً على عمل الأنسولين في الجسم، وتعتبر مسؤولة عن الشراهة والشهية للسكر وزيادة الوزن نتيجة تدخلها بالرسائل العصبية والكيميائية لمستقبلات الأنسولين.
كما نوّهنا أكثر من مرة فإن قضية أضرار اللكتين ومدى تأثيره على الجسم ما زالت قضية قيد البحث والدراسة، والجدير بالذكر هنا أن تأثيرات اللاكتينز ترتبط إلى حد بعيد أيضاً بتوازن النظام الغذائي، وبمصادر الخضروات والحبوب، فالجسم طوّر على مدى العصور آليات دفاعية للتعامل مع اللاكتينز، لكن تطوير البذور وآليات الزراعة الحديثة غيَّر المعادلة وأعادنا إلى نقطة الصفر كما يعتقد مؤيدو حمية اللاكتينز فري.
من جهة أخرى فإن المضادات الحيوية والمسكّنات تلعب دوراً مهماً في تعزيز خطر اللاكتينز، كذلك الأدوية المضادة للحموضة التي تقلل من مقاومة الجسم للاكتينز.
ما نريد قوله أن خطر اللاكتينز قد يكون خطراً معاصراً يتعلق بطريقة الإنتاج الزراعي الحديثة، وبإدخال أنواع جديدة من المحاصيل إلى حيز الاستهلاك البشري، إضافة إلى تدخل الأدوية بالعمل الطبيعي للجسم وبشكل مفرط أحياناً، فضلاً عن وجود مجموعات بشرية واسعة تعتمد على أنظمة غذائية غير صحية وغير متوازنة بشكل قسري، لأن الأغذية التي تحتوي على نسب عالية من اللاكتينز -وخاصة البقول- أرخص، وتنمح شعوراً مديداً بالشبع، وهي المتاحة دون غيرها لبعض الشعوب الفقيرة.
ما هي حمية اللاكتينز أو رجيم اللاكتينز؟ تعرف إلى النظام الغذائي الخالي من اللكتين وطريقة التخلص من اللاكتينز في الحبوب والخضار
تقوم حمية اللاكتينز Lectin-free diet (نظام غذائي خالٍ من اللكتين) على ثلاثة قواعد أساسية هي:
- تجنب الأطعمة عالية اللكتين
- على رأسها البقول والحبوب بأنواعها، وخاصّةً الذرة والفاصولياء، والحبوب الكاملة وغير المقشورة والمنتجات والمخبوزات المصنوعة من الحبوب الكاملة، إضافة إلى الكاجو والفول السوداني.
- الزيوت المصنوعة من الحبوب عالية اللكتين، مثل زيت الذرة وزيت عباد الشمس.
- الخضار عالي اللكتين وعلى رأسها العائلة الباذنجانية "الباذنجان والطماطم والبطاطس".
- الحليب البقري A1 ومشتقاته.
- اللحوم المأخوذة من حيوانات تتغذى على علف التسمين الذي يحتوي على حبوب عالية اللكتين، وينصح بأخذ اللحوم من مواشي المراعي الطبيعية.
- وينصح بتخفيف السكر إلى أقصى حد في النظام الغذائي الخالي من اللكتين.
- التخلص من اللاكتينز في الحبوب والخضروات: النقطة الثانية من حمية اللاكتينز أو النظام الغذائي الخالي من اللكتين هي التخفيف قدر الممكن من مستويات اللاكتين في الحبوب والأطعمة التي نتناولها، وذلك من خلال: [6]
- النقع بالماء: حيث يتم نقع الحبوب بالماء لمدة 24 ساعة مع تبديل الماء كل بضع ساعات، وهذا قد لا يكون إجراءً كافياً للتخلص من اللاكتينز دون الطهو الجيد.
- استخدام طنجرة الضغط: استخدام أوعية الطبخ بالضغط يكون فعالاً أكثر من الطبخ العادي بالتخلص من اللاكتينز.
- التخمير: التخمير أيضاً من التقنيات الفعالة بالتخلص من اللاكتينز.
- التخلص من القشور والبذور: أعلى تركيز للاكتينز في النبات في البذور والقشور، لذلك لا يرى مؤيدو حمية اللاكتينز في الحبوب الكاملة خياراً موفقاً، ويعتقدون أن الرز الأبيض أفضل من الرز البني أو الرز بقشره، والخبز الأبيض أفضل من الأسمر... دواليك.
- نظام غذائي خالي من اللاكتينز: النقطة الثالثة من رجيم اللاكتينز هي الحصول على الأطعمة الخالية من اللاكتينز أو التي تحتوي على نسب أقل مقارنة بالأطعمة عالية اللكتين، وإليكم بعض أهم الأطعمة التي تدخل في نظام غذائي خالي من اللاكتينز:
- المكسرات الخالية من اللاكتينز، مثل الجوز واللوز المقشور، الفستق الحلبي، الصنوبر، السمسم.
- اللحوم والأسماك والدجاج والبيض.
- الحليب ومشتقاته على أن يكون غير بقري وأن يكون A2، مثل حليب الماعز وحليب الإبل وخلافه.
- التوت والتوت البري والكرز، الفراولة، البرتقال والليمون، التفاح والأفوكادو.
- الخضار الورقية الخضراء، وخضار العائلة الصليبية مثل الملفوف والبروكلي والكرنب والقرنبيط، أيضاً الكرفس والبصل الأخضر، والهليون.
- البطاطا الحلوة، الجزر، الفجل، الشمندر أو البنجر.
من المفترض أن تساهم الحمية الخالية من اللكتين بتخفيف الوزن إلى جانب الفوائد الصحية المزعومة للتقليل من اللكتين، وقد قدمنا مقالاً مستقلاً عن حمية اللكتين وفوائد النظام الغذائي الخالي من اللكتين وأضراره؛ يمكنكم مراجعته من خلال النقر على هذا الرابط.
أخيراً... يعود اكتشاف تأثير اللاكتينز على الجسم إلى وقت ليس بالقريب، حيث قامت إحدى المستشفيات عام 1988 بتنظيم يوم غذاء صحي لموظفيها معتمدة على وجبات من الفاصولياء الحمراء، لتظهر عليهم أعراض المشاكل الهضمية مثل التقيؤ والإسهال، وفي العام التالي تبين أن اللاكتينز ليس مسبباً فقط لاضطرابات الجهاز الهضمي، وإنما قادر أيضاً على اختراق الجدار المعوي والالتصاق بخلايا الأعضاء والتداخل مع عمل المناعة في الجسم. [4]
وبعد صدور كتاب The Plant Paradox عام 2017 والحديث عن حمية اللاكتينز عاد الجدل حول حقيقة تأثير اللاكتينز على الجسم، وإن كانت الأبحاث التي قام بها مؤيدو النظام الغذائي الخالي من اللكتين ليست كافية وليست دقيقة، لذلك نحن ننتظر فعلياً المزيد من الأبحاث والدراسات حول سموم اللاكتينز وتأثيرها على جسد الإنسان وخاصة تأثير اللاكتينز على المناعة وأمراض المناعة الذاتية والأمراض المزمنة.