العلاقة بين الأخ والأخت (حق الأخت على الأخ وفن التعامل مع الأخوة)
وكم من مرة سمعنا عبارة أن الإنسان عندما يتألم يقول "أخ"، وهذا يعني كم يجب أن تكون العلاقة بين الأخوة قوية؛ فهم ليس لهم بعد الله إلا علاقتهم بوالديهم وببعضهم قبل أن تزداد علاقة الأزواج والعائلة إليها، وفي هذه المقالة سنتطرق بالتحديد لأهمية علاقة الأخ بأخته، وأصول التعامل بين الأخوة، ومكانة الأخت عند أخيها.
الأخ سند أخته وحاميها وخط دفاعها الرئيسي بعد والدها، وهو ينصرها ويرفع عنها الظلم حتى لو كان من زوجها، والأخت من أقرب القرابات، وهي أَوْلَى الناس بالصلة بعد الآباء والأُمهات، وهي من الرحم الواجب وصله.
وللأخت حقوق على أخيها ليُقَوي بها ضعفها ويدعمها في عجزها فهو السند الحامي، والأخوات الشقيقات أو غير الشقيقات من الأم أو من الأب لهن نفس المعاملة والحقوق على أخوتهن.
والأخت أتت من ذات صلب أخيها ومن ذات الرحم الذي أتى منه أو من كليهما معًا فمن أحق منها بالعناية واللطف والرعاية، ومن منا لم يقرأ قصة نبي الله موسى ودور أخته في إعادته لحضن أمه!.
في حال وجود الأب على قيد الحياة يكون للأخ دور في نُصح أخته ومصادقتها والأخذ بيدها، وفي حال وفاة الأب فالأخ يكفل أخته شرعًا ويكون له الحق في تربيتها وتوجيهها ومساندتها والعطف عليها ومد يد المساعدة لها أينما احتاجت.
والأب هو المسؤول عن النفقة على البيت والأولاد بما فيهم البنات، وفي بعض الأحيان يكون الأب فقيرًا وغير قادر على الإنفاق فيساعد الأخ بالنفقة وإعطاء أخته احتياجاتها وقد يكون الأخ ميسور الحال فيكرم أخته وينفق عليها ويدللها في حياة أبيها، وبعد وفاة الأب يصبح الأخ مكلف بهذا الإنفاق، فيكون هو المعيل الشرعي لها في هذه الحالة.
ولتوضيح ترتيب دور الأب والزوج والأخ في القوامة أضيف: الأب هو أحق الناس بالولاية والقوامة على ابنته ما دامت في بيته، وإذا لم يكن موجودًا تنتقل القِوامة إلى أبنائه، على أن تكون للابن الأكبر، أما إذا تزوجت المرأة وأصبحت زوجة فإن زوجها هو الذي يكون قوّامًا عليها، وهو الذي له حق الأمر والنهي بالنسبة لها، فلا قِوامة للأخ على أخته في حال وجود الوالد، ولا قوامة له عليها في حال وجود الزوج.
وفي كثير من الأحيان تكون حاجة الأخت لوجود أخيها معها معنوية أكثر منها مادية، فتحتاج إلى وجوده النفسي ودعمه لها والاستماع لها، ودرء الخطر عنها، والسؤال عن أخبارها وأمورها والمصادقة معها، والأخت التي تتدلل من أبيها وأخيها تخرج إلى بيت زوجها واثقة ومرتاحة.
وحق الأخت هذا لا ينتفي بزواجها، فهي ستبقى أخته إلى أبد الدهر، بالعكس أرى شخصيًا أن واجب إكرام الأخت والإحسان إليها وصلتها بعد زواجها يشد من أزرها ويرفع رأسها أمام أهل زوجها ويجعلها أقوى، وفي بعض الأحيان يخفف من تمادي أهل الزوج عليها ويجعلون لها قيمة.
وكم هو جميل أن تكون علاقة الأخ بزوج أخته طيبة وتقوم على الاحترام؛ فالمشترك بينهما هو تلك الأخت، واحترام زوجها من احترامها، وحتى يصبح لها حق أكثر في مال أخيها ودعمها وودها واهدائها وحتى لو كان زوجها غني، الأخت تحب طلة أخيها ودخلته لبيتها فهو يعطيها قوة، وحتى لو أصبحت القوامة لزوجها.
ويستغرب الكثير أن حق الأخت على أخيها دعمها في حال ظُلم زوجها لها أو إساءة عشرتها، وهو من الأمور الواجبة الأخ، فهو حاميها وخط دفاعها الأول وفي كثير من الأحيان يرتدع الزوج عن أفعاله إن وجد الأخ واقفًا له بالمرصاد للصد عن أي أذى تتعرض له الأخت.
وإن توفي الأخ وليس له ولد يرثه وله أخت فإن لها حق في ميراث أخيها، مما يعني تأكيد حقها في مال أخيها، وإن توفي أبوها فالأخ من يجب أن يثبت حق أخته في الميراث لا أن يسلبه منها ويخالف الشرع كما يحدث في بعض العائلات وللأسف الشديد.
- إعطاء الأخت الشعور بالأمان والعاطفة وحتى بوجود الأب، فدلال الأخ له نكهة خاصة ترغبها كل فتاة، وتتباهى به.
- الرفق واللين والنصيحة في حالة ارتكاب أخطاء، فكل فرد معرّض للخطأ، فإن أخطأت الأخت فالأخ يجب أن يكون صديقها وأمين سرها وناصحها ومرشدها وموجهها وخاصة لو كان كبيرًا، لذا من الضروري أن يعمل الأخ على إعطاء أخته الشعور بالأمان لتصارحه لأنها تحتاج لأخ صديق يشعرها بأنه حقًا السند والداعم.
- احتواء الأخ للأخت، فالأخ الذي يحتوي أخته ويستوعبها يملأ عليها حياتها فلن تضطر لأن تحتاج شخصًا آخر، وقد وردني عشرات الحالات التي تلجأ فيها الأخت للتعرّف إلى شباب ومصادقتهم وحبهم بسبب ابتعاد دور الأخ عن حياتها، وبهذا تكون فريسة سهلة في بعض الحالات وتتعرض للخديعة والكثير من الابتزاز.
- مساعدة الأخت والوقوف معها في حال اتخاذ قرارات هامة ومصيرية في الحياة، مثل الدراسة والزواج والعمل وغيرها من الأمور الهامة التي تحتاج فيها إلى رأي آخر.
- الوقوف على أخطائها وزجرها ومعاقبتها بالعقل لمنعها من تكرار الخطأ مع توضيح الصواب من السلوك، ولكن الابتعاد عن أي عقوبة جسدية أو نفسية بل تكون بالنهي والتوضيح، فلا يعني أنه لطيف حنون أن يسمح بالأخطاء الجسيمة والتي تمس بها وبكرامتها أو سمعتها ولكن بستر عليها.
- إشعار الأخت بخوف أخيها عليها، وقلقه أن يحصل لها سوء، وحتى بغيرته عليها ضمن الحدود والأصول، وبهذا يكسب ثقتها.
يلعب الوالدان دورًا كبيرًا في التوافق بين أبنائهم بشكل عام، وبين الأخ وأخواته بشكل خاص، فيجب أن يحثاه على حسن التعامل مع أخواته البنات وألّا يفرقوا في المعاملة بين أولادهم الذكور والإناث لتشعر البنت أن لها قيمة ومحفوظة بوجود أبيها وأخيها بجانبها. ولا بد لهم من حث الأخ على هذه العلاقة الطيبة باستعمال كلمة أختك شقيقتك، اهتم بها وارعاها، ساعِدها وعاوِنها.
والأهم من كل هذا أن يدعمها ويصل رحمه بوصلها سواء أكانت غنية أم فقيرة. بل عليهما أن يعززا اهتمام الأخ بمصالح أخته، وأن يقوم على توصيلها مثلًا بقيادة السيارة عنها والاطمئنان عنها والسؤال عن أخبارها، فكما رأينا مسبقًا الأخ إن كان صديق أخته حماها من كل الأخطاء.
وبالطبع كلما عزّز الأبوان الاحترام في التعامل بين جميع أفراد الأسرة يربى الأولاد في جو يسوده الاحترام فيحترم كل منهم الآخر.
للأسف نرى من واقع الحياة ومن واقع ما يصلنا من حالات أنه رغم كل الحضارة وإلزام القانون والديانات الحنيفة بأهمية رعاية الأخ لأخته؛ إلّا أن البعض ما يزال يعاني من مشكلة التسلّط، فبعض العائلات ترى أن الأخ يستطيع أن ينتهك حرية أخته ويؤذيها في بعض الأحيان بحكم أنه "الذكر القوي" وهي الأنثى الضعيفة التي لا حول لها ولا قوة.
وقد يكون هذا التسلّط ناتج عن التربية الخطأ والمتوارثة في العائلة عبر الأجيال، فتستمر الوصية أحيانًا في حال وجود أو غياب الأب أن الولد هو المسؤول وأن له السيطرة والسلطة على البنات، فيأخذ الأولاد بهذه النصيحة، وتتشبّع لما يرونه من سيطرة للأب على الأم وعلى البنات فتمتد المشكلة لسلطة الأخ وسيطرته على أخواته وضربهن وأذيتهن والتطاول على خصوصياتهن؛ متناسين ان النبي العظيم أوصى بالنساء خيرًا، فقال "رفقًا بالقوارير"، "وما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم".
وقد يصل التسلط لمنعها من الخروج أو الذهاب للمدرسة أو الجامعة أو حتى قضاء أمورها الخاصة أو الخروج مع صديقاتها.
ومن ناحية أخرى قد يأتي هذا التسلط لانتشار الفساد في المجتمع في بعض الحالات وخاصة التي يسمع عنها الأخ أو يمارسها هو بنفسه!، أو ما يقوم أقرانه بممارسته، فيبقى في حالة وجل وخوف ولا يعرف كيفية التصرف، فيقوم وبجهل منه وبعدم ردع من الأهل بالإساءة إلى أخته والتدخل في كل أمورها والتسلط عليها وقد يقول لأمه:" لو تعرفي ماذا تفعل البنات لما قلت لي دع أختك وشأنها".
وأكرر هنا يبرز دور الأهل في منع هذا التسلط والسيطرة، وكما تلعب الأخت دورًا هاماً فيه كذلك، وقد يبدأ بعض الأخوة بموال: "أنتم لا تعرفون كيف تربوا البنات، أنتم متساهلون معها، لو تعلمون ماذا يحدث في الخارج!" هذه عبارات كثيرًا ما نسمعها من الأخوة ويعتبرون أن التعميم في سلوك البنات وارد مع أنه أغلوطة ويجب الابتعاد عنه بعدًا تامًا.
ويرى الكثير من الأخصائيين أن الأخ الذي يتسلط على أخته يُعدُّ شخصًا مريضًا ويعاني عقد نفسية ويحتاج إلى مساعدة لأنه إنسان ضعيف وغير واثق من نفسه، إضافة إلى أنه جاهل، وفي الحقيقة هذا الأخ المتسلط في حاجة ماسة لعلاج نفسي!.
وقد يجد البعض أن إعطاء البنت حريتها سيجلب الفضيحة للعائلة، ولهذا يجب السيطرة عليها وحبسها لو اضطر ومنعها من الخروج لأي سبب كان.
وقد يحدث التسلط من الأخ لأنه الأكبر أو لأنه وحيد والديه، ولكن نرى التسلط والتطاول أحيانًا من الأخ الأصغر على أخته الكبرى وهنا تأتي المشكلة، وكأنه يريد إثبات رجولته وأن له سلطة في البيت، وقد يأتي هذا الأمر بمساعدة الوالدين أو أحدهما لغياب الآخر أو لجهل منهما بأن هذه الطريقة الصحيحة في التعامل مع البنت فهي تنصاع لأبيها ولأخيها ولزوجها لأنه مجتمع ذكوري.
وقد يصل التسلط في بعض الأحيان وللأسف -كما يردنا في بعض الحالات- إلى حد ضرب الأخت، والضرب ممنوع في كل الأحوال وأعتقد أن ضرب الأخت لهو جريمة بشعة تحتاج إلى عقوبة رادعة، وحتى لو أخطأت الأخت كما أسلفنا يجوز زجرها ومعاقبتها ولكن ليس بالإيذاء الجسدي أو النفسي فهي تحتاج وخاصة في حال الخطأ ليد حانية وحتماً لا تحتاج ليد قاسية تقسم ظهرها.
دور الأخت في العلاقة مع أخيها ومكانة الأخ لدى الأخت
- على الأخت احترام أخيها والسمع له فيما لم يخالف الشرع، وهذا أمر في منتهى الأهمية، فالأخت تطيع أخاها إن كان ما يدعوها إليه هو واجب شرعًا وأمر محبب لحمايتها ومساعدتها، وكذلك تطيعه إن نهاها عن فعل محرم كالسفور والاختلاط والاستماع إلى الأغاني أو نحوها، والأخ بهذا يعد فعله من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولا يجب أن تأخذ هذا الأمر من باب السيطرة وخاصة إن جاءها بالحديث بطريقة لينة ناصحة، فلا تعاند أخاها بهذه الأمور.
- الأخت العاقلة والهادئة تكسب أخيها إلى صفها، باللطف واللين والرقة والهدوء ولا تتعامل معه كنِدٍ لها ولا خصم، وبالطبع هما ليسا في وضع تنافس، فلو قررت الأخت أن تكسب أخيها لصفها لكسبته، بالتغافل والمداراة.
- إظهار الاحترام وتقدير رجولته وإظهار خوفها عليه واشتياقها له، والتقرّب منه، وطلب مصادقته، بل والعطف عليه والحنو عليه. فكم من أخت لعبت دور الأم في حياة أخيها.
- مساعدة الأخ إن احتاج بعض المساعدة وخاصة في ترتيب ملابسه مثلًا أو كي بعضها أو تنسيقها، فالبنت لها ذوق رفيع في هذه الأمور. وعملها هذا من باب الإحسان والمحبة وليس لأنها خادمة له، فيطيب للأخت في بعض الأحيان خدمة أخيها ورعايته من باب التحبب والتقارب.
- الاتزان في السلوك والابتعاد عن الشبهات، وتكرار عبارات إيجابية عن فضل تربية والديها لها، وأنها لا تفعل ما يثير الشبهة أو تفعل الخطأ من وراء ظهر أهلها.
- الصدق في قولها وفعلها في كل أمر وكل فعل في حياتها، وتصرفها بناء على مبادئ لا تحيد عنها لتكسب السمعة الطيبة وثقة أهلها ومنهم الأخوة.
الأصل في العلاقة بين الأخ وأخته هي علاقة تفاهم وود وتراحم وعطف ورحمة، فيساند أحدهما الآخر ويدعمه.
- وعلى الأب أن يلعب دوره في تحديد إطار العلاقة بين الأخ وأخته وعدم السماح للأخ بالتطاول على أخته ولو في أمرها أمرًا بإحضار كوب ماء له وهما يشاهدان التلفاز!، بل عليه أن يتحدث إلى أبناءه الذكور ويحدد طبيعة علاقتهم بأخواتهم الإناث ويكون هو نفسه لهم قدوة في ذلك سواء بمعاملة الأم باحترام وطيبة وكذلك البنات وعدم السماح للذكور بتقمص دور الأب والسيطرة العمياء على أهل البيت.
- إبقاء دور الأب والأم في تسيير أمور العائلة والاهتمام بأمور التربية والقرارات المتعلقة بالأولاد ذكورًا أم إناثًا على أن ترتكز على العدالة والمحبة وعدم التفرقة ولا بأي حال من الأحوال.
- غرس المُثل العليا وآداب التعامل وتطبيق الأخلاق والحفاظ على المبادئ في الأولاد ذكورًا كانوا أم إناثًا. وكم أحب تكرار عبارات مثل" احترم أختك، أختك الكبيرة لها قيمتها واحترامها، أختك الصغيرة تحتاج للحب والدلال، أنت سندها، ادعم أختك وآزرها".
- إدراك الأخ أن الأخت الكبرى ليست فقط أكبر منه سنًّا، بل وجرت عادة الناس على اعتبار أن الأخت الكبرى لها من الاحترام والتقدير ما للوالدة من حقوق، ولذلك يجب أن يلتزم الأخ الرفق والأدب والحنان والتواضع عند الحديث معها لأنها ما دامت أكبر فهي في منزلة الوالدة.
- في حال غياب الأب الاستعانة بالجد أو العم أو الخال لفض النزاع بين الأخوة أو منع تسلط الأخ على أخته في حال عدم قدرة الأم على هذا وقد يستلزم الأمر الاستعانة بالخال أحيانًا.
واختم بقولي إن النساء شقائق الرجال، أي أعطاها التشريع حقوقها كاملة كالرجل، وأن الأخت لا يمكن أن تبحث عن علاقة مع ذكر خارج إطار بيتها في حال أعطاها أبوها وأخوها الحنان والتفاهم الكافيان، وكم هو خطر نقص هذه الأمور! فإن لم تستطع التفاهم مع أبيها وأخيها فكيف ستتفاهم مع من هو خارج بيتها، يا ابنتي اعملي على إصلاح علاقتك بأبيك وأخيك قبل أن تفكري بأي علاقة أخرى.
وحفظ الله لكل منا أهلها وأحبتها وإخوتها وجعلهم الله لها سندًا ودعمًا، وجعلنا لهم سترًا من النار، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.