طرق تطوير الشخصية وإدارة الذات نحو تطوير الشخصية
كل منّا فريد بشخصيته، لكن كيف يمكن تطوير الشخصية؟ وكيف أصبحنا ما نحن عليه اليوم؟ ما الذي يلعب الدور الأكثر أهمية في تكوين وتطوير الشخصية؟ هل يمكن أن تتغير شخصيتك؟ فما علاقة التفكير الإيجابي بتطوير الشخصية وتغيرها للأفضل؟
بالإضافة لمحاولة الإجابة على هذه التساؤلات؛ هذا مقال حول نصائح ومهارات وطرق تطوير الشخصية.
تطوير الشخصية والتحكم بمصيرك
يعتمد تطوير شخصيتك على عقليتك المقبلة على الحياة والمنفتحة على التطوير، فمنذ الطفولة تستمتع لما يجب عليك القيام به وما يجب أن تفعله، ومن يوجهك هم والديك ثم معلمك في المدرسة وأشقائك الأكبر وربما أصدقائك وغيرهم من المحيطين بك، وعند البلوع تستشير الجميع في أي قرار تتخذه، فهل أنت قادر على التحكم بمصيرك بدءاً من اتخاذ قرار مهما كان بسيطاً؟
كي تعمل على تطوير شخصيتك عليك أولاً التحكم بمصيرك، بالتالي التمتع بطريقة تفكير نشطة وإيجابية وألا تتبع رغبة أحد إلا أنت، وللتحول من عقلية سلبية إلى نشطة وإيجابية يمكنك الاستفادة من هذه الخطوات[1]:
- إدراك أن الأفكار السلبية... سلبية: إنه من المسلّمات، ثم لا يمكنك أن تمرّ في الحياة مرور الكرام؛ دون أن تعاني من مواقف صعبة وتتعداها وتتعلم من التجربة، وغياب الهدف في هذه اللحظات السلبية هو المشكلة، فمهما كان شعورك سيئاً قم بفعل شيء ما، وحاول تشجيع نفسك على التفكير بفعالية ونشاط ولا تركن في زاوية خفية كمن اقترف ذنباً عظيماً وتوارى عن الأنظار، ما عليك خلال اللحظات السلبية في حياتك إلا المبادرة بالفعل والنشاط والانضباط والالتزام بالعادات الصحية التي اخترتها، مهما كان ما تمر به صعباً وسلبياً.
- الالتزام بالتعلم: لا يلتزم الكثير من الناس بالتعلم، ولهذا السبب يشعر الكثيرون بالملل مثلاً، فأنت لا تتفاجأ ببعض الأشخاص الذين لا يتغيرون من عام إلى آخر، حتى أنك قد تكون واحداً منهم، لذا فإن التمتع بالعقلية النشطة والمرنة المقبلة على الحياة والقادرة على الاستفادة من التعلم والالتزام بالمعرفة؛ لا يمكن أن تشيخ أو أن تشعر بالملل.
- إضافة القيم: إذا قمت بتطبيق الخطوة السابقة، ستصبح القيمة المضافة أمر سهل لكل ما تقوم به، فعندما تكون فضولياً وتطرح أسئلة؛ تتعلم وعندها سيكون لديك المزيد من المعرفة والأفكار، وهي ما يمكنك استخدامه لتحسين حياتك وتطوير شخصيتك والتحكم بمصيرك في عملك وعلاقاتك، ولا يعني ذلك أنه يجب عليك مشاركة أفكارك ونصائحك بشكل علني وللجميع، لأنهم قد يعتبرون نصائحك انتقاداً، و"عليك أن تخبر العالم كله بما تريد فعله.. بعد أن تنفذه أولاً"، وعندما تحاول إضافة القيم تذكر التالي:
1- لا تنتقد أو تدين أي شخص أو تشتكي من ظروف أو مرحلة.
2- عليك إعطاء التقدير الصادق والمخلص لكل شخص وكل شيء.
3- إثارة اهتمام الآخرين بالحماس، فمن الأفضل أن يدرك الناس الأمور بطريقتهم بدلاً من محاولة إجبارهم من خلال النصائح، لأن كل شخص هو حكيم نفسه، فلا تدعي المعرفة مقابل جهل الآخرين.
كما نعلم جميعنا أن الأمر لا يتعلق بما تعرفه.. بل بما تفعله، والشيء الأكثر أهمية هو أن نلتزم بالتعلم، وإذا أردت أن تساعد أشخاصاً؛ فسيكون لديك فرصة دائماً وشيئاً مفيداً للقيام به، مع استمرار تقدمك وتطوير شخصيتك مهما كنت بطيئاً في ذلك، ومهما كان حجم ما تحققه؛ فإنه علامة مؤكدة على تمتعك بعقلية تفكير فعّالة ونشيطة وإيجابية، وإذا لم تكن مستعداً لتبني خطوات عملية لتطوير الشخصية، لن ينفعك إلا العمل على ذلك، مهما قرأت من كتب واطلعت على نصائح من خبراء وقصص أشخاص ناجحين.
وحول ذلك تجيب خبيرة تطوير الذات لدى موقع حلوها الدكتورة سناء عبده على سؤال لصديقة من صديقات الموقع تشكو أن تطوير شخصيتها يصطدم بمشكلات الطفولة والتأثيرات السلبية التي تركتها على حياتها:
"تعرفي على نقاط القوة في شخصيتك وحددي مهاراتك وهواياتك، وافعلي ما تتقنينه مع التركيز على الحاضر فلا تعلقي في الماضي بل واجهيه بتحدٍ وإرادة، كلنا مررنا بمواقف صعبة ولا تكثري التفكير بما حصل، وكرري بينك وبين نفسك كل الكلمات الايجابية عن نفسك؛ أنا قوية ولدي قدرة على فعل ما أتقنه، ولدي كل الإمكانيات لتطوير شخصيتي".
مهارات وطرق تطوير الشخصية
يعتمد مفهوم تطوير الشخصية على ما يمكنك تحقيقه من إنجازات بما يضمن تغيير وتحسين حياتك، قد تعلق في منطقة تفكير مريبة وبعد تخرجك من الجامعة أو تركك عملاً لا تحبه، ربما تتساءل: ماذا أفعل الآن؟ ما الذي عليّ البدء به؟ لكن بيني وبينك؛ فإن أهم الأسئلة في مثل هذه المرحلة الصعبة من حياتك هو: كيف أطور شخصيتي..؟ لأنه من أكثر الأسئلة صدقاً وصراحة مع الذات.
مع ذلك يمكن أن تكون التجارب القاسية في الحياة مصدراً غنياً للتعلم، وبالضرورة تحسين وتطوير الشخصية، وما أهم الدروس التي تغير الحياة والشخصية للأفضل وتساهم في تطوير الشخصية أيضاً، تذكر أنك تتعلمها في المواقف الصعبة ومنها:
- الحياة قصيرة: مع إدراك أنك لن تعيش إلى الأبد، فإنك ستستخدم الوقت بحكمة، ولا تريد أن تنظر إلى الماضي والتحسر على الفرص الضائعة.
- الاعتناء بالصحة: لا يمكنك أن تدرك أهمية الصحة إلا إذا عانيت مرضت، كما لا يمكنك الاعتناء بصحتك البدنية مع إهمالك للصحة العقلية والروحية، فالشيء الوحيد الذي يمكنك التحكم فيه هو ما تملكه أي صحتك وجسدك، من خلال الخيارات الصحيحة التي تتخذها في كل لحظة.
- الخبرات الحياتية أغلى من الممتلكات: لا بد أن تعيش بكرامة واكتفاء، ويكون المال والممتلكات وسيلتك لذلك، لا أن تكون غاية حياتك، فأنت لن تأخذ شيئاً معك في النهاية.
- العمل والالتزام والمثابرة.. تفوق الموهبة: فكل عمل تنهيه بمحبة، وكل مسئولية تأخذها على عاتقك وتتكلل النتائج بالنجاح، إنما هذا نتيجة تفانيك وبذل أقصى جهد أولاً.
- معتقداتك تعكس شخصيتك: أنت من تعتقد أنه أنت، فالعقل الثرثار داخل رأسك هو بمثابة شخص يقف على طرف نقيض من رغباتك في تطوير شخصيتك وتحقيق النجاح في حياتك، لأنه يريد أن يحميك بالبقاء عالقاً في منطقة مريحة، وعاجلاً أم آجلاً ستكتشف أن الواقع ما هو إلا انعكاس لما يدور في عقلك الذي قد يكون جباناً! لذا غيّر عقليتك وطريقة تفكيرك كي تتغير حياتك للأفضل.
- لا تتوقف عن قراءة الكتب: وكن مستعداً للمستقبل بما تحمله من معارف، فالكتب كنز في أي زمن وفي أي ظرف لا يوجد لديك صديق أوفى من الكتاب.
- تذكر العيش بأسئلة جيدة: كن فضولياً مثل طفل، ولا تتوقف عن طرح الأسئلة، فهذا ليس ضعفاً أو فشلاً، إنه حسّ بالمسؤولية وحرص وشغف بالتحسن للأفضل، أي تطوير الشخصية.
- لا تقم بشيء لا تحبه: سواء عمل أو وظيفة تسبب لك مشكلة مع نفسك، أو علاقة تؤرق حياتك؛ لا تفعل شيئاً وأنت غير مهتم به.
- لا تحتاج شهادة: لا يمكن أن يكون التعلم هو استعداد للحياة إنه الحياة نفسها، لذلك لن تتوقف عن التعلم، وما أنت بحاجة إليه فعلاً هو: فكرة وقدرة على العمل بجد وتضحية وتنفيذ ما ترغب به.
- التخطيط للمستقبل: يعتمد هذا على وضع الأهداف في المقام الأول، ومع أن المطالبة بعيش الحاضر وتفريغ عقلك من التفكير الزائد بالمستقبل، فإن "فقرك في التخطيط، يعني أنك تخطط للفشل"، تأكد أن كل ما تقوم به الآن يقود إلى ما تهدف لتحقيقه مستقبلاً، فلا بد أن يكون لديك ولو فكرة؛ عن المكان الذي ستصل إليه مستقبلاً.
بعض من نظريات تطوير الشخصية
يتعلق تطوير الشخصية بمدى قوة الشخصية أيضاً، حيث تساهم العقلية النشطة المحبة للحياة، في تعزز التطور الإيجابي وتمنع الاعتلال النفسي، على سبيل المثال فإن الامتنان وامتلاك المعنى للعيش والأمل، كلها قيم تتنبأ بالرضا عن الحياة، بالضرورة تطوير علاقات إيجابية وخلق الأحلام ووضع الأهداف والسعي لإنجازها [3]، (كلها نواحي وخطوات تترجم تطوير الشخصية).
ويشير مفهوم تطور الشخصية إلى كيفية ظهور أنماط السلوك المنظمة، التي تشكل الشخصية الفريدة لكل إنسان بمرور الوقت، بحيث تؤثر العديد من العوامل على الشخصية، بما في ذلك الوراثة والبيئة والأبوة والأمومة والمتغيرات المجتمعية وغيرها، ولعل الأهم من ذلك هو أن التفاعل المستمر لجميع هذه المؤثرات، هو الذي يستمر في تشكيل الشخصية طوال عمر الإنسان [2]،
فهل فكرت بنقاط القوة الشخصية التي تمتلكها؟ إليك قبل أن تحاول الإجابة على السؤال؛ النظريات التالية على الجوانب المختلفة لتطور الشخصية:
1- نظرية فرويد لمراحل التطور النفسي-الجنسي: (Freud’s Stages of Psychosexual Development)، حيث اقترح سيجموند فرويد أن الشخصية تتطور في مراحل مرتبطة بمناطق مثيرة للشهوة الجنسية، مشيراً إلى أن الفشل في إكمال نمو وتطور هذه المراحل، سيؤدي إلى مشاكل في الشخصية خلال مرحلة البلوغ، لكن هناك الكثير من الانتقادات الموجهة لهذه النظرية، حيث اعتمد فرويد في بحوثه على ذكريات المرضى البالغين، وليس على الملاحظة الفعلية ودراسة الأطفال.
2- نموذج فرويد لهيكل الشخصية: (Freud's Id, Ego, and Superego) يقوم على مفهوم فرويد للهوية والأنا.. والأنا العليا، على الرغم من نقص الدعم والشك الكبير من قبل العديد من الباحثين بهذه النظرية، فإن العناصر الثلاثة للشخصية هي التي تعمل من أجل خلق سلوكيات معقدة لدى الشخص، فكل عنصر لا يضيف فقط مساهمته الفريدة في الشخصية، لكن تتفاعل العناصر الثلاثة معاً؛ بطرق لها تأثير قوي على كل فرد فينا، وكل من هذه العناصر الثلاثة للشخصية تظهر في نقاط مختلفة من الحياة.
3- نظرية أريكسون لمراحل التطور النفسي: (Erik Erikson's Stages of Psychosocial Development)، تتكون هذه النظرية للنمو البشري من ثماني مراحل، وهي واحدة من أفضل النظريات المعروفة في علم النفس، وعلى الرغم من اعتماد نظرية أريكسون على نظرية فرويد لمراحل التطور الجنسي، إلا أن إريكسون ركز على كيفية تأثير العلاقات الاجتماعية على تطوير الشخصية، إلى ما بعد مرحلة الطفولة للنظر في التطور عبر كامل العمر الافتراضي للشخص، بحيث يواجه الأشخاص أزمة يجب أن يتعاملوا معها ويواجهوا عواقبها، وأولئك الذين يكملون كل مرحلة بنجاح؛ يخرجون بشعور من التمكن والرفاهية والرضا في الحياة، أما أولئك الذين لم يحلوا الأزمة في كل مرحلة على حدا؛ قد يصارعون تلك العواقب لبقية حياتهم!
4- نظرية جان بياجيه للتطور المعرفي: (Jean Piaget's theory of cognitive development suggests)، من أكثر النظريات التي يتم الاستشهاد بها في علم النفس، على الرغم من تعرضها لانتقادات كبيرة، وسقوط العديد من جوانب هذه النظرية أمام اختبار الزمن، فإن الفكرة الأساسية لا تزال مهمة حتى اليوم وهي أن: الأطفال يفكرون بشكل مختلف عن البالغين، حيث يتقدم الأطفال من خلال سلسلة من أربع مراحل تتميز بتغييرات مميزة في طريقة تفكيرهم، فكيفية تفكير الأطفال في أنفسهم والآخرين والعالم من حولهم؛ تلعب دوراً مهماً في تكوين وتطوير الشخصية.
5- نظرية لورانس كولبرج لتنمية الشخصية: (Kohlberg's Theory of Moral Development)، والتي ركزت على النمو الأخلاقي، من خلال ست مراحل مختلفة، لكن النظرية انتقدت لعدة أسباب، بما في ذلك احتمال أنها لا تساوي بين الجنسين كذلك بين الثقافات المختلفة ولا تراعي هذا الاختلاف، مع ذلك فإنها تبقى نظرية مهمة في فهمنا لكيفية تطور الشخصية، وبالضرورة.. التطور الأخلاقي هو عملية مستمرة تحدث طوال العمر.
في المحصلة..لا تتضمن الشخصية سمات فطرية فحسب، بل أنماطاً معرفية وسلوكية تؤثر على كيفية تفكير الناس وتصرفاتهم أيضاً، والمزاج هو جزء أساسي من الشخصية التي تحددها الصفات الوراثية، ولا بد أن تدرك أن جوانب الشخصية الفطرية تمتلك تأثيراً دائماً على السلوك، ويتعلق تطوير الشخصية بمدى معرفتك بذاتك وإلمامك بنقاط قوتك وضعفك، كذلك إدراكك أنه لا يوجد أي إنسان كامل بمن فيهم أنت.
في النهاية.. تتأثر الشخصية بالتجربة التي تستمر في النمو والتغير طوال الحياة، بالتالي تستمر الشخصية في التطور بمرور الوقت وتستجيب لتأثيرات وتجارب الحياة، لكن تذكر؛ أن الكثير من سمات الشخصية تحددها الصفات الفطرية وتجارب الطفولة المبكرة، ما رأيك؟ شاركنا من خلال التعليقات.
[1] مقال Darius Foroux "التفكير الفعّال مقابل التفكير السلبي"، منشور على الموقع medium.com، تمت المراجعة في 26/01/2020
[2] مقال Kendra Cherry "سيكولوجية تكوين الشخصية"، منشور على موقع verywellmind.com، تمت المراجعة في 26/01/2020
[3] دراسة Reham Al Taher "تصنيف القوة الشخصية والقيم"، منشورة على موقع positivepsychology.com، تمت المراجعة في 26/01/2020