فوائد الانعزال عن الناس وسلبيات العزلة الاجتماعية
هل يمكن أن يكون الانعزال عن الناس نعمة وغنيمة! يبدو أن الأشخاص الانطوائيين والانعزاليين لديهم الكثير من السمات الشخصية المميزة ويجنون الكثير من الفوائد في ابتعادهم عن الاختلاط الاجتماعية، نحاول أن نتعرف إليها معاً في هذا المقال.
الانعزال لا يعني كره الآخرين
إنك تحاول البحث عن لحظات العزلة في حياتك اليومية، لتستعيد قدرتك على التركيز أو التوصل إلى حل المشكلات أو مواجهة بعض المصاعب، وفي نفس الوقت يرتبط الانعزال عن الناس بالوحدة ومحاولة تجنبها، على الرغم من الثمن الذي تدفعه لقاء الانعزال عن الآخرين بإرادتك، نظراً لعلاقة العزلة وفن البقاء وحيداً بالقدرة على الإبداع، لكن لماذا تكون بمفردك مع أفكارك عندما يمكنك العثور على كل ما تحتاجه (حلول المشاكل) عبر غوغل والانترنت؟!
لكن مرة أخرى.. على الرغم من أهمية الاعتماد على الآخرين، إلا أنه من الضروري تجديد ذهنك من خلال قضاء بعض الوقت بمفردك (وحيداً)، بالطبع يُعد التعاون مفتاح النجاح، إلا أن الابتكار واتخاذ القرارات الجيدة والمصيرية في الحياة والعمل؛ يأتي في الغالب في لحظات الانعزال عن الآخرين. [1]
مع ذلك لا بد أن تكون حاضراً بكيلتك عندما تكون مع الآخرين وعندما يحتاجك الناس، مع ضرورة تخصيص أولويات للبقاء وحيداً بعض الوقت خلال اليوم، كي تفكر بكامل (الاحترام) فيما يخصك ويتعلق بحياتك وأحلامك وعملك ومشروع حياتك، ربما تستطيع تخصيص بعض الوقت من الصباح من خلال الاستيقاظ باكراً أو قبل النوم أو خلال النهار، اختر الوقت الأنسب لحياتك اليومية، واجعل هذه المساحة الزمنية مقدسة في يومياتك، ولو كانت لمدة 10 دقائق فحسب.
وعلى الرغم من رعب فكرة البقاء وحيداً بالنسبة للكثيرين، إلا أن أهمية الانعزال الاجتماعي لبعض الوقت تبرز فيما يلي:
- يمكن أن يساعدك الانعزال الاجتماعي على اكتشاف ذاتك بطرق لم تتمكن من الوصول إليها قبل الآن.
- مع الانعزال عن الأصدقاء سيكون لديك مساحة لاستكشاف نقاط ضعفك ونقاط قوتك أيضاً.
- عند ضبط عوامل التشتيت الخارجية، فإنك تتحدى نفسك لتحقيق النمو الذاتي.
- ومثل أي عضلة، مع الممارسة نزداد القوة لديك وتتعزز (عادة إيجابية) في الانفراد والانعزال عن الآخرين كي تفكر.
تعريف الانعزال الاجتماعي (الفرق بين الوحدة والعزلة الاجتماعية)
الانعزال الاجتماعية شكل مختلف من الشعور بالوحدة، وهو امتلاك القليل من التواصل مع الناس أو لا اتصالات نهائياً [2]، ولا بد من فهم الاختلاف بين الانعزال والوحدة وسبب أهمية فهم هذا الاختلاف، لأن الوحدة ليست مثل العزلة الاجتماعية، التي يمكن أن تتضمن الشعور بالوحدة، كما أنه قد يحيط بك أشخاص كثيرون، ومع ذلك لا تزال تشعر بالوحدة، وقد يتم التغاضي عن التمييز بين هذين المفهومين من قبل الباحثين، مما يجعل من الصعب فهم ما يمكن أن يساعد الناس على تقليل شعورهم بالوحدة والسيطرة على المشاعر السلبية التي ترافق الوحدة وأنت بين الناس.
بحيث يرتبط الانعزال الاجتماعي بعدد العلاقات وليس بجودتها، والعزلة مقياس لكم العلاقات التي تمتلكها في حياتك، بحيث يمكنك التغلب على الانعزال عن الآخرين بزيادة عدد علاقاتك الاجتماعية.
مع ذلك لا تختلف الوحدة عن العزلة والانعزال الاجتماعي، بل تؤدي الوحدة إلى الانعزال عن الآخرين، كما يرتبطان (الوحدة والانعزال) بعوامل زيادة احتمال تعرض الأشخاص لتدهور الصحة، والمشكلات الحسية والحركية.
في المحصلة.. لا بد من فهم التمييز بين الشعور بالوحدة والعزلة الاجتماعية (الانعزال الاجتماعي)، من أجل ضمان عدم تركيز الحلول على زيادة فرص الناس للالتقاء أو التحدث والتواصل فقط، ولكن على المساعدة في بناء علاقات ذات مغزى والحفاظ عليها للمدى البعيد، فزيادة عدد الاتصالات الاجتماعية ليس غاية في حد ذاته لمكافحة الوحدة، بل يجب معالجة جودة العلاقات بين الناس [3].
سلبيات الانعزال، والانعزال عن الأصدقاء والآثار الصحية للانعزال عن الناس
تشير بعض الدراسات إلى أن تأثير العزلة والوحدة على الصحة ومعدلات الأعمار؛ له نفس حجم عوامل الخطر التي تحملها عادات صحية وأمراض، مثل: ارتفاع ضغط الدم والسمنة والتدخين.
وفي الحديث عن الانعزال الاجتماعي لا يمكن فصله عن التأثيرات الصحية للعزلة والوحدة؛ من مبدأ عدم فصل السبب عن النتيجة، بأن الأشخاص الذين يعانون من ظروف صحية سابقة، قد يكونون عرضة للعزلة الاجتماعية، كما أنه ليس كل الأشخاص الذين يكونون في عزلة هم وحيدون، كما أنه وعلى الرغم من كونك غير وحيد فهذا لا يعني أنك لا تعيش في عزلة! فوجودك في علاقات سامة قد يكون أكثر إرهاقاً وغير صحي من الشعور بالوحدة وأنت منعزل عن الآخرين!
هناك اختلاف في سلوكنا واحتياجاتنا الاجتماعية، والحقيقة أننا مبرمجون نفسياً وبيولوجياً للحاجة إلى شبكات اجتماعية، لذا من المنطقي أن يفرض الانعزال الاجتماعي ضغوطاً على عقولنا وأجسادنا، وأن يكون لها تأثير كبير على الصحة.
كما يمكن أن يكون للشعور بالوحدة؛ تأثير قاتل على الصحة، لا سيما لدى كبار السن، كما ضاعفت العزلة الاجتماعية وفق أحد البحوث.. من خطر الموت المبكر [4]، فقد تكون العزلة الاجتماعية أقل انتشاراً لدى الشباب، لكنها ترتبط بقوة أكبر بالظروف والسلوكيات الصحية السيئة أكثر لدى الأشخاص الأكبر عمراُ، حيث أظهر الأشخاص المعزولون اجتماعياً (بصرف النظر عن أعمارهم) وفقاً لدراسة حديثة[5]:
- مخاطر ضعف الصحة والاضطرابات العضلية
- أعراض الاكتئاب المتوسط إلى الشديد.
- كما وجدت الدراسة أنهم معرضون بشكل كبير لخطر التصرف غير الصحي فيما يتعلق بالخمول البدني، وسوء التغذية واستخدام الأدوية ذات التأثير النفسي.
وربط بحث آخر؛ العزلة الاجتماعية والوحدة بمخاطر أعلى لمجموعة من الحالات الجسدية والعقلية [6]:
- ارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب.
- السمنة.
- ضعف جهاز المناعة.
- القلق والاكتئاب.
- التدهور المعرفي ومرض الزهايمر.
وخاصة لدى الأشخاص الذين يجدون أنفسهم بمفردهم بشكل غير متوقع بسبب وفاة الزوج/ الزوجة أو الشريك العاطفي، والانفصال عن الأصدقاء أو العائلة، كذلك التقاعد وفقدان القدرة على الحركة، فهؤلاء معرضون لخطر أكبر، حتى أنه قد يصل إلى الموت!
وعلى العكس، يميل الأشخاص من كبار السن، الذين يشاركون في أنشطة هادفة ومنتجة مع الآخرين؛ إلى العيش لفترة أطول وتعزيز مزاجهم، كما أن لديهم شعوراً بالمعنى في الحياة، لأن هذه الأنشطة تساعد في الحفاظ على رفاه العيش وقد تحسن الوظائف المعرفية.
أخيراً.. على الرغم من تأثير مشاعر الوحدة المؤلمة؛ كسماد طبيعي لنمو بعض الأمراض كما تحدثنا أعلاه، إلا أن الانعزال الاجتماعي والعزلة الاختيارية، قد تكون مرتبطة بالذكاء! كما أن الأشخاص المنعزلين اجتماعياً أو الانطوائيين (لنكون أكثر تحديداً)؛ هم أشخاص مخلصون في علاقاتهم مع الآخرين (المهمين)، وهذا ما سنتحدث عنه تالياً.
الأشخاص الانعزاليون هم الأكثر إخلاصاً وعقلانية
ربط العلماء في بحث عن مسببات السعادة؛ الرياضة بتخفيف القلق والإجهاد وتقليل والحد، وربطوا تقييد والحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بتحسين صحتك العاطفية، بينما ربط الباحثون.. التواجد في الطبيعة بالفرح والبهجة، بينما يتحقق والرضا من خلال التواجد مع الأصدقاء، لكن قال البحث أن الناس الأذكياء يفضلون الوحدة أو الانعزال! [7]
لماذا يحب الأشخاص الأذكياء الانعزال الاجتماعي والابتعاد عن الناس؟ وفقاً لعلم النفس التطوري فإن الذكاء تطور كصفة نفسية لحل المشكلات الجديدة، وبالنسبة لأسلافنا كان الاتصال المتكرر بالأصدقاء ضرورة ساعدتهم على ضمان بقائهم، مع ذلك يعني كونك شخص ذكي جداً؛ أنك قادر على حل المشكلات والتعامل مع التحديات بشكل فردي، دون الحاجة إلى مساعدة من شخص آخر، بالتالي هذا ما يقلل من أهمية الصداقات بالنسبة لك، في المحصلة.. فإن القدرة على حل المشكلات والتعامل مع التحديات دون مساعدة المجموعة، هي من علامات الذكاء الشديد [8].
عندما تلتقي شخصاً يحب الوحدة والانعزال عن الآخرين، فإنه غالباً ما يكون مميزاً على الرغم من أنه قد يبدو لك انطوائياً للوهلة الأولى، بمعنى لا يحب أن يتفاعل معك نهائياً، لتكتشف أنه اختار أن يتفاعل معك لأنك مميز بالنسبة له!
ثم أن الأشخاص الانطوائيين لا يخافون من فقدان أي منافع للتواجد مع الناس، لذا يختارون الانعزال الاجتماعي، وهم من دون شك أفضل الأصدقاء الذين يمكنك أن تحظى بهم، لأنهم يفكرون في مصلحتك كما يفكرون بمصلحتهم تماماً، ولأنهم بقرار أن يمضوا وقتهم معك، على الرغم من حبهم للبقاء وحدهم، فهذا يعني إخلاصهم لك وولائهم لهذه العلاقة المهمة بالنسبة لهم ولك كذلك [9].
قررت الانعزال عن العالم حتى أرتاح
تنصح خبيرة حلوها النفسية الدكتور سراء فاضل الأنصاري؛ أحد أصدقاء حلوها الذي يعاني الانعزال المرضي عن الناس: "ما تعاني منه هو القلق العام والاجتماعي والأدوية تنفع، لكن يجب أن تخضع لعلاج سلوكي معرفي وستنفعك دورات تطوير الذات وزيادة الثقة بالنفس"، يمكنك متابعة بقية الاستشارة ونقاشات مجتمع حلوها على هذا الرابط.
في النهاية.. إذا كنت اخترت الانعزال عن الناس والوحدة بدافع البحث عن وقتك الخاص للتفكير بمشكلة ما وحدث جديد أو قرار مصيري؛ فهنيئاً لك قدرتك على تحمل الوحدة لبعض الوقت، بينما لو كان الانعزال الاجتماعي ظرفاً مفروضاً عليك، لا بد من إيجاد طريقة للخروج من حالة الوحدة التي يسببها، والتي قد تترافق مع بعض التأثيرات النفسية والجسدية، ولا يمكن أن يكون الانعزال علامة على الذكاء عندها! ما رأيك؟ شاركنا من خلال التعليقات.
في هذا الفيديو تتحدث الأخصائية الإرشادية والمدربة هيلينا الصايغ عن إدارة المخاوف والقلق في الأزمات وظروف العزلة الإجبارية والحجر في الأزمة، وكيف يمكن أن نتعامل مع العزل الإجباري بطريقة إيجابية وفعالة للحفاظ على الصحة النفسية والجسدية، شاهد فيديو تهدئة النفس في الأزمة من خلال النقر على علامة التشغيل أو من خلال الانتقال إلى هذا الرابط: