هل فيروس هانتا خطير وما الفرق بينه وبين كورونا؟
ما زال العالم يحاول السيطرة على وباء كورونا والحد من انتشاره المتسارع ريثما يتم إيجاد العلاج واللقاح لفيروس كوفيد-19، لكن عودة ظهور فيروس هانتا في الصين قد تجعل الأمر أكثر تعقيداً، خاصّةً وأن القطاعات الصحية حول العالم تواجه أزمة شديدة في التعامل مع وباء كورونا؛ فهل هناك خطورة لفيروس هانتا الجديد؟ وما الفرق بين فيروس هانتا وفيروس كورونا المستجد؟ كيف ينتقل فيروس هانتا وهل يمكن أن ينتقل بين الأشخاص؟ وما هي طرق الوقاية من فيروس هانتا وخيارات العلاج؟ متى ظهر فيروس هانتا وهل هو جديد حقاً! هذه الأسئلة وغيرها ستجدون إجابتها في السطور التالية.
فيروسات هانتا Hantaviruses؛ مجموعة فيروسية تسبب متلازمة هانتافيروس الرئوية التي تعرف اختصاراً باسم (HPS)، وتسبب أيضاً الحمى النزفية المصاحبة للمتلازمة الكلوية (HFRS)، وعلى الرغم من ظهور إصابة جديدة في الصين بفيروس هانتا في الأيام الماضية؛ إلا أن فيروس هانتا قديم يعود اكتشافه إلى أكثر من نصف قرن، وإليكم قصة فيروس هانتا ومتلازمة هانتا الرئوية.
تم اكتشاف أول إصابة بفيروس هانتا المسبب لمتلازمة هانتا الرؤية في الولايات المتحدة الأمريكية في مايو/أيار عام 1993، وهناك أنواع عديدة من فيروسات هانتا كانت معروفة قبل ذلك، لكن الإصابات التي ظهرت عام 1993 كانت تنذر بوجود نوع جديد من الفيروس.
بدأ الأطباء والباحثون محاولة تتبع مصدر فيروس هانتا الذي يسبب أعراضاً تنفسية حادة قد تؤدي للوفاة، وكانوا يعلمون مسبقاً أن فيروس هانتا ينتقل من القوارض والفئران بشكل أساسي، ما دفعهم لاصطياد عدد كبير من الفئران والقوارض التي تعيش بين السكان في منطقة ظهور الفيروس جنوب غرب الولايات المتحدة الأمريكية، لتحديد النوع الذي ينقل الفيروس.
وبالفحص والتشريح توصّلوا إلى أن الناقل الرئيسي لفيروس هانتا الجديد هو فأر الغزال Peromyscus maniculatus المنتشر بكثرة في المناطق السكنية والريفية في أمريكا الشمالية، ويعرف أيضاً باسم Deer Mouse، وعلى الرغم من إصابة قوارض أخرى بفيروس هانتا فإن فأر الغزال كان هو العامل الأخطر كما بيّنت الأبحاث[1].
على الرغم أن اكتشاف وتسمية الفيروس وتحديد أعراضه التنفسية الوخيمة باسم متلازمة فيروس هانتا الرئوية كان عام 1993؛ إلّا أن الأبحاث أشارت إلى وجود حالات أقدم من الإصابة بفيروس هانتا، واستطاعوا استعادة أقدم حالة ممكن تأكيدها من عام 1959، كما واجهت الصين سلالات فيروس هانتا التي تسبب الحمى النزفية المصاحبة لمتلازمة الكلى منذ الخمسينات، وسنتحدث لاحقاً عن تاريخ فيروس هانتا في الصين.
بل أن الاستقصاء أثبت أن السكان الأصليين لبعض مناطق شمال الولايات المتحدة كانوا يعرفون المرض في تقاليدهم ويربطون بينه وبين القوارض، حيث تعرّف هنود قبيلة نافاجو Navajo Indians في تراث الطب الشعبي الخاص بهم إلى أعراض متلازمة هانتا فيروس التنفسية، وامتلكوا أيضاً تقاليداً للوقاية منه، وكانت توصيات الوقاية التي يتبعها الهنود في هذه القبيلة مماثلة لتوصيات الصحة العامة التي تم استنتاجها مطلع التسعينيات[1].
على وجه العموم كانت المعرفة السريعة التي اكتسبها الباحثون عن فيروس هانتا كافية للسيطرة عليه وعدم التعامل معه كجائحة أو وباء شديد الخطورة، لكن ما كان مربكاً قليلاً هو اكتشاف أنواع مختلفة للفيروس تشبب متلازمة هانتا فيروس الرئوية، أيضاً أظهر الفيروس سلوكاً مختلفاً عندما ظهر في أمريكا الجنوبية والدول اللاتينية، وتعددت مصادره من دولة إلى أخرى.
الطريقة الأساسي لانتقال فيروس هانتا إلى الإنسان هي براز وبول القوارض الحاملة للفيروس ولعابها، وذلك إما من خلال ملامسة فضلات القوارض أو استنشاق هواء ملوّث بقطرات محمّلة بجرعة معدية من فيروس هانتا[2].
ومع بداية ظهور فيروس هانتا في أمريكا الشمالية جزم الباحثون أن عدوى فيروس هانتا لا يمكن أن تنتقل من شخص إلى آخر، وأن التعامل الوثيق مع المصابين بمتلازمة هانتا التنفسية لم يكن سبباً لانتقال العدوى، ما يعني أن فيروس هانتا ينتقل من أنواع القوارض إلى الإنسان لكنه لا ينتقل من إنسان إلى آخر.
لكن مع اكتشاف حالات الإصابة بفيروس هانتا في أمريكا اللاتينية تم تحديد نوع واحد من فيروسات هانتا يمكن أن ينتقل من إنسان إلى آخر، ويعرف باسم هانتا الأنديز ANDV، وهو الذي يسبب متلازمة هانتا فيروس القلبية الرئوية Hantavirus Cardiopulmonary Syndrome، وتم إصدار توصيات الوقاية لمقدمي الرعاية الصحية ومن هم على اتصال وثيق بالمصابين بفيروس هانتا الأنديز، كما تم تحديد مدة الحجر الاحترازي أو المراقبة الاحتياطية بـ 42يوماً[3].
كان ظهور إصابة جديدة بفيروس هانتا في الصين مثيراً للرعب في ظل انتشار وباء كورونا المستجد الذي كان مصدره الصين أيضاً، وقد كان الرجل الذي مات نتيجة إصابته بالفيروس في طريق عودته إلى المنزل بحافلة تقل 32 راكباً، لكن الفحوصات التي أجريت لجميع الركاب أثبتت عدم انتقال الفيروس إليهم.
ولا يعتقد أن فيروس هانتا يشكّل خطراً مثل كورونا، لكن الظروف التي يعيشها العالم اليوم جعلت من خبر موت الرجل الصيني بمتلازمة هانتا الرئوية خبراً منتشراً يستحوذ على اهتمام الناس ويثير لديهم مزيداً من القلق.
وهذا ليس الظهور الأول لفيروس هانتا في الصين؛ حيث سجّلت الصين حوالي 50 ألف حالة من إصابات الحمى النزفية المصاحبة للمتلازمة الكلوية التي يسببها فيروس هانتا بين عامي 1995 و2005، ما يشكل 90% من الإصابات حول العالم في الفترة نفسها[4].
وتعاملت الصين مع فيروس هانتا كحالة خطيرة ومزمنة لأن العدوى استمرت منذ منتصف القرن الماضي، لكن سجّلت الصين انخفاضاً ملحوظاً بنسبة الوفيات الذي بلغ أعلى معدل له 14.2% عام 1969؛ إلى 1% فقط بين عامي 1996 و 2007، إضافة إلى انخفاض ملحوظ بعدد الإصابات الجديدة سنوياً[5].
ما نريد أن نصل إليه أن ظهور فيروس هانتا في الصين لا يعتبر حدثاً غريباً أو استثنائياً، لأن العالم يتعامل مع فيروس هانتا والأمراض المتعلقة به منذ 70 سنة على الأقل، كما أن خطورة هانتا لا يمكن مقارنتها لما يمر به العالم اليوم في ظل تفشي كورونا المستجد.
واقعياً لا يوجد صلة بين فيروس هانتا وبين فيروس كورونا المستجد كوفيد-19، ما يجمع هانتا وكورونا هو أنهما يسببان أعراض تنفسية وخيمة مهددة للحياة، ويمكن تتبع فروق جوهرية أساسية بين كورونا وهانتا على الشكل التالي:
- فيروس هانتا لا يحتاج إلى ناقل وسيط من الحيوان إلى الإنسان، حيث ينتقل هانتا مباشرة من القوارض إلى البشر، فيما تحتاج عائلة فيروسات كورونا إلى ناقل وسيط، حيث انتقلت من الخفافيش؛ إلى قط الزباد البري مسببة وباء SARS، وانتقلت إلى الإبل مسببة وباء MERS، ويعتقد أنها انتقلت إلى آكل النمل الحرشفي قبل أن تسبب وباء كورونا المستجد كوفيد-19.
- فيروس هانتا باستثناء هانتا الأنديز لا ينتقل من إنسان إلى آخر، فيما ينتقل كورونا كوفيد-19 بين الناس وبقدرة كبيرة على العدوى.
- فيروس كورونا ظهر لأول مرة في البشر عام 2002 وسميّ بالسارس، ويعتبر كورونا المستجد تطوراً جديداً كليّاً لعائلة فيروسات كورونا لم يسبق للإنسان أن تعامل معه، فيما تعتبر فيروسات هانتا أقدم ونمتلك عنها معلومات أكثر بكثير نتيجة التعامل معها لعقود.
- على الرغم أن فيروس هانتا وفيروس كورونا يسببان أعراض رئوية قاتلة؛ إلا أن طبية الأمراض التي تنتج عن هانتا مختلفة من حيث الأعراض مقارنة بأعراض كوفيد-19.
- يشترك الفيروسان حتى الآن بعدم وجود علاج مباشر سوى الرعاية المركزة للمرضى، وكلاهما يسببان الوفاة بنسب مختلفة، حيث سجّل فيروس هانتا نسبة وفيات تقارب 38% من إجمالي المصابين، فيما يسجّل فيروس كورونا نسبة وفيات 18% حتى نهاية شهر مارس/آذار 2020.
تمر أعراض الإصابة بفيروس هانتا بمرحلتين أساسيتين، علماً أن فترة الحضانة للفيروس غير معروفة بدقة والأعراض قد تختلف حسب نوع فيروس هانتا المسبب لها، وأبرز أعراض فيروس هانتا هي[6]:
- الأعراض المبكرة لفيروس هانتا:
- التعب والإرهاق.
- آلام العضلات.
- الحمى.
- أعراض انتشار فيروس هانتا في الجسم والأعراض المتأخرة:
- ضيق وصعوبة التنفس.
- احتقان الرئة.
- تجمع السوائل في الرئتين.
- بعض سلالات فيروس هانتا تسبب فشلاً كلوياً ونزيفاً حاداً، وتعرف باسم الحمى النزفية المصاحبة لمتلازمة الكلى.
- تعتبر معدلات الوفاة مرتفعة بين المصابين بفيروس هانتا تصل إلى 38%.
لا يوجد علاج موحّد أو لقاح لفيروس هانتا بأنواعه المختلفة، ويتم الاعتماد على الرعاية الطبية الخاصة في العناية المركزة، وغالباً ما يحتاج المريض للأكسجين والتنفس الآلي لتجاوز المرحلة الخطرة من عدوى هانتا.
وتشمل إجراءات الوقاية من فيروس هانتا:
- التأكد من عدم وجود القوارض في البيوت والمخازن خاصة الأماكن المغلقة مثل مخازن معدات البستنة أو مخازن الأخشاب.
- تهوية الأماكن المغلقة بانتظام، للتأكد من عدم احتباس انبعاثات الفضلات التي تخلفها القوارض.
- العناية بالنظافة الشخصية خاصّة للفلاحين والمزارعين أو الذين يعملون في أماكن ريفية تنتشر فيها القوارض الناقلة للفيروس.
- في حال اكتشاف تلوث ببراز الفئران والقوارض يجب اتباع اجراءات التعقيم والتخلص من المواد الملوثة.
- طلب الرعاية الصحية المستعجلة في حال ظهور أعراض تنفسية غير اعتيادية.
إذاً؛ القلق من فيروس كورونا هو ما أعاد فيروس هانتا إلى الواجهة وجعله يخلق حالة من الرعب والخوف، فيما لا يبدو حتى الآن أن فيروس هانتا يشكّل خطراً حقيقياً جديراً بالقلق العالمي، مع تخوّف المنظمات الصحية الدائم من قدرة هذه الفيروسات على التطوّر.
- "تتبع المرض الغمض: قصة متلازمة فيروس هانتا الرئوية HPS" منشور في cdc.gov، تمت مراجعته في 27/3/2020.
- تقرير "عدوى فيروس هانتا"، منشور في medlineplus.gov، تمت مراجعته في 27/3/2020.
- دراسة Constanza Martinez-Valdebenito, Mario Calvo, Cecilia Vial وآخرين 2011 "انتقال فيروس هانتا الأنديز من شخص إلى آخر في جنوب تشيلي"، منشورة في ncbi.nlm.nih.gov، تمت مراجعتها في 27/3/2020.
- دراسة Li-Zhu Fang1 Li Zhao, Hong-Ling Wen وآخرين2015 "اتساع مضيف خزان فيروس هانتا في الصين"، منشورة في ncbi.nlm.nih.gov، تمت مراجعتها في 27/3/2020.
- دراسة Yong-Zhen Zhang وآخرين 2010 "عدوى فيروس هانتا في البشر والحيوانات؛ الصين"، منشورة في ncbi.nlm.nih.gov، تمت مراجعتها في 27/3/2020.
- مقال "أعراض الإصابة بفيروس هانتا"، منشور في medicinenet.com، تمت مراجعته في 27/3/2020.