مفهوم الاستقلال العاطفي وخطوات تقليل الاعتماد العاطفي
كل منا يسعى لأن يكون شخصية مستقلة في كل المجالات كي يتخذ قراراته بعيداً عن الضغوط التي قد يمارسها الأهل أو الأقارب أو أصحاب العمل، وأهم مجال للاستقلال في الشخصية هو الاستقلال العاطفي، لما له من أثر على حالتك النفسية وقدرتك على القيام بالمهام المطلوبة منك.. فما هو الاستقلال العاطفي وما الفرق بين الاستقلال العاطفي والاعتماد العاطفي، ما هو الطريق الذي ستسلكه كي تكون مستقلاً عاطفياً، وكيف يمكنك التغلب على اعتمادك المتزايد على الشريك، ما هي خطوات تعزيز استقلالك العاطفي.. كل هذه الفقرات سنتناولها في تفاصيل هذا المقال.
يمكن تعريف الاستقلال العاطفي بأنه نوع من المرونة الداخلية التي تتيح لك معرفة أنك تستطيع لقاء الآخرين بسهولة، وإيجاد حل للمشاكل التي قد تواجهها، وتتكيف مع أي ظرف قد تواجهه، هذا يعني بناء شخصيتك بنفسك بحيث تشعر بالسعادة أو على الأقل الهدوء الداخلي أو السلام الداخلي من دون الاعتماد على الآخرين، ويسمح لك الاستقلال العاطفي بقبول نفسك وتقبلها بكل إيجابياتها وسلبياتها ومحاولة تغيير السلوكيات السلبية كي تسترد السلام الداخلي[1].
ما الفرق بين الاستقلال العاطفي والاعتماد العاطفي؟ هناك فرق كبير بين الاستقلال العاطفي والاعتماد العاطفي، ففي الوقت الذي يكون فيه لدى الشخص الذي يتمتع بالاستقلال العاطفي رؤية واضحة عن شخصيته وكل ما يريد تحقيقه في حياته، بقدر ما يعكس الاعتماد العاطفي حالة الشك وعدم اليقين سواء بالشخصية أو بالقرارات، التي تنوي اتخاذها أو الحل الذي وضعته للمشكلة وهذا يجعلك متأثراً للغاية بآراء الآخرين وتناقضاتها، بالتالي تعتمد على الآخرين في اتخاذ قراراتك عوضاً عن الاعتماد على نفسك [1و2].
"مشوار الألف ميل يبدأ بخطوة" كما يقال، وهذا ينطبق على الاستقلال العاطفي فأهم شيء أن تكون لديك الإرادة لتحقيق الاستقلال العاطفي، الذي يمكن تحقيقه من خلال ما يلي [2]:
- تقبل نفسك: من المهم حتى تتمتع بالاستقلال العاطفي أن تتعرف على نفسك، ونقاط قوتها وكذلك نقاط ضعفها، ومن ثم إذا أردت تحسين ذاتك وتطوير شخصيتك فما عليك إلا أن تحاول تحويل نقاط ضعفك إلى قوة.
- تخلى عن الماضي: من المهم حتى تنعم بالاستقلال العاطفي أن تدع الماضي وشأنه، وتتوقف عن تذكر الأحداث الماضية والتندم على تصرفك بطريقة معينة وعدم تصرفك بطريقة قد تكون أنسب، بل بالعكس عليك تقبل ماضيك بكل أخطائه وإخفاقاته وتذكر أنه يمكنك التعلم من أخطائك، ومسامحة نفسك والآخرين على ما حصل في الماضي.
- قرر ما عليك القيام به بنفسك: من المهم حتى تتمتع باستقلال عاطفي اتخاذ قرارات معقولة ومنطقية، على رأسها التوقف عن الاعتماد على الآخرين لفعل الأشياء المتعلقة بك، ومن ثم تحديد هدفك من هذه الحياة وما الذي تريد تحقيقه وتسعى إليه.
- لا تتعلق بالآخرين: حتى تتمتع بالاستقلال العاطفي عليك ألا تتعلق بالآخرين مهما كانت مكانتهم في حياتك، فلكل شخص خصوصيته، بالتالي عليك ألا تتوقع من الآخرين الكثير حتى لا تشعر بخيبة الأمل إذا لم تحصل على كل ما تتوقعه منهم.
- تحمل المسؤولية ولا تتهرب منها: حتى تتمتع بالاستقلال العاطفي عليك أن تعرف تماماً ما هي أفكارك وتصرفاتك ومشاعرك وتقبلها كما هي، بالتالي تحمل المسؤولية عن كل ما تقوله وتقوم به وتشعر به يعزز الاستقلال العاطفي.
- تقبل النقد: من المهم حتى تتمتع بالاستقلال العاطفي أن تتقبل النقد الذي يوجهه لك الآخرون، لاسيما إذا كان النقد بنّاء وهدفه منعك من القيام بأشياء قد لا تدرك عواقبها، ولا تنسى بأن هوية الشخص الذي ينتقدك وكيفية انتقاده لك هي من ستجعلك تعرف من ينتقدك لمصلحتك ومن هدفه تحطيمك.
كيف تحد من اعتمادك على شريك حياتك؟
الحب شيء والتعلق شيء آخر، من المهم بالتأكيد أن تقوم علاقتك مع شريك حياتك على الحب، ولكن هذا لا يعني أن تتعلق به وتعتمد عليه في كل شيء وترهن حياتك لأجله لأن من شأن ذلك أن يؤثر سلباً على استقلالك العاطفي، لذا حتى تتمكن من الحد على اعتمادك على شريكك عليك القيام بما يلي [3]:
- تحديد جذور مشكلتك: بداية حتى تحد من اعتمادك المتزايد على الشريك عليك أن تعترف بأن هذا الاعتماد هو مشكلة عليك مواجهتها، بالتالي يجب أن تكتشف سبب اعتمادك على شريك حياتك إلى هذه الدرجة؟ وهذه الخطوة الأولى للسيطرة على مشاعرك والحد من اعتمادك المتزايد على الشريك بالتالي تعزيز استقلالك العاطفي.
- تعلم أن تحب لحظات الاستقلال الخاصة بك: مهما كانت علاقتك بالشريك قوية، من المهم أن تحافظ على استقلالك العاطفي، وأن تجد لحظات خاصة بك، فمن شأن ذلك تقوية العلاقة مع شريك حياتك بعيداً عن الاعتماد المتزايد عليه، أما إذا كنت معتمداً عاطفياً على الشريك وحرمت نفسك من خصوصيتك فهذا سينعكس سلباً على علاقتك به.
- طوِّر هواياتك: من المهم أن تمارس هواياتك المفضلة والأنشطة التي تحبها بعيداً عن الشريك، لأن من شأن ذلك تعزيز استقلالك العاطفي والحد من اعتمادك المتزايد على شريك حياتك.
- احصل على المزيد من الأصدقاء: من المهم كي تتمتع بالاستقلال العاطفي والحد من اعتمادك المتزايد على الشريك أن يكون لديك أصدقاء جيدون، فقضاء وقت معهم يساهم في ملئ الفراغ العاطفي الذي قد تشعر به بين الحين والآخر نتيجة انشغال الشريك عنك.
- ركز على العطاء: من المهم كي تتمتع بالاستقلال العاطفي والحد من اعتمادك المتزايد على الشريك أن تتعلم أن تعطي الآخرين، كأن تقوم بأعمال خيرية، أو تساعد المحتاجين في القيام ببعض النشاطات التي يصعب عليهم القيام بها، على سبيل المثال: أن تقرأ روايةً لشخص لا يستطيع القراءة أو فقد بصره لسببٍ ما.
- اسأل نفسك عن مدى استعدادك لعلاقة مع شريك جديد: فإذا خرجت من علاقة كانت تجمعك بشخصٍ ما، فمن المهم حتى تتمتع بالاستقلال العاطفي ألا تنتقل بسرعة كبيرة للانخراط بعلاقة جديدة، لأن ذلك قد يجعلك تختار الشخص الخطأ وتتعلق به ربما أكثر من الشخص الذي انفصلت عنه، لذا عليك أن تسأل نفسك هل أنت مستعد لأن تقوم بعلاقة جديدة مع شريك جديد؟
- اطلب المساعدة: إذا رغبت في استمرار علاقتك بشريكك الحالي رغم الصعوبات التي تواجهها معه، فعليك إخباره بذلك كي تتساعدا معاً على مواجهة المشاكل التي تعترض طريقكما، وهذا يساعد في تعزيز استقلالك العاطفي ويقوي علاقتك بشريك حياتك.
خطوات بسيطة تساعدك على تحقيق استقلالك العاطفي
تحقيق الاستقلال العاطفي على أهميته يمكن تحقيقه من خلال اتباع خطوات بسيطة تساعدك على العيش بسلام بعيداً عن الاعتماد العاطفي سواء على الشريك أو على الآخرين، وهذه الخطوات هي [1و4]:
- تقبل الواقع وتوقف عن جلد ذاتك: من المهم حتى تعزز استقلالك العاطفي أن تدرك أن شخصيتك كانت نتاج عوامل اجتماعية واقتصادية معينة لست مسؤولاً عنها، بالتالي هذا لا يعني أنك مسؤولاً عن كل شيء سيء يحدث لك فقد تكون خيارتك في موضوع ما هي أفضل المتاح، لذا تعلم تقبل الظروف والعقبات التي قد تواجهها بعيداً عن الحكم عما يحصل معك أنه بسبب حظك السيء أو ما شابه.
- تحمل المسؤولية وتوقف عن لوم الآخرين على ما يحصل معك: توقف عن لوم الآخرين عما تواجهه من عقبات في حياتك، لأنك بذلك تحملهم مسؤولية أشياء لا ذنب لهم بها وتجبرهم على إيجاد حلول لهذه العقبات والمشاكل التي تواجهك قد لا تناسبك ولا تستطيع القيام بها، لذا عليك التحكم بعواطفك، وتحمل المسؤولية عن تصرفك وفي حال تعرضك للمشاكل والعقبات في الحياة لا ضير في استشارة الآخرين لمساعدة الآخرين ولكن تذكر أن القرار الأول والأخير هو لك بالتالي تتحمل مسؤوليته لوحدك، فإذا أدركت هذه الحقيقة يمكنك تعزيز استقلالك العاطفي من جهة وتعزيز علاقتك بالآخرين من جهة أخرى.
- تأمل ذاتك وحدد ماذا تريد من حياتك: يساهم تخصيص وقت يومي ولو لعشر دقائق فقط للتأمل في ذاتك بعيداً عن الآخرين وبعيداً عن أنشطتك اليومية كي تتعرف على ذاتك أكثر وتفكر بهدفٍ ما كي تحققه وهذا يساعدك على تعزيز استقلالك العاطفي.
- اعتمد على نفسك: تجنب الاعتماد المتزايد على الآخرين والتأثر بآرائهم بك وبتصرفاتك، واسأل نفسك كيف تكون سعيداً؟ ما هي الأشياء التي تجعلك سعيداً في أغلب الوقت؟، وعليك أن تفصل بين عقلك الباطن الذي يطالبك بالأفضل دائماً (على سبيل المثال: لو تصرفت بهذه الطريقة لكانت النتيجة أفضل؟) وبين حدسك الذي يدلك على الطريق الصحيح وفق الظروف المتاحة أمامك، وهذا يساعدك على تعزيز استقلالك العاطفي.
- تعرف على نفسك من خلال علاقاتك: يجب أن تعرف ذاتك وما هو دورك في علاقتك بالآخرين، هل أنت تعتمد عاطفياً على الآخرين سواء شريك حياتك أو أهلك أو أقاربك أو أصدقائك، أم هم يعتمدون عليك، تساعد معرفتك هذه الحقيقة في تعزيز استقلالك العاطفي في حال كنت لا تعتمد على الآخرين وفي الحد من الاعتماد على الآخرين وبناء استقلالك العاطفي في حال كنت معتمداً عاطفياً على الغير، إضافةً لذلك يمكنك تنظيم علاقاتك مع الآخرين كلاً بحسب أهميته في حياتك فعلاقتك بأهلك شيء وعلاقتك بشريك حياتك شيء آخر وعلاقتك مع أصدقائك أمر مختلف.
- سيطر على عواطفك وتمتع بالسعادة: غالباً ما تبحث عن السعادة في أبعد نقطة، في حين تكون السعادة أقرب مما تعتقد، فالسعادة غالباً تأتي من داخلك من خلال نجاحك في عملك على سبيل المثال، أو إيجاد شريك حياتك المنتظر، وقد تكون الصعاب التي تواجهها لتحقيق أهدافك تجعلك تشعر بقيمة ما حققته من أهداف سواء في العمل أو في الحياة، بالتالي يساهم إدراكك لهذا الأمر في تعزيز استقلالك العاطفي.
- الرؤية الشاملة للموقف الذي تتعرض له: قد تزعجك مواقف بعينها خلال عملك أو حياتك ولكن إذا نظرت إلى هذه المواقف من خلال عملك ككل وحياتك بالإجمال لاكتشفت أن هذا الموقف لا يستحق كل ردة الفعل التي قمت بها، فعلى سبيل المثال إذا فشلت في أداء مهمة موكلة إليك في عملك قد يجعلك ذلك تشعر بالإحباط، ولكن إذا أخذتك مسيرتك العملية وحجم المهام التي نجحت في القيام بها لتقبلت فشلك في هذه المهمة ولأعطيت هذه الفشل الحجم الذي يستحقه بعيداً عن المبالغة فلن ينتهي العالم إذا أخطأت مرة.
- خذ وقتك قبل تحديد موقفك: قد تكون معتاداً على ردود أفعالك اللحظية إزاء ما تواجهه، على سبيل المثال: إذا تعرضت لنقد حاد من الآخرين فغالباً ما تستشيط غضباً وتنتفض دفاعاً عن نفسك ومواقفك، ولكن إذا أجلت ردة فعلك لبعض الوقت وفكرت في مضمون هذا النقد خاصة إذا كان من مقربين وأشخاص يهمهم مصلحتك قد تكون ردة فعلك مختلفة وقد تجد بعض الحق في هذا النقد على اعتبار أن هذا النقد ليس هدفه الإساءة لشخصك وإنما تنبيهك عن خطر قد تواجهه إذا استمريت في سلوك معين قد لا يقوم الآخرون بتنبيهك عليه بالتالي تزيد فرص تعرضك للمشاكل والمطبات، لذا يساهم التروي في ردود أفعالك في تعزيز استقلالك العاطفي وتقييم تصرفاتك وأفعال الآخرين بشكل صحيح.
- اصبر وثابر حتى تغير نفسك: من الصعب أن تغير نفسك بين عشية وضحاها، وقد تفشل محاولاتك لتحقيق هدفك، ولكن صبرك وتفهمك لأسباب الفشل ومحاولة تجاوزها سيزيد من فرص نجاحك إذا كررت التجربة، وهذا سيجعلك تشعر بالسعادة عندما تتمكن أخيراً من تحقيق حلمك، لذا يساهم الصبر والمثابرة على تحقيق الهدف في تعزيز استقلالك العاطفي.
أهمية المسامحة في تعزيز الاستقلال العاطفي
تساهم مسامحة الآخرين في تعزيز الاستقلال العاطفي لديك، فكل الناس تخطئ والمهم هو أن يعترف الطرف الآخر بخطئه لك ويعتذر منك، فما بالك لو كان الطرف الثاني شريك حياتك، وهذا ما أكدته الأخصائية النفسية في موقع حلوها ميساء النحلاوي التي نصحت إحدى صديقات موقع حلوها التي كانت تعاني من صعوبات في علاقتها مع زوجها بالتوقف عن معاقبة زوجها على أخطائه لاسيما أنه اعترف بأخطائه واعتذر عنها، وشجعتها على مسامحة زوجها على أخطائه، ومنحه فرصة جديدة من أجل إنجاح العلاقة الزوجية معه وحفاظاً على عائلتها وأسرتها، لمراجعة تفاصيل رأي الأخصائية النفسية في موقع حلوها ميساء النحلاوي يمكنكم زيارة الرابط هنا.
في النهاية.. الاستقلال العاطفي يساعد بلا شك في تعزيز استقلال شخصيتك، ويجعلك أكثر قدرة على التعامل مع الصعوبات والظروف التي تعترض طريقك في حياتك، وهذا بدوره يعزز فرصك في تحقيق النجاح في مختلف مجالات الحياة سواء العاطفية أو الاجتماعية أو العملية.
- مقال Ilene Strauss Cohen "كيف تعيش حياة مستقلاً عاطفياً خطوات بسيطة لتحمل مسؤولية حياتك"، منشور في موقع psychologytoday.com، تمت المراجعة في 26-2-2020.
- مقال Lidiya K "ست طرق بسيطة كيف تكون مستقلاً عاطفياً"، منشور في موقع letsreachsuccess.com، تمت المراجعة في 26-2-2020.
- مقال Lea Rose Emery "سبع طرق للتعامل مع اعتمادك المتزايد على شريك حياتك"، منشور في موقع bustle.com، تمت المراجعة في 26-2-2020.
- مقال Steven Handel "الاستقلال العاطفي"، منشور في موقع theemotionmachine.com، تمت المراجعة في 26-2-2020.