متى ينتهي كورونا من العالم وإلى متى سيستمر كورونا بالانتشار؟
يعيش العالم اليوم واحدة من أشدّ الأزمات التي عرفها التاريخ الحديث، بالكاد يستطيع اقتصاد الدول والشركات والأفراد الصمود بمواجهة أزمة كورونا، ويحصد الموت يومياً مئات الأرواح في دول مختلفة نتيجة تفشي وباء كورونا كوفيد-19.
جميعنا نعلم أن الأزمة ستنتهي وسنتمكن من تجاوز محنة كورونا المستجد بطريقة أو بأخرى؛ لكن متى يتوقف وباء كورونا وإلى متى تستمر أزمة الكورونا؟ وهل تنتهي كورونا في الصيف نتيجة ارتفاع الحرارة؟ إليكم أبرز التوقعات حول الفترة المقبلة مع وباء كورونا ونهاية أزمة فيروس كورونا المستجد، ومقارنة مع نهاية الأوبئة الخطيرة التي عرفها الإنسان.
حتى نتمكن من بناء توقعات علمية وموضوعية حول نهاية الأزمة لا بد من الإحاطة ببداية ظهور كورونا المستجد، وتطور سلوك الفيروس وانتشار الوباء، للوصول إلى بعض الاستنتاجات التي تنبئ بنهاية أزمة كورونا.
كورونا المستجد COVID-19 ينتمي إلى عائلة الفيروسات التاجية "Coronaviruses" التي تعيش في الحيوانات منذ فترة طويلة، وقد عرف الإنسان أنماطاً عديدة من عائلة الفيروسات التاجية التي وجدت طريقها من الحيوان للإنسان؛ لكنها بالمجمل كانت منخفضة الخطورة، قد لا تتعدى أعراضها أعراض نزلة البرد العادية، وقد لا يميز المصاب بها بين كورونا والإنفلونزا (التي كانت وباءاً خطيراً في يومٍ من الأيام!).
طفرة جينية بأحد أفراد عائلة الكورونا دقت ناقوس الخطر عام 2002، حيث ظهر السارس في الصين SARS-COV1 أول أفراد كورونا القاتلين، ثم عاد فرد آخر من عائلة كورونا للظهور في المملكة العربية السعودية وسمي MERS، لكن كورونا المستجد كوفيد-19 يعتبر أخطر فرد من عائلة الكورونا حتى الآن، ليس فقط بالنظر إلى نسب الوفيات بل بسبب سرعة الانتشار وصعوبة السيطرة عل تفشي الوباء، والخوف أن ينتهي الوباء ويستمر الفيروس كما هو الحال مع الإنفلونزا الموسمية.
استمرت الأوبئة السابقة التي عرفها الإنسان بين 12 شهراً و36 شهراً -بين سنة وثلاث سنوات- لكن مع وباء كورونا لا يمكن التنبؤ تماماً بموعد توقف انتشار الفيروس وانحسار الوباء، لأن فيروس كورونا المستجد ما زال غامضاً إلى حدٍّ بعيد على الرغم من الدراسات المكثفة التي تجرى حوله، ومع ذلك يعتمد الباحثون على التجارب السابقة مع الأوبئة لتحديد المدة الزمنية التي يحتاجها الوباء للانحسار[1].
متى سينتهي كابوس كورونا وتعود الحياة لطبيعتها! ما زالت معظم الحكومات حول العالم تحاول أن تكون متفائلة من خلال توقعات قصيرة المدى لإنهاء حالات العزل والحظر بسبب كورونا، لكن الواقع يشير إلى أن كورونا قد يستمر لفترة أطول مما نتوقع أو نرغب، فما زالت اللقاحات ضد كورونا بعيدة المنال نسبياً تحتاج من 12 إلى 18 شهراً، كما لم تكشف التجارب التي تجرى على علاجات كورونا ما يدفعنا للقول أن الوباء سينتهي خلال أسابيع![2].
وفيما تعوّل بعض الدول على حصانة القطيع أو المناعة الاجتماعية ضد فيروس كورونا -مثل المملكة المتحدة- فإن تحقيق مناعة القطيع ضد كورونا قد لا يصبح أمراً واقعاً قبل 24 شهراً.
الإجابة الأكثر عقلانية على سؤال "متى ينتهي كورونا من العالم؟" هي لا أحد يعلم، ولكن ليس خلال أيام أو حتى أسابيع، وقد يمتد إلى سنوات؛ نحن هنا لا نحاول أن نكون متشائمين لكن هذا ما تشير إليه التحليلات الطبية، فنحن على موعد مع المزيد من الانتشار في الدول الأقل تضرراً، والمزيد من إجراءات العزل والحظر الصارمة وتمديد إجراءات الحظر في الدول التي أعلنت مسبقاً عن إجراءات مؤقتة لاحتواء وباء كورونا.
هل ارتفاع درجات الحرارة في الربيع والصيف سيوقف انتشار فيروس كورنا المستجد؟ لا بدو هذا أكيداً! ولا يعوّل الأطباء كثيراً على ارتفاع درجات الحرارة كعامل مهم في كبح كورونا فيروس.
منذ بداية ظهور فيروس كورونا ونحن نسمع أن ارتفاع درجات الحرارة سيكون له دور في الحد من انتشار الوباء أو حتى إنهائه، وذلك اعتماداً على سلوك الفيروسات التاجية التي نعرفها والتي تميل إلى النشاط بين ديسمبر/كانون الأول ومارس/آذار[2]، واعتماداً أيضاً على تعاملنا مع موجات الانفلونزا التي تنشط في الشتاء.
تشير دراسة صينية إلى أن الرطوبة والحرارة ستؤثر بشكل فعّال بقدرة فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 على العدوى والانتقال بين الأشخاص[3]، علماً أن الصيف لن يقتل فيروس كورونا بل سيقلل مؤشر العدوى التي ينقلها الشخص المصاب (R0) والذي يشير إلى متوسط عدد الأشخاص الذين سينتقل إليهم الفيروس من مصاب واحد[4].
"كل درجة مئوية زيادة في الحرارة مع زيادة في الرطوبة بنسبة 1% ستؤدي إلى انخفاض مؤشر العدوى R0 بنسبة 0.04 و 0.02 على التوالي، ما يعني أن زيادة درجة الحرارة بمعدل 10 درجات مئوية سيؤدي إلى انخفاض انتقال الفيروس بنسبة 20%"[3].
لكن نحن هنا أمام مجموعة من الحقائق حول علاقة الصيف وارتفاع الحرارة بنهاية وباء كورونا، أبرز هذه الحقائق:
- هناك اختلاف واضح بين سلوك فيروس كورونا في الأقاليم الجغرافية المختلفة، ما زالت هذه الاختلافات قيد الدراسة لكنها تنبئ أيضاً باحتمالية اختلاف استجابة الفيروس للظروف الجوية من مكان إلى آخر.
- يعتقد بعض الأطباء أن الفيروسات التاجية الجديدة أقل تأثراً بالفصول والتغيرات الجوية[2].
- إذا كان ارتفاع درجات الحرارة سيساهم في الحد من انتشار كورونا؛ فهذا لا يعني أن الصيف سيقتل كورونا وينتهي الأمر، فالحلول والسناريوهات للخروج من الوباء محدودة -كما سنبيّن في الفقرة القادمة- والصيف ليس واحداً منها حتى الآن.
- الصيف ليس متساوياً في الكرة الأرضية، بمعنى أن تأثير الصيف على الخليج العربي ليس كتأثير الصيف على روسيا، ما يعني أن هناك خزانات لفيروس كورونا لن تتأثر بشدة مع تغير درجة الحرارة.
بالمحصلة يمكن القول أن فيروس كورونا قد ينحسر بشكل طفيف مع ارتفاع درجات الحرارة نتيجة انخفاض قدرته على الانتقال والعدوى، لكن الصيف لن يكون هو القشة التي ستنقذ العالم الغريق، وما تزال سيناريوهات التطعيم واللقاح والعلاج وحصانة القطيع والعزل؛ هي الأوراق الرابحة الوحيدة للخروج من كورونا، جيث تؤكد منظمة الصحة العالمية أن كورونا المستجد انتشر في دول ذات مناخ حار ورطوبة عالية، مما يعني أن على الأفراد اتخاذ إجراءات الوقاية الأساسية التي أوصت بها المنظمة في كافة الأوقات والبلدان بغض النظر عن العوامل الجوية[5]
إذا كانت معرفة الوقت اللازم لنهاية فيروس كورونا بشكل قاطع غير ممكنة؛ فإن سيناريوهات الخروج من أزمة كورونا واضحة ومحدودة، وهي[6]:
- الاحتواء: احتواء انتشار وباء كورونا المستجد كان الخيار الأول والخيار الأكثر أماناً وسهولة، لكنه للأسف فشل فشلاً ذريعاً، فقد أكّدت العديد من الجهات الصحية حول العالم أن محاولات احتواء فيروس كورونا المستجد حول العالم بالعزل والحظر لم تكن مثمرة بالقدر المطلوب، وسلوك الفيروس تفوّق على اجراءات الاحتواء التقليدية ليخرج عن السيطرة![7].
مع ذلك ما زالت إجراءات الاحتواء -المتمثلة بتقييد حركة المواطنين والعزل والحظر- مهمّة في الحد من تفشي الفيروس وتخفيف الأعباء عن كاهل قطاع الصحة وتجنب كارثة أكبر. - اللقاح والعلاج: عشرات المختبرات حول العالم تعمل على تطوير لقاح ضد كورونا المستجد كوفيد-19، ويعتقد أن اللقاح أو العلاج سيكون هو الخطوة الأهم في مواجهة انتشار الوباء والخروج من أزمة كورونا، لكن هذا قد يتطلب من سنة إلى سنة ونصف على أقل تقدير!، إلا إن نجحت محاولة استخدام أدوية قديمة بالتصدي لكورونا، مثل أدوية الملاريا ولقاح السل.
- حصانة القطيع: يعتمد مفهوم حصانة القطيع على إصابة عدد كبير من الناس بالفيروس وتطوير مناعة جماعية لدى الناس ضد كوفيد-19، فعندما يطوّر جزء كبير من الناس مناعة ذاتية ضد الفيروس لن يكون قادراً على الانتشار.
المشكلة مع سيناريو حصانة القطيع للخروج من كورونا هي التخوّف من سلوك فيروس كورونا المستجد الغامض، كما أن حصانة القطيع تعني انتشار الإصابات إلى أقصى حد ممكن قبل انحسارها، وهو سيناريو مأساوي قد يستمر لعامين كاملين. - نهاية البشرية! هذا السيناريو الذي يخطر في بال البعض، أن البشرية على موعد قريب مع الانقراض والانهيار بسبب انتشار وباء كورونا؛ لكن ما زال هذا السيناريو مستبعداً من الناحية الطبيّة والعملية، كما أنا تاريخ الإنسان مع الأوبئة يجعلنا لا نميل إلى هذا الاعتقاد.
لم نتمكن من تطوير علاج أو لقاح للأجيال السابقة من فيروسات كورونا القاتلة (السارس وميرس) لكن الاحتواء بالعزل والحجر كان سياسة فعالة في الحد من انتشار الفيروسات التاجية السابقة، كما أن تلك الأجيال من الفيروسات لم تمتلك قدرة كورونا المستجد على الانتشار السريع والعدوى، وبعد أن فشلت سياسة الاحتواء بحسر انتشار كوفيد-19 نحن أمام السيناريوهات الأخرى التي ذكرناها.
وقد عرف العالم منذ عصور ما قبل التاريخ موجات قاسية من الأوبئة التي أودت بحياة الملايين، أبرزها:
- الطاعون: الكابوس الكبير الذي لاحق البشرية لمئات السنين، شن هجمات قاتلة ومدمرة في مراحل مختلفة من التاريخ، منها مثلاً:[8]
- طاعون جستنيان في القرن السادس الميلادي، والذي يعتقد أنه أودى بحياة نصف سكان العالم، والمرجح أن طاعون القسطنطينية انتهى بحصانة القطيع وصمود من استطاعوا البقاء على قيد الحياة.
- طاعون الموت الأسود في القرن الرابع عشر الميلادي، يعتقد أن طاعون الموت الأسود أودى بحياة 200 ميلون إنسان خلال أربع سنوات، ومع الطاعون الأسود ظهر لأول مرة مفهوم الحجر الصحي quarantino والتباعد الاجتماعي، حيث طبّقت مدينة البندقية الإيطالية الحجر على البحارة الواصلين إليها بمراكبهم، كما طبّق الناس التباعد الاجتماعي لمحاصرة العدوى.
- أما طاعون لندن فهو وباء استمر 300 سنة! من بداية الطاعون الأسود هاجم الطاعون العاصمة الإنجليزية كل ربع قرن تقريباً، مسبباً هلاك 20% من السكان في كل جولة، وانتهى بموجة قاسية عام 1665 ميلادي، قتلت نحو 100 ألف إنسان في لندن، وكانت الإجراءات التي اتخذها الناس شديدة القسوة، على رأسها حبس المرضى في منازلهم وإعدام القطط والكلاب، وإعداد مقابر جماعية للضحايا، تزامناً مع حظر كامل في المدينة.
- موجات أخرى من الطاعون ضربت العالم، منها طاعون مرسيليا الكبير، وطاعون روسيا، والطاعون الأمريكي، وجميعها انتهت بحصانة القطيع المأساوية وأساليب الحجر القاسية التي لا تقارن بما نشاهده اليوم وما يتململ منه الناس!
- الجدري وباء العولمة! وأول لقاح يحاصر الوباء في التاريخ: عايش الإنسان الجدري في أوروبا وآسيا واكتسب السكان مناعة جيدة ضده، على الرغم من ذلك كانت نسبة الوفيات إلى المصابين مرتفعة تقدر بـ 30%.
لكن الجدري أصبح وباءاً فتاكاً عندما نقله المهاجرون والغزاة إلى الأمريكيتين، حيث واجه السكان الأصليون انتقال الجدري إليهم دون وجود مناعة ضده، سكان المكسيك وحدهم انخفض عددهم من 11 مليون إلى ميلون إنسان فقط، ما يعني أن الجدري حصد أرواح أكثر من 90% من السكان الأصليين.
بدأ انحسار الجدري مع اكتشاف اللقاح عام 1801، واستمر إعطاء اللقاح حتى أعلن العالم القضاء على الجدري نهائياً في 1980، علماً أن الطبيب الذي اكتشف لقاح الجدري جرّبه على ابنه البالغ من العمر 9 سنوات وعرّضه للفيروس متعمداً ليتأكد من فاعلية اللقاح!. - التاريخ حافل بالصراع مع الأمراض المعدية والأوبئة بحيث يضيق المقام عن سردها كلها، لكن نذكر منها أيضاً: الجذام، والحصبة، الانفلونزا والحمى الصفراء والانفلونزا الإسبانية، والكوليرا والملاريا ...إلخ.
في النهاية... لا بد أنّنا اليوم أكثر قدرة على التعامل مع الأوبئة بوجود التجربة والمعرفة والتقنيات الحديثة، لكن مع ذلك ما زلنا عاجزين عن التنبؤ بالمستقبل، ويمكن القول أن سياسيات الحجر والعزل حتى الآن هي الأمل في تقليل المعاناة والحد انتشار وباء كورونا المستجد، ريثما ترجح كفة اللقاح والعلاج، أو كفة تحصين القطيع!.