الحب الجنسي للشعر (فتيشية الشعر أو Trichophilia)
الفتيشية في علم النفس هي شكل من أشكال الانحراف الجنسي عن الطبيعي، وينطوي الفتيش الجنسي على ارتباط الإثارة الجنسية؛ بجسم غير حي أو جزء غير متوقع من جسم الإنسان مثل القدم أو الشعر.
في مقالنا هذا نناقش، مفهوم فتيشية الشعر، ومتى تكون الفتشيات الجنسية طبيعية ومتى تكون اضطراباً يهدد صحة المرء الجنسية؟ وكيف يمكنك تقبل فتيشية الشريك والتحدث عنها بصراحة؟
ما هو مفهوم الفيتشية بالضبط؟ فتيشية الشعر والمعروفة باسم ترايكوفيليا (Trichophilia) أي حب الشعر، حيث يفضل فيها الشخص شعر الرأس أو الجسم كموضوع لإثارته. الحياة الجنسية للبشر غامضة في كثير من النواحي المتعلقة بما يثير الجنسين اتجاه بعضهما البعض، حيث "تجعل تعقيدات الرغبة والمضاعفات التي تأتي مع اتساع ما يثير الناس؛ موضوع الجنس لدى البشر شيئاً غامضاً وجميلاً" [1].
لا يمكن الحكم على موضوع الفيتشية أياً كانت، فلا مكان للخطأ والصواب هنا، طالما قد يتعرض أي بشري للإثارة الجسدية من تفصيل معين، أو أي شيء يثير الشخص ويُعد ضرباً من الغرابة، يمكن أن يكون شيء ما مكان ما أو جزء ما من الجسم أو شعور ما أو حتى وظيفة جسدية ما!
إذا كنت تعتقد أنك شخص نادر وتشكل أقلية مع فيتشيتك الجنسية الخاصة بحب الشعر، (أو بغض النظر عما هي)، فأنت بالتأكيد واحد في الأغلبية التي تمتلك فيتشية جنسية واحدة على الأقل! فوفقاً لمسح في المملكة المتحدة عام 2016؛ "أفاد غالبية الناس بوجود فيتش جنسي واحد على الأقل، ومن بين 2300 من سكان المملكة المتحدة الذين استجابوا للمسح، فإن نسبة 75 ٪ منهم لديهم فيتش جنسي" [2].
لقد حاولت الكثير من بحوث علم النفس تفسير فيتشات الجنس، فبعضها تم ربطه بما تعرض له الشخص في الطفولة من عنف وظلم أو ضرب وإساءة جسدية، كما تم ربط فيتشات الجنس بثنائية الألم والمتعة.
في نهاية المطاف، لا يوجد سبب واحد يجعل الناس يحبون تفصيل معين ويفضلون فيتشات جنسية معينة، ولا يمكن لأولئك الذين لديهم رغبة بأن يكونوا موضوع فيتشية جنسية معينة؛ تفسير سبب ذلك أو كيف يحدث، إنهم يعرفون أنهم يحبون ما يحبونه، ويعلمون ما الذي سيثيرهم ويأخذهم في النهاية إلى النشوة الجنسية، إذا كان هذا هو هدفهم النهائي ويكفي، وهناك المئات بل الآلاف من فيتشات الجنس، التي لا يمكن تسمية بعضها حتى، وكثيرة هي فيتشات الجنس الغريبة بالفعل، والتي قد تصل حدود الاضطرابات الجنسية فتؤذي كلا طرفي العلاقة الحميمة!
"عندما يتعلق الأمر بفتيشية الشعر، فلا يتم الحديث فقط عن الشعر الموجود على رأس شخص ما، ولكن كل شعره؛ من حواجبه إلى شعره تحت الإبط، إلى شعر العانة، وصولاً إلى الشعر على أصابعه المشعرة"، وبالنسبة لأولئك الذين يملكون الشعر، لا يوجد شيء مثل الكثير من الشعر (فكل خصلة منه مهمة)، ثم أنه "في ثقافة حيث تكون إزالة الشعر أمراً شائعاً إلى حد ما لدى النساء، يمكن لأولئك الرجال الذين يملكون فتيشية الشعر، أن يشعروا أنهم ربحوا الجائزة الكبرى! عندما يلتقون امرأة لديها شعر تحت الإبط أو على الساقين" [3].
لا وجود لدراسات علمية تدعم أسباب وأشكال فتيشية الشعر المتعددة حتى اليوم، وبعض الأبحاث اقتصرت على دراسة حب الشعر الجنسي في جانبه المضطرب والمرَضي فقط [4]، وهذا لا يكفي للنظر إلى الموضوع بشكل منطقي، لأن الفتيشات الجنسية في معظمها غير مؤذي وتعبر عن عالم الخيال الجنسي العميق لكل إنسان، وكل ما تم بحثه هو دراسات استقصائية في معظمها لانتشار فتيشات الجنس بمختلف أنواعها بين البالغين، نتطرق إلى بعضها خلال المقال.
ماذا تفعل إذا كان لدى الشريك فيتشية جنسية؟
ليس فقط فتيشية الشعر.. فأي من الفتيشات الجنسية هي أمر طبيعي، وأكثر شيوعاً مما يرغب العديد من الناس الاعتراف به! فما الذي يجب عليك فعله إذا كان شريكك ممن تتركز عوامل إثارته الجنسية على حبه للشعر أو القدمين مثلاً، ما عليك إلا أن تقوم بالخطوات التالية [3]:
- لا تحكم: لا يهم ما هي فتيشية طرف العلاقة الآخر، فأسوأ ما يمكنك القيام به هو الحكم عليه بسبب ذلك، وأنت تعرف أنه ليس من السهل على الكثير من الناس أن يعترفوا بأن لديهم رغبة جنسية غريبة عن الطبيعي! ناهيك عن مشاركتك هذا السر! وأنت تحرجه عندما تحكم عليه وتسخر منه فحسب، بل تجعله يشعر أن هناك خطأ ما أو مرض نفسي لديه.
- تكلم عن الفتيشية: عندما يتعلق الأمر بالجنس والعلاقة الحميمة بين الزوجين، سواء كان هناك فتيش جنسي أم لا، فإن التواصل هو المفتاح لنجاح العلاقة دوماً وأبداً، لذا دع الطرف الآخر يتحدث عن (رغبته الجنسية الغريبة)، وأصغي بعقل متفتح، وإذا كانت لديك أسئلة، لا تخف من طرحها، طالما أنك حافظت على نبرتك وأسئلتك؛ مفتوحة وصادقة، وخالية من أي نوع من أنواع الحكم والتقييم.
- شارك سرّك الجنسي أيضاً: هل يمكن أن يكون لديك فتيشية أيضاً، فلماذا لا تأخذ لحظة الصراحة كفرصة لمشاركة شيئك الجنسي الغريب!؟ وعندما تكون ضعيفاً، لأنك تشارك سرّاً (كنت تعتبره عاراً) وأنت على قدم المساواة في هذه المناقشة؛ لن يكون هذا الأمر صحياً لعلاقتك فقط، لكنه يُظهر أن لديك بعض الأشياء الغريبة في عقلك الباطن، بالتالي أنت تنمو وتتعرف على ذاتك العميقة بشكل أكثر وضوح، من خلال علاقتك مع الشريك.
- المرونة: في حين أن بعض الناس ليس لديهم رغبة في التصرف على أساس ما يدور في عقلهم الباطن أو مخيلتهم الجنسية وتحقيق هذه الأوهام (الغريبة)، فإن هناك أشخاص منفتحين على استكشافها، وهنا يمكن أن تصبح الأمور صعبة، مثلاً إذا كانت فيتشية زوجك بعيدة كل البعد عن أي شيء ترغبين في التفكير للقيام به في علاقتكما الحميمة، ويكمن الحل الوسط في أنه لا يوجد أي شخص ملتزم بفعل شيء لا يرغب القيام به، فعلى الأقل لا تحكمي على ما يدور في مخيلة زوجك، إذا حدث وتكلم صراحة عن فيتشية جنسية لديه، وتحدثي معه عن عدم قدرتك على مجاراته في هذه الرغبة، وبالتأكيد سوف يستوعب رغبتك هذه، ولا تحاولي تنفيذ ما يريده لإرضائه أو تحت بند الواجب الزوجي.
- القبول: الفيتشات الجنسية لا تزول كما أنها ليست مراحل، ولا هي شيء يظهره الناس في الوقت المناسب، فعلى الرغم من اختلاف فيتشات الزوجين، إلا أنها أمر يخص كل منهما ويجب أن يكون كل منهما على استعداد لقبول الآخر، لأن فتيشة الأقدام أو الحب الجنسي للشعر مثلاً؛ لا تحدد ولا تغير الشخص الذي كان عليه زوجك قبل أن يحدثك بصراحة عن رغباته!
هل يمكن أن ترتبط أي فتيشية جنسية بالصحة الجنسية للشخص؟
إذا لم تعاني من اضطرابات بسبب فتيشيك الجنسي؛ فهذا يعني أنه أمر غريب عن الطبيعي لا أكثر! وفي دراسة لأكثر من 1000 بالغ من الكنديين، وجدت أن "نسبة 44.5% لديهم الرغبة في الانغماس في نوع من السلوك الفتيشي، في حين أن نسبة 26.3% سبق ومارسوا فتيشاتهم الجنسية".
كما وجدت نفس الدراسة أنه "في حين أن نسبة 30% من الرجال قد أثيروا بواسطة شيء جامد (موضوع فتيشية جنسية غير حي كالشعر)، فقد أثرت الفتيشية الجنسية على نسبة 23% من النساء فقط".
وكتب الباحثون: "إن الفتيش الجنسي ليس اضطراباً طالما أن الناس سعداء ولا يؤثر سلوكهم هذا على حياة شركائهم، والأشخاص الذين يملكون فتيشية جنسية هم أناس عاديون مثلك ومثلي، ومع ذلك إذا خرج الموضوع عن نطاق السيطرة، حيث يصاب الشخص صاحب فتيشية جنسية ما؛ بالقهر مثلاً مما يدفعه لسرقة الملابس الداخلية لجيرانه، أو يؤدي إلى نقص التركيز الذي يعوق الحياة التعليمية والمهنية للشخص، فعندئذ يجب معالجته بالمشورة النفسية والتدخل الطبي" [5].
إذاً يمكن أن يكون موضوع الإثارة الغريب (الفتيشية الجنسية)؛ صحياً.. ويقول الخبراء: "يمكن اعتبار الفتيش الجنسي اختلافاً في السلوك الجنسي الطبيعي، إلا إذا كان ينطوي على استخدام القوة أو القهر أو الإساءة أو الاستثارة في الأماكن العامة أو إيذاء الذات".
ثم أنك إذا لم تكن مستعداً للتجربة أو كنت غير مرتاح للخيارات الجنسية للشريك، فقد يكون ذلك مشكلة للعلاقة، مثلاً بعض السيدات لا يمكن أن يستمتعن بالعلاقة الزوجية الحميمة؛ في حال كان لدى الشريك فتيشية شعر الجسد، بل يمكن أن يسبب لهن ذلك نوع من القرف والبرود الجنسي الذي تعانيه المرأة.
ما هي أعراض الاضطراب الفيتشي (Fetishistic Disorder)؟
طالما كان الشيء الذي يثير الشريك في حدوده الطبيعية بعيداً عن الأذية النفسية أو الجسدية، أو لا يستحوذ على حياته الجنسية كاملة، بحيث لا يحقق الإشباع دون موضوع الفتيشية الغريب؛ فلا يجب أن تقلق.
إلا أن هناك نوع من الاضطراب الفتيشي الذي يحدث بشكل حصري عند الذكور تقريباً وبشكل عام لا يظهر لدى النساء مثل هذا الاضطراب، (الأمر بحاجة للمزيد من البحث فيما يخص اضطرابات فتيشيات الإناث الجنسية)، ومن أعراض اضطراب فتيشية الشعر (وتتقاطع هذه الأعراض بين كل أنواع اضطرابات الفتيشيات الجنسية) [6]:
- كثيراً ما يستمني الشخص المصاب بالفتشية أثناء الإمساك بالشعر مثلاً أو فركه أو شمه، وعادة ما يكون الموضوع المرتبط بفتيشة الشخص مطلوباً أو مفضلاً بشدة للإثارة الجنسية، وفي حال غيابه قد يكون هناك ضعف في الانتصاب عند الذكور، مثلاً يطلب الزوج الذي يعاني من اضطراب فتيشية الشعر، بأن لا تحلق زوجته شعر جسدها، وعندما تفعل يصيبه ضعف انتصاب خلال الجماع.
- وتشمل الأعراض المحددة لاضطراب أي فتيشية جنسية، استمرار استحواذ موضوع الفتيشية على الشخص لمدة تزيد عن 6 أشهر، أي لا يمكن أن يحصل على إثارة جنسية من دون موضوع الفتيشية.
- تتسبب الأوهام المتعلقة بموضوع الفتيشية أو الحوافز الجنسية أو السلوكيات؛ بضعف جنسي كبير أو بضائقة في المجالات الاجتماعية أو المهنية أو غيرها من مجالات الحياة اليومية.
كيفية علاج اضطراب الفتيشية الجنسية والهوس الجنسي بالشعر
إن خيارات البحث والعلاج السريري لعلاجات الاضطرابات الجنسية شبه شحيحة؛ وقد اقتصرت بشكل عام على الديناميكيات النفسية والمقاربات السلوكية المبكرة من الاضطراب الجنسي، واستخدام خيارات العلاج السلوكي المعرفي.
حيث يساعد المعالج الشخص على اكتشاف السبب الأساسي للسلوك، ثم يعمل معه لتعلم مهارات لإدارة الحوافز الجنسية بطرق أكثر تكيفاً.
قد يشمل ذلك "استخدام علاج النفور وأنواع مختلفة من الصور أو إزالة الحساسية"، حيث يتخيل الشخص نفسه في الموقف ثم يعاني من حدث سلبي لتقليل الاهتمام المستقبلي بموضوع الفتيش الجنسي، كما يمكن "استخدام إعادة الهيكلة المعرفية" (تحديد وتغيير الأفكار التي تدفع السلوك الجنسي) [7].
في بعض الأحيان سيعمل المعالج مع الشخص الذي يعاني الاضطراب الجنسي؛ ليخفف تدريجياً من الاستجابة تجاه الشيء الذي يسبب الرغبة الجنسية (الفتيشية)، هذا يساعد على تقليل أو التخلص التام من مشاعره الجنسية تجاه الجسم أو موضوع الحب الجنسي الهوسي، بما يُعرف بـ "التكييف المنفّر".
في النهاية.. إن الصراحة بين الزوجين في الحديث عن رغباتهما الجنسية الدفينة، يساهم بكل تأكيد في اكتشاف المرء إذا ما كان الفتيش الجنسي الذي يثير الرغبة لديه، هو اضطراب جنسي مرَضي أو حالة طبيعية لكنها غريبة لا أكثر ولا أقل، بالتالي يمكن أن تساعده على فهم جسده وتفضيلاته وما يحب وما يكره، وكيف يمكنه إدارة دوافعه الجنسية بطريقة صحية في النهاية، ما رأيك؟ هل أنت على استعداد للتحدث عن رغباتك الجنسية الدفينة؟ ماذا عن فتيشية الشعر التي تحدثنا عنها في هذا المقال؟ شاركنا من خلال النقر على هذا الرابط.