أسباب التفكير الزائد وطرق لوقف الإفراط بالتفكير
التفكير يعتبر العملية العقلية الفريدة التي تجعل الإنسان متفوّقاً على المخلوقات الأخرى في الطبيعة، لكن هل يمكن أن تتحول نعمة التفكير إلى نقمة! ومتى يصبح التفكير مشكلة تعيق تطورنا وتقدمنا في الحياة؟
في هذا المقال نحاول أن نقترب أكثر من مفهوم التفكير الزائد والإفراط بالتفكير، علامات وأسباب التفكير الزائد، واستراتيجيات التخلص من الإفراط بالتفكير في كل شيء، ونصائح للسيطرة على التفكير الزائد والإفراط بالتفكير.
التفكير الزائد أو الإفراط بالتفكير Overthinking أو Excessive thinking هو عندما يتحول هدف التفكير من إيجاد الحلول والنتائج إلى التفكير لأجل التفكير فقط، حيث ننزلق في دائرة التفكير ونكرر الأفكار نفسها ونعيدها دون أن نتمكن من الانتقال من مرحلة التفكير إلى مرحلة العمل أو التنفيذ، أو حتى التوقف عن التفكير. [1]
ويجب التمييز بين نوعين من التفكير الزائد:
- التفكير الزائد في الحالات الطبيعية: وهي حالات الاستغراق المؤقت في التفكير الزائد والمفرط بمواجهة أفكار جديدة أو مصيرية أو قرارات مهمة وغير مسبوقة، وعادةً ما تتقلص دائرة الإفراط بالتفكير بمجرد الوصول إلى حل أو اتخاذ قرار أو حتى فوات الأوان على اتخاذ القرار والتصرف، وهذه الحالة طبيعية نمر بها جميعاً في مراحل حياتنا وبمواجهة مواقف تحفز التفكير المفرط بطبيعتها.
- الإفراط بالتفكير في كل شيء وبشكل غير طبيعي: وتعرف أيضاً باجترار الأفكار، وهذه الحالة هي التي تحتاج للوقوف عندها وإيجاد حل لها، حيث يكون الإفراط بالتفكير عادة مستقرة لا تتعلق بطبيعة الموضوع، وتأخذ الأفكار المختلفة حيزاً كبيراً من تفكيرنا دون أن نتمكن من وضع حدٍّ لها أو الوصول إلى نتيجة، والخطورة في هذا النمط من التفكير المفرط أنه تراكمي، بمعنى أن الأفكار القديمة التي تشغلنا تبقى موجودة مع دخولنا تجارب جديدة تشغلنا أيضاً، ويختلط في تفكيرنا المهم وغير المهم بدائرة لا نهائية من تفكيرٍ غير مجدٍ.
ويتلخص التفكير الزائد والمفرط غير الطبيعي بحالتين أيضاً، التفكير المفرط في الماضي والتفكير المفرط في المستقبل. [2]
هل التفكير الزائد مشكلة؟ هل الإفراط بالتفكير مرض؟
كما قلنا هناك حالات طبيعية من التفكير المفرط وهي حالات مؤقتة تزول بزوال السبب أو انتهاء الموقف، لكن هناك حالات من التفكير الزائد تكاد تكون مرضية وتشكل عقبة حقيقة في حياتنا، وهذه علامات وأعراض التفكير الزائد والمفرط: [2]
- استرجاع اللحظات المحرجة بشكل متكرر وخارج عن السيطرة.
- استرجاع الأخطاء باستمرار والتفكير بما كان يجب أن نفعله.
- صعوبة النوم بسبب التفكير المفرط في السرير ولوقت طويل وبشكل منتظم.
- التفكير دائماً بالمعاني الخفية لما يقوله الناس أو يفعلونه، ومحاولة تحليل تصرفات الآخرين لفترة طويلة.
- الإفراط في رسم السيناريوهات، والإكثار من سؤال "ماذا لو ...؟".
- رسم مجريات دقيقة للقاءات أو الاجتماعات بأدق التفاصيل، ووضع سيناريو لردود الناس ورد فعلهم.
- إعادة الحوارات والمواقف ذهنياً، ومحاولة وضع سيناريوهات بديلة لما جرى.
- عندما يقوم أحدهم بتصرف مزعج لا تستطيع طرده من ذهنك وتحاول التفكير بما كان يجب أن تفعله وما لم تفعله.
- تكرار الحديث عن أحداث الماضي أو عن أمنيات المستقبل دائماً بشكل مفرط.
- الإفراط في الشرود وأحلام اليقظة حول مواضيع مختلفة وبشكل خارج عن السيطرة.
- التفكير كثيراً في أشياء خارجة عن السيطرة، أو بين خيارات لا نملكها حقاً، ولا نستطيع التركيز على فكرة واحدة.
- ألا نستطيع السيطرة على التفكير الزائد، ونحاول طرد الأفكار من ذهننا ولا نستطيع.
التفكير المفرط ليس من الحالات النادرة، وإن كان الإفراط بالتفكير جزء من تطور المراهقين حيث يواجهون الأسئلة الوجودية والتجارب الجديدة بشكل كثيف؛ إلّا أن التفكير الزائد يؤرق كثيراً من الأشخاص في المراحل العمرية المختلفة، ويتحول إلى حالة مزمنة من الإجهاد الذهني نتيجة اجترار الأفكار والمواقف.
ومن أبرز أسباب التفكير الزائد في كل شيء: [3]
- تكوين الشخصية: تكوين الشخصية يلعب دوراً كبيراً في أنماط التفكير ومواجهة المواقف الراهنة والماضية أو التخطيط للمستقبل، فالشخصية التي تتمتع بقدر من الاستقلالية في القرار تواجه صعوبات أقل في ضبط عملية الاجترار الذهني أو التفكير الزائد، فيما يواجه الأشخاص الذين يتمتعون بشخصية غير مستقرة وغير مستقلة صعوبة أكبر في إنهاء حلقة التفكير المفرط.
- مشاكل احترام وتقدير الذات: يعتبر احترام وتقدير الذات عاملاً حاسماً في اتخاذ القرارات ومعالجة المواقف المختلفة، وفي حالات تدني احترام الذات غالباً ما يكون اجترار الأفكار نتيجة مباشرة لانخفاض الثقة بالنفس.
- الخوف من تكرار تجارب سيئة: إعادة رسم السيناريوهات قد يكون نتيجة حتمية للمرور بتجارب غير مرضية، فقد يعاني الرجل بعد الطلاق والانفصال من التفكير المفرط والزائد بخياراته الجديدة ومستقبله العائلي والعاطفي، وكذلك المرأة.
- التجارب الصادمة: التجارب الصادمة لا تشكّل فقط خوفاً من تكرارها، ولكن تخلق أنماطاً جديدة من التفكير ناتجة عن الآثار النفسية للصدمة، فالتعرض لتجربة صادمة مثل الخيانة الزوجية قد يجعل لدى الفرد حالة مزمنة من القلق وعدم القدرة على ترتيب الأفكار، تقوده لدوامة التفكير الزائد والاجترار، والتفكير بالاحتمالات التي كان يمكن أن تمنع مثل هذه التجربة، أو كيفية تجنبها في المستقبل... إلخ.
- بعض الاضطرابات والمشاكل النفسية: على رأسها الاضطرابات التي تنتج عن أو تؤدي إلى تدني احترام الذات مثل اضطراب تشوّه صورة الجسم، واضطراب القلق العام، واضطراب الشخصية التجنبية أو الانهزامية. إضافة لاضطرابات الهوس والوسواس مثل هوس الموت وجنون الارتياب.
- التردد في اتخاذ القرارات: على رأس المشاكل التي تواجه من يعانون من التفكير المفرط هي مشكلة التردد في اتخاذ القرارات، حيث لا يستطيعون غالباً حسم قرارهم في الوقت المناسب نتيجة استعادة الأفكار وبناء السيناريوهات الخيالية، والإفراط بالتحليل، ما يعني ضياع الفرص لأن الفرصة هي قرار مناسب في الوقت المناسب وليست هدية غيبية غامضة.
- الخوف من التجارب الجديدة: التفكير الزائد في كل شيء وبناء توقعات أو مقارنات غير واقعية غالباً ما يحرمنا من تجربة الأشياء الجديدة، بل أنه قد يصل بالبعض إلى خوف مرضي من التجارب الجديدة، اقرأ أكثر عن فوبيا التجارب الجديدة أو النيو فوبيا من خلال النقر على هذا الرابط.
- فقدان الثقة بالذات: بما أن التفكير الزائد يقوم على بناء توقعات غير واقعية وسيناريوهات غالباً تبقى ذهنية وغير قابلة للتطبيق؛ فذلك يقود بالتالي إلى الشعور بعدم الكفاءة أو عدم القدرة على تحويل الأفكار إلى حقيقة، وبالتالي يقودنا إلى تفكير النقد الذاتي وحتى جلد الذات.
- القضاء على الممتع بالأشياء الممتعة: التفكير الزائد في كل شيء يسلب الأشياء الممتعة متعتها، فعندما تعاني من التفكير الزائد لا تستطيع تذوق اللحظات والمواقف الممتعة بسهولة دون أن تعرّضها للتحليل المبالغ به، خذ مثالاً العلاقات العاطفية التي تفقد ألقها نتيجة التفكير الزائد بما يقوله أو يفعله الشريك والذي قد يكون عفوياً تماماً، والتفكير المستمر بسناريوهات مؤلمة وقاسية مثل سيناريو الخيانة وماذا ستفعل عندما يخونك الشريك! [4]
- الاكتئاب والقلق: كما أن القلق يقود للتفكير المفرط؛ فإن التفكير الزائد بكل شيء يقود أيضاً للقلق المزمن وحتى الاكتئاب الحاد، ليس فقط نتيجة التوقف في دائرة مفرغة من التفكير واجترار الأفكار، بل أيضاً نتيجة فقدان القدرة على التقدم والتطور والنماء الذاتي.
- تدهور العلاقات الاجتماعية: حتى الأشخاص في الدائرة القريبة لن يكونوا فعّالين في العلاقة معك عندما تعاني من التفكير الزائد، هم يعلمون أنك تحلل كل ما يقولنه وربما تصاب بموجة حادة من الأرق في محاولة لتفسير بعض أفعالهم العفوية، كما أنك لن تكون قادراً على الاستمتاع ببساطة معهم لأنك تجتر ماضيك وتخشى مستقبلك، ولن تكون الشخص المناسب لتقديم النصيحة أو اتخاذ القرار في المواقف الحساسة، كل ذلك يؤدي لتدهور العلاقات الاجتماعية والشعور بالوحدة والفراغ ما يزيد من معاناة التفكير الزائد بكل شيء.
التفكير الزائد المزمن يشكل معاناة حقيقة وليس مجرد حالة يمكن التأقلم معها، لذلك نقدم لكم أبرز طرق التوقف عن التفكير الزائد والتغلب على الإفراط بالتفكير في كل شيء:
- استبدال الأفكار بأفكار مختلفة: تقول كاثرين بيتمان بروفسورة علم النفس العيادي في كلية سانت ماري؛ أنك إن حاولت التوقف عن التفكير بفكرة ما فأنت ببساطة ستفكر بها أكثر، وإذا قلت لنفسك "لا تفكر بالفيل الوردي" فأنت لن تفكر بشيء غير الفيل الوردي!
لذلك لا يجب أن تفكر بالتوقف عن التفكير، بل يجب أن تستبدل الفكرة لفكرة مختلفة عنها، فإذا أردت أن تتوقف عن التفكير بالفيل الوردي "فكّر بالسلحفاة" [5] - السيطرة على الصوت الداخلي: من خلال دراستنا لتأثير الحديث مع الذات وتأثير الصوت الداخلي على عادتنا الذهنية، يمكن أن نفهم أكثر أهمية السيطرة على الصوت الداخلي والتحكم بما نقوله لأنفسنا، اقرأ أكثر عن برمجة العقل الباطن والسيطرة على الأفكار من خلال النقر على هذا الرابط.
- إعادة الهيكلة المعرفية: المشكلة التي نواجهها مع التفكير المفرط هي تصديق ما نفكر به إلى حدي بعيد والتعامل مع التوقعات والسيناريوهات كأنها حقيقة أو على الأقل قابلة لتكون حقيقة، وواحدة من تقنيات التحكم بالتفكير الزائد هي إعادة الهيكلة المعرفية من خلال جعل الأفكار السلبية والتوقعات السيئة أقل قابلية للتصديق، ويكون ذلك من خلال إجبار الذات على تقييم الأفكار بشكل موضوعي، وإعطاء قيمة حقيقية للأفكار، وتحديد احتمالية حدوث أمر ما بالأرقام والحسابات. [5]
- استعمال الحواس عند الانخراط في التفكير الزائد: من خلال توجيه الانتباه إلى أمور حسية بصرية أو سمعية، والتركيز على ما تراه الآن في هذه اللحظة أو تسمعه أو حتى تستنشقه، لكن دون تحليل ما تعرضه عليك الحواس تحليلاً مرهقاً، الهدف هو كسر الدائرة. [6]
- تحديد نطاق السيطرة: من عيوب التفكير المفرط أنه يقودنا إلى التفكير في أمور خارجة عن سيطرتنا تماماً، ينصح الخبراء بالتوقف للحظة عند الدخول في دوامة التفكير الزائد، وتحديد إذا ما كانت الفكرة أو القضية داخل سيطرتنا فعلاً، مجرد تحديد الأفكار والقضايا التي لا يمكننا التحكم بها يجعلنا أقل ميلاً للتفكير بها مجدداً.
- تحديد الخيارات الحقيقية: أيضاً من عيوب الإفراط المزمن بالتفكير أنه يجعلنا نفكر بخيارات غير متاحة، مثل أن تحتار بين السفر إلى الولايات المتحدة وبين السفر إلى روسيا، وأنت لا تمتلك حتى جواز سفر! لذلك يجب علينا الإمساك بكل خيار وقابليته للتحقيق في الوقت الراهن قبل إدخاله في التحليل والمفاضلة. ربما عليك أن تقرأ أكثر عن استراتيجية الأهداف الذكية
- إعطاء فرصة للأمور أن تسير على هواها: قد يكون من الصعب السيطرة فجأة على التفكير المفرط، لذلك قد يكون من الحكمة إجراء اختبار على فكرة محددة، ومحاولة التوقف عن التفكير بها تماماً لنرى كيف ستسير الأمور إن لم نرسم لها سيناريو ذهني مسبق، غالباً ستسير بشكل أفضل!
- استشارة متخصص: يستطيع المتخصصون فهم ما تعاني منه بشكل أفضل، وتحديد استراتيجيات تساعدك بلا شك على التوقف عن التفكير الزائد والمفرط، فكر باللجوء إلى أصحاب الاختصاص، ويمكنك أيضاً التواصل مع خبراء موقع حلوها من خلال النقر على هذا الرابط.