ابني يخجل مني! أسباب وحلول الخجل من الأهل
في هذا المقال.. دور الأهل في غرس خجل أبنائهم، أسباب الخجل ومشاعر العار من الأهل، وكيفية التعامل مع الخجل من الأهل، وكيف تتعامل مع خجل أبنائك منك؟
الوالدان يغرسان مشاعر الخجل لدى أبنائهم منذ الطفولة
هناك فرق بين الإحراج (Embarrassment) والإذلال (Humiliation)، وبين مشاعر الخجل والعار (Shame)؛ فالإحراج يميز ما بين نظرة الشخص إلى نفسه، وكيفية نظر الآخرين إليه (يتعلق بتفكير الشخص بكيفية نظر الآخرين إليه)، بينما تحمل مشاعر العار والخجل، تلك الإيحاءات الأخلاقية التي لا يحملها الإحراج، بالتالي فإن الخجل أو العار يميز مشاعر الفشل الشخصي أكثر من المكانة والصورة الاجتماعية، التي يتمتع بها الشخص والتي يعبر عنها الإحراج من نظرة الآخرين.
ونقصد بذكر هذا التمييز بين المصطلحات، أن تدرك الاختلاف بين مشاعرك المتعلقة بالخجل من الأهل، وحقيقة هذه المشاعر، حتى تصل إلى مرحلة من التعامل معها بنضج وعقلانية، كي لا تتحكم هذه المشاعر بشخصيتك وسلوكياتك وحياتك كاملة.
يبدأ الشعور بالعار والخجل منذ الطفولة المبكرة، حيث يكون الوالدان سلبيين بشكل دائم ويضرّان بالطفل عاطفياً، من خلال توجيه عبارات للطفل بأنه "غير محبوب أو غير مرغوب فيه، أو فاشل، أو لا يمكنه أن يكون مميزاً مثل شقيقه أو أقرانه، أو أنه قبيح وفظيع أو غير جذاب أو غير ذكي"، وقد يكون كل ذلك الإهمال الذي تعرض له الشخص في الطفولة هو (جوهر الخجل والعار)، والذي هو استجابة ورد فعل لدى الشخص مثل أي عاطفة كالخوف مثلاً [1].
في المحصلة.. مع مثل هذه الرسائل السلبية التي ينشأ الطفل في ظلها، وتترسخ لديه على شكل مشاعر عميقة وواسعة من عدم الملاءمة الاجتماعية (الرفض الاجتماعي)، مع حمل ذنب أنه هو السبب في عدم حبهم له (حب أهله والآخرين)، وإذا لم يتم تصحيح ذلك (وهذا يحتاج جهداً جباراً من الوالدين) وغرس رسالة إيجابية لدى الطفل، فإن هذا العار والخجل سيستمر في النمو والتفاقم، مما يؤسس تدني احترام الذات والقلق والاكتئاب، كذلك السعي إلى الكمال وانعدام الاستقلالية، وزيادة خطر الاعتماد على الآخرين والتبعية أيضاً.
ربما يكون تأسيس هذه المشاعر هو ما يسبب الخجل لدى الأبناء من الأهل في المستقبل، كما يُعتبر إحراج الوالدين للأبناء جزءٌ من الأبوة والأمومة، فكثير من المراهقين يشعرون بالإذلال من تصرفات والديهم على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال الصور والتعليقات وما إلى ذلك من النشاطات الافتراضية، وغير الافتراضية أيضاً، التي يقوم بها الأهل، كما تلاحظ حرجاً لدى المراهقين من طريقة ارتداء الوالدين الثياب أو الخروج معهم إلى الأماكن العامة، "فقصة حرج الأطفال من أهلهم أبدية" [2].
أسباب الخجل وشعور العار من الأهل
الآن.. دعنا نتحدث عن أسباب الخجل الاجتماعي أو العار والإحراج بسبب الأهل، والتي يعانيه الأبناء في مرحلة المراهقة بشكل خاص [3] [4]:
- الصراخ على ابنك المراهق في الأماكن العامة: والصراخ عليه والاستخفاف به في الأماكن العامة، هو طريقة لتنشئة شخص بالغ ضعيف ومكتئب ويخجل منك في المستقبل أيضاً، وعادة ما تصيح لأنك تشعر بالعجز، وهذا يوضح للمراهق أنك خارج عن السيطرة مما يجعله عاجزاً ومحرجاً منك، كما أنك ستدفع طفلك للخجل منك، إذا تعاملت معه بحنان مفرط في الأماكن العامة، لأن هذه العواطف المبالغ بها ستجعله يبدو بلا شخصية أمام الغرباء أو أصدقائه، وأنك لا تحترم مساحته أيضاً.
- طريقة الأهل بارتداء الثياب تُحرج الأبناء: من الصحيح أنه يجب عليك تربية أبنائك على تقدير الجوهر وليس الحكم على المظاهر، لكن الملابس الملائمة تغير نظرة الآخرين إليك، مع ذلك لا تقلد ابنك المراهق في طريقة لباسه كي تكون مواكباً له، لأنك عندها ستسبب له الخجل المضاعف!
- استمرارك بفعل أشياء تحرج ابنك: مثل تعاطي المخدرات أو الكحول، وقلة عنايتك بصحتك بينما تطلب من ابنك المراهق أن يهتم بغذائه وصحته!
- يبحث المراهقون عن انتهاك المعايير الاجتماعية: سواء من قبلك أو من قبله هو شخصياً، حيث تتعلق هوية المراهق بالقبول بين الأقران بقدر ما تتعلق بالتعبير الفردي عن استقلاليته، وإيجاد قبول الأقران يتطلب فهماً عميقاً للمعايير الاجتماعية، وليس من قبيل الصدفة أن يكون هو نفس الشرط في موضوع الشعور بالإحراج والخجل من الوالدين، خاصة إذا تذكرت أن كل مراهق (أناني)؛ لدرجة أنه يظن نفسه محور الكوكب وأنه محط أنظار الجميع في أي اللحظة!
أعراض مشاعر الخجل من الأهل، وكيف تتخلص من مشاعر الخجل من أهلك؟
ربما لا يدرك الأهل أن أبنائهم يكبرون على بعض أنماطهم التربوية المتعلقة بفرض سلطتهم ومكانتهم، وبعض التصرفات وسلوكيات الأمومة والأبوة تصبح مبعثاً لحرج الأطفال وخاصة في مرحلة المراهقة كما ذكرنا، ولا يتعلق عار وخجل الأبناء من أهلهم بالفقر والوضع الاجتماعي فقط، إلا أن بعض الأبناء يخجلون من مهنة الأب مثلاً، على الرغم أن الكثيرين لا يخجلون من مهنة الأب أو الأم لأي سبب؛ مقابل ما فعلوه لكسب العيش ودعم أسرهم.
ربما بعض من يخجل ويشعر بالعار من أهله أو مهنة والده، هم ممن أوصلتهم وظيفتهم إلى مستوى معيشي أعلى، وهناك مظاهر متعددة تبدو من خلالها أعراض الخجل نذكر منها [5]:
- ترغب في الاختفاء والاختباء: تحاول الاختفاء بسبب أي موقف يدفعك إلى الخجل.
- التعبير عن الخجل بالغضب: إلقاء اللوم على شخص آخر أسهل من الاعتقاد بأنك قد ارتكبت شيئاً خاطئاً، ويساعد الغضب على تخفيف مشاعرك بالخجل والعار، على سبيل المثال عندما يصرخ أحد الوالدين على المراهق أمام الضيوف ويذهب المراهق إلى غرفته ويضرب الباب، فإن غضب المراهق هنا يخفي مشاعر الخجل من أهله.
- لوم الذات والشعور بالذنب: يمكن أن يتسبب الخجل بلوم النفس، على سبيل المثال عندما يصحح المعلم أو ينتقد خطأ طالب ما أمام الفصل كاملاً، فإن الطالب قد يلوم نفسه على التقصير لدرجة يرغب بترك المدرسة.
- الإدمان: على التدخين أو الطعام أو تعاطي الكحول، لإعطائك راحة مؤقتة من تلك المشاعر السلبية التي يعنيها الخجل، بالتالي فقد تشعر بالخزي أكثر من أي وقت مضى بسبب إدمانك، مما يسبب غرقك في دورة مفرغة بسبب الخجل.
كما يعبر الشعور بالخجل من الأهل عن استراتيجيات قديمة للتكيف، ربما كنت اتبعتها في الماضي (خلال مرحلة الطفولة والمراهقة)؛ كي تخفف الألم النفسي والجسدي الذي سببته بيئتك حيث نشأت، لكن مشاعر الخجل من الأهل قد تقودك إلى منطقة من انعدام الثقة بالآخرين، وتشويه علاقاتك المستقبلية، فكيف تتعامل مع مشاعر الخجل؟ وأنت تعرف ما هي التأثيرات السلبية للخجل على حياتك والتي تحدثنا عنها أعلاه.
مفتاح التخلص من الخجل على العموم، والخجل من الأهل بشكل خاص، هو السماح لنفسك بقبول أن مشاعر العار والخجل جاءت في البداية (في مرحلتي الطفولة والمراهقة) بهدف الحفاظ على الذات، بالتالي عليك التخلص من الذنب الذي يسببه الخجل الآن هذه هي خطوات التخلص من خجلك من أهلك [6]:
- الخطوة الأولى للتعامل مع الخجل: هي التعرف على الصدمة (كبيرة كانت أو صغيرة)، التي أجبرتك على إنشاء استراتيجية التأقلم (الخجل).
- الخطوة التالية للتعامل مع الخجل: هي أن تتعلم أن تشعر بالتعاطف بدلاً من إلقاء اللوم على نفسك والشعور بالذنب، وقبول الشخص الذي أنت عليه الآن، والشخص الذي كنته في الماضي.
- حاول أن تفهم ضرورة حالة التأقلم القديمة؛ من منظور الطفل الذي ابتدعها، ومن خلال فهم ومسامحة نفسك لتبني هذه الاستراتيجية للتكيف، بحيث يمكنك استبدال العار والكراهية الذاتية بالتعاطف وقبول الذات.
كيف يتعامل الأهل مع إحراجهم لأبنائهم؟
ربما يمكنك تحديد المرحلة التي تسبب فيها الإحراج والخجل العلني لأطفالك خلال مرحلة المراهقة، وإحدى اللحظات الفاصلة التي ترسم نهاية الطفولة وبداية المراهقة، هي عندما يصبح الأهل مصدراً للإحراج الاجتماعي لأبنائهم خارج المنزل، مثل ظهور الأم أو الأب فجأة في المدرسة عندما يكون الأبناء في مرحلة الدراسة الثانوية، وأنت تعرف أن حضورك سيكون مفاجأة سارة لطفلك في المرحلة الابتدائية، لكن ليس في مرحلة المراهقة، فها أنت تسبب الخجل لابنك أو ابنتك، (حيث يظن أنه محور الكون الآن.. والجميع يراقب حركاته وسكناته!).
لذا نعرف أن هذه المرحلة تحديداً، تشبه إلى حد ما (معركة تكسير الرؤوس).. إذا صح التعبير بالطبع، عليك أن تنتبه جيداً لما يمكن أن يسبب الحرج لأطفالك، وما الذي يسبب الخجل لدى أبنائك منك؟ لكي تتجنب كل دوافع الخجل من الأهل قدر الإمكان [7]:
- الخطوة الأولى لتتعامل مع خجل أبنائك منك: قبول أنه بمجرد بدء رحلة الاستقلال لدى ابنك، ستصبح الشراكة مع الأهل بشكل عام أقل راحة: وستصبح الخصائص التي تتمتع بها كأحد الوالدين أقل قبولاً لدى أبنائك مما كانت عليه في السابق، وذلك بسبب الإحراج والخجل المحتمل.
- الخطوة الثانية: من المهم أن تعامل ابنك المراهق بطرق مناسبة لعمره أمام أصدقائه، فلا يجوز أن تناديه باسم دلع اعتدت عليه منذ الطفولة أمام زملائه في المدرسة، عندما تقله إلى المنزل.
- الخطوة الثالثة: لا تطلب من طفلك المراهق أن يقوم بمهام في المنزل بشكل عني أمام أصدقائه، كأن تشترط خروجه لحضور فيلم مع رفاقه؛ باعتذاره من أخيه الأصغر على خلاف ما بينهما.
- الخطوة الرابعة: عليك أن تعد أبنائك بأنك في حال تصرفت وفي أي وقت؛ بطرق تحرجهم أمام الآخرين، فإنك سوف تعتذر علناً عن هذا السلوك ولا تفعله مرة أخرى.
- الخطوة الخامسة: لا تطلق نكاتاً أو تعليقات ساخرة على مراهقة ابنك، كأن تقولي لابنك المراهق في محاول لإطراء شكله: "عليّ أن أراقبك فأنا أخاف عليك من الفتيات".
- الخطوة السادسة: لا تستخدم الأسلوب المحرج لابنك في حال كانت لديك بعض الهموم والمخاوف عليه، كأن تقولي لابنتك: "لا ترتدي هذا الثوب، فأنت تبدين سمينة جداً"، في محاولة لمنعها من ارتداء ثوب قصير عند الخروج مع صديقاتها، أو أن تقول لابنك أمام فريقه الرياضي: "ما هذا.. هل تعتقد أنك تلعب الكرة أم تضرب قطعة اسفنج!؟".. كن حذراً.. لأن المراهقة مليئة بلحظات محرجة بما يكفي، ولا تحتاج لزيادة إحراج أبنائك.
أشعر بالخجل من أهلي وأصدقائي
تشكو صديقة من أصدقاء موقع حلوها من "خجل مبالغ فيه، حتى من أهلها وأصدقائها، مما أتعبها في حياتها لأن الكل يضحك عليها بسبب احمرار وجهها، وتعاني مشكلة الخجل دون أن تلجأ على العقاقير الطبية"، فتنصحها خبيرة موقع حلوها النفسية، الدكتورة سراء فاضل الأنصاري: "تعانين من الخجل الاجتماعي وهو يحتاج إلى علاج تخصصي مع طبيب نفسي، وعليك مواجهة الأمر وعدم الهروب أو الانعزال، كما عليك التدرب على التحدث أمام الآخرين وألا تخجلي من احمرار وجهك لدرجة تمنعك من الاختلاط بالناس، مع اللجوء إلى تدريبات التنفس والاسترخاء والتأمل، وهناك أمور مهمة كثيرة وسلوكيات سيعلمك إياها الطبيب أو المعالج النفسي وستساعدك بالتأكيد".
في النهاية.. الأمر ليس سهلاً ولن يحدث بين عشية وضحاها، ولكن من خلال العمل على قبول نفسك ومسامحة حالة الخجل التي شعرت بها إزاء أهلك، وعليك أن تثق بنفسك لتتعامل مع حالة الخجل من الأهل، وتتجاوز تأثيراتها السلبية على حياتك الاجتماعية، من خلال تقبل أهلك لما هم عليهم في النهاية، ما رأيك؟ شاركنا من خلال التعليقات.