مشاكل الأطفال الخدج والتنفس الصناعي ومستقبل الطفل الخديج
تقلق كل أم على مستقبل طفلها الخديج أو المبتسر، وتبقى تلك الأسئلة القلقة تطن كالذبابة في ذهنها؛ "متى يزول الخطر عن الطفل الخديج؟"، "كيف ستكون صحة طفلي الخديج في المستقبل؟"، "هل سيكون طفلي الخديج طبيعياً عندما يكبر؟".
سواء كان الطفل الخديج في الشهر السادس أو في الشهر السابع أو الثامن، فعلى الأغلب سيعاني من مشكلة في التنفس عند ولادته بسبب عدم اكتمال نمو الرئتين. فمشكلة التنفس هي أكثر مشاكل الأطفال الخدج شيوعاً، ومن الممكن أن تتطور أمراض الأطفال الخدج (أمراض الأطفال المبتسرين) إلى مضاعفات ومخاطر أكبر إذا لم يتم التعامل معها طبياً في الوقت المناسب.
في هذا المقال سنتحدث عن المشاكل التي تواجه مستقبل الطفل الخديج، مثل مشاكل القلب عند الأطفال الخدج والتنفس الصناعي، ومشاكل السمع والنظر وخمول الطفل الخديج.
سرعة التنفس ومشاكل التنفس عند الأطفال الخدج
قبل ميلاد طفلكِ، تمتلئ رئتاه بسائل يساعدهما على التطور والنمو، عند المخاض يتم امتصاص هذا السائل حتى يكون الطفل قادراً على تنفس الهواء بشكل طبيعي، وفي حالة الولادة المبكرة فإن رئتي الطفل الخديج لا تكونان مكتملتين بعد، لذلك فإن الأطباء يقومون باتباع استراتيجية دعم التهوية البسيطة، لأن في بعض الحالات يمكن أن تسبب أجهزة التنفس الصناعي مشاكل في الرئتين مثل خلل النسيج القصبي الرئوي.
علاج مشاكل التنفس عند الأطفال الخدج [1]
- من أنواع دعم التهوية إدخال أنبوب بلاستيكي من خلال الأنف أو الفم (Intubation)، ونفخ الهواء والأكسجين من وإلى الرئتين.
- وضع قناع بواسطة الأنف أو الفم ونفخ الهواء أو الأكسجين بالضغط الثابت (Continuous Positive Airway Pressure).
- استخدام قنية الأنف (Nasal Prong Oxygen) وهي زوج من القطع أو القنوات الصغيرة التي توضع في أنف الطفل لإيصال الأكسجين الإضافي عبر فتحتي الأنف. يُستخدم هذا الخيار عندما لا يكون الرضيع بحاجة إلى ضغط لإبقاء الرئتين مفتوحتين، ولكنه يحتاج إلى القليل من الأكسجين الإضافي للحفاظ على مستويات عالية من الأكسجين في مجرى الدم. هناك نسخة معدلة من هذه التقنية تسمى (Vapotherm)، تسمح بتوصيل مستويات أعلى من الأكسجين من خلال قنية الأنف، وتعمل بطريقة مشابهة لقناع (CPAP) المذكور في النقطة السابقة.
متلازمة الضائقة التنفسية عند المواليد الجدد
قد يصاب الأطفال الخدج بمتلازمة الضائقة التنفسية (Newborn Respiratory Distress Syndrome) أو (RDS) لأن الرئتين تفتقدان إلى مادة التشحيم أو التزليق المهمة (Surfactant) التي تنتجها الرئتان وتساعدهما على التوسع، ويقوم الأطباء لمنع هذه المتلازمة بوضع هذه المادة في سطح رئتي الطفل بكميات صغيرة من خلال أنبوب ينزل إلى القصبة الهوائية.
خلال هذه المدة سوف يراقب الأطباء عن قرب مدى تطور تنفس الطفل الخديج أو الطفل المبتسر، وسيعدلون طريقة الدعم حسب اللازم. [1]
بعض مشاكل التنفس الأخرى عند الأطفال الخدج [1]
- مشكلة توقف التنفس أو التنفس الدوري (Apnoea) أو (Periodic Breathing).
- بطء القلب أو انخفاض معدل نبضات القلب (Bradycardia).
- الازرقاق أو زرقة البشرة بسبب نقص الأكسجين (Cyanosis).
- سرعة التنفس أو التنفس السريع بمعدل غير طبيعي (Tachypnea) أو (Rapid Breathing).
- خلل التنسج القصبي الرئوي (Bronchopulmonary Dysplasia) أو (BPD)، والمعروف أيضاً باسم مرض الرئة المزمن.
ما أسباب سرعة التنفس عند الأطفال الخدج؟
يعود سبب التنفس السريع عند الطفل الخديج أو الطفل المبتسر إلى أن أول أنفاس قليلة يأخذها الطفل بعد الولادة تملأ الرئتين بالهواء وتساعد على تنظيف معظم سائل الرئتين الباقي، وهذا السائل المتبقي يؤدي إلى تنفس الطفل بسرعة، ويصعب على الأكياس الهوائية الصغيرة في الرئتين أن تبقى مفتوحة، وغالباً يتعرض الأطفال الخدج لذلك بعد فترة وجيزة من الولادة، في معظم الأحيان بعد ساعة أو ساعتين. وتشمل أعراض سرعة التنفس زرقة لون البشرة، التنفس السريع مع شخير أو حركة بين أضلاع القفص الصدري. ولذلك فإن الطفل يخضع للفحوصات اللازمة من أجل مراقبة مستمرة لمستويات الأكسجين والتنفس ومعدل ضربات القلب لديه.
إذا اختفت الحالة في ذلك الوقت فسيتم تصنيفها بأنها حالة عابرة، غير مزمنة، وغالباً يتحسن معظم الأطفال الخدج الذين يعانون من سرعة التنفس في مدة تتراوح من ١٢ إلى ٢٤ ساعة، لكن بعضهم يحتاج إلى مساعدة لبضعة أيام للتخلص من مشاكل التنفس.
إن مشكلة سرعة التنفس عند الطفل الخديج تجعله غير قادر على الرضاعة، ولذلك سيتناول المواد الغذائية من خلال الوريد. [2]
عيوب القلب الخلقية عند الأطفال الخدج
إن أكثر عيوب القلب الخلقية ومشاكل القلب شيوعاً لدى الأطفال الخدج هي القناة الشريانية السالكة (Patent Ductus Arteriosus) أو (PDA) والتي تسمى أيضاً القناة الشريانية المفتوحة أو الوصلة الشريانية المفتوحة، وهي فتحة دائمة بين الشريان الأورطي والشريان الرئوي. وفي حال تركت هذه القناة دون علاج فإن ذلك يؤدي إلى تدفق الدم غير المشبع بالقدر الكافي من الأوكسجين في الاتجاه الخاطئ، مما يسبب إضعاف عضلة القلب وفشل القلب وغيرها من المضاعفات. لحسن الحظ يمكن علاج القناة الشريانية المفتوحة عند الأطفال الخدج بالإندوميتاسين، الذي يغلق القناة الشريانية. ويؤكد الخبراء أن أكثر من 80٪ من الأطفال الخدج الذين يعانون من هذه المشكلة الخلقية يتحسنون مع الإندوميتاسين. لكن إذا ظلت القناة مفتوحة، فقد تكون هناك حاجة لإجراء عملية لإغلاق القناة.
إلى جانب القناة الشريانية السالكة، فمن مشاكل القلب عند الأطفال الخدج أيضاً انخفاض ضغط الدم (Low Blood Pressure) أو (Hypotension)، والذي قد يتطلب الأدوية وإجراء تعديلات في السوائل الوريدية وأحياناً عمليات نقل الدم. [3]
مشاكل العيون عند الأطفال الخدج
توجد بعض المشكلات الصحية التي تؤثر على الأطفال الخدج أو الأطفال المبتسرين الذين يولدون قبل الأسبوع ٣٧، بعض هذه المشكلات تتعلق بالنظر، حيث يلاحظ الخبراء أن الولادة المبكرة مسؤولة عن ٣٥٪ من حالات ضعف البصر، وذلك يرجع إلى أن نمو العيون يكتمل أكثر خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، وبالذات الأسابيع الأخيرة. وفي حالة الولادة المبكرة من الممكن أن تعاني العين من نمو غير طبيعي للأوعية الدموية مما يؤدي إلى ضعف البصر، ورغم أن العينين قد تبدوان طبيعيتين بالنسبة لك، من حيث الشكل، لكنك قد تلاحظين أن طفلك لا يستجيب لحركة الأشياء أو تغيرات الضوء. [4]
اعتلال الشبكية الخداجي عند الأطفال الخدج
من أشهر مشاكل العيون عند الأطفال الخدج، اعتلال الشبكية الخداجي (Retinopathy of Prematurity) أو (ROP)، وذلك بسبب النمو غير الطبيعي للأوعية الدموية. ويعد هذا المرض الأكثر انتشاراً بين الأطفال المولودين قبل ٣١ أسبوعاً أو المولودين بوزن منخفض جداً. ومن مضاعفات هذا المرض في فترة الطفولة أو بعد البلوغ: الحول، قصر النظر، طول النظر، العيون الكسولة، الزَرَق. [4]
مشكلة الحول عند الأطفال الخدج
الحول هي حالة شائعة عند الأطفال دون سن الخمس سنوات، ويمكن أن يؤدي إلى مشاكل دائمة في الرؤية إذا لم يتم علاجه مبكراً، ووجدت دراسة تم إجراؤها في عام 2014 أنه تزيد احتمالية ظهور مشكلة الحول عند الأطفال الذين يولدون بوزن منخفض جداً. حيث أن احتمالية ظهور مشكلة الحول عند الطفل المولود بوزن أقل من 2 كغم، تزيد بنسبة 61% عن الطفل ذي الوزن الطبيعي.
وكما ذكرنا سابقاً، قد يكون الحول عند الطفل الخديج هو أحد مضاعفات اعتلال الشبكة الخداجي. [4]
العمى عند الأطفال الخدج
أما أكثر المضاعفات المحتملة خطورة، والخاصة بالولادة المبكرة فهو العمى! إذ من الممكن أن تؤدي الولادة المبكرة إلى انفصال الشبكية، وإذا لم يتم اكتشاف ذلك فمن الممكن أن يؤدي إلى العمى. وقد يولد بعض الأطفال دون أجزاء معينة من العين، مثل مقلة العين أو القزحية، مما يؤدي إلى فقدان البصر. لكننا نريد أن نطمئنكِ يا سيدتي، بأن هذه الحالات نادرة جداً، وليست شائعة عند الأطفال الخدج. [4]
تأخر النطق عند الأطفال الخدج
من المعلوم أن فقدان السمع أحد أكثر العيوب الخلقية شيوعاً عند الأطفال الخدج، فوفقاً لجمعية السمع واللغة الأمريكية، يولد واحد إلى ثلاثة من كل ١٠٠٠ طفل مع فقدان السمع، وتزيد النسبة بين المواليد الجدد الذين يتم إدخالهم إلى وحدة العناية المركزة لحديثي الولادة (NICU) إلى ٣٢ لكل ١٠٠٠ طفل، مما يشير إلى معدل الإصابة المرتفع عند الأطفال الذين يولدون قبل الأوان.
يخضع الطفل الخديج إلى فحص السمع، وفي حال ظهور أية مشاكل عند الطفل، يتم إخضاعه إلى تقييم تشخيصي كامل بموافقة الأهل. وبواسطة هذا الإجراء التشخيصي يتم تقييم درجة فقدان السمع التي تتراوح بين ضعف سمع خفيف، وفقدان كامل للسمع. ويتم بناءً على هذا التقييم التدخل السريع والمناسب لعلاج ما يمكن علاجه، ولتقديم جميع الحلول الممكنة والتي ستساعد الطفل على الحصول على حياة طبيعية قدر الإمكان.
مشاكل السمع قد تسبب مشكلة تأخر النطق عند الأطفال الخدج، لأنها تؤثر على قدرة الطفل على تعلم اللغة والكلام. لذلك يتدخل عادة في مرحلة مبكرة من عمر الطفل أخصائيو السمع والنطق لتوفير أدوات السمع المساعدة وتمارين النطق ووسائل الاتصال البديلة مثل لغة الإشارة. [5] [6]
كثرة نوم الطفل الخديج
من العلامات المميزة للأطفال الخدج أنهم يحبون النوم أكثر من المواليد الطبيعيين، لذا من الممكن أن تجدي طفلكِ الخديج ينام لمدة تصل إلى ٢٢ ساعة في اليوم، ويستيقظ لوقت قصير بسبب الجوع. في أغلب فترات هذا النوم فإنهم ينامون بعمق، ونادراً ما يشعرون بما يحدث حولهم.
لذلك لا تشعري بالخوف أو الوحدة سيدتي الكريمة؛ ستشعرين بصخب طفلكِ، وستلعبان سوياً، لكن عليك أن تتحلي بالصبرِ، فبعد الانتظار إلى الشهر الثامن أو التاسع، يمكنكِ أن تستمتعي بطفولته كما حلمت دوماً. [7]
متى يتعدى الخديج مرحلة الخطر؟
تريد كل أم أن تطمئن على طفلها الخديج، لذلك تسأل: متى يتعدى الخديج مرحلة الخطر؟ متى يمكننا أن نعود معاً إلى المنزل آمنين، دون خوف أو قلق، ودون أطباء من حولنا؟! إنها تحلم – مثل أي أم – بحياة طبيعية وسعيدة مع مولودها الجديد.
حسناً، لا بد من الصبر عزيزتي، فالأطباء لن يخرجوا طفلك من المستشفى حتى يطمئنوا تماماً أن زوال الخطر قد تم، بالإضافة إلى تعليمك كيفية رعاية طفلك في المنزل، وكيفية استخدام أي معدات قد تحتاجينها للعناية به.
إن نتائج الفحوصات الطبيعية هي التي ستحدد زوال الخطر عن الطفل الخديج وموعد خروجه من المستشفى، لكن عليك الاطمئنان أنها فترة طبيعية، وأن الطب تقدم كثيراً، واستطاع رعاية الأطفال الخدج، والحفاظ على حياتهم، لذلك فإن التحلي بالصبر فضيلة طيبة؛ لا داعي للقلق! [8]
كيف تكون صحة الطفل الخديج في المستقبل؟
قد يواجه مستقبل الطفل الخديج الصحي بعض المضاعفات طويلة الأمد، وبعضها الآخر يكون قصير الأمد، وكلما كانت ولادة الطفل أبكر من موعدها الطبيعي، كلما كان خطر هذه المضاعفات أعلى. وسنذكر هنا أهمها [9].
المضاعفات والآثار قصيرة الأمد على مستقبل الطفل الخديج الصحي:
- يحتاج الخدج غالباً إلى رعاية خاصة في وحدة العناية المركزة الخاصة بالمواليد الجدد. وبشكل عام، كلما ولد الخديج مبكراً، زاد احتمال حاجته إلى الدعم، مما يعني إقامة أطول في وحدة العناية المركزة.
- يكون الأطفال الخدج أكثر عرضة لخطر إعادة دخولهم إلى المستشفى، كما أنهم أكثر عرضة للوفاة بعد عودتهم إلى منازلهم.
- مشاكل التنفس والحاجة إلى أجهزة التنفس الصناعي، وزيادة خطر الإصابة بالربو.
- يستمر الدماغ غير الناضج في التطور حتى بعد وقت الولادة. كلما ولد الطفل قبل الأوان، زاد احتمال تأثير النزيف أو علامات الإجهاد الأخرى على دماغه.
المضاعفات والآثار طويلة الأمد على مستقبل الطفل الخديج الصحي:
- الشلل الدماغي.
- التخلف العقلي.
- مشاكل القلب وأمراض السكري عند الكبر.
- مشاكل السمع والبصر.
- ضعف الصحة والنمو.
- صعوبات التعلم.
- المشاكل السلوكية والاجتماعية والعاطفية.
- ازدياد خطر الإصابة باضطرابات مثل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (Attention Deficit Hyperactivity Disorder).
- ازدياد خطر التعرض لمتلازمة موت الرضيع المفاجئ (Sudden Infant Death Syndrome) أو (SIDS).
ختاماً، كلما كان الدعم الطبي المقدم للأطفال الخدج أبكر، قلت الأمراض والمضاعفات والمخاطر التي تهدد مستقبل الطفل الخديج أو الطفل المبتسر. لن تحتاج صحة الطفل المبتسر إلى رعاية المؤسسات الطبية والنفسية ومراكز التعليم الخاص فقط، بل كذلك إلى حنان الوالدين وصبرهما وتفهمهما لحالة الطفل الخديج وتعلم الوسائل والمعدات اللازمة للعناية به. إذا كانت لديك أية أسئلة أو استفسارات، يمكنك طرح سؤالك هنا.