تمارين شفاء الطفل الداخلي وعلاج جذور الطفولة
لا يعتبر مفهوم الطفل الداخلي حديثاً! بل يرجع الاهتمام بانعكاس تجارب الطفولة على الشخصية إلى عصور قديمة، لكن هذا الاهتمام تبلور وأثمر مع مدرسة التحليل النفسي، حيث يعتبر عالم النفس الكبير كارل يونغ صاحب الفضل بوضع مفهوم الطفل الداخلي وعلاج الطفل الداخلي في علم النفس الحديث.
نحاول من خلال هذا المقال تسليط الضوء أكثر على معنى الطفل الداخلي وكيفية إخراج الطفل الذي بداخلك، أساسيات التواصل مع الطفل الداخلي وتمارين علاج الطفل الداخلي، ونصائح مهمة للتعامل مع جذور الطفولة.
يعتمد علاج الطفل الداخلي على إخراج الطفل الذي بداخلك، بمعنى أدق التواصل مع مرحلة الطفولة والبحث في جذور الطفولة عن التجارب التي آلمتك كطفل، والتعامل مع آثارها، حيث يُعتقد أن هذه التجارب مسؤولة عن العديد من المشاكل النفسية والسلوكية التي نواجهها في حياتنا.
والطفل الداخلي مصطلح يشير إلى جانب من العقل اللاواعي يختزن تجارب الطفولة المختلفة الإيجابية منها والسلبية، ما كان يسعدنا كأطفال وما كان يشعرنا بالحزن أو الحرمان، حيث يعاني معظمنا في جذور طفولته من حاجات غير مشبعة ومبهمة في نفس الوقت، وذلك نتيجة طبيعية لعملية التربية والتعليم التي نخضع لها، والتي تجعلنا نكبت رغباتنا ونعدّل سلوكنا لنكون محبوبين ومقبولين. [1]
وتتضمن منطقة الطفل الداخلي أيضاً جراح الطفولة التي نتعرض لها نتيجة الاعتداء الجسدي أو اللفظي أو الجنسي، ونتيجة النشوء في بيئة غير مستقرة وطروف غير ملائمة.
كل هذه التجارب والخبرات الراسية في عقلنا الباطن تلعب دوراً كبيراً في نظرتنا للذات وللعالم من حولنا، وتلعب دوراً حاسماً في تطوّر عيوب الشخصية وتنمية الجوانب المشرقة، ومن هنا تأتي أهمية التواصل مع الطفل الداخلي وإخراج الطفل الذي بداخلك لشفاء جروحه والتعرّف أكثر إلى تأثير جذور الطفولة على حياتك كشخصٍ بالغ.
قم الآن بإجراء اختبار الطفل الداخلي على موقع حِلّوها من خلال النقر هنا لتعرف إن كانت جراح الطفل الداخلي تؤثر عليك كشخص بالغ.
ينظر بعض المعالجين إلى تمارين شفاء الطفل الداخلي كمرحلة مهمة في علاج المشاكل والاضطرابات النفسية الخفيفة والمتوسطة، مثل المخاوف والفوبيا وبعض المشاكل الاجتماعية والعاطفية، وذلك من خلال العمل على اكتشاف جذور هذه المشاكل في مرحلة الطفولة، والتعامل معها وفق استراتيجيات شفاء الطفل الداخلي، وأهم ما يجب فعله لشفاء الطفل الداخلي:
- الاعتراف بالطفل الداخلي: جميعنا نعيش كطفلٍ في جسدِ بالغ، فحاجتنا للاهتمام والرعاية والانتماء لا تتغير على الرغم من تغير طريقة تعبيرنا عنها، كما أننا نفاجئ أنفسنا أنّنا ما زلنا نحمل في داخلنا جذور الطفولة في كثير من المواقف، الإيجابية والسلبية، ولبدء رحلة شفاء الطفل الداخلي لا بد أولاً من الاعتراف بوجوده وأخذه على محمل الجد!
- افحص مشاعرك بعناية: عليك منذ الآن أن تحاول تحليل وفحص مشاعرك بشكل مختلف، فالشعور العميق بالخوف من المواجهة ليس ضعفاً بالشخصية؛ وإنما ندب من ندوب الطفولة التي يعاني منها طفلك الداخلي، كذلك ردود فعلك الغاضبة على أمور تعلم أنها تافهة ولا تستحق قد يكون سلوكاً مرتبطاً بطفلك الداخلي، لذلك يجب أن تتوقف مع مشاعرك وتحاول فهمها بهدوء ورويَّة، لتصل إلى جذورها.
- تبنى طفلك الداخلي وعِده بالحماية: يجب أن تتعامل مع الطفل بداخلك بنوع من المسؤولية لتتمكن من فهم مشاعره ومشاكله، يجب أن تتبنى طفلك الداخلي وتعده بتوفير الحماية والأمان له، وتعويضه عن الإساءة التي تعرض لها في الماضي، وتعويضه أيضاً عن إهمال صوته الذي كان يصرخ داخلك طيلة الفترة الماضية. [2]
- برِّئ طفلك الداخلي من المسؤولية: أخبر طفلك الداخلي أنه ليس مذنباً بما حصل له في الماضي مهما كان، وليس عليه أن يشعر بالذنب على أمور لم تكن تحت سيطرته ولم يكن من الممكن التحكُّم بها أو تغييرها، استمع جيداً إلى الهواجس التي تجعل طفلك الداخلي يشعر بالذنب والعار، وأخبره أنّه بريء منها ولا ذنب له.
- لا بأس بالحزن والبكاء: استحضار بعض التجارب المؤلمة سيحرّك مشاعرك ومشاعر طفلك الداخلي، بعض الحزن والغضب جيد لشفاء طفلك الداخلي، احتضنه ودعه يبكي على كتفك.
- تذكّر ما يحبه طفلك الداخلي وما يميزه: من التمارين الفعالة لشفاء الطفل الداخلي أن تستحضر الأشياء التي كانت تفرحك عندما كنت طفلاً، والتي ما زالت تفرح طفلك الداخلي بكل تأكيد، مهما كانت هذه الأشياء بسيطة حاول أن تعيدها بذاكرتك، حاول أيضاً أن تتذكر لحظات الفخر في طفولتك، والأشياء التي كانت تجعلك مميزاً، وذكّر طفلك الداخلي بها.
- حاور طفلك الداخلي: يقترح المعالجون أساليب مختلفة للحوار والتواصل مع الطفل الداخلي، منها كتابة حوار بينك وبين طفلك الداخلي والسماح للطفل بداخلك أن يعبّر عن نفسه من خلال هذا الحوار، ما يسمح لك باكتشاف آلامه ومشاعره، ويمكنك أيضاً اللجوء إلى الحوار اللفظي مع طفلك الداخلي، وكلّما كنت قادراً على تحويل الحوار إلى نقاش حقيقي بينك كشخص بالغ وبين طفلك الداخلي؛ كلما كان ذلك أفضل وأكثر فاعلية. [3]
تمارين شفاء الطفل الداخلي هي مجموعة من الممارسات الذهنية والسلوكية التي من شأنها أن تساعدك على إخراج الطفل الذي في داخلك ومعالجة جروح الطفولة، وقد اتفقنا على النقاط السبعة الرئيسية لشفاء الطفل الداخلي؛ لندخل إلى أهم تمارين شفاء طفلك الداخلي:
- خصّص وقتاً كل يوم للحديث مع طفلك الداخلي، في البداية ستحتاج لعدّة جلسات من الحوار العميق مع الطفل بداخلك، لكنك ستكون أكثر حاجة فيما بعد للتواصل مع طفلك الداخلي بشكل يومي، لذلك خصّص وقتاً يومياً ولو خمس دقائق تتواصل فيها مع طفلك الداخلي.
- استخدم خيالك، حيث يعتبر التصوّر من أهم التقنيات التي يمكن استخدامها في شفاء الطفل الداخلي، تخيّل نفسك طفلاً تذهب في رحلة مشوّقة مع أبطالك المفضلين في الرسوم المتحركة، أو تخيّل كيف تلعب وأنت طفل بلعبة كنت تتمناها.
- اذهب في رحلة إلى الطفولة، حاول أن تسترجع المزيد من أحداث الطفولة في ذاكرتك، حاول أن تتذكرها وتتصورها، وتتحدث عنها مع طفلك الداخلي.
- استخدم صورك عندما كنت طفلاً، حيث تساعدك صور الطفولة على إخراج الطفل الذي في داخلك والتواصل معه بشكل أكثر فاعلية.
- استخدم تعابير مناسبة مع طفلك الداخلي، وحافظ على خطاب محترم دون توجيه الانتقادات للطفل بداخلك.
- أخبر طفلك الداخلي أنّك تحبّه، أخبر طفلك الداخلي كم أنت فخور به.
- كافئ طفلك الداخلي بشكل مناسب، ربما تساعده بالحصول على ما كان محروماً منه بالطفولة، ومن بين الأمور التي يجب أن تكافئ بها طفلك الداخلي أن تثني عليه.
- اذهب إلى أماكن كنت تحب الذهاب إليها عندما كنتَ طفلاً، أو كنت ترغب بالذهاب إليها.
- تواصل مع الأشخاص الذين كانوا استثنائيين في طفولتك، سواء أصدقاء الطفولة أو غيرهم من الكبار الذين كنت تشعر بالأمان والراحة معهم.
- أخبر طفلك الداخلي أنه حرّ الآن، وليس عليه إثبات نفسه لأحد.
- اتفق مع طفلك الداخلي على رمز للحرية، البعض يحب أن يكون رمز حرية طفله الداخلي نسراً، البعض يريد أن يكون منطاداً، اختر رمزاً يعبّر عن تحرر طفلك الداخلي.
- نادي طفلك الداخلي باسم الدلع المحبب على قلبك، واستخدم الصفات المناسبة في الحديث مع طفلك الداخلي.
- اطمئن على طفلك الداخلي باستمرار، اسأله عن مشاعره الآن في هذه اللحظة.
- اجعل طفلك الداخلي مستشارك، عندما تتعرف لشخص جديد اسأل طفلك الداخلي عن رأيه، وعندما تتخذ قراراً اجعل طفلك الداخلي جزء من هذا القرار. [4]
- اطلب المساعدة من المعالج النفسي وانضم لمجموعات العلاج الجماعي، سيكون ذلك مفيداً لعلاج طفلك الداخلي.
يقدم لكم موقع حِلّوها في هذا الفيديو شرحاً لتأثير تجارب الطفولة على سلوكنا وتفاعلنا مع محيطنا الاجتماعي، المدربة مريم غوث تتحدث عن تأثير جذور الطفولة على العلاقات الاجتماعية والعاطفية بشكل خاص، شاهد الفيديو بالنقر على علامة التشغيل أو من خلال الانتقال إلى هذا الرابط:
لا يوجد طفولة مثالية! هذا أمرٌ واقع؛ فجميعنا نملك جروحاً نحملها معنا من الطفولة، لكن -ومع الأسف- هناك تجارب مؤلمة جداً يمرّ بها الأطفال ولا يمكن التعامل معها بعد البلوغ دون مساعدة طبيب أو معالج نفسي متخصص.
من هذه التجارب استشارة وصلتنا إلى مجتمع حِلّوها، لشاب تعرض لأسوأ أنواع التعنيف في صغره من والديه وأخوته، ضرب مبرح واستخدام مفرط للقوة، لم يترك ندوباً في نفسه فقط، بل ترك علامات مستديمة على جسده ووجهه، وهو لا يستطيع أن ينسى مشاهد التعذيب هذه التي تطارده، ويشعر أنه ضعيف بمواجهة الحياة.
نعتقد أن هذه الدرجة من الأذية لا يمكن علاجها إلّا باللجوء إلى المتخصصين، وهذا ما نصحته به الخبيرة في موقع حِلّوها د. سراء الأنصاري، كما نصحته بالانضمام إلى جمعيات حماية الطفل ليساعد على حماية الأطفال مما تعرض له هو بطفولته، اقرأ القصة كاملة وتفاعل القراء من خلال النقر هنا.