من هو الصديق الحقيقي الذي تحتاجه؟ صفات الصديق الحقيقي
تشير بعض الأبحاث أننا نعيش مع 150 علاقة في وقت واحد بالمتوسط، تتباين هذه العلاقات من حيث العمق والتقارب العاطفي، حيث ينخفض عدد الأشخاص في دائرة العلاقة كلما كانت أكثر عمقاً، حتى نصل إلى أربعة أشخاص فقط يمكن أن نعتبرهم أصدقاء مقربين من أصل 150 شخصاً، هذا بالمتوسط، بعضنا بالكاد سيجد صديقاً واحداً مقرباً من جميع معارفه!
نتعرَّف وإياكم في هذا المقال إلى معنى الصداقة باختصار، وصفات الصديق الحقيقي الذي تحتاجه في حياتك، ونتوقف أيضاً عند الأمور التي يقدمها لك الصديق الحقيقي وتميّزه، كما نبحث معاً عن أنواع الصداقة ومفهوم نسبية الصداقة.
تعريف الصداقة باختصار أنها علاقة طوعية بين شخصين أو مجموعة من الأشخاص مبنية على التآلف والتواد والاحترام المتبادل والاهتمامات المشتركة، والشعور بالقيمة الذاتية وقيمة الآخر في حياتنا.
ويمكن أن يجد كل فرد تعريفاً خاصّاً للصداقة، لأن علاقة الصداقة مبنية على تطلعات الفرد الشخصية وأهدافه من الالتزام بعلاقة الصداقة، لكن على الرغم من ذلك يمكن تحديد بعض السمات التي تميّز علاقة الصداقة الحقيقية عن علاقات الزمالة أو المعرفة أو حتى القرابة، وعلى رأس هذه السمات الالتزام تجاه الآخر والتواصل المنتظم، الثقة والصدق، والتعاطف والاهتمام، وغيرها من مميزات الصداقة الحقيقية التي نتوقف معها بالتفصيل في مكانها. [1]
أهم صفات الصديق الحقيقي أنّك لا تحتاج لاختباره أو التأكد من صدقه والتزامه بالصداقة بينكما! وعندما تقرأ مواصفات الصديق الحقيقي ستسمع صوتاً داخلياً يقول لك "هذا هو صديقي فعلاً!".
- الصدق: ليس غريباً أن يكون الصدق على رأس قائمة صفات الصديق الحقيقي، خاصّةً وأن كلمة صداقة مشتقّة من الصدق! وفي مسح أجراه موقع Snapchat ضمّ أكثر من 10 آلاف مشارك تراوحت أعمارهم بين 13 سنة و75 سنة، بهدف فهم كيف ينظر الناس حول العالم للصداقة وما هي الصفات الأهم في الصديق الحقيقي؛ اتفق المشاركون من أجيال وثقافات مختلفة أن الصدق هو أهم صفة يجب أن يتمتع بها الصديق الحقيقي. [2]
- الثقة والأمانة: بالمرتبة الثانية جاءت صفة الأمانة كأهم صفات الصديق الحقيقي، فالصديق الحقيقي أهل للثقة ويمكنك أن تتحدث معه بأمور تخشى أحياناً التفكير بها بينك وبين نفسك حتى، لكنك تشعر أن صديقك يستطيع أن يحفظ سرّك من جهة، وأن يتفهّم مشاعرك وما تمر به ويساعدك من جهة أخرى.
- التواصل المنتظم: يخطئ البعض بفهم ضرورة التواصل المنتظم والمستمر بين الأصدقاء، فالعامل الحاسم في التواصل بين الأصدقاء ليس الفترة الزمنية التي تفصل بين اتصال وآخر أو لقاء وآخر؛ وإنما نوعية التواصل، فالتواصل المنتظم قد يكون يومياً أو كل سنتين، لكنه على أي حال تواصل شغوف وطوعي ومرغوب.
- الوفاء والإخلاص: اعتقد بعض الفلاسفة أن المنفعة هي المحرّك الأقوى في العلاقات الإنسانية، مع الصديق الحقيقي لا يبدو هذا الاعتقاد دقيقاً، فصديقك الصدوق لن يتخلَّ عنك إذا وجد منفعته في صداقة أخرى، ولن يتخلى عنك أيضاً إن جارت عليك الأيام، ولن تخشى معه من انقطاع الحبل وأنت مدلّى من مرتفع!
- مستعد دائماً للوقوف بجانبك: من الأوقات التي يصرخ فيها صوتك الداخلي قائلاً "هو ذا صديقي الحقيقي" عندما تمر بظروف استثنائية، أفضل أصدقائك هو من يقف إلى جانبك عندما تمر بتجارب استثنائية وقاسية، سواء في علاقاتك الشخصية والعاطفية أو في الأمور المالية أو الظروف الصحية، على الطرف المقابل تجد أصدقاء "الطقس المعتدل" الذي يختفون في الظروف الاستثنائية! [3]
- يفهمك جيداً وربما يقرأ أفكارك! فأنت أقل حاجة للتفسير مع الصديق الحقيقي، هو يستطيع أن يفسّر تصرفاتك وأن يفهم ظروفك دون الحاجة للكثير من التبرير والشرح، ودون إطلاق الأحكام أيضاً، حتى عندما يبدو سلوكك غريباً ستجده قادراً على استيعاب الموقف، وإن احتاج إلى التبرير أو الاستفسار سيكون ذلك بالطريقة المناسبة لك تماماً دون إزعاج أو إحراج.
- يعرف حدوده: على الرغم أن علاقة الصداقة علاقة عميقة تمنح الصديق امتيازات استثنائية؛ إلّا أن لكلٍّ منا حدوداً خاصة به لا يحب أن يدخل إليها أحد، الصديق الحقيقي ليس من يحاول فرض نفسه على حياتك والدخول عنوة إلى ما يعتقد أنها منطقة "الصديق الحميم" وإنما هو من يعرف حدودك ويقدّرها ولا يسمح لنفسه أن يتجاوزها.
- يرى النقاط العمياء ويتقبّلها: جميعنا نمتلك نقاط عمياء في الشخصية والسلوك وطريقة التفكير، سمات أو عادات ليست الأفضل ولا ندركها تماماً أو نتجاهلها، الصديق الحقيقي يعرف نقاطنا العمياء، لكنها لا تغيّر من محبته وصدقه في العلاقة، ربما يسعى إلى تسليط الضوء عليها من باب المحبة والوفاء للصداقة، لكنه على أي حال يقبل وجودها. [4]
- يضبط الإيقاع: من المواصفات المثيرة في الصديق الحقيقي أنه ضابط إيقاع محترف، يستطيع أن يتحكّم جدياً بالمشكلات أو الخلافات في العلاقة، ويعرف تماماً متى يكون الصمت أفضل من الكلام، ومتى يجب أن يصرخ في وجهك أو يقبل جبينك أو يرمي بدعابة ليكسر حدة الموقف.
كما ذكرنا في البداية؛ لكلٍّ منا وجهة نظره عن الصداقة وحاجاته الخاصة من علاقة الصداقة، لكننا جميعاً نشترك في بعض الحاجات، فما الذي تحتاجه من الصديق الحقيقي في حياتك؟
- أن يستمع لكَ: البوح حاجة أساسية من حاجاتنا الإنسانية، والصديق الحقيقي هو الأكثر قدرة على الإصغاء والاستماع لك حين تحتاج للحديث، كما أن الصديق الحقيقي يميّز بين الأحاديث القابلة للنقاش والجدال، وبين اللحظات التي تتطلب الاستماع فقط.
- أنت أولوية بالنسبة له: حيث لا يضعك الصديق الحقيقي على هامش أولوياته، بل يكون مستعداً للتنازل عن بعض أولوياته الأقل شأناً إن شعر بحاجتك إليه.
- قد يغار منك لكنه لا يحسدك! معظم المصادر التي راجعناها خلال كتابة هذا المقال نفت صفة الغيرة عن الصديق، لكننا نعتقد أن الغيرة سمة إنسانية قوامها الشعور بالمنافسة، والغيرة مشروعة بين الأصدقاء وبين الأخوة وحتى بين الأزواج، لكن ما يميز الصداقة الحقيقية أنها خالية من الحسد، والحسد هو أن تتمنى زوال النعمة عن غيرك، وليس حصولك على نفس الفرصة فحسب!
- لا يحكم عليك: الصديق الذي تحتاجه فعلاً في حياتك لن يطلق عليك الأحكام المسبقة والمطلقة، وسيكون مستعداً لترك الأمور مبهمة وغير مفهومة حتى تتجلى وتتضح بدلاً من إطلاق الأحكام.
- يدفعك إلى الأمام: كل الأصدقاء والمعارف يدفعونك؛ لكن المهم إلى أين! الصديق الحقيقي يدفعك إلى الأمام وإلى الأعلى، ليس بالضرورة أن يكون ذلك مباشراً، مجرد وجوده في حياتك يساعدك على الاستمرار والمضي، أنت تشعر باهتمامه ورعايته في كل لحظة تحتاج بها إلى دفعة للأمام.
- يحفظ صورتك أمام الناس: فالصديق الذي تحتاجه في حياتك فعلاً سيحفظ صورتك أمام الآخرين في غيابك وفي حضورك، لن يتنمر عليك أو يسخر منك بوجودك أو بغيابك، ولن يسمح لأحد أن يفعل ذلك، ربما لا يريد أن يلمّع صورتك أو يبالغ بالثناء عليك؛ لكنه على الأقل لن يذمّك.
- تستطيع أن تكون على طبيعتك معه: فأنت لا تحتاج للتصنّع أو التستّر على عيوبك، ولن تحتاج أيضاً لاختلاق الأعذار أو الأكاذيب لتبرير موقف ما، حتى على مستوى الأمور البسيطة، نعتقد أن الصديق الحقيقي هو من تستطيع طرده من منزلك لأنك تريد الذهاب إلى النوم دون أن يشعر بالإهانة! مجازياً على الأقل هو كذلك.
- يساعدك على تطوير نفسك: تحدثنا في مقال سابق عن أهمية الصداقة في حياتنا أن هناك عدوى بين الأصدقاء حتى على مستوى السمنة والرشاقة، هذه العدوى هي أيضاً بالتفاؤل والرغبة بالتطور والنمو؛ ومن يحتاج صديقاً محبطاً في حياته!
- لا يجاملك: ابحث أيضاً عن صديق لا يجاملك، ويقول لك رأيه بصراحة حتى وإن لم يعجبك، هذا الصديق هو وحده من يساعدك على اكتشاف ذاتك فعلاً، وعلى تقييم خياراتك بشكل سليم.
- لا تشعر معه بالغبن أو التضحية السلبية: فجزء أساسي من علاقة الصداقة الحقيقية أن تكون مبنية على الأخذ والعطاء، والصديق الحقيقي الذي تحتاجه في حياتك هو من يجعلك تشعر بالراحة عندما تقدم له أي شيء معنوي أو مادي، لأنك واثق أنّك لست ضحية في هذه العلاقة.
منذ القدم تعامل الإنسان مع الصداقة كواحدة من أهم وأسمى العلاقات الإنسانية، وعلى الرغم من ذلك لا يمكن القول أن أحداً استطاع وضع تعريف جامع مانع للصداقة، وإنما ظلّ مفهوم الصداقة نسبي يختلف من شخص لآخر بل يختلف من ثقافة إلى أخرى.
بالعودة للدراسة التي ذكرناها سابقاً فإن شعوب الشرق الأوسط والهند؛ تعتبر الذكاء والثقافة من المواصفات التي تميّز الصديق الحقيقي وتجعلهم مرتاحين في علاقة الصداقة، فيما اهتم الأوروبيون والأمريكيون أكثر أن يكون الصديق متفهّماً ولا يطلق الأحكام non-judgmental، وهذا ليس غريباً، لأن ما نريد أن يكون لدى أصدقائنا هو الصفات والسمات التي يقدّرها المجتمع بالدرجة الأولى. [2]
ومن هنا نرجع إلى اقتراح أرسطو حول الصداقة، حيث يرى أرسطو أن هناك ثلاثة أنواع للصداقة:
- الصداقة القائمة على المتعة: هذه الصداقة تقوم على ما يحققه الأصدقاء لبعضهم من استمتاع في الحياة، وهي أكثر شيوعاً بين الشباب في مقتبل العمر، أصدقاء الدراسة الجامعية غالباً ما يندرجون تحت هذا النوع، حيث تجمعنا بهم مشاعر مرتبطة بفترة زمنية ومكان وظرف معين، تزول أو تتضاءل عند انتهاء هذا الظرف.
- الصداقة القائمة على المنفعة: وهي علاقة صداقة عرضية أيضاً مبنية على منفعة متبادلة مادية أو معنوية بين شخصين، تنتهي مع انتهاء المنفعة، وهي أكثر شيوعاً بين الراشدين، ومن الأمثلة على صداقات المنفعة الصداقة التي نبنيها مع زملاء العمل، والتي قد تبدو متينة جداً ما دمنا على رأس عملنا، لكنها تتضاءل أو تنتهي إذا غيّرنا مكان العمل، وتختلف طبيعة الاتصال كلّياً في أغلب الأحيان.
- الصداقة القائمة على الفضيلة: وهذا هو الشكل الأسمى للصداقة عند أرسطو، فالصداقة القائمة على الفضيلة لا ترتبط بالمتعة أو المنفعة، بل بتقدير واحترام الفضائل التي يتمتع بها الصديقان، والتي تحفّزهما على الاستمرار في علاقة الصداقة على المدى البعيد، وعلى الرغم أن المتعة والمنفعة ليستا سبباً للصداقة القائمة على الفضيلة؛ لكنها نتائج طبيعية وأكيدة، فهذا النوع من الصداقة يحقق المنفعة والمتعة بالضرورة!
من النظريات المهمة في الصداقة الحقيقية أيضاً؛ التركيز على ضرورة البحث في أنفسنا عن صفات الصديق الجيد أو الصديق الحقيقي وليس فقط النظر في صفات الآخرين، ذلك أن علاقة الصداقة لا يمكن أن تكون باتجاه واحد، وتوافر الصفات المميزة لدى شخص نتعرف عليه لا يعني أنه سيكون صديقاً حقيقياً ما لم نكن نحن أيضاً أهلاً للصداقة، فضلاً عن المودة والمحبة والألفة التي تعمل عملها في القلوب بشكل مبهم.
القصد أن ننظر في أنفسنا أيضاً إن كنا نطمح حقاً لصداقة سامية وحقيقية، وأن نبحث عمّا يجعلنا أهلاً لصداقة الفضيلة التي تحدث عنها أرسطو.
جرب الآن أن تجري اختبار الصداقة على موقع حِلّوها؛ وهو اختبار شخصية بسيط من 12 سؤالاً يساعدك على فهم موقعك بالنسبة لأصدقائك، وهل أنت فعلاً صديق جيد! انقر على هذا الرابط لإكمال الاختبار وشارك النتيجة مع الأصدقاء.