التوافق المدرسي وعلاقته بالتحصيل الدراسي عند الأطفال
يعتبر التوافق المدرسي أو التكيف المدرسي من أهم المفاهيم في علم النفس التربوي، حيث يعتقد أن هناك علاقة وثيقة بين التوافق المدرسي من جهة والتحصيل الدراسي والسلامة النفسية والعقلية للطلاب من جهة أخرى، وتسعى المؤسسات التربوية إلى تحقيق التوافق المدرسي من خلال مجموعة من الاستراتيجيات والأساليب التربوية، التي نتعرّف إليها في الفقرات القادمة، إلى جانب تأثير التوافق المدرسي على التحصيل الدراسية وتكيف الأطفال مع البيئة المدرسية.
ما هو تعريف التوافق المدرسي، وما هي مواصفاته؟
التوافق المدرسي هو مدى تقبّل الطالب للمدرسة والأجواء الدراسية بكل ما تحفل به من عملية تعليمية وزمالات وأنشطة وعلاقة بالهيئة التدريسية والإدارية للمؤسسة التعليمية التي يلتحق بها.
ولا يقتصر مفهوم التوافق المدرسي على المدرسة فحسب [1]، بل ثمة كبار يعانون من عدم التوافق الدراسي مع الجامعة أو عدم التوافق الوظيفي في بيئة العمل أو عدم التوافق بين دور وآخر كالدور الوظيفي والتعليمي على سبيل المثال[2].
أسباب عدة تفضي لعدم التوافق المدرسي، وما يشبه هذا من حالات عدم التوافق، من بينها التعرّض للتنمر في المدرسة أو أن تكون المؤسسة التعليمية دون مستوى توقعات الطالب أو فوق مستوى قدراته أو أن القائمين على التدريس يستخدمون أساليب ترهيبية غير محبّبة، ما يفضي كله لحدوث حالة من عدم التوافق المدرسي.
لا بد من حلّ قضية عدم التوافق المدرسي قبل أن تستفحل وتؤثر على مسيرة الطفل التعليمية وعلى مدى استيعابه دروسه واستفادته من العملية التعليمية التي يُفترض به أن ينخرط بها.
طفلي يكره الذهاب للمدرسة، هل يعاني من عدم التوافق المدرسي؟
لعلكِ تتساءلين ما إذا كان طفلكِ يعاني من عدم التوافق المدرسي. حينها، يجدر بكِ تتبّع بعض العلامات التي ترشدكِ لوجود حالة من عدم التوافق المدرسي لدى طفلكِ.
إليكِ أهم العلامات التي ترمز لحالة عدم التوافق المدرسي لدى الطفل [1] و[3]:
- إن كان طفلكِ يرفض الذهاب للمدرسة يومياً أو إن كان يدخل في نوبات بكاء صباحاً؛ لعدم رغبته الذهاب للمدرسة. حينها بوسعكِ استنباط أن هذه أولى علامات عدم التوافق المدرسي، بالنظر طبعاً لمدى تكرار هذا ومدى منطقيته؛ إذ قد يكون الخوف عارضاً عند بدء العام الدراسي فحسب.
- إن وجدتِ أن طفلكِ يكذب عليكِ كثيراً؛ ليبرّر عدم رغبته الذهاب للمدرسة، كمثل ادّعائه المرض أو أن المعلم أخبرهم بعدم ضرورة الحضور وما إلى ذلك من كذبات قد تنكشف إن تابعتِ الأمر بدقة. هذه الكذبات ستخبركِ أن هناك حالة من عدم التوافق المدرسي لدى طفلكِ.
- إن كان التحصيل الدراسي لدى طفلكِ متدنياً بشكل لافت؛ بسبب إهماله وعدم رغبته بالدراسة أو المتابعة والتحصيل. لا تكاسلاً، ولكن عدم رغبة.
- إن كان طفلكِ يقترح عليكِ مراراً تغيير المدرسة التي ينتظم فيها. إن شعرتِ أن الأمر لافت كثيراً ومتكرر، فلعل هذه واحدة من أوضح علامات عدم التوافق المدرسي.
- يشتكي طفلك من عدم قدرته على تكوين صداقات مناسبة في المدرسة أو من تعرضه للنبذ والتنمر من أقرانه أو معلميه.
- إن عرفتِ أن طفلكِ يحاول التسلّل من المدرسة أوأنه يتلكّأ في القدوم للمدرسة أو دخولها صباحاً. هذه واحدة من علامات عدم التوافق المدرسي إن تكرّرت ولم تكن عرضيّة.
دعت الخبيرة النفسية في موقع حلوها ضمن استشارة قدّمتها لإحدى القارئات المتسائلات عن خوف طفلها من الذهاب للمدرسة؛ دعت إلى ضرورة التفريق بين خوفه لكونه يعاني شيئاً ما داخل المدرسة أو لوجود تعلّق شديد بالأم (السؤال بالتفصيل على الرابط)، وهذه الخطوة الأولى في فهم حالة عدم التوافق المدرسي عن الأطفال.
ما سبق، يُساعدنا كثيراً في الحديث عن أسباب عدم التوافق المدرسي. إليكِ الآن أسباب عدة قد تؤدي لمثل حالة طفلكِ الذي يعاني من عدم التوافق المدرسي [1] و[2]:
- قد يكون طفلكِ واحداً من ضحايا التنمر في المدرسة: يجدر بكِ الآن سؤاله عن مدى حدوث ذلك، بطريقة مباشرة وغير مباشرة، والطلب من معلمته متابعته بشكل حثيث؛ للوقوف على مدى تعرّضه للتنمر، إذ قد يكون هو السبب في عدم التوافق المدرسي لديه.
- لعل ابنكِ يعاني من التعلق الشديد بكِ إلى حد يجعله غير قادر على الانطلاق للعالم الخارجي، ولعل هذا هو السبب الكامن وراء عدم التوافق المدرسي لديه، إن وجدتِ أن هذا هو السبب، حاولي رويداً رويداً مساعدته ليبدأ في اعتياد الابتعاد عنكِ.
- قد تكون قدرات طفلكِ دون المستوى المطلوب، أو أنها فوق المستوى الموجود في المدرسة، ما يُحتّم عليكِ التدقيق في هذا السبب الذي قد يكون هو الذي يقف وراء عدم التوافق المدرسي لدى طفلكِ.
- إن كان طفلكِ يعاني من ظرف صحي خاص، فلربما أنه لا يلقى الرعاية والتفهم الكافيين في المدرسة، ولعل هذا هو السبب وراء عدم التوافق المدرسي لديه. يجدر بكِ حينها البحث عن مدرسة مناسبة وموائمة لاحتياجات طفلكِ.
- وقد يكون عدم التوافق المدرسي علامة من علامات اضطرابات التعلم أو الاضطرابات العصبية والنفسية التي تؤثر على العلاقات الاجتماعية وعلى الاستيعاب والتحصيل الدراسي، مثل اضطراب التوحد واضطرابات طيف التوحد وصعوبات التعلم.
- قد يكون تعامل المعلمة مع طفلكِ قاسياً أو جافاً أو أنها لا تعيره انتباهاً كافياً أو أنها تغضب منه بطريقة تخيفه. كل هذه أسباب لا بد من استحضارها بقوة عند الحديث عن عدم التوافق المدرسي.
- لربما يكون الأمر أسهل من ذلك بكثير، أي أن طفلكِ مثلاً غير راضٍ عن الأنشطة الترفيهية في المدرسة، أو عن كيفية قضاء الاستراحة بين الحصص الدراسية، ولعل هذا سبب كامن وراء عدم التوافق المدرسي لديه.
كيف يمكنني مساعدة طفلي لتحقيق التوافق المدرسي لديه؟
كان موقع حلّوها قد قدم اقتراحات للتعامل لظاهرة إحجام الطفل عن الذهاب للمدرسة، وهي الوجه المنعكس لعدم التوافق المدرسي. (المادة بالتفصيل على الرابط)
نسعى الآن لتقديم بعض النصائح لكِ لتعزيز التوافق المدرسي لدى طفلكِ [2,4]:
- معرفة السبب وراء عدم التوافق المدرسي لدى طفلكِ هي نصف الحل، إن عُرِف السبب، فسيكون تدارك الأمر أسهل. لذا، احرصي على معرفة سبب عدم التوافق المدرسي بدقة، قبل الشروع في الحل.
- امنحي طفلكِ مزيداً من الأمان والثقة بالنفس؛ لعل السبب الذي يقف وراء عدم التوافق المدرسي لدى طفلكِ هو ضعف شخصيته وانطوائه وميله للانعزال. لذا، يجدر بكِ التأكد من كون شخصية طفلكِ على قدر من القوة والقدرة على المواجهة.
- ابدأي بمحاولات فصل ذاتكِ عن ذات طفلكِ، بالتدريج؛ إذ لعلّ هذا هو السبب الكامن وراء عدم التوافق المدرسي لدى طفلكِ. أنتِ من يقدر على تحديد مدى وجود هذا السبب وراء عدم التوافق المدرسي لدى طفلكِ، وأنتِ القادرة على حل هذه الجزئية من خلال تخفيف التعلّق بالطفل.
- أوجدي مدرسة ومكاناً تعليمياً وترفيهياً مناسباً لتطلعات طفلكِ وقدراته وتوقعاته. لا تختاري لطفلكِ مكاناً غير ملائم له ولشخصيته ومن ثم تستغربي من عدم حدوث التوافق المدرسي لديه.
- علّمي طفلكِ مهارات دفاعية جيدة من قبيل الردّ على من يتنمر عليه أو يسعى لمضايقته؛ إذ قد يكون التنمر هو السبب الذي يقف وراء عدم التوافق المدرسي لدى طفلكِ.
- خاطبي معلماته وإدارة المدرسة وتحدثي إليهن عن عدم التوافق المدرسي لديه، واشرحي لهن ما يحدث واطلبي منهن في المقابل تفسير هذا. تعاضد العائلة مع المدرسة يسهم بشكل كبير في معالجة حالة عدم التوافق المدرسي لدى الطفل.
- حاولي صناعة فعاليات مشوّقة لطفلكِ في المدرسة؛ لغرض تشجيعه وإحداث مزيد من التوافق المدرسي لديه، مثل إقامة حفلات عيد ميلاده في المدرسة أو محاولة دعوة الزملاء للبيت؛ لقضاء وقت ممتع، أو إرسال حلويات معه لزملائه، وهكذا دواليك من أنشطة تسهم في تحقيق مزيد من التوافق المدرسي من خلال تعزيز الروابط الاجتماعية بينه وبين زملائه.
- ركّزي على المدرسة كعامل تحبيب وترغيب لا تخويف وترهيب وعقاب. استحضري المدرسة أمام طفلكِ الذي يعاني من عدم التوافق المدرسي استحضريها بإيجابية؛ لئلا تؤثر الصورة التي تقدمين على مدى توافقه المدرسي.
هل للمعلمة دور في إحداث التوافق المدرسي لدى الطفل؟
مخاطبة المدرسة ممثلة بهيئتها التدريسية والإدارية هو الخطوة الأساس في معرفة أسباب عدم التوافق المدرسي لدى طفلكِ، وفي معرفة الطرق التي بوسعكِ فيها معالجة هذه الحالة من عدم التوافق المدرسي [1] و[3].
لذا، فإن أي محاولة لمعالجة حالة عدم التوافق المدرسي بمنأى عن المدرسة، هي محاولة فاشلة قبل أن تبدأ. لا بد لكِ من مخاطبة المدرسة والحديث للمعلمات والإداريات لمعرفة السبب الكامن وراء عدم التوافق المدرسي، ومن ثم محاولة علاج ذلك.
حاولي أيضاً أن تفهمي من طفلكِ جيداً ما الأسباب التي تدفعه لعدم قبول المدرسة، من قبيل صعوبة الدراسة أو وجود زملاء يضايقونه ويتنمرون عليه، أو تعرّضه لأي نوع من الإساءة، أو إن كانت الأنشطة المدرسية وساعات الترفيه لا تروقه، أو إن كان هنالك أي سبب آخر مثل صعوبة الرؤية جيداً أو صعوبة السماع أو صعوبة طلوع الدرج صباحاً. قد يكون السبب وراء عدم التوافق المدرسي أبسط مما تتخيلين، أو قد يكشف لكِ الكثير. ولا يتم هذا إلا بمخاطبة المدرسة التي ستكون المحور والحجر الأساس في إحداث التوافق المدرسي لدى طفلكِ.
الآن، وقد وضعنا بين يديكِ ماهية عدم التوافق المدرسي وأعراضه وأسبابه المحتملة وطرق علاجه، فإنه يجدر بكِ التدقيق جيداً؛ لمعرفة ما إذا كان طفلكِ يعاني من عدم التوافق المدرسي، وبإمكانكِ أن ترسلي إلينا بسؤالك؛ لعلنا نساعدكِ بشكل شخصي يتواءم مع حالة طفلكِ.