كيف سيغير كورونا مهام الرجال والنساء في المنزل والمجتمع؟
أراهن أنك ضحكت كثيراً على ما نشره الناس من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، حول مشاركة الرجل في الأعمال المنزلية اليومية، كما أُعجبت بتجارب الشعب الصيني في كيفية رعاية الأطفال في ظل الحجر الصحي في منازلهم وما ابتكروه من وسائل مفيدة لتدريس ولعب الصغار.
في مقالنا.. سنتحدث قليلاً عن كل من؛ اختلاف توزيع المهام المنزلية بين الزوجين في ظل الحجر الصحي لكورونا، وهل سنشهد ثورة في توزيع أدوار الجنسين بسبب كوفيد19؟ هلى ستتغير قواعد اللعبة بالنسبة للمرأة العاملة في العالم ما بعد التاجي؟ أم هل سيدفع كورونا لمزيد من المساواة بين الجنسين في الأدوار المنزلية على الأقل، إذا لم نقل في الأجور؟!
"لقد عرفت كم تتعب زوجتي في المنزل"
فيما طرحه أحد أصدقاء موقع حلوها؛ حول إدراكه مدى تعب زوجته في المنزل عندما اضطر للحجر المنزلي وتطبيق البعد الاجتماعي، حيث لا لقاء مع الأصدقاء ولا مقاهي، يقول: "اعترف أن تجربة العمل في الخارج مهما كانت صعبة، فإنها أقل صعوبة من تحمل مسئوليات البيت، يكفي أن لديك ساعات عمل محددة ولا تضطر للعمل طول اليوم، يكفي أن هناك حدود للطلبات، يكفي أنك ترى بشراً آخرين وتتعامل معهم ولست مقيداً بين مطبخ وأولاد، لذا قررت ألا اترك زوجتي وحيدة في هذه الحياة الصعبة، وسوف أقدم لها المساعدة لو بساعتين فقط خلال اليوم، وهو ما شكل فرق لديها وفي يومها ويومي، والأهم هو التحسن الإيجابي في علاقتنا الزوجية أيضاً".
بالطبع هاتان الساعتان اللتين يتحدث عنهما صديق الموقع؛ سيشكلان فرقاً هائلاً في حياة كل سيدة منزل وامرأة عاملة على حد سواء، لكن هل يستطيع الحجر المنزلي بسبب كورونا تغيير أدوار الجنسين في المنزل؟ فالمرأة العاملة التزمت منزلها هذه الأيام، وهي من تعرف في الأساس كافة التفاصيل المتعلقة بتدبير المنزل وإدارته، بدءاً من شراء الصابون والمنظفات إلى اختيار النمط التربوي ووضع قواعد البيت للأطفال، وتنظيم وقتهم وتدريسهم والإعداد لميزانية البيت... فلا تنتهي المهام أبداً.
وكما صديقنا المتفائل بقدرته على استمرار تحمل أعباء المنزل مع زوجته، لا أستطيع التفاؤل أنا شخصياً بما سيحصل في توزيع المهام المنزلية بين الزوجين وتطبيق الشراكة الحقيقية في مؤسسة الزواج بعد انتهار أزمة كورونا والحجر المنزلي!
فما دلالات ارتفاع معدلات العنف الأسري وانتشار حالات الطلاق في ظل الحجر المنزلي بسبب كوفيد 19؛ إلا دليل واقعي على ما يحصل، وبمجرد انتهت إجراءات البعد الاجتماعي، سيكون للرجل رأي آخر في استعادة حريته من البقاء القسري في المنزل!
لكن دعنا نتفاءل قليلاً.. لا ضير؛ طالما ينظر الكثير من الباحثين الاقتصاديين إلى هذه المرحلة، بناء على أن الرجال الآن في المنزل أكثر من أي وقت مضى، بالتالي سيضطرون إلى البدء في تقديم المزيد من التعاون في المهام المنزلية، (كما قلت عندما ينتهي الحجر سيعودون إلى ما كانوا عليه فيما يخص مسئوليات المنزل كدور للمرأة فقط)، حيث يقول الباحثون الاقتصاديون (المتفائلون) من جامعات أمريكية مختلفة: "قد نرى تحولاً ثقافياً حول أدوار الجنسين، كما حدث في أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ عندما دخلت الملايين من النساء صفوف القوة العاملة لأخذ وظائف في المصانع وأماكن العمل الأخرى التي كان يشغلها الرجال قبل الحرب، حيث غيّر هذا التحول مشاركة المرأة في العمل إلى الأبد وفي مختلف البلدان الصناعية حول العالم"، ويعتقد هؤلاء الباحثون الاقتصاديون أنه: "بسبب (Covid-19).. سيصبح الآباء مقدمي رعاية الأطفال الأساسيين في عدد كبير من العائلات في جميع أنحاء الولايات المتحدة مثلاً، وهذا بدوره سيغير المعايير الاجتماعية، نحو المزيد من المساواة في توفير رعاية الأطفال والعمل المنزلي" [1].
في الفيلم البريطاني أفضل ما لديهم (Their Finest) عام 2016، استطاعت المرأة الاطلاع بمهام صناعة السينما والدعاية الإعلامية القوية، التي ساهمت في انتصار بريطانية والحلفاء في الحرب العالمية الثانية، حيث أتيحت الفرصة للنساء في العمل بوظائف الرجال (الإبداعية)، لأن الشبان يموتون في الحرب ليس إلا..!
اليوم وبسبب كورونا، فإن الشبان والرجال يخسرون وظائفهم ليس إلّا، لذلك لن أكون متفائلة بحدوث تغيير جذري في تقسيم المهام المنزلية وفقاً للجندر (الدور الاجتماعي المحدد لكل من المرأة والرجل)، وأنا وأنت نعرف أن من أصعب الأمور على الزوج أن يكون مسئولاً عن رعاية الأطفال والمنزل، بينما قد تحتفظ زوجته بوظيفتها وعملها خارج المنزل لساعات، فهي قد تكون معلمة أو ممرضة أو موظفة في مكتب البلدية.. الخ، ومختلف الوظائف الأنثوية التي لم تتأثر جذرياً بفيروس كوفيد19، كما تأثرت الوظائف المفصلية للرجال.. ربما لم نبلغ بعد هذه المرحلة على كل حال، ليس في كل دول العالم! لكنه مؤشر جيد للبحوث القادمة، طالما أننا في مرمى الكثير من المفاجئات الجرثومية مستقبلاً.
في المحصلة.. الفجوة بين الجنسين في المهام المنزلية، هي من أكبر الإشكالات التي تؤسس للخلافات الزوجية في حياتنا المعاصرة، ولا يمكن أن نعتبر تأثير فيروس وبائي أمر مشابه بنسبة 100%؛ لما حدث خلال وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، فكما اُقحمت المرأة (ربما) في قطاعات الصناعات الثقيلة رغماً عنها، ووقع على كاهلها مهام البناء بعد دمار الحرب، لم نستطع اقحام الرجل فيما تعتبره النساء اليوم مملكتها الخاصة (المنزل).. لأنها الأقدر على إدارته، بتدريس الأولاد ثم وضع المريلة لمتابعة الطبخ والغسيل والتنظيف، ثم شراء البقالة أو على الأقل إنجاز قائمة المشتريات، ثم أخيراً الجلوس أمام طاولة عملها في المطبخ لإتمام مهامها الوظيفية عن بعد!
هل يمكن أن نعتبر "كوفيد 19" سبباً لثورة في دور الجنسين؟
يتم تشبيه فترة انتشار الفيروس الوبائي بنقطة اللاعودة، أي أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية سوف لن تشبه ما كان دارجاً قبل "كوفيد19"، وبينما يمكن اعتبار الفيروس التاجي المستجد سبباً لارتفاع معدلات الطلاق، أو ازدياد حالات العنف الأسري، إلا أنه لن يكون سبباً لثورة في دور الجنسيين!
رغم ذلك قد تكون هناك فرصة للمساواة بين الجنسين في الأجور، "فقد أعطت هذه الأزمة تأكيداً واضحاً؛ إلى أي مدى يعتمد البشر على العمالة ذات الأجور المتدنية للقوى العاملة ذات الأغلبية الأنثوية، مثل المعلمات وعاملات النظافة والقابلات والممرضات والعاملات في رعاية الأطفال" [2]، لكن قد لا نشهد زيادة في أجور هذه الفئة العاملة في عالم ما بعد التاجية، وربما سنتذكر على الأقل.. إلى أي مدى يمكن أن يكون عمل المرأة غير مرئي في المنزل وخارجه، وكيف تم الفصل في عالم اليوم؛ بين القيمة الاجتماعية للعديد من الوظائف وبين الأجر المرتبط بها، خاصة في بلدان العالم الثالث.
بصرف النظر عمن يتحمل العبء الأكبر في المنزل اليوم، تبرز أهمية "المرونة العقلية" و"التوازن بين العمل والحياة" وتنتقل من صفحات وملفات أقسام الموارد البشرية في الشركات إلى منزلك، حتى تستمر وتتمكن من العمل عن بعد، وعلى الرغم من أن الإنتاجية هي آخر ما يمكنك التفكير به اليوم؛ فلا يزال بإمكانك إنجاز مهامك الوظيفية.
هل يغير حجر كورونا الصحي؛ قواعد اللعبة لصالح المرأة العاملة؟
كما ذكرنا أعلاه يخسر الرجال وظائفهم بمعدل أكبر من النساء، لأن الرجال يسيطرون على قطاعات مثل التصنيع والبناء، والتي كانت عرضة للانخفاضات الحادة في عدد القوى العاملة خلال الانكماش الاقتصادي الذي سببه فيروس كوفيد19، بينما تهيمن النساء على وظائف في التمريض والصيدلة والخدمات الأساسية، والتي تكون أكثر مقاومة لفقدان الوظائف في وقت الأزمات الاقتصادية [3].
مع إجراءات البعد الاجتماعي تقوم الأم بدور أكبر في رعاية الأطفال، وهذا لعدة أسباب بما في ذلك فجوة الأجور والمعايير الاجتماعية، حيث تكسب النساء العاملات أقل من شركائهن الرجال في المتوسط، ويقضين المزيد من الوقت في العمل المنزلي بدون أجر بما في ذلك الطهي والتنظيف ورعاية الأطفال، ومن الأرجح أن تضحي المرأة بحياتها المهنية من أجل إعطاء الأولوية لعمل شريكها، كل هذا صحيح 100% على الرغم من أن النساء قد خطوا خطوات كبيرة على مدى السنوات الخمسين الماضية، ومثلاً "على الرغم من مساهمة المرأة المتزوجة بأكثر من نصف الدخل أحياناً، فإن الأمريكيين يولون قيمة أعلى للزوج كالراعي المالي الأساسي للأسرة" وذلك وفقاً لبحث حديث عام 2017 [4].
لذا اليوم تشهد المرأة أخذ الحصة الأكبر من رعاية الأطفال وتدريسهم المنزلي، على الرغم من وجود الرجل في المنزل، لكن مع وجود النساء اليوم في الوظائف المستمرة كخط مواجهة لمقاومة الفيروس التاجي المستجد؛ في المستشفيات كممرضات وفي الصيدليات ودور رعاية المسنين ومتاجر البقالة والسوبرماركت، سيكون الرجل هو مقدم الرعاية للأطفال في عائلات هؤلاء النسوة، إما لأنه فقد وظيفته أو لأنه يعمل عن بعد من المنزل، والكثير من هؤلاء الرجال يجد نفسه وللمرة الأولى أمام مسئولية إدارة المنزل! على الرغم من أن دولاً أوروبية مثل إسبانيا وألمانيا كانت قد زادت من مشاركة الآباء في رعاية الأطفال في وقت سابق وقبل سنوات، حيث يحق للرجل إجازة أبوة عندما يولد الطفل، اليوم هذه الإجازة مفتوحة (وربما قسرية)، ريثما ينتهي كابوس الوباء التاجي المستجد، "ربما تنعكس هذه التجربة القسرية على المعايير الاجتماعية لدور الجنسين، وفي النهاية على المساواة بين الجنسين، في المستقبل القريب" [1] هذا من جهة.
ومن جهة أخرى.. يمكن أن يعزز الفيروس التاجي المستجد المساواة بين الجنسين ويغير قواعد اللعبة للمرأة العاملة، بحيث تتبنى العديد من الشركات خيارات العمل من المنزل على نطاق واسع للمرة الأولى، والآن بعد أن استثمروا في تقنيات العمل عن بعد وتأقلموا مع هذه التجربة، من غير المحتمل أن يعودوا إلى طريقة ما قبل الجائحة في الكثير من دول العالم! وهذه "قد تكون صدمة ثقافية لها آثار على المساواة بين الجنسيين" [1].
قد يضر كوفيد-19 بالنساء!
أبرز أضرار كورونا لمعظم النساء العاملات، هو العودة للعمل غير المأجور فقط في أداء مهام المنزل ورعاية الأطفال، خاصة إذا لم تكن عاملة في خطوط الدفاع الأولى ضد الفيروس التاجي المستجد (خدمات القطاع الصحي والغذائي وغيرها).
هذا فضلاً عن حاجة الرجل لزوجته أكثر من أي وقت مضى، حيث يضطر للعمل عن بعد بالإضافة إلى المزاجية والضغوط التي يتعرض لها من البقاء طوال النهار في المنزل! فالكثير من النساء تأثرن بالركود الاقتصادي لكوفيد19، في حين انتقل الكثير من الرجال للعمل في المنزل، ثم أن الأطفال سيجعلون الأمور غير متساوية بين الأب والأم في المدى المنظور على الأقل، وستشعر النساء أكثر بهذه "الطفرة المفاجئة في رعاية الأطفال"، حيث كانت المدارس والحضانات تتحمل عبئاً جيداً في الرعاية اليومية للطفل [1].
بالتالي من المرجح أن تترك المرأة عملها الجزئي لصالح عمل الرجل ورعاية الأطفال في ظل الحجر الصحي الحالي، لكن الكثير من الرجال الذين لم يضطروا للعمل في المنزل سابقاً، سيشاركون الزوجة التي ما زالت تحتفظ بعملها خارج المنزل أو عن بعد؛ في أعمال المنزل ورعاية الأطفال بشكل متساوي، وهنا يأتي دور المرونة في وظائف الرجال ما بعد نهاية فيروس كورونا، حيث يمكن كما ذكرنا اعتماد نظام الساعات المرنة للعمل من المنزل مع تغيير بيئات العمل العالمية ما بعد الفيروس التاجي المستجد حتماً، بحيث سيتحقق نوع من المساواة من خلال مشاركة الرجال في رعاية الأطفال فعلياً، على الرغم أن المساواة في الأجور من العمل؛ لن تكون ربما في صالح النساء في بيئة العمل ما بعد التاجية، لكن على الأقل.. سيتذكر الرجال مدى عمق (الدور اللامرئي) لزوجاتهم في ظل الحجر الصحي لكورونا، وربما يتذكرون قيمة الساعتين التي تبرّع بهما (من وقته)؛ صديق موقع حلوها المشار إليه في بداية هذا المقال.
في النهاية.. ربما ستعود الأدوار التقليدية بين الجنسين، وليس من المقنع (بالنسبة لي على الأقل) تشبيه ما يحدث اليوم بما حصل خلال وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية! مع ذلك سيقوم الباحثون الاقتصاديون حول العالم بدراسة تأثير الركود الاقتصادي، الذي سببه الفيروس التاجي المستجد على المساواة بين الجنسين وتوزيع المهام وفقاً للجندر (النوع الاجتماعي) لسنوات قادمة، ما رأيك؟ شاركنا من خلال التعليقات.