مراحل النمو النفسي ومتطلبات كل مرحلة عمرية

ما هي مراحل النمو النفسي؟ هل يرتبط النفسي بالجسدي؟ ما هي أسس النمو النفسي السليم؟ لماذا مرحلة الطفولة أساسية للنمو النفسي؟ كيف نعدّل أخطاء النمو النفسي؟
مراحل النمو النفسي ومتطلبات كل مرحلة عمرية
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

يختبر الإنسان مجموعة من المراحل النفسية خلال حياته، بدءاً من الولادة، مروراً بالطفولة، فالبلوغ، فالمراهقة، وإن كان النمو النفسي لا يتوقف لدى مرحلة عمرية معينة، بخلاف النمو الجسدي، نحاول في هذا المقال أن نرصد مراحل النمو النفسي عند الإنسان وعلاقة النمو النفسي بالنمو الجسدي، وأهمية مرحلة الطفولة في النمو النفسي السليم، وكيفية تصحيح أخطاء النمو النفسي.

يبدأ النمو النفسي لدى الطفل منذ شهوره الأولى، من خلال نمو الحس الإدراكي لديه، والحس التفاعلي كذلك، مع الأصوات والأشكال والملمس ومعرفة من حوله، وبدء فصل ذاته عن العالم من حوله، وفصل ذاته عن الأم أو من تقوم مقامها.
ويتضمّن النمو النفسي لدى الإنسان مراحل مفصلية عدة أهمها تشكّل الهوية الجنسية والدينية والاجتماعية عموماً، وتنمية إحساسات وإدراكات عدة لديه، من قبيل الإحساس بالثقة، والإحساس بالأمان، والإحساس بالرضا أو السخط، وكيفية التعبير عن كل إحساس وكل انفعال بطريقة متوازنة أو غير متوازنة.[2]
كما يُشكّل المرء خلال مراحل نموه النفسي التوجّهات والرؤى وردّات الفعل التي تحكم تعامله مع العالم الخارجي من حوله، بالإضافة لكون الاعتلالات النفسية تبدأ وتختمر وقد تظهر خلال المراحل الأولى من النمو النفسي، أو في مراحل عمرية لاحقة [3].
كانت خبيرة تربية الطفل في حِلّوها قد أجابت إحدى المتابعات عن سؤال حول طفلها الذي تشكو من قلة تفاعله، قائلة لها إن الفترة الممتدة منذ ولادة الطفل حتى عامه الثاني هي المرحلة الحسية الحركية، أي تلك التي يبدأ فيها الطفل بتنمية الحواس والقدرات الإدراكية والحركية. (السؤال بالتفصيل على الرابط)

animate

وتتنوّع مراحل النمو النفسي لدى الإنسان كالتالي، وجلّها مرتبط بالطفولة[3]:

  • مرحلة الشعور بالقدرة على القيام بمتطلباته بمفرده، وإن كان هذا برعاية الوالدين وإشرافهما.
  • مرحلة الشعور بالاستقلالية التي تؤهله للتحكم في جسده وقدراته العضلية بمفرده، وحريته في القيام بنشاط ما.
  • مرحلة الاستجابة للعالم الخارجي من حوله، وإن كان هذا على نطاق مبسط يتمثل في التعامل الاجتماعي مع الآخرين في محيط اللعب والتعلّم.
  • مرحلة المثابرة والجدّ، وترتبط هذه المرحلة بالفترة المدرسية في حياة الطفل.
  • مرحلة إدراك الهوية التي ينتمي إليها هذا الطفل، وهنا تظهر الهوية الثقافية والحضارية للطفل بشكل ملموس، فيما الهوية الجنسية والدينية تسبق هذه المرحلة.
  • مرحلة الحاجة لوجود شريك وتتمثل في مرحلة المودة التي تتوّج بالزواج في حياة المرء أو رغبته بوجود شريك لديه.
  • مرحلة الإنتاجية، التي ترتبط بالفترة التي تزدهر فيها إنتاجية المرء في المناحي المادية والاقتصادية.
  • مرحلة التكامل أو ثمة من يطلق عليها مرحلة تكامل الأنا، وهي مرتبطة بالنمو النفسي لدى المرء في مراحل متقدمة جداً من عمره، بعد أن ينهي البنود السابقة من زواج وإنتاجية مالية ووظيفية وما إلى ذلك من مراحل، وفيها يكون بدور المدقّق والمراجِع لمسيرته الحياتية.

هل يتوقف النمو النفسي مع توقف النمو الجسدي؟
يرتبط النمو النفسي بالنمو الجسدي، بادئاً ذي بدء، من خلال تتابع مراحل النمو النفسي والحسي والإدراكي بالتزامن مع الجسدي، لكن هذا لا يعني البتة أن النمو النفسي يتوقف مع توقف النمو الجسدي، بل يستمر طالما بقي الإحساس والإدراك قائمين [2].
قد يحدث أن يصاب الطفل باختلالات معينة أثناء تشكّل الهوية النفسية، وقد يصاب المرء في مراحل لاحقة باعتلالات أخرى ترتبط بالثقة ورؤيته لها وطريقة تعاطيه مع الآخرين على ضوئها، لكن يحدث أن يتدارك هذا أو أن يصار لتصحيح هذا في مراحل عمرية متقدمة، على ضوء الخبرة والتجربة والرغبة الحقيقية في التغيير.

ولطالما لعبَ مدرّبو الحياة ومهارات التواصل على هذه النقاط التي تعدّ عصباً أساسياً في النمو النفسي لدى الفرد؛ إذ كم من مرتاد لهذه الدورات يشكو من وجود خلل في التعامل مع الغضب والتعاطي مع الأشخاص المستفزين، فيبدأ هؤلاء المدرّبون حينها بتعديل السابق والبناء عليه، من خلال إيضاح مكامن الخلل والخطأ، ومن ثم الإقناع بضرورة التغيير؛ لتدارك المشكلة التي حصلت إبّان النمو النفسي لدى المرء، ومن ثم العمل على إكساب الفرد هذه المهارة المفتقَدة من خلال التدريب [3].
أمور عدة تطرأ على حياة المرء بوسعها تعديل مسارات سابقة حدثت خلال النمو النفسي، كما في جزئية الثواب والعقاب على سبيل المثال. وجود جزئية الضرب في العقاب قد تحدث خللاً جسيماً في عملية النمو النفسي، لكن تدارك هذا الأمر لاحقاً قد يفضي لبعض التعديل. كذلك هي جزئية الثقة، أو حتى جزئية الهوية الجنسية للمرء. الأساس هو اكتشاف الخلل ومكمنه والإقرار بوجود خلل، ومن ثم مباشرة العلاج إما لدى الخبير النفسي أو مدرب الحياة ومهارات الاتصال، الذين سيتولون بدورهم رتق كثير من الثغرات والهنات التي حدثت خلال مراحل النمو النفسي [1].

كيف نضمن نمواً نفسياً سليماً من مرحلة الطفولة؟
لا بد من تتبع مراحل النمو النفسي لدى الطفل؛ لمعرفة مكامن الخلل التي قد تحدث. يبدأ الطفل حياته بمرحلة النمو الحسي والإدراكي، وهي المرحلة التي ترافق ولادته حتى السنة الثانية من عمره، وفيها يكتسب الطفل مهارات حسية وإدراكية ويبدأ بفصل ذاته عن العالم من حوله وعن الأم، لكن مرحلة الانفصال التام عن الأم تحديداً تأتي في مراحل لاحقة، وتكاد تكون الأكثر صعوبة.
ثمة مرحلة أخرى تسبق مرحلة الانطلاق للعالم الخارجي، وهي مرحلة التعايش مع ما يحدث حالياً، من دون وجود إرث ماضوي أو مستقبلي في التعاطي مع الحياة، لتأتي مرحلة الانطلاق المرتبطة في الغالب ببدء المرحلة المدرسية، ومن ثم ستتطوّر هذه المراحل تباعاً كلما مضى الطفل في عمره، لتصل لمرحلة البلوغ والمراهقة، بكل ما ينطويان عليه من تكريس لما جرى غرسه في مراحل النمو النفسي الأولى لدى الطفل.
سيجد الأهل أن الهوية الجنسية والدينية والعِرقية والاجتماعية كلها باتت متبلورة الآن، وقد يكون جانب منها يعاني من خلل أو قصور ما؛ لعدم إيلائه الاهتمام الكافي خلال مراحل النمو النفسي لدى الطفل، أو بسبب عارض ألمّ بمراحل النمو النفسي لدى الطفل، من قبيل تعرّضه للاعتداء أو التعنيف أو الإساءة أو حصوله على فهم مغلوط لأي من عناصر الهوية هذه، كأن يُلقّن هوية جنسية غير صحيحة، بشكل أو بآخر [3].
ويتأثر الطفل خلال مراحل نموه النفسي بكثير من العوامل الضابطة لإيقاع هذا النمو، مثل العوامل الاجتماعية المرتبطة بالبيئة ومنطقة السكن والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها الأهل، وكذلك بالعوامل السياسية المحيطة به لا سيما حين يكون في بيئة غير مستقرة سياسياً كأن تعاني البيئة التي ينشأ فيها من الحروب، وأكثر ما يتأثر به الطفل خلال مراحل النمو النفسي الوالدين، بكل ما تحفل به أوساطهما من جدليات وإشكالات أو على النقيض من ذلك، استقرار وأساسات اجتماعية ونفسية متينة.

هل تعدّ مرحلة المراهقة على ذات الأهمية في النمو النفسي؟
تحمل مرحلة الطفولة أهمية خاصة في النمو النفسي لدى الإنسان؛ ذلك أنها ترتبط ببداياته، حيث يكون أقرب للوعاء الفارغ الجاهز للامتلاء بما يُنقل إليه من الوالدين والعالم الخارجي. وترتبط أهمية مرحلة الطفولة في النمو النفسي لدى الطفل بكونها اللصيق الأول لوعي الطفل وإدراكه في أمور مفصلية ستلعب دورها البارز في حياته لاحقاً، كما في جزئية معرفته هويته الجنسية والدينية والاجتماعية والعِرقية في هذه المرحلة. إلى جانب هذا، ثمة أمور وجوانب أخرى تكوّن هوية الطفل في مرحلة النمو النفسي ستلعب دوراً مهماً كبيراً لاحقاً كما في جزئيتيّ الثواب والعقاب، وكذلك جزئية الانفعالات وطريقة التعبير عنها وضبطها، وستلعب جزئيات عدة دورها البارز في النمو النفسي لدى الطفل كما في نظرته لعلاقة الجنسين ببعضهما، من خلال علاقة الأم والأب، وكذلك علاقة العبد بالخالق، وعلاقة الطفل بالأبوين.
ستكون هذه النماذج التي يعايش الطفل في سنيّ عمره الأولى هي اللاعب الأبرز في صياغة توجّهاته وردّات فعله ورؤاه لاحقاً، وسيكون من الصعوبة بمكان القفز عن هذا الإرث الضخم، الذي يشكّل النمو النفسي لدى الطفل، القفز عنه لاحقاً في مراحل عمرية متقدمة، كما سيصعب في مرات تعديل هذا الإرث من النمو النفسي لدى الطفل، لا سيما إن كان حجم الخلل كبيراً ويطال مناحٍ عدة في حياة الطفل وإدراكه وهويته، وإن كان التعديل في مرات لا يعدّ مستحيلاً، وتحديداً إن كان المرء راغباً في مراحل عمرية متقدمة في التعديل، إدراكاً منه لوجود خلل ما [3] و [2].

لمرحلتيّ البلوغ فالمراهقة أهميتهما؛ إذ تشكّلان دعامة أساسية في النمو النفسي لدى الإنسان، لكن التعويل الأكبر يكون بناء على ما تم منحه للطفل خلال مراحل الطفولة الأولى، من تجارب ترتبط بالهوية، وأخرى ترتبط بالتعامل بين ثنائيات مختلفة في المجتمع كما في حالة الوالدين والطفل، والوالدين بعضهما ببعض، والذكر والأنثى، والثواب والعقاب، والترغيب والترهيب، والخير والشر، وما إلى ذلك.
ثمة أمور عدة تتبلور في مرحلتيّ البلوغ والمراهقة، ترتبطان في العادة بتكريس الهوية الجنسية لدى المرء وكذلك طبيعة توجّهاته، بالإضافة لكون النمو النفسي خلال مرحلتيّ البلوغ والمراهقة يرتبط أكثر ما يرتبط بالجسد؛ احتكاماً للتغيّرات الهرمونية والجسدية التي تطرأ على جسد المرء، وعلاقته مع الجنس الآخر على وجه التحديد.
نستطيع من خلال هذا قول إن مرحلة الطفولة هي حجر الأساس في تشكيل النمو النفسي لدى الإنسان، بأوضح تجلياته، تليها مرحلتيّ البلوغ والمراهقة، وإن كان النمو النفسي لا يتوقف عند عمر بعينه، أي أن هذه العملية قائمة على الدوام طالما رغب الإنسان بالتغيير [3].

كيف نصحّح الأخطاء التي حدثت خلال النمو النفسي؟
يحدث أن تطرأ اعتلالات كثيرة في مراحل النمو النفسي لدى الطفل، وتحديداً في حالات التعنيف والتنمّر والاعتداء التي تطال الأطفال، أو التي تنشأ عن وجود خلل نفسي لدى أحد الوالدين، أو بسبب انفصالهما وما إلى ذلك، لكن هذه الاعتلالات تكون قابلة للحل إلى حد ما، لا سيما في حال توفر الرغبة والإقرار بوجود مشكلة ما  [3] و [1].

فيما يلي أهم الطرق التي بإمكانك من خلالها تصحيح الأخطاء التي حدثت خلال النمو النفسي [4]:

  • حاول معاينة المشكلة التي حدثت خلال مراحل النمو النفسي، من دون تحامُل على الوالدين ولا بإفراط في الدراما. تحدث الأخطاء دوماً، والتعويل هو في مدى قدرتك على تجاوزها.
  • استعن بخبراء في علم النفس والتربية وتطوير الذات، وهم في الغالب من سيمدّونك بالطرق اللازمة لتلافي المشكلة التي حدثت، وتحديداً ما يرتبط منها ببند الانفعالات.
  • لا تنظر لأي مرحلة عمرية كما لو كانت ختامية؛ إذ النمو النفسي مستمر لدى المرء دوماً.
  • قيّم قدراتك بشكل صحيح وحاول أن تركّز دوماً على جوانب القوة هذه، وعاين جيداً نقاط الضعف وابتعد عنها.
  • احرص على تنمية علاقات سليمة متوازنة من شأنها دعمك وترتيب أمورك في الحياة وليس العكس، وينسحب هذا على علاقاتك الاجتماعية والعاطفية على وجه التحديد.
  • نظّم الانفعالات والإغداق في العاطفة وكل ما من شأنه استنزاف الجانب الوجداني والعصبي لديك. أي استخدم عاطفتك بتعقّل، وهو ما سيصار لاكتسابه خلال مراحل النضج اللاحقة وخلال مراحل النمو النفسي التي ستتوالى عليك تباعاً.

المراجع