مفهوم الإخلاص في العمل الوظيفي والأمانة في العمل
يعتبر مفهوم الإخلاص في العمل أحادي الجانب، بمعنى أن الموظف يكون مخلصاً بغض النظر عن ردود فعل الإدارة وطريقة تعاطيها مع أداء الموظف، حيث يكون الإخلاص في العمل منطلق أخلاقي ثابت يتضمن مفاهيم واسعة مثل الأمانة والنزاهة والكسب الحلال، والانتماء للمؤسسة واستحقاق الثقة وإثبات الجدارة، وغيرها.
ويميل البعض للقول أن الإخلاص في العمل صفة لا يمكن اكتسابها لأنها جزء من شخصية الإنسان ومبادئه العامة في الحياة، ومن لا يستطيع أن يكون مخلصاً في عمله لن يرغب أصلاً في البحث عن أسباب ومقومات الإخلاص، وأما المخلصون فربما يجب أن يبحثوا عن طريقة إثبات الإخلاص في العمل والحصول على فوائد الإخلاص والنزاهة في أداء الأعمال.
يمكن تعريف الإخلاص في العمل الوظيفي أنه الالتزام بأخلاقيات العمل وقواعده من جهة، وبذل الجهد اللازم لأداء المهام بأفضل طريقة ممكنة وبما يلبي طموح الإدارة ويحقق المصلحة العامة من جهة أخرى.
ولا شكّ أن مفهوم الإخلاص في العمل من المفاهيم المعقدة التي تنطوي على الكثير من الصفات والعوامل والمعايير المتباينة والمتناقضة أحياناً، حتّى أن نظرة الإدارة للإخلاص في العمل قد تختلف في كثير من الأحيان عن نظرة الموظف، كما أن إثبات الإخلاص في العمل لا يقترن بالعمل الشاقِّ بالضرورة، بل بالجهد الذكي والمنظّم. [1]
وعلى الرغم من الدور الكبير الذي تلعبه الإدارة في التحفيز على الإخلاص في العمل؛ لكنَّ معظم الإداريين يعتقدون أن الشخص المخلص في العمل سيظهر ويعلن عن نفسه بوضوح بعيداً عن التحفيز أو الدفع نحو النزاهة والإخلاص، وهُمْ -أي الإدارة- توّاقون للمخلصين، ما يجعلهم يتجهون تلقائياً لتحفيز المخلصين وتحميلهم المسؤولية، وربما تحميلهم فوق طاقتهم أحياناً!
- الأمانة والصدق: الأمانة في العمل على رأس قائمة أولويات الإخلاص الوظيفي، ونعني الأمانة بمفهومها الواسع، من جهة الأمانة المادية، والأمانة في أداء الأعمال والالتزام بالقواعد ووجود رقابة ذاتية لدى الموظف، كما يعتبر الصدق في التعامل مع قضايا العمل وتجنّب النفاق أو المراوغة والخداع؛ من أشكال الأمانة في العمل.
- الالتزام بالدوام: واحدة من المشاكل الكبيرة التي تواجهها جميع المؤسسات في العالم هي تغيّب الموظفين أو تأخّرهم عن العمل، وعادةً ما يتجنب المخلص في عمله التغيّب عن العمل دون سبب حقيقي، كما يحاول قدر الإمكان الالتزام بوقت الحضور والانصراف، وتقديم معلومات صحيحة عن ساعات العمل والإنتاجية، إضافة إلى الحفاظ على حقّ المؤسسة بالوقت المحدد للعمل وعدم هدر هذا الوقت بطريقة متعمدة للتهرب من العمل أو عرقلة سيره. [2]
- النزاهة في العمل: تبدأ النزاهة في العمل من إيمان الموظف أو العامل أنّ عليه أداء واجبه على أكمل وجه ممكن ليستحقّ أجره، ويمتد مفهوم النزاهة للصدق في المعلومات التي يقدمها الموظف للإدارة، والنزاهة في التعامل مع ممتلكات الشركة أو مواد العمل، إضافة إلى النزاهة في المنافسة مع الزملاء والتمسّك بقواعد المنافسة الشريفة.
- الالتزام بالمواعيد النهائية: يتضمن الإخلاص بالعمل أيضاً أداء المهام في المواعيد المحددة لها، واتباع آليات تكفل تحقيق الأهداف وأداء الأعمال في وقتها المحدد، مع الأخذ بعين الاعتبار العقبات الحقيقية التي قد تعيق بعض الأعمال وتؤخّرها.
- الرقابة الذاتية: كما ذكرنا يعتمد الإخلاص في العمل على موقف الموظف وليس على الروادع أو العقوبات أو الحوافز، ومن واقع الخبرة يمكن القول أن أكثر الأنظمة الرقابية تعقيداً غير قادرة على وضع حدٍّ لتجاوزات الموظفين بشكل نهائي ما لم يتمتع الموظف بالرقابة الذاتية والروادع الداخلية، وهي التي تميّز الموظف المخلص والأمين.
- استحقاق الثقة: حتى وإن كان الإخلاص في العمل منطلق أخلاقي لا يتعلق دائماً بالعلاقة بين الموظف والإدارة بقدر ما يتعلق بالموظف نفسه؛ إلّا أن الإخلاص في العمل مؤشر جيد للموظف الموثوق، ما يعني أن الإدارة غالباً ما تضع ثقتها في هذا الموظف أو العامل، وهنا يظهر مدى استقرار إخلاصه في العمل وقدرته على التمسّك بمبادئ الأمانة في العمل حتى مع ضعف الرقابة أو غيابها.
- العلاقات الجيدة مع الزملاء والإدارة: لا تنفصل طبيعة العلاقة الشخصية التي تجمع الموظف بالزملاء والإدارة عن مفهوم الإخلاص في العمل، حيث تكون من صفات الموظف المخلص امتصاص التوتر وتجنب المشاكل والنزاع وبناء العلاقات على الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة.
- الانتماء للمؤسسة: ويشمل الانتماء للمؤسسة بذل الجهد لإنجاح مشاريعها وأهدافها حتى وإن لم تكن ذات عائد مباشر على الموظف، والحفاظ على سمعة الشركة في كل وقت، إضافة إلى الالتزام بما يضمن استمرار العمل في جميع الأحوال، والبقاء والتفاني في الظروف الصعبة التي قد تمرّ بها المؤسسة.
- العقلية الإيجابية: لا تنصّ الأنظمة الداخلية على عقوبات للتفكير السلبي ومن يبث الطاقة السلبية! لكن التمسّك بالموقف الإيجابي يعتبر سمة أساسية للمخلصين في العمل، وذلك أن الموقف الإيجابي والتفكير بعقلية إيجابية يسهّل على الموظف وعلى زملائه وعلى الإدارة تسيير أمور العمل والنجاح في أداء المهام وتحقيق الأهداف بشكل فعّال.
- التعاون والمرونة: تقديم المساعدة لزميل العمل ليقوم بإنهاء مهامه في الوقت المحدد، أو التنازل عن وقت الإجازة لأن المؤسسة تمرّ بظرف استثنائي، العمل لساعات أطول بهدف الإنجاز السريع، وتقبل التغييرات ومساعدة الإدارة على تنفيذ التغيير بشكل سلس؛ جميع هذه التصرفات تنم عن الإخلاص في العمل.
بطبيعة الحال تبحث الإدارة عن الموظفين المخلصين ليكونوا مسؤولين أمامها، لكن الإخلاص في العمل ليس هبةً للإدارة فقط، بل إن الموظف المخلص يحصل على فوائد كثيرة مادية ومعنوية نتيجة الإخلاص في العمل:
- بناء الثقة: الإخلاص في العمل هو أهم قواعد بناء الثقة بين الموظف والإدارة، والثقة ليست ما تبحث عنه الإدارة فقط؛ وإنما معظم الموظفين يكافحون لإثبات جدارتهم واستحقاقهم للثقة، ويعتبرون منحهم الثقة حتى دون علاوة مادية أو ترفيع إداري رسمي يعتبر مكافأة مهمة في مسيرتهم المهنية، ولا يوجد سبيل أفضل من الإخلاص في العمل لبناء الثقة.
- القيادة الفعالة للفريق: ينعكس إخلاص المدير في عمله على إخلاص الموظفين، كما أن الموظف المخلص في العمل أكثر قدرة على أداء المهام ضمن الفريق بفاعلية وتميّز، وكلّما كان المدير مخلصاً مع مرؤوسيه، وحظي بموظفين مخلصين؛ كلّما استطاع الفريق أداء عمله بشكل أفضل وأكثر فاعلية وجودة.
- الترقية والتدرج في المناصب: قد لا يحصد جميع الموظفين نتائج إخلاصهم على شكل مكافآت مالية أو ترقية إدارية، لكن معظم الترقيات والمكافآت في المؤسسات الناجحة تذهب للمخلصين في أعمالهم وللذين يثبتون إخلاصهم بذكاء.
- بناء علاقات فعالة ومتينة: الإخلاص في العمل والأمانة من الصفات الجديرة بالاحترام، والتي تخلق اتصالاً فعالاً مع الآخرين في مكان العمل على اختلاف نوعية وطبيعة العلاقة، هذه الاتصالات التي يعزّزها الإخلاص في العمل لا تقوم بخدمة العمل نفسه فحسب، بل تعزّز الرضا الوظيفي والتفاهم بين الزملاء وبين الإدارة والموظفين. [3]
- تحقيق الذات: الثناء والثقة والمكافآت والترقيات جميعها مطالب أساسية لكل موظف، وجزء رئيسي من احترام الشخص لذاته هو تحقيق إنجازات كبيرة في مجال عمله، لكن هنا لا بد من طرح نقطة بالغة الأهمية:
"الإخلاص في العمل يزيد رضا الموظف عن نفسه ويعزّز احترامه لذاته حتى وإن لم يحصل على مكافآت أو ترقية، لأنه يعلم من داخله أنه قام بما يجب عليه القيام به وبأفضل شكلٍ ممكن، وعلى العكس من ذلك الحصول على الترقية أو المكافآت بالخديعة وقلّة النزاهة، حيث يعيش الموظف غير النزيه عقدة المحتال فهو يعرف في كل وقت أنه ليس أهلاً للثقة وأنه مخادع". - الإخلاص في العمل هو السبيل الأمثل للنجاح: بالمحصلة يمكن القول أن الإخلاص في العمل هو أفضل سبيل للنجاح وإثبات الذات، وتسهيل ظروف العمل وتيسير أداء المهام، كما يساهم الإخلاص في العمل ببناء سمعة الموظف على المدى الطويل، فالمخلصون نادرون والإخلاص أهم لدى بعض المدراء من الكفاءة العلمية أو الخبرة، لأن هذه الأخيرة مكتسبة ويمكن تنميتها، ولذلك يقال "لا يتعطّل مُخلِصٌ".
يعلم المدراء أن المخلصين في عملهم يحتاجون للقليل فقط من التشجيع والتحفيز، لكن غير المخلصين يحتاجون للكثير من الجهد ليقتربوا قدر الممكن من الإخلاص في العمل، وهناك بعض التوصيات التي تساعد الإدارة على تحقيق وتحفيز الإخلاص في بيئة العمل:
- إخلاص الإدارة مفتاح إخلاص الموظفين: يتأثر سلوك الموظفين وموقفهم من العمل بسلوك الإدارة وموقفها، وعندما يلمس الموظفون الإخلاص والتفاني في العمل من المدير المباشر ومن الإدارة بشكل عام فإن هذا يحفزهم جميعاً على أداء العمل بشكل أفضل، ويحفز المخلصين منهم بشكلٍ خاص على إثبات إخلاصهم وجدارتهم بالثقة.
- العدالة الإدارية: من الإجراءات المهمة التي تقوم بها الإدارة لتحفيز الإخلاص بين الموظفين أن تبني نظاماً عادلاً، على مستوى الأجور والفرص وضمان حقوق الموظف، والعدالة في توزيع المهام وتقديم الترقيات الوظيفية. [4]
- المكافآت المالية والحوافز المعنوية: إدارة المكافآت والحوافز واحدة من أصعب المهام التي تقوم بها الإدارة، حيث تحتاج المكافآت المالية والمعنوية لدراسة دقيقة تضمن العدالة في المكافئة وأداء الحوافز للهدف المرجو منها وهو تحفيز الموظف على الإخلاص والتفاني.
- اختيار الأشخاص المناسبين للمناصب والمسؤوليات: حتى أكثر الناس إخلاصاً في العمل قد يتقاعس ويفقد شغفه بالعمل إذا تم وضعه في مكان غير مناسب أو تم تحميله أعباء فوق طاقته، كما أن شعور الموظف بعدم كفاءة رؤسائه أو استهتارهم بالعمل قد يؤثر على موقفه من العمل وإخلاصه وإن لم يؤثر على أمانته.
- الاتصالات الفعالة: أخيراً وليس آخراً على الإدارة أن تكون قريبة من الموظفين ومن بيئة العمل وتفاصيله الصغيرة، وبابها مفتوح لملاحظات الموظفين واقتراحاتهم وشكواهم، فالموظف المخلص الذي يجد الأبواب مغلقة في وجهه ولا أحد يسمع شكواه أو أفكاره يتحوّل غالباً إلى أداء ما عليه لا أكثر، وتخسر الإدارة بذلك مبادرة المخلصين وولاءهم.
يقول المدير التنفيذي Dan Oswald "الإخلاص والصدق شيء لا يمكنك تزييفه أو اصطناعه"
لأن الإخلاص في العمل ليس إلّا انعكاساً للقيم الشخصية، والمشكلة التي يواجهها البعض هي عدم القدرة على إثبات الإخلاص في العمل أو التعبير عن إخلاصهم حتى وإن كانوا متفانين من حيث الجهد. [5]
إليك بعض النصائح التي تساعدك على التعبير عن إخلاصك في عملك:
- التزم بالحضور في الوقت المحدد والبقاء حتى نهاية وقت العمل، وتجنب التغيّب المتكرر دون أعذار أو اختلاق أعذار واهية للتغيب عن العمل.
- اجعل ساعات العمل للعمل فقط، ولا تقم بهدر الوقت الذي تتقاضى أجراً عليه في أمور لا تتعلق بالعمل.
- تأكّد أنك تفهم تماماً طبيعة الأعمال الموكلة إليك وتوقعات الإدارة، وقم بمناقشة المهام والأعمال حتى تلمّ بها تماماً، اقرأ 25 نصيحة لتكون الموظف المثالي.
- كن أميناً في كل تعاملاتك، وكن أميناً على ممتلكات المؤسسة وسمعتها.
- حافظ على علاقات جيدة مع زملاء العمل وتجنّب النزاعات والخلافات الشخصية، وابتعد عن النميمة والمؤامرات.
- قدم المساعدة للآخرين حين يكون ذلك ممكناً، وتأكد أن تكون متعاوناً من أجل الصالح العام.
- تمتع بالمرونة في أوقات وساعات العمل على الخصوص عندما تعلم أن هناك ظرف استثنائي وضغط في العمل.
- تأكد أن تقوم بدراسة الخطة الزمنية جيداً قبل تحديد موعد تسليم العمل النهائي، لتستطيع تسليم العمل في موعده.
- تحمّل المسؤولية بشجاعة واعترف بأخطائك وبادر لإصلاحها، ولا تحاول الهروب من المسؤولية ولوم الآخرين، وتذكر القاعدة الإدارية الذهبية "السلطة تفوّض، لكن المسؤولية لا تفوّض".
- يجب أن تكون عنصراً إيجابياً في الفريق من خلال رفع معنويات الفريق والتفاني في سبيل تحقيق النجاح في العمل الجماعي.
- تذكّر دائماً أن الإخلاص في العمل قد يتأثر بالعائد المادي أو طريقة التعامل أو غيرها من العوامل، لكن جوهر الإخلاص في العمل هو جوهر أخلاقي يتعلق بإخلاص الفرد لمبادئه وأفكاره، ما يحقق له الراحة الداخلية في أداء ما عليه بالشكل الأفضل.