كيفية التعامل مع الأصدقاء الجدد وتقوية الصداقة
أشارت دراسة شهيرة عام 1992 إلى أن الإنسان يستطيع جمع 150 شخصاً فقط في دائرة اتصاله في وقت واحد، منهم 5 أصدقاء مقرّبين فقط، وتعرف هذه النسبة باسم "رقم دنبار" نسبة لصاحب البحث الدكتور Robin Dunbar، حيث اعتقد دكتور دنبار أن الدائرة الواسعة للأصدقاء المحتملين قد تصل إلى 1500 إنسان، لكن يتم فرز الأشخاص بشكلٍ أو بآخر لعدة طبقات حتى نصل لخمسة أصدقاء مقرّبين على الأكثر.
كيف تتطور الصداقة وكيف نتعامل مع الأصدقاء الجدد ونقوي العلاقة معهم؟ هذا موضوع مقالنا.
يمكن القول أن الصداقة تتطور في خمسة أطوار أساسية، تبدأ من علاقة الغرباء وحتى الصداقة الحميمة أسمى درجات علاقة الصداقة، وتحدد مرحلة الصداقة نوع العلاقة التي تربطنا بالأشخاص، وذلك على النحو التالي: [1]
- الغرباء ومرحلة الحيادية: على الرغم أن هذه المرحلة تتميز بالحيادية الإيجابية من الطرفين لكنها تعتبر أهم مرحلة في تكوين الصداقة، حيث يكون اللقاء الأول أو التعامل الأول بين شخصين مفتاحاً لتطوير العلاقة بينهما، في هذه المرحلة تظهر رغبة أحد الطرفين -أو كليهما- في التقرب أكثر، وذلك غالباً ما يعتمد على الانطباع الأول.
- المعارف ومرحلة التعارف: تتميز هذه المرحلة باكتساب الطرفين معرفة عادية عن بعضهما، من خلال التفاعل العرضي والمواقف والحوارات، وعادةً ما تكون المعرفة في هذه المرحلة شبيهة بزمالة العمل، حيث تعرف زميلك وتعرف اسمه الكامل ومن أي منطقة وأين يقطن، وربما تعرف بعض الأمور عن عائلته أو هواياته أو تفضيلاته، لكن المعرفة ما تزال غير عميقة وغير شخصية، بمعنى أن الأمور التي تعرفانها عن بعضكما متاحة لدائرة كبيرة من الأشخاص ولا تتميز بالخصوصية.
- صديق عادي: مرحلة الصديق العادي تتميز بمعرفة أكثر عمقاً بين الطرفين، كما يظهر في هذه المرحلة التخطيط المشترك للّقاءات أو الأنشطة، والاتصال المتكرر، والاهتمام أكثر بتقديم الدعم والمساعدة، وعادةً ما يبدأ تحدي تقبّل الصفات السيئة والتعامل معها في هذه المرحلة من الصداقة، ولذلك نجد أن الكثير من العلاقات قد تتوقف هنا لأننا لا نريد التعامل مع الجوانب المقلقة أو المختلفة لدى الطرف الآخر ونكتفي بصداقة "خفيفة وممتعة وعادية".
- صديق مقرّب: عدد قليل من الأشخاص يمكنهم الوصول إلى مرحلة الصديق المقرّب، وعدد أقل يمكنه الوصول إلى المستوى التالي "الصديق الحميم"، فالصديق المقرّب تجمعنا فيه علاقة وثيقة وقويّة ومستمرة، وتمتد العلاقة لمعرفة تفاصيل عائلية وشخصية دقيقة، كما تكون العلاقة أكثر مرونة وطبيعية.
- صديق حميم: ما يميّز الصديق المقرّب عن الصديق الحميم فعلياً هو استمرار الصداقة وما تمرّ به العلاقة من تجارب مع مرور الزمن، فالوقت يطرح اختبارات كبيرة لمتانة وقوة العلاقة، حتى تصل إلى أسمى درجات الصداقة التي أشار إليها أرسطو قائلاً "الصداقة هي روحين في جسد واحد"، وعادةً ما يصل عدد محدود من الأشخاص إلى هذه الدائرة الضيقة من الحميمية، ربما على مدار الحياة بالكاد نجد صديقاً حميماً أو اثنين، وفي أحسن الأحوال خمسة أصدقاء حسب رقم دنبار الذي أشرنا إليه في القدمة.
إذا اتفقنا أن المراحل الأكثر أهمية في بناء صداقة جيدة هي مراحل التعارف الأولى التي تساعدنا على تصنيف الأشخاص، فإنّ الهدف من فهم كيفية التعامل مع الأصدقاء الجدد هو منح العلاقة فرصة لتنمو وتتطور لأننا نعتقد أنها جديرة بذلك، وأهم قواعد التعامل مع الأصدقاء الجدد:
- حدد ما تريده من أصدقائك الجدد: بالدرجة الأولى يجب أن تفكر إن كنت تسعى للحفاظ على الأصدقاء الجدد في دائرة الصديق العادي، أم ترغب في تطوير العلاقة إلى ما هو أكثر من ذلك، وهل تبحث عن صداقة للمتعة والمشاركة في الأنشطة، أم تبحث عن صديق حميم مقرب... تحديد الأهداف من العلاقة سيساعدك على تحديد أفضل طريقة للتعامل مع الصديق الجديد.
- إظهار الاهتمام: تشير بعض النظريات أننا نخبر بعضنا من خلال لغة الجسد بمدى اهتماماً بالشخص الآخر أو رغبتنا بتطوير العلاقة معه، ولذلك نشعر أحياناً أننا منغلقون تجاه أشخاص معينين دون أن يبدر منهم شيء سيء، لكن في مرحلة أكثر تقدماً من الصداقة نحتاج لإظهار الاهتمام بطريقة أوضح، من خلال الانتباه لبعض التفاصيل والتفاعل الطبيعي مع الحديث أو المواقف التي نمر بها.
- الحفاظ على التواصل: ما يجعل الصداقة تنتقل من مرحلة إلى أخرى هو التواصل، فالتواصل بين الأشخاص يعزّز المعرفة، بالتالي يعتبر الحفاظ على التواصل بالحدود المعقولة من أهم قواعد التعامل مع الأصدقاء الجدد، وغالباً ما تكون جملة "ما رأيك بفنجان قهوة بعد الظهر" مفتاح تطوير العلاقة.
- تجنّب الإلحاح في التواصل: على الرغم من أهمية الحفاظ على تواصل مستمر مع الأصدقاء الجدد، لكن الإلحاح في التواصل أو حتى محاولة إجبار الآخرين على التفاعل معنا؛ الطريق الأقصر لإفساد العلاقة، يجب أن نحافظ على درجة منضبطة ومعقولة من التواصل، ويجب أن نقرأ مدى رغبة الآخر في التواصل معنا.
- ترك الأمور تسير بشكل طبيعي: نعتقد أن معظم علاقات الصداقة تتطور وتسير بشكل طبيعي دون الحاجة لوصفة مسبقة، لكن في نفس الوقت يتفاوت الناس في خبراتهم الاجتماعية وقدرتهم على إدارة العلاقات -ولذلك أعددنا هذا المقال- فإعطاء مساحة ووقت للعلاقة مع الأصدقاء الجدد سيكون خياراً حكيماً. [2]
- لا تستعجل بكشف أسرارك: نعلم أن الصداقة تتعمق بالأسرار والأحاديث الخاصة، لكن في التعامل مع الأصدقاء الجدد لا ننصح بالاستعجال بكشف الأسرار أو الحديث عن التفاصيل الخاصة، فما زالوا أصدقاء جدد! كما يجب ألّا نستعجل بمحاولة معرفة أسرار أصدقائنا الجدد وأن نقاوم فضولنا ونترك الأمور تتطور لوحدها.
- كن على طبيعتك ولا تتصنع: إن كنت مضطراً للتصنع ولبس الأقنعة فأنت لست في المكان الصحيح ولن تستطيع تطوير علاقتك مع الأصدقاء الجدد أو حتى الحفاظ عليهم، فجزء أساسي من شغفنا بالبحث عن الأصدقاء هي رغبتنا بعلاقة نكون فيها أشخاصاً طبيعيين، لذلك كن على طبيعتك ولا تحاول التصنّع.
- كن موجوداً: كن مستعداً لتقديم المساعدة للأصدقاء الجدد، وبادر في السؤال عنهم وعرض المساعدة، لكن لا تقدم مساعدة غير مطلوبة ولا تقدم تضحيات أكبر من العلاقة نفسها.
- الهدايا البسيطة: تعتبر الهدايا من الطرق الجيدة لتوطيد العلاقة مع الأصدقاء الجدد، لكن يجب أن تكون حكيماً باختيار الهدايا، لا تختر هديةً غالية، ولا تبالغ في تقديم الهداية.
- رسم الحدود من البداية: من الأمور المهمة التي يجب أخذها في الحسبان بالتعامل مع الأصدقاء الجدد هو رسم الحدود الواضحة، والتصريح بطريقة مهذبة وواضحة عن الأمور غير المتاحة للنقاش أو النقاط الحساسة التي لا نرغب بتجاوزها، ويجب أن نفهم أن رسم الحدود يمنحنا أصدقاء أفضل، لأن احترام هذه الحدود شرط للصداقة الحقيقية.
- احترام حدود الأصدقاء الجدد: أيضاً علينا فهم حدود الآخرين واحترامها، الصديق الجديد قد لا يكون منفتحاً على أسئلة تتعلق بعائلته أو علاقاته العاطفية، وربما لا يكون من الأشخاص الذين يحبون الحديث عن الناس أو الحديث في السياسة... إلخ.
- تتطور العلاقات بطرق مختلفة: لا تسير جميع علاقتنا بنفس النسق، قد تتطور علاقتنا مع صديق إلى أقصى درجة خلال أيام قليلة، فيما تسير علاقة أخرى بالتدريج لتبلغ الصداقة المقرّبة أو الحميمة بعد شهور وربما سنوات، وكلّما تركنا الأمور تسير على طبيعتها كلّما كانت العلاقة طبيعية وصادقة أكثر.
- لا ترفع توقعاتك: سيطر على توقعاتك عند التعامل مع الأصدقاء الجدد، حاول ألّا تستبق الأمور وتبني توقعات كبيرة من علاقة بدأت للتو، واترك الأيام والمواقف تثبت ما يستطيع أن يمنحك إياه الأصدقاء وما تستطيع أن تقدمه أنت أيضاً لهم. [3]
ذكرنا القواعد الأساسية للتعامل مع الأصدقاء الجدد، سواء كان الهدف هو الحفاظ على مستوى الصداقة نفسه أو محاولة تطوير ودعم العلاقة، ولا بد أن نتوقف مع الخطوات الرئيسية لتقوية العلاقة مع الصديق الجديد:
- السؤال والاطمئنان: تأكّد أنك على معرفة دائمة بآخر أخبار صديقك، وإذا كان هناك أي شيء استثنائي في حياته -إيجابي أو سلبي- تأكد أن تظل على تواصل للاطمئنان كيف تسير الأمور، واعرض المساعدة عندما يكون ذلك ممكناً.
- استمع لصديقك الجديد: الطريقة التي نتفاعل بها مع الحديث هي التي تجعل الآخر يرغب حقاً في الحديث إلينا أكثر وربما الحديث عن مواضيع أكثر خصوصية تؤكد أن الصداقة تنتقل لمرحلة جديدة، كن مستمعاً جيداً وأظهر الاهتمام الكامل بالحديث.
- شاركه المناسبات: حاول أن تكون من أوائل المهنئين في المناسبات السعيدة ومن أوائل المعزّين في الأتراح، وستكون لفتة جميلة أن تحتفظ ببعض التواريخ المهمة المتعلقة بصديقك الجديد مثل تاريخ ميلاده، وتأكد من حضور المناسبات عندما تتم دعوتك إليها.
- خطط للقاء شخصي: اللقاءات الشخصية مع الصديق الجديد بعيداً عن المجموعة سيكون لها أثر كبيرة في تقوية العلاقة وتحديد آفاق تطور العلاقة في المستقبل.
- الأنشطة المشتركة: اعرض على الصديق الجديد المشاركة في الأنشطة، مثل الذهاب معاً للجري أو إلى صالة التمارين الرياضة، أو مشاهدة فيلم في السينما أو في البيت.
- اطلب الاستشارة وقدمها: لا ننصح بلعب دور الناصح في الصداقات الجديدة، لكن في نفس الوقت يجب أن تكون مستعداً لتقديم الاستشارة أو التنبيه بطريقة مهذبة ومقبولة، كما أن طلب الاستشارة من الأصدقاء يعزز العلاقة ويجعلها أقوى.
- شارك بعض الأمور الشخصية: مشاركة الأمور الشخصية مع صديق جديد تجربة مهمة لنقل العلاقة إلى مرحلة جديدة، حيث تتيح الأحاديث في الأمور الشخصية مجالاً لنمو الروابط العاطفية بين الأصدقاء، لكن يجب أن تختار ما تشاركه مع الأصدقاء بعناية بحيث يكون أمراً شخصياً لكنه قابل للمشاركة. [4]
- استكمل الأحاديث: من الأمور التي تقوي العلاقة مع الأصدقاء الجدد أن تظهر اهتمامك بالمواضيع التي يتم طرحها والأحاديث المتبادلة، وأفضل طريقة لإظهار اهتمامك هي العودة إلى حديث سابق، راجع آخر محادثة مع صديقك وفكر بشيء سيكون من المناسب السؤال عنه مرة أخرى أو استئناف الحديث حوله.
كم ساعة يتطلب تكوين صداقة جديدة؟ هذا السؤال طرحه الأستاذ المساعد في جامعة كانساس الأمريكية Jeffrey Hall وأجاب عنه في ورقة نشرتها مجلة العلاقات الاجتماعية والشخصية عام 2018، حيث كانت نتيجة البحث أننا قد نحتاج أكثر من 50 ساعة معاً لبدء صداقة جديدة، وأكثر من 200 ساعة للدخول في علاقة صداقة حميمة. [5]
قسّم الباحث الوقت اللازم لتطوّر علاقة الصداقة على الشكل التالي:
- تكون نسبة التقارب بين المعارف حتى الوصول لمرحلة الأصدقاء العاديين أكبر بنسبة 50% عندما يقضون معاً أكثر من 43 ساعة خلال أول 3 أسابيع، والأشخاص الذين يظلون في دائرة المعارف نادراً ما يقضون معاً أكثر من 30 ساعة بشكل تراكمي خلال 9 أسابيع من أول لقاء.
- فرصة تطوّر الصداقة من صداقة عادية إلى أصدقاء مقرّبين تكون أكبر بنسبة 50% عندما يقضون معاً 90 ساعة بالمتوسط، وتزيد عن 50% في حال قضاء 119 ساعة معاً على مدى 3 أسابيع.
- يمكن أن تتطور الصداقة الحميمة بعد قضاء من 120 ساعة إلى 160 ساعة معاً خلال 3 أسابيع، لكن قد تحتاج إلى أكثر من 200 ساعة خلال 6 أسابيع.