الصراع بين الآباء والأبناء وأسباب فجوة الجيل
كل زمان له ظروفه الخاصة، وبالتالي قيمه وأفكاره وأولوياته الخاصة، ما كان محرم بالأمس قد يصبح أمراً مألوفاً وعادياً اليوم والعكس صحيح، وما هو أولوية وشيء لا بد منه اليوم قد يمسي أمراً مرفوضاً وربما مدعاةً للسخرية في الغد، هذا القانون الذي يحكم حركة الزمان وله الفضل لما وصلنا له اليوم من تطور وتقدم وعليه اللوم ببعض النتائج السلبية التي قد يعود بها هذا التطور، من هنا ينشأ الخلاف بين أبناء يعيشون الحاضر وينظرون إلى المستقبل وآباء يعيشون الحاضر ويتحسرون على الماضي، وهذا ما يعرف بصراع الأجيال.
يتعرض كل فرد أثناء المراهقة لفترة تتميز بنوع من النزاع مع الوالدين، ينشأ هذا النزاع كنتيجة لاختلاف طريقة التفكير ووجهات النظر بين الآباء والأبناء بسبب اختلاف البيئة التي نشأ بها كل منهما، يعرف هذا الاختلاف بفجوة الجيل المسببة للصراع بين الآباء والأبناء فالتغيرات الكبيرة التي يشهدها المجتمع في العصر الحالي تنعكس بشكل كبير على الأسرة وعلى علاقة الآباء بالأبناء، وتؤدي لفجوة تعرف بصراع الأجيال، ويمكن تلخيص مفهوم فجوة الجيل على النحو التالي: [1,2]
- يبدأ الأطفال دخول سن المراهقة بين 10 -13 عام من العمر، وبهذه الفترة يقومون بتكوين شخصياتهم المستقلة عن الآباء. وفترة المراهقة من أكثر الفترات التي يتأثر فيها الشخص بالمتجمع والبيئة المحيطة حيث يسعى فيها الإنسان لبناء شخصيته بما يتناسب مع المعايير التي يراها في المجتمع والبيئة المحيطة.
- بسبب الفارق الكبير في العمر بين الآباء والأبناء غالباً ما تختلف الثقافة والبيئة التي عاش فيها كل منهما ونادراً ما تكون نفس المعايير سائدة لدى كلا الجيلين.
- ومع اختلاف هذه المعايير تختلف الثقافة والاهتمامات والقيم والأذواق وأسلوب الحياة لكل جيل.
- هذا الاختلاف هو ما يدعى فجوة الجيل، حيث يسعى الوالدين بالكثير من الأحيان لتطبيع ابنائهم بما يناسبهم هم وما يريدونه هم متجاهلين استقلالية الابن التي يسعى للحصول عليها.
- وغالباً ما يأخذ الخلاف صورة عدم تفاهم بين الآباء والأبناء بسبب اختلاف النظرة للمجتمع لكل منهما.
- وعدم تفهم الولدين لاستقلال الشخصية التي يسعى لها ابنائهم ينتج عنه صراع كبير يعرف بالصراع بين الآباء والأبناء.
فجوة الجيل بين الآباء والأبناء تنعكس بصورة صراع بينهما يمكن أن يصنف لثلاثة أنواع رئيسية هي: [3]
- الخلافات البسيطة: عادةً ما يتعلق هذا النوع بالأمور الحياتية اليومية البسيطة كالخلافات حول مواعيد النوم للأبناء الدراسة والخروج أو ما يتعلق منها باللباس أو اتباع الموضة، إضافة لبعض السلوكيات التي قد يراها الوالدين مرفوضة لكن لا يكون لها تأثير كبير على مستقبل الأبناء
يجب على الوالدين تفهم الأبناء بهذه المرحلة وأنهم يعيشون نمط حياة مختلف عن الذي عاشه الوالدين، وقد يبدي بعض الآباء ردود فعل مبالغ فيها أحياناً نتيجة موقف مزعج تعرضوا له أو حالة مزاجية صعبة يمرون بها، لكن يجب تفهم الأبناء في هذه الأمور البسيطة ومراعاتهم قدر المستطاع. - وضع حدود للأبناء: في هذا النوع يحاول الوالدين وضع خطوط حمراء للأبن لا يجوز له تجاوزها ابداً لما لها من تأثيرات كبيرة يمكن أن تنعكس على حياته، على الوالدين أن يضعا حدود للأشياء التي تكون فعلاً مهمة في حياة الأبن كالأشياء التي تتعلق بدراسته وصحته ودفع الأخطار عنه، لكن في نفس الوقت يجب الحذر من المبالغة في هذه الحدود لأنها ستجبر الأبن على التمرد عليها ولو بشكل خفي، إضافةً لأنها سوف تؤدي لتدمير الرابط العاطفي والثقة بين الوالد والأبن في حال المبالغة في استخدامها.
- الصراع الشديد بين الآباء والأبناء: يعتمد في هذا النوع الوالدين بعلاقتهما مع الأبن على التهديد والوعيد والعقاب الشديد، تكون فيه النتيجة تدمير العلاقة العاطفية بين الأبوين والابن وقد تتسبب في بعض الأحيان بتدمير شخصية الابن وعدم السماح ببنائها من الأصل، حيث يمنع الابن من تجربة اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية والمرور ببعض التجارب الفاشلة والتعلم من هذه التجارب، مصادرة رغبات وقرارات الابن بهذه الطريقة تنعكس في الكثير من الجوانب السلبية عليه وخاصة محاولة اللجوء إلى للخارج للبحث عن شخصيته فيها وتجربة الحياة بعيداً عن التسلط الأبوي الشديد من قبل الوالدين.
فجوة الجيل هي نتيجة حتمية للتطور الاجتماعي البشري والتغيرات التي تطرأ على نمط الحياة مع تقدم الزمن، لذلك لا يمكن لوم الآباء أو الأبناء على حدوثها، مع ذلك يبقى الأبوين هم من يمتلك كفة العقل الراجحة وعليهم أن يتجنبوا القيام بما يزيد من هذه الفجوة، ومن الأسباب التي تزيد الفجوة بين الآباء والأبناء: [1,4,5]
- عدم تفهّم الوالدين للابن: ينشأ الوالدين في ظروف اجتماعية تختلف تماماً عن الظروف التي نشأ فيها الابن، في الغالب يكون الفاصل الزمني بين نشأة الوالدين والأبناء يصل إلى ربع قرن أو أكثر، وهذه فترة كافية لحدوث تغيرات في الكثير من المفاهيم التي نشأ عليها الوالدين، فما كان ممنوع في السابق هو أمر طبيعي الآن، وما كان الخيار الأفضل في السابق قد يكون غير صحيح الآن، وبالتالي ينشأ الخلاف حيث يريد الوالدين أن يتصرف ابنهما بما يعتقدان أنه صحيح، بينما يريد الابن أن يقوم بما هو يريد، وهذا من أكثر ما يزيد الفجوة بينهما.
- عدم التسامح وعدم تفهّم أخطاء الأبناء: كثيراً ما يغيب عن الوالدين التفاصيل والمواقف المحرجة والأخطاء التي قاما بها أثناء نشأتهما، ويريدان بالمقابل أن ينشأ ابنهما بدون ارتكاب أي أخطاء، يجب عدم التعامل مع أخطاء الأبناء على أنها ذنوب لا تغتفر، حيث أن ذلك سوف يزيد من الفجوة بين الأبوين وابنهما، وسوف يجعله يتمسك أكثر برأيه بدلاً من أن يتعلم من هذا الخطأ ويحاول تجنبه في المرات القادمة.
- إسقاط رغبات الوالدين على الأبناء: يقول جبران خليل جبران (أولادكم ليسوا لكم، أولادكم أبناء الحياة) وهذا واحد من أكبر الأِشياء التي على الوالدين تفهمها، حيث يسعى معظم الآباء لصنع شخصيات محددة يرغبون بها لأبنائهم، ويغيب عن بالهم ما يرونه ويحبونه ليس بالضرورة أن يرغب فيه ابنائهم، لذلك يجب عدم إجبار الأبناء على تقمص شخيصات لا يريدونها وتفهم رغباتهم التي يريدونها هم.
- المقارنة بين الآباء والأبناء: من أكثر الأخطاء التي يرتكبها الوالدين عند تربية أبنائهم هي مقارنة ابنائهم مع أنفسهم أو مع الآخرين، فمن منا لم يسمع مقارنة والدته له مع ابن خالته المتفوق، تعتبر المقارنة واحدة من أكثر مسببات الحواجز بين الطفل والولدين حيث أن الأبن يبدأ بخلق عالم خاص به يستطيع تفهم رغباته وأفعاله بعيداً عن العالم الذي يقارن به مع الآخرين واعتباره بأنه شخص فاشل أو غير جيد، الأمر الذي يؤدي لزيادة فجوة الجيل بين الوالدين والأبناء في النهاية.
- عدم التفاعل الكافي مع الأبناء: من أكثر الأخطاء أثناء تربية الأبناء عدم التفاعل الكافي معهم خلال اليوم وخاصةً في ظل ضغوطات العمل المرهقة وحاجات العصر الكبيرة التي تأخذ الوقت الأكبر من الآباء خلال اليوم، ما قد يتسبب بعدم الاطلاع جيداً على الظروف التي ينشأ بها الأبناء وغياب التوعية الهامة لهم، وفي بعض الأحيان المفاجأة بطريقة تفكير الأبناء التي استقوها من محيطهم والبيئة التي يعيشون بها.
يعتمد تأثير فجوة الجيل على مقدار هذه الفجوة الموجودة بين الآباء والأبناء، ففي المجتمعات والثقافات البسيطة غالباً ما تكون الفجوة بين الآباء والأبناء أقل منها في المجتمعات المتطورة وسريعة النمو، ويمكن لفجوة الجيل أن تتسبب بعلاقة سيئة بين الآباء والأبناء في حال عدم أخذ الخطوات المناسبة لتفادي زيادة هذه الفجوة ومحاولة إجبار الأولاد على نظام حياة لا يتلاءم مع ما يريدون، حيث تنعكس سلبيات هذه الفجوة على الأبن بما يلي[2]:
- تؤدي فجوة الجيل الكبيرة لانعدام الثقة بين الولدين والأبناء وبالتالي خلق مسافة كبيرة بينهم.
- سيحاول الأبناء خلق عالمهم الخاص بعيداً عن الوالدين وهذا قد يعرضهم للكثير من المخاطر المحتملة في ظل غياب توجيه يساعدهم على اختيار القرارات الصحيحة.
- يمكن أن يلجأ الأبناء إلى أشخاص أكثر تفهماً لهم حتى وإن كانوا من خارج العائلة وهذا قد يعرضهم للمخاطر.
- محاولة إخضاع الأبناء سوف تتسبب بحدوث توتر داخل الاسرة بالكامل وبالتالي حدوث القلق والاكتئاب لدى جميع أفراد الأسرى.
- يمكن في حالات الضغط الشديدة أن يلجأ الأبناء لسلوكيات خاطئة مثل التدخين وتناول الكحول أو المخدرات في بعض الأحيان لتخفيف شعور الضغط الذي يشعرون به.
- فرض الآراء الدائم على الأبناء وحرمانهم من اتخاذ القرار سوف يعرضهم للفشل بالحياة بشكل أكبر.
- في بعض الأحيان قد يخلق نوع من المشاعر السلبية تجاه الوالدين لأنهم كانوا عائق في وجه أحلام الأولاد وقد يشعر الابن انهم سبب فشله في الحياة ما يتسبب بانهيار العلاقة بينهما.
تجاوز فجوة الجيل ليست بالأمر الصعب، وقوة العلاقة بين الأوبين والأبن تساعد كثيراً في تقليل هذه الفجوة بينهما، وفي حال وجودها فهذه بعض النصائح التي يمكن أن تقلل من فجوة الجيل بدرجة كبيرة وتعالج مشكلة الصراع بين الأوبين والأبناء: [1,3,4]
- الإنصات والاستماع للأبناء: إتاحة الفرصة للأبناء للتعبير عن أنفسهم والاستماع لهم دون مقاطعة والاطلاع على أفكارهم ومخاوفهم وطموحاتهم، كل هذا يزيد من شعورهم بأنك تتفهمهم وتشعر بما يشعرون، ما يقوي العلاقة بين الوالدين وأبنائهم ويشجعهم على إخبار الوالدين بكل ما يتعلق بتفاصيل حياتهم اليومية والتقرب منهم بشكل أفضل.
- التفهم والاستيعاب: وخاصةً إذا كان الأبناء في مرحلة المراهقة، قد تبدو بعد التصرفات التي يقمون بها سخيفة بعض الشيء، لكن يجب تذكر أن الجميع تعرض لكثير من التجارب المتشابهة، لذلك يجب التفكير بطريقة تناسب أعمارهم وليست بطريقة الإنسان الناضج لفهم كيف يشعرون وكيف يجب التصرف معهم.
- الانفتاح وتقبل التغيرات: العالم اليوم مختلف عما كان عليه في السابق عندما كان الوالدين في مرحلة المراهقة، واختلفت معه الاهتمامات وأسلوب الحياة وتطورت فيه ثقافة مختلفة أيضاً، هذه عوامل على الوالدين أن يتفهموها جيداً عندما يرون انجذاب أطفالهم بعيداً عما كان يجذبهم، وانهم يعيشون نمط حيات مختلف عن الذي عاشوه، وخاصةً عندما تكون هذه الاهتمامات قد أصبحت مقبولة للمجتمع بشكل عام بعد أن كانت مرفوضة سابقاً، وتفهم الوالدين لهذه العوامل يقلل كثيراً من فجوة الجيل وقد ينجحون بأن يصيحوا أصدقاء لأبنائهم.
- التفاعل مع الأبناء: ضغوط الحياة تصبح أصعب على الوالدين يوماً بعد يوم وهذا قد يدفع الوالدين لقلة التواصل مع ابنائهم، لكن مهما بلغت الضغوطات الحياتية اليومية يجب على الوالدين أن يجدوا مساحة ووقت يقومون فيه بالتفاعل والتواصل مع الأبناء بشكل جيد والتعرف على احداثهم اليومية، هذا يؤدي لمفهم منبع الأفكار الجديدة التي يتعلمها الأبناء كل يوم وكيف يتعلموها وإمكانية توجيهم بشكل أفضل دون الضغط عليهم، وهذا بدوره يقلل كثيراً من الفجوة بين الجيلين.
- تقديم الدعم والحب بشكل دائم: يحتاج الإنسان منذ مرحلة الطفولة وحتى البلوغ للشعور بالحب وأنه يتمتع بأهمية لدى والديه وكينونة خاصة، هذا الشعور يقدم للأبناء الكثير من الدعم والثقة بالنفس ويشجعهم دائماً على اللجوء للوالدين في الظروف الصعبة، ويقابل بالحب من طرفهم أيضاً ويساهم في سيادة التفاهم ويقلل فجوة الجيل بالنتيجة.
- الحل الوسط: عند حدوث خلاف مع الأبناء، خلاف لا يمكن فيه تقبل ما يريدون والاصرار عليه من قبلهم فيمكن اللجوء لحل وسط بين الأبوين والأبن، وبدلاً من إجبارهم على رأي الوالدين، يمكن اغرائهم بمكافأة ما يحصلون عليها في حال تلبية مطالب الأبوين، مثل تقديم هدية يرغبون بها بشدة مقابل تفوقهم الدراسي.
- تبديل الأدوار: في بعض الأحيان يمكن اللجوء إلى تبديل الأدوار بين الآباء والأبناء، حيث عندما لا يستطيع الابن تقبل ما يريده الوالد، يمكن البحث عن طريقة تجعل من الأبناء تفهم مخاوف الأبوين وأن الدافع لتصرفات الأبوين هو الحب للأبناء والخوف على مستقبلهم.