هل يحق للوالدين أخذ راتب الأبناء؟
تختلف العادات والتّقاليد والقيم المجتمعيّة باختلاف المناطق وطباع الشّعوب والأسر، فنجد مثلاً في الغرب تباعداً أسرياً وجفاءً يغلف علاقة الآباء والأمهات بأبنائهم في حين نلاحظ في الشّرق الأوسط مثلاً روح التّآلف الأسريّ والقرب الاجتماعيّ بين الوالدين والأبناء. وكلن ما طبيعة العلاقة السّليمة بين الوالدين والأبناء؟ وهل التّحكّم بهم وبقراراتهم ومصيرهم وتفاصيل حياتهم حقّ للوالدين؟ وهل يجوز للوالدين أخذ رواتب الأبناء والتّحكّم بنفاصيلهم الماليّة أيضاً؟
في هذه المقالة عن حقّ الوالدين بأخذ راتب الأبناء والتّحكّم بهم سنتناول قضيّة العلاقة بين الوالدين والأبناء! ومدى سلطة الوالدين على الأبناء والأطر السّليمة والخاطئة للتّعامل معم والسّيطرة عليهم والتّحكّم بحياتهم وقراراتهم! كما مشكلة أخذ راتب الأبناء وحتى المتزوجين منهم وكيف يجب التّعامل مع هذه المواقف!
مما لا شك فيه أن للوالدين حقوقاً يتوجب على الأبناء تأديتها تجاه من ربوّهم وعلّموهم وسهروا من أجل راحتهم وتأمين مستقبلهم، ويمكن القول بأن أول حقوق الوالدين هو احترامهما وبرّهما وطاعتهما وعدم مخالفة أوامرهما. وعند الحديث عن الطّلبات والأوامر يجب أن نفرّق بين الطّلبات والأوامر المشروعة وغير المشروعة!
فالمشروع من طلبات الأهل وأوامرهم هو ما لا يلحق الضرر والأذى بالأبناء وحياتهم ومستقبلهم ولا يقلل من شأنهم ويقلّص من أهميّة قراراتهم وشخصيّاتهم. وبالطّبع الأطفال والمراهقون يحتاجون رعايّة وإشرافاً على قراراتهم وتصرفاتهم ويجب أن يتصرّف الأهل بحكمة ووعي ليساعدوا أبناءهم وليتجنبوا عنادهم وخاصّة في سن المراهقة!
ومن حقوق الوالدين عندما يكبر الأبناء ويبدأون حياتهم المهنيّة أن يراعوا مسؤوليات والديهم واحتياجاتهم وأن يساعدوهم بالنّفقات وتوفير الاحتياجات؛ فنرى بعض الأبناء يخصصون مبالغ ماليّة من رواتبهم لمساعدة الأم والأب والمساهمة في مصروف البيت! ولكن المشكلة عندما يتسلّط الأهل بنفوذهم على أبنائهم ويأخذون رواتبهم ويتحكمون بقراراتهم بشكل غير صحيح أو سوي! وهذا ما سنتحدث عنه بعد قليل ونوضح حقّ الوالدين بأخذ راتب الأبناء والتّحكّم بهم!
في دراسة أجرتها جامعة ينويفيرسيتي كوليج خرجت بنتيجة أن الأشخاص الأكثر سعادة ورضا هم من يرون بأن أهلهم أقل سيطرة عليهم وعلى قراراتهم وأكثر اهتماماً بالاستماع لآرائهم وعدم فرض قرارات حازمة عليهم. والأشخاص الذين تحكّم والداهم بهم حسب نفس الدراسة أظهرت الدراسة انخفاض الصحة العقيّة والنّفسيّة لهم. [1]
" الاستقلال الماديّ والقرارات الخاصّة بالأبناء"
يسعى كل إنسان لتحقيق ذاته في الحياة! والعمل والقرارات هما وجهان أساسيان مرتبطان بتحقيق الذات والاستقلال الفرديّ إذ أن الأبناء عندما يبدأون بالعمل وتحصيل دخل خاص بهم فإن هذا يوصلهم لمرحلة رضا نفسيّ وشعور بالاستقلال الماليّ والاعتماد على الذات بل ومساعدة الأهل في النّفقات والمصروفات داخل الأسرة.
ويشعر الفرد باستقلاليته وشخصيّته عندما يتخذ قراراته دون إملاء من أحد! وهذا لا يتقاطع مع مبدأ الشّورى والنّصح والأخذ بآراء المقربين من الأهل وخاصّة الوالدين! فبالطّبع خبرتهما في الحياة ومعرفتهما بأبنائهم وشخصيّاتهم وظروف حياتهم تؤهلهم لتقديم النّصح والمشورة والمقترحات لأبنائهم، لكن المشكلة في التّحكّم بتلك القرارات وفرضها على الأبناء
- إن تحكم الأهل بقرارات أبنائهم دون وجه حقّ هو ظلم وتجبر على حياتهم الخاصّة وفيه أذى تراكميّ قد يوصل الأبناء للرضوخ لأيّ ضغط من خارج المنزل ويقلّص مساحتهم الشّخصيّة فيصبحون أفراداً مهمشين غير قادرين على التّفكير المستقل واتخاذ القرارات البسيطة أو المصيريّة وذلك يجعل منهم أفراداً تابعين غير مسؤولين وغير مؤهلين لحمل مسؤوليات الحياة وتجاوز مصاعبها وتحدياتها!
- كما أن أخذ راتب الأبناء هو تعدّ على حقوقهم؛ فالرّاتب هو المقابل الماديّ الذي يحصل عليه الموظف نتيجة تقديم جهد ووقت وبذلهما في تحقيق أهداف المؤسسة أو الشّركة وإنجاز المهمات الموكلة إليهم وبالتّالي فإن الرّاتب هو المقابل للعناء والوقت المبذول ولا يحقّ لأحدٍ استغلاله وأخذه دون وجه حقّ
- إن الاستقلال الماليّ للأبناء ينمي لديهم مهارات تقدير الأمور والتّدبير والاقتصاد والتّوفير وتطوير أنماط الشّراء والاستهلاك وبالتّالي يحافظ على أموالهم ومدخراتهم! أما استغلال الوالدين وأخذهم راتب الأبناء بحجة عدم قدرتهم على الإدارة والتّرف بأموالهم أو حتى من غير إعطاء أيّ تبرير إنما هو سلوك خاطئ ومؤذ نفسياً ومادياً للأبناء. [2]
- يتوجب على الوالدين نصح أبنائهم وتقديم خلاصة خبرتهم لأبنائهم مع مراعاة اختلاف الأزمنة والمعطيات ومتطلبات الحياة. وهنا يتوجب على الأبناء تحديد أولوياتهم وتعلّم حسن إدارة الرّاتب والمدخرات ولا مانع أو مشكلة في مساعدة الأهل في مصروف البيت ولكن ضمن حدود الإمكانيات المتاحة! وهذا بالطّبع لا يعني سيطرة الأهل على راتب الأبناء أو التّحكّم بقراراتهم.
- وعلى صعيد القرارات واستقلاليتها فالمهم هو إعطاء الأبناء مساحة لخوض تجارب الحياة وتحمّل عواقب ونتائج قراراتهم وهذا مهم جداً لحمايتهم مستقبلاً فالإنسان نتاج تجاربه وخبراته. هنا يجب على الأهل تفعيل دورهم الرّقابيّ والتّوجيهيّ ولكن دون فرض قرارات وتحكم مطلق بالأبناء، بل مساندتهم ودعمهم وتشجيعهم على اتخاذ القرار. فهي مهارة ضروريّة في الحياة ويجب تنشأتها مع الطّفل وزيادة مساحتها مع الوقت والوعي لديه.
تصبح مشكلة تدخل الوالدين في حياة الأبناء أكثر صعوبةً وتشعباً وتعقيداً في حالة الأبناء المتزوجين! فالتّدخل في هذه الحالة يكون في حياة الأبناء وشركائهم وهذا ما لا يقبله أحد! فحياة الأبناء بعد الزّواج تنفصل عن حياة الوالدين في بيت الأسرة! فيصبح الأبناء مسؤولين عن بيت مستقل وشريك وهذا يتطلب منهم اتخاذ قرارات وإدارة الأمور الماليّة والنّفقات بشكل مختلف عما كان عليه الوضع عندما كان الأبناء في بيت الوالدين.
تعاني الكثير من السّيدات المتزوجات من تسلّط أهل زوجها على قراراتهم الداخليّة والخاصّة بهما وبأطفالهما! كما مشكلة أخذ الوالدين راتب الأبناء أو جزءاً كبيراً منه بالتّسلّط والإجبار. تسبب هذه المشاكل تبعات أكثر سوءاً وقد تكون نواة لمشاكل أسريّة كبيرة في حياة أبنائهم مع زوجاتهم أو بناتهم مع أزواجهم فلا يحبّ أحد أن يتدخل أي شخص في شؤونه الأسريّة الخاصّة وتفاصيل بيته وقراراته.
كما أن الجو سيكون مشحوناً بالحقد والكره والسّلبيّة والمجاملة الكاذبة وهذا ما سيجعل الاجتماعات الأسريّة وتواجد الوالدين في أيّ مجلس تتواجد فيه زوجات أبنائهم وأزواج بناتهم بيئة خصبة للمشاكل الأسريّة والمخاصمات وله تبعات قد توصل إلى تفكك ودمار أسر أبنائهم وانفصالهم عن زوجاتهم وأزواجهم!
وفي إحدى الدراسات التي ركزت على تأثير سيطرة الأهل على أبنائهم وتحكمهم بقراراتهم نتج أن السّيطرة النّفسيّة تحد من استقلاليّة الطّفل وتتركه أقل قدرة على تنظيم سلوكه واتخاذ قرارات مستقلّة دون تدخل أحد. والارتباط العاطفيّ للفرد في طفولته ينعكس على سلوكه وعاطفته تجاه الوالدين عندما يكبر! فالسّطوة الأسريّة وتقييد حريات الأطفال والتّحكّم بهم في الصغر قد ينتج ردات فعل عنيفة تجاه الوالدين عندما يكبر الأبناء ويستقلون ويتزوجون! [1]
كما يجب على الوالدين أن يتفهما أن لأبنائهم مسؤوليات ماليّة منفصلة ومستقلّة وليست بقليلة أو سهلة، حيث أنه بعد الزّواج أصبح مسؤولاً عن زوجته ومصاريفها ومصاريف بيته وإن كان لديه أطفال فإن عليه أعباءً ماليّةً تتعلّق بمتطلباتهم وصحتهم وتعليمهم وغيرها وعليهم أن يراعوا ذلك ويتفهموه!
أبي يأخذ راتبي! كيف أتصرف معه؟
للتّعامل مع سطوة وتحكم الوالدين بحياة أبنائهم وأخذ رواتبهم نقدم مجموعة من النّصائح لتجنب المشاكل النّاتجة عن تدخل الأبوان في قرارات الأبناء: [3] [4]
- الحوار والنّقاش هو أبو الحلول! فالحديث مع الوالدين بمنطق وهدوء حول تبعات أسلوبهما المتحكم بقرارات الأبناء وأخذ راتبهم قد يؤدي إلى إنهاء المشكلة وتفهّم الأهل لأضرار أسلوبهم وتعاملهم بطابع السّطوة والإجبار!
- محاولة موازنة الأمور واتخاذ قرارات مستقلّة وتحمّل عواقبها من قبل الأبناء.
- أكد استقلاليتك. فعليك أن تخبرهم بوضوح أنك لم تعد طفلاً وأنك قادر على اتخاذ قرارات وإدارة تفاصيل حياتك بمساعدتهم ونصحهم ولكن دون تحكم وإجبار.
- تعلّم كيف تقول لا! وهنا نؤكد على ضرورة ووجوب احترام الوالدين لكن الرّضوخ والمجاراة على الخطأ تولّد أخطاءً أكبر. تماماً مثل كرة الثّلج فإن التّمادي والتّدخّل والتّحكّم بحياة الأبناء وأسرهم وزوجاتهم وأبنائهم سيكبر ويصل لمرحلة يصعب تحمّلها والتّعامل معها لذلك من البدايّة تعلّم كيف تقول لا بأدب ودون تجريح!
- عدم السّماح للأهل بإهانة الزّوجة والتّحكّم بها ويجب أن يكون الموقف حازماً وواضحاً فالإبن المتزوج أصبح مسؤولاً عن أسرة مستقلّة ويجب احترام أفرادها وعدم التّدخل في شؤونهم.
- في حال أصرّ الأهل على التّدخل وأخذ الرّاتب ينصح بعدم الإفصاح عن تفاصيل الرّاتب والعمل الحقيقيّة إذا كان الإبن مضطراً للرضوخ لأوامر أهله وسطوتهم.
- تخصيص جزء من الرّاتب للوالدين عن طيب نفس هو سلوك طيب ويمكن أن يترك أثراً إيجابياً ويسدّ حاجة الوالدين.
- التّفكير الجيد قبل اتخاذ القرارات وخاصّة عندما يكون الابن قد اعتاد على عدم اتخاذ أيّ قرار بسبب سيطرة أهله وتحكّمهم بقراراته، لذا يجب أن يفكر جيداً في أيّ قرار سيتخذه ودراسة عواقبه وتحمل تبعاته دون خوف فالحياة تعلمنا من خلال التّجارب والمواقف.
- التّوقف عن لوم الذات والشّعور بالتّقصير تجاه الأهل إذا كان ما يؤديه الابن تجاه والديه من حقوق ومسؤوليات هو المستطاع والممكن حسب ظروفه وتفاصيل حياته.
- نصيحة للأهل المتسلّطين والذين يفرضون على أبنائهم كلّ القرارات ويتحكّمون فيهم: الأبناء حتى عمرٍ معين قد يكونون مجبورين على عدم مخالفة أوامر الأبوين لكن إذا كانت العلاقة مبنية على أساس الإكراه والإجبار فإنهم سيفقدونها حتماً في يوم من الأيام ولن يكون الرّابط العاطفيّ ذا قيمة وقتها. ويمكن تقديم النّصيحة المشهورة: "عامل كما تحب أن تعامل".
سوء التفاهم قد يكون المشكلة الرئيسية التي تواجه الأبناء في محاولة الاستقلال عن الآباء والأمهات، فالأمهات قد ينظرن إلى استقلال الأبناء كانفصال عاطفي وقطيعة وابتعاد أكثر منه تطوراً طبيعياً وضرورياً في علاقة الأم مع ابنها، فيما ينظر الابن إلى تدخلات الأب والأم في حياته كنوعٍ من التسلط والسيطرة أكثر منه محبةً وعطفاً، في هذا الفيديو يتحدث الدكتور هاني الغامدي مستشار العلاقات الاجتماعية عن مشكلة الأم المتسلطة وتدخلها في حياة الأبناء، وكيفية التعامل مع هذه القضية، شاهد الفيديو من خلال النقر على علامة التشغيل أو من خلال الانتقال إلى حلوها tv عبر النقر هنا: