المشاكل المالية بين الزوجين وحلول المشكلات المالية في الزواج
في معظم الزيجات تبدأ الخلافات المادية والمالية من مرحلة الاستعداد للزواج وتجهيز السكن وحفل الزفاف وما يرافق ذلك من خلافات ممتدة إلى عائلات العريسين، ثم نادراً ما تغيب الخلافات المتعلقة بالمال عن الحياة الزوجية في مراحلها المختلفة، وما يحدد انعكاس المشكلات المالية على الزوجين هو طريقة التعامل معها منذ البداية والاتفاق والتفاهم على الخطوط العريضة لإدارة الأمور المالية بين الزوجين، وإلّا سيطرت الخلافات المالية على حياتهما، وليس من النادر أن تقود إلى الانفصال والطلاق.
قد تبدو الخلافات المالية والمادية فريدةً في كلِّ زواج، ومع ذلك يمكن تحديد بعض أكثر أنماط المشكلات المالية شيوعاً بين الزوجين على الشكل التالي:
- حقوق الزوجين المالية: مسألة تحديد الحقوق المالية بين الزوجين من المسائل المعقدة للغاية، لأنها ترتبط بمساهمة كلّ منهما بالمصروفات وشراء الممتلكات والسلع المعمرة، ومفهوم كلّ منهما عن المساهمة المالية الطوعية وعن الواجب الإجباري، كما تبدو الحقوق المالية للزوجين على بعضهما نسبية في الكثير من الزيجات، فالزوجة العاملة قد لا تعتقد أن المساهمة المالية واجبة عليها، فيما يرى الزوج أن من حقه عليها المشاركة في الأمور المالية، كما أن زوجة الرجل الميسور قد تعتبر أن حقوقها المالية على زوجها أكثر مقارنة بزوجة الفقير أو المتوسط.
- الابتزاز المالي بين الزوجين: يتمثل الابتزاز المالي بين الزوجين بتحويل القضايا المالية إلى ورقة ضغط في الخلافات الأخرى، أو المساومة باستخدام المال والأمور المادية، حتى أن المساومة تصل بين بعض الأزواج إلى ربط الإنفاق بالتسامح مع سلوكيات منحرفة، أو ربط العلاقة الحميمة بالأمور المالية واستخدامها كورقة ضغط إضافية.
- البخل في الزواج: كذلك بخل أحد الزوجين يعتبر من المشاكل المالية الشائعة، وعلى الرغم أن بخل الزوج هي الحالة الأسوأ باعتبار الرجل مسؤول مسؤولية إلزامية عن نفقات الأسرة؛ لكن بخل الزوجة قد يكون أيضاً نقطة خلاف بين الزوجين، خصوصاً عندما يتعدى الحرص إلى التقتير والشح بالتزامن مع كرم الزوج، مثل قصص حاتم الطائي مع زوجته حليمة!
- الإسراف والتبذير: على الجانب الآخر نجد إسراف الزوجة مشكلة شائعة أيضاً، حتى وإن أسرفت من مالها الخاص سيكون ذلك مثاراً للخلاف بين الزوجين، وربما أحبت النساء الرجل الكريم، لكن إسراف الرجل وتبذيره للمال يسبب توتراً في العلاقة الزوجية، لأنه يؤثر على مستقبل الأسرة وقد يصل إلى حدود غير معقولة.
- اختلاف الشخصية المالية: وقد لا تتعلق المشكلة في البخل أو التبذير بقدر ما تتعلق بتباين واختلاف الشخصية المالية للزوجين، ويظهر هذا الاختلاف أيضاً في التخطيط المالي، حيث يميل أحد الشركاء للاستمتاع بالمال وعيش الحياة، فيما يميل آخر للاستثمار والاكتناز.
- الأسرار المالية بين الزوجين: الإنفاق والادخار السري من النقاط الحساسة في علاقة الزوجين، خصوصاً إذا استطاع الشريك الغامض أن يخفي مدخراته أو أملاكه لفترة طويلة فيها ما فيها من الضائقة المالية والضغوط المادية، حيث يكون اكتشاف الأسرار المالية للشريك صدمة لا يقل وقعها عن صدمة الخيانة الزوجية!
- عدم التكافؤ المالي بين الزوجين: تفاوت الرواتب والعوائد المالية لكل من الزوجين قد يكون سبباً للخلاف، فهل يجب أن تكون المساهمة مناصفةً أم يساهم كل طرف حسب مرتبه ومقدرته المالية؟ وهل مساهمة المرأة التي تتقاضى راتباً أعلى من زوجها إلزامية أم تطوعية؟ ثم هل يستطيع الزوج التعامل مع تفوّق زوجته عليه من الناحية المالية؟
- الإنفاق على أهل الزوج أو أهل الزوجة: عندما يكون الزوج مسؤولاً عن أسرته الكبيرة وينفق على أبويه أو أخوته سيواجه في كثيرٍ من الحالات اعتراض الزوجة أو انزعاجها، وكذلك الأمر عندما تقدم الزوجة مساعدات مالية لأهلها من مالها الخاص أو من مال زوجها، وغالباً ما ترجع هذه المشكلة إلى الشعور بأحقية الأسرة بالمال بدلاً من إنفاقه على آخرين وإن كانوا الأهل، وقد ترتبط أيضاً بطبيعة العلاقة مع أهل الزوج أو الزوجة.
- تغيّر المستوى المادي: لا شكّ أن التغيّرات في المستوى المادي من التحديات الصعبة التي يواجهّا الزوجان، حيث يكون الانتقال من الغنى إلى الفقر نقطة اختبار للزوجين، وكذلك الانتقال من الفقر للغنى، وهنا نرجع إلى مفهومي المساومة ونسبية الحقوق المالية.
- الأمور المالية عند الانفصال: لا يوجد ظروف أنسب لظهور المشكلات المالية بين الزوجين من ظروف الانفصال، حيث يبدأ الحديث عن فكّ الشراكة المالية وحصول كلّ منهما على حقوقه من أصغر قطعة أثاث وحتى أثمن ممتلكاتهما، فضلاً عن الخلافات المتعلقة بحقوق الزوجة المالية بعد الطلاق واستخدامها كورقة ضغط أو وسيلة للانتقام.
نعتقد أن المشاكل المالية والمادية بين الزوجين ترتبط جميعها بسببٍ واحد وهو غياب التفاهم الصريح على الأمور المالية من بداية الزواج، حتى وإن لعبت شخصية الزوجين وطريقة تفكير كلٍّ منهما دوراً في إشعال الخلافات المالية أو إخمادها؛ لكن يبقى الأصل في نشوء وتفاقم المشاكل المالية بين الزوجين هو الحدود المرنة للأمور المالية وغياب الضمانات للحقوق أو حتى تعريف الحقوق والواجبات المالية في الزواج.
خذ مثلاً الحالة الشائعة حيث تقوم الزوجة بتقديم راتبها لزوجها على مدى سنوات، لكن الزوج يسجّل باسمه كل ما يشتريه مثل البيت أو السيارة أو حتى توظيف المدَّخرات في استثمارٍ أو مشروع، وفي لحظة النزاع بين الزوجين تجد الزوجة نفسها قد خسرت سنوات من العمل الشاق في سبيل أسرتها، ليتم نكران ذلك مادياً ومعنوياً، والأصل في الخلاف هنا أنهما لم يتفقا على حقّ كلٍّ منهما في هذه المشاركة.
اقرأ على حِلوها قصة بعنوان "ماذا أفعل مع زوجي الذي أخذ مدخراتي ويرفض إرجاعها؟" انقر هنا.
- حل مشكلة الحقوق المالية بين الزوجين: بالدرجة الأولى يجب أن يتفق الزوجان اتفاقاً واضحاً على حقّ كلٍّ منهما وواجبه في الأمور المالية والمادية، وللزوجة حقوقٌ مالية ترتبط بالشرع والعرف، وأما حقّ الزوج بمال زوجته فيكون بالاتفاق.
ولا مفرّ من المكاتبة والتعاقد الموثّق فيما يتعلق بالأملاك أو المشاركة المالية بين الزوجين في الاستثمارات أو المشاريع، ويعتبر التعاقد القانوني الموثّق حول الأملاك والحصص المالية وسيلةً مشروعة بل وضرورية للحفاظ على حقوق الزوجين المالية على الأمد الطويل. - حل مشكلة الابتزاز المالي في الزواج: المساومة المالية أسوأ ما يمكن أن يحصل في الزواج، والحل ألّا يرضخ أي طرفٍ لابتزاز الطرف الآخر، وأن يتم وضع قواعد واضحة للقضايا المالية تمنع المساومة والابتزاز، وربما لا تنتمي المساومة المالية بين الزوجين إلى المشاكل المالية بقدر ما تنتمي إلى المشاكل الأخلاقية!
- حلول الزوج البخيل: التعامل مع الزوج البخيل يبدأ من تعزيز الاستقلال المالي للزوجة، فمن النادر أن يصبح البخيل كريماً أو معتدلاً حتى، لذلك لا نجد حلّاً لمشكلة بخل الزوج إلّا تأمين مصادر دخلٍ جديدة للأسرة بعيداً عن الزوج، وإلزامه بالنفقات الأساسية التي لا يستطيع التهرّب منها، ثم العمل على تطوير مصدر دخل خاص بالزوجة. راجعي مقالنا عن التعامل مع الزوج البخيل من خلال النقر هنا.
- حلول الزوجة المسرفة: الإسراف أيضاً يرتبط بدوافع نفسية عميقة تصعب السيطرة عليها، ولذلك قد يكون الحل المثالي للإسراف هو ضبط المصروف من المنبع، وتقليل احتمالات التبذير من خلال تقليل المال المتوفر بين يدي الطرف المسرف، وربما يصح اللجوء أيضاً للاستثمار الفوري للفائض المالي، مثل وضعه في وديعة مجمدة لأجل طويل حتى وإن كان المبلغ صغيراً، أو ادّخار المال في الأصول لتجنب هدره في الخصوم، اقرأ مقالنا عن التعامل مع الزوجة المسرفة من خلال النقر هنا.
- حل الخلافات حول الإنفاق على الأهل: من حق الأهل على الأبناء النفقة والمساعدة عند الحاجة، ولا يمكن للزوج أن يحبس ماله عن أهله، كما أن الزوجة لن تستطيع أن ترى أهلها في حاجة ولا تساعدهم، ولحل هذا النوع من الخلافات المالية يجب أن يتم الاتفاق بين الزوجين على امساك العصا من المنتصف، والتفاهم على وجهة نظرٍ مشتركة وحتى تحديد مبلغٍ معين لمساعدة الأهل، هذا لن يكون سهلاً ولن ينجح من أول حوار، لكن عندما يصل الزوجان لهذا الاتفاق ستسير الأمور بشكلٍ أفضل.
- التعامل مع التقلبات المالية: يرتبط تقبّل تغيّر المستوى المادي للأسرة -للأحسن أو للأسوأ- بشخصية الشريك ومبادئه وطريقة تفكيره، فالزوج إذا زاد ماله فاتجه للخيانة والسلوكيات المنحرفة لم يعد الخلاف مالياً بل أخلاقياً، وكذلك الأمر إن هجرت الزوجة زوجها لفقره وقلة حيلته!
- الأسرار المالية بين الزوجين: نظرياً من حق الزوج والزوجة الاحتفاظ ببعض الأسرار المالية، لكن على أرض الواقع تعتبر الشفافية بين الزوجين شرطاً من شروط الزواج الناجح، على الخصوص في الأمور المالية حيث تكون الأسرار تعبيراً عن عدم الثقة أو الاستعداد لخيارات غير متوقعة.
- حل المشاكل المالية عند الطلاق: لا شكّ أن حل الخلافات المالية عند الطلاق مبنيّ على طبيعة العلاقات المالية التي جمعت بين الزوجين على طول فترة الزوج، فعندما يعمل الزوجان على حفظ الحقوق المالية لن يواجها أي مشاكل مادية عند الطلاق، كما يجب على الزوج والزوجة أن يعرفا حقوقهما عن طريق أهل العلم والاختصاص، وغالباً ما تُحسَم الخلافات المالية في المحاكم إذا تعذّر الوصول إلى حلٍّ بالتراضي، كما يكون تدخل الحكماء من الأهل والمعارف ضرورياً لتبديد الخلافات المالية وإعطاء كل ذي حقٍّ حقّه.
يقوم مفهوم الشراكة المالية بين الزوجين على المساهمة معاً بالإنفاق والادخار وربما الاستثمار، ولا تعتبر المشاركة المالية ملزمة في الزواج، وإنما هي قرار يتفق عليه الزوجان في سبيل تحسين وضعهما وتأمين مستقبل الأبناء، وتقوم المشاركة المالية بين الزوجين على بعض المبادئ الأساسية نذكر منها:
- الشراكة المالية في الزواج شراكة تطوعية، فالأصل أن يكون الرجل هو المنفق، فإن أنفقت المرأة كان ذلك تطوّعاً، وإن أعطت المرأة المال لزوجها في تجارةٍ أو استثمار لا يسقط حقها برأس المال والأرباح.
- الشراكة المالية بين الزوجين يجب أن تكون عن حب ورغبة وتفاهم.
- شراكة الزوجين في الأعمال والاستثمارات والأملاك يجب أن تكون شراكة قانونية مثل أي شراكة بين غريبين، ويجب أن يتم هذا النوع من الشراكة بواسطة العقود والصكوك القانونية الموثّقة.
- الالتزام من المبادئ الأساسية للشراكة المالية بين الزوجين، فلا يحقّ للزوجة أن تنسحب من الشراكة فجأة تاركةً أقساطاً معلقةً في رقبة الزوج مثلاً، كما لا يحق للزوج أن ينسحب من النفقات الكمالية التي التزم بها في إطار الشراكة المالية.
- الشراكة المالية في الزواج شراكة هادفة، حيث يميل البعض للشراكة من باب التقليد وادعاء التحرر، فيما يغيب هدف هذه المشاركة في المال، وغياب الهدف من الشراكة يعني شراكةً هشّة.
- أخيراً... يجب أن تكون الشراكة المالية بين الزوجين مناسبة لهما أكثر من الاستقلالية، حيث نرى الكثير من الزيجات الناجحة تقوم على استقلال الموارد المالية للزوجين وحتى استقلال النفقات، فإذا كانت شخصية الزوجين وطبيعة علاقتهما تتناسب مع الاستقلالية المالية كان ذلك أفضل لهما، ولا يصح اللجوء للشراكة المالية في الزواج من باب البريستيج!
من وجهة نظرٍ شرعية حقّ الزوجة على زوجها النفقة، ومن واجب الزوج أن ينفق على زوجته وأولاده الكفاية من المأكل والمشرب والمسكن والملبس، وما فوق ذلك يعود للزوج، وقال تعالى في سورة النساء "الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ". والأحب أن ينفق الرجل على أهل بيته حسب حاله ولا يقف عند الكفاية إن قدر ولا يمنع عنهم ماله. [4]
وحتى إن كانت الزوجة موظّفةً أو صاحبة مال لم يسقط حقّها الشرعي بالنفقة، ووجب على الزوج أن يكفيها بما ذكرنا حتى إن كان أقل منها مرتَّباً أو مالاً، فإن كان بين الزوجة والزوج اتفاقٌ على أن تنفق على نفسها لا بأس.
وأما حق الزوجة بمال الزوج من جهة المليكة، مثل أن تطلب الزوجة بيتاً باسمها أو رصيداً في البنك أو حصّةً من ماله؛ فهذا ليس حقاً ثابتاً لها، وإن أعطاها فعلى سبيل الهبة والهدية.
ولا تبتعد الأعراف ووجهة النظر الاجتماعية كثيراً عن هذه الرؤية، لكن تطور الحياة وانخراط المرأة في سوق العمل جعل البعض يعتقدون أن قدرة المرأة على كفاية نفسها مالياً قد تسقط عن الزوج نفقتها، خصوصاً إن لم يكن الزوج ثرياً مقتدراً، ونؤكد أن حق الزوجة في النفقة الشرعية ثابتٌ وإن فاقت زوجها ثراءً.
لا حقّ للزوج في مال زوجته سواء في راتبها إن كانت موظفة أو في مالها من ميراث أو مشروع أو غيره، وكلّ ما تقدِّمه الزوجة من مساهمة مالية للأسرة أو للزوج هو تطوّعٌ منها وليس واجباً ثابتاً عليها، ويحقّ للزوجة أن تطلب من الزوج ما يثبت حقوقها المالية مهما كان نوعها، هذا من وجهة نظر الشرع.
ولا يوجد في قوانين الدول الإسلامية ما يعطي للزوج حقّاً في مال زوجته، فيما تذهب بعض القوانين في الدول الغربية إلى تشارك المال والأملاك بين الزوج والزوجة، وتقاسمها عند الطلاق بحكم المحكمة، وقد ناقش موقع حِلّوها قضية حق الزوج بأخذ راتب الزوجة في مقالٍ منفصل يمكنكم العودة إليه من خلال النقر هنا.
تحدثنا عن أهمية توثيق الشراكة المالية بين الزوجين خصوصاً لجهة الأملاك أو المشاريع والاستثمارات المشتركة والإقراض، وفي هذا الفيديو يحدثكم الدكتور هاني الغامدي مستشار العلاقات الأسرية والاجتماعية عن أهمية المكاتبة الشرعية بين الزوجين لضمان الحقوق المالية وتجنب الخلاف على الأمور المادية، شاهدوا الفيديو من خلال النقر على علامة التشغيل أو الانتقال إلى حِلّوها tv عبر هذا الرابط: