التأقلم والتكيف مع الحياة الجامعية وبيئة الجامعة
التكيُّف مع الحياة الجامعية بمستوياتها المختلفة يعتبر شرطاً من شروط التفوّق في الدراسة الجامعية وتحقيق التوافق الدراسي والاجتماعي للطلاب، خصوصاً وأن المرحلة الجامعية تشهد تحوّلاتٍ كبيرة في حياة الطالب بدءاً من التخليّ عن الثياب الموحّدة -في معظم الجامعات- وليس انتهاءً باختلاف طريقة التدريس وطبيعة العلاقة بين الطالب والمدرس وبين الطلاب وبعضهم.
نحاول في هذا المقال أن نتوقف مع أبرز طرق وآليات تحقيق التكيُّف والتأقلم مع الحياة الجامعية والتحديات التي تواجه الطالب الجامعي على مستوى الدراسة الجامعية أو العلاقات الاجتماعية والتفاعل مع محيطه الجامعي.
يبدأ التأقلم مع الحياة الجامعية من فهم مستويات حياة الطالب الجامعي وتداخل هذه الطبقات أو المستويات مع بعضها، فالطالب الجامعي بحاجة لتنظيم حياته بمجملها لتحقيق أهدافه الدراسية إضافة إلى حاجته الماسّة للشعور بالانتماء والتكيّف الاجتماعي، وهذه أهم النقاط والنصائح التي تساعد على التأقلم مع الحياة الجامعية من السنة الأولى أو حتى في المراحل الجامعية المتقدمة: [1,2,3]
- القلق والتوتر شعور طبيعي: يجب أن تتفهم مشاعرك المضطربة مع بداية الدراسة الجامعية، فالقلق والتوتر والمشاعر السلبية وحتى الغضب والعدوانية جميعها مشاعر طبيعية يختبرها معظم الطلاب في بداية الدراسة الجامعية، وقد ترافقهم مع كل إجازة وعودة إلى الجامعة، لذلك يجب أن تتسامح مع هذه المشاعر الطبيعية وتتفهمها وتحاول التعامل معها بدلاً من تعزيزها أو الخوف منها، ستساعدك باقي النصائح في التعامل مع المشاعر السلبية في حياتك الجامعية.
- تعرّف أكثر إلى جامعتك: باستخدام محرك البحث على شبكة الانترنت يمكنك أن تقرأ المزيد عن جامعتك، عن تاريخ الجامعة والخريجين الأكثر تميزاً، الأحداث المهمة في الجامعة والنشاطات التي قامت بها وتقوم بها.
- تعرف إلى الحرم الجامعي: إذا كنت طالباً جديداً وما زلت تشعر بالرهبة من الحرم الجامعي؛ فعليك الآن أن تبدأ باكتشاف الحرم الجامعي، عادةً تتألف الجامعات الكبيرة من أقسام متعددة تشبه المتاهة، ومن الأساليب الفعالة في التأقلم مع الحياة الجامعية هو اكتشاف هذه المتاهة، فعندما تشعر أنك تعرف هذا المكان وتعرف أقسامه وطريقة الوصول إليها؛ ستشعر أنك تنتمي لهذا المكان أكثر.
- اهتم بتنظيم الوقت: إدارة الوقت أولوية للطالب الجامعية، ولا يمكن تحقيق التأقلم مع الحياة الجامعية دون تنظيم الوقت بشكل مثالي أو أقرب إلى المثالية. استخدم أدوات تنظيم الوقت التقليدية مثل رسم مخطط على الورق أو استعن بالتطبيقات الحديثة لتنظيم الوقت، حاول أن تبني مخططاً مرناً وفعالاً لإدارة الوقت ما يساعدك على فهم المراحل التي سيمرّ بها يومك ويخفف عنك القلق والتوتر، ويحميك أيضاً من الفوضى التي قد تؤثر على دراستك أو على حياتك الاجتماعية في الكلية.
- ابحث عن أماكن تناسبك في الجامعة: هناك الكثير من الأماكن في الجامعة لتقضي فيها وقتك، هناك مطاعم ومقاهٍ للطلاب، ومكتبة للقراءة، حدائق... وغيرها من الأماكن التي تلبي احتياجات مختلفة للطلاب، اختيار الأماكن التي تناسبك أكثر مقدمة للانخراط في الفئة الاجتماعية من الطلاب التي تقصد هذه الأماكن، سيساعدك التواجد الدائم في المكتبة مثلاً على بناء علاقات مع الطلاب الأكثر اهتماماً بالدراسة.
- تجنب أي نوع من المشاكل: حتى في المراحل الجامعية المتقدمة هناك الكثير من الضغوط التي تسبب التوتر للطلاب، لست وحدك المتوتر أو الغاضب، لذلك يجب عليك أن تحاول قدر الممكن تجنب أي نوع من المشاكل مع طلاب آخرين أو مع المدرسين والعاملين في الجامعة، حاول أن تمتص غضبك وتحلّ المشاكل بطريقة تليق بطالبٍ جامعي.
- كن أكثر من مجرد طالب عادي: من النصائح المهمة لتحقيق التكيّف مع الحياة الجامعية أن تحاول الاتصال مع سوق العمل قبل التخرج، وأن تبدأ بتطوير المهارات والخبرات الملائمة اعتباراً من المرحلة الجامعية، فالهدف ليس التخرج فقط، وإنما الدخول إلى سوق العمل بقوة.
- خطط الأمور المالية بعناية: المشاكل المالية التي يعاني منها الطالب الجامعي قد تكون السبب الرئيسي لعدم القدرة على التأقلم مع الحياة الجامعية، لذلك عليك تنظيم أمورك المالية بطريقة حكيمة، وتذكر أن تنظيم الأمور المالية لا يعتمد على مستواك المادي، بل يعتمد على كيفية تعاملك مع المال حتى وإن كان قليلاً.
- تأقلم مع السكن الجامعي: إذا كنت تعيش في السكن الجامعي فأنت بحاجة لنمط مختلف قليلاً من التأقلم، لأن حياتك الجامعية لا تنتهي بانتهاء المحاضرات بل هي مستمرة على مدار اليوم، ننصحك بزيارة مقالنا عن التأقلم مع السكن الجامعي ومشاكل سكن الطلاب من خلال النقر هنا.
- اطلب المساعدة: عندما تشعر أنك غير قادر على التأقلم مع حياتك الجامعية لوحدك لا بد أن تطلب المساعدة، يمكنك طلب المساعدة من المتخصصين في الجامعة، من الأصدقاء والخريجين السابقين الذين تعرفهم، ويمكنك أيضاً طلب المساعدة من مدربي الحياة.
الحياة الاجتماعية في الجامعة تلعب الدور الرئيسي في التكيّف مع الحياة الجامعية عموماً وتحقيق الأهداف من الدراسة الجامعية، ولذلك يجب أن يعطي الطالب أهمية خاصة لتعامله مع الآخرين:
- ابدأ ببناء شبكة علاقات: الدراسة الجامعية هي المرحلة الأهم في بناء شبكة العلاقات الخاصة بك، هذا لن يساعد فقط في التأقلم مع الحياة الجامعية وإنما سيساعدك أيضاً بعد التخرج وفي رحلة البحث عن العمل أو حتى في إدارة عملك الخاص.
- ابحث عن أصدقاء محتملين: هناك عدد لا نهائي من الأفكار التي تساعدك على إيجاد أصدقاء محتملين في الدراسة الجامعية، ربما تبحث عن أشخاص ينتمون إلى نفس منطقتك خصوصاً عند الدراسة في مدينة أخرى أو دولة أخرى، وقد تبحث عن أصدقاء يشبهونك بالاهتمامات، أو ربما تحاول أن تكون صديقاً للجميع من خلال السلوك المحبب والمهذب مع الجميع، ثم تختار تعميق العلاقة مع أشخاص معينين، المهم أن تكون منفتحاً على بناء علاقة صداقة في الحياة الجامعية.
- كن مبادراً بالحديث والتعارف: لا تنتظر أن يبادر الآخرون بالتعارف أو الحديث، كن أنت المبادر وحاول التقرّب من الزملاء من خلال محادثات التعارف البسيطة والتقليدية، هذه المحادثات البسيطة كفيلة بتعزيز فرص تعميق العلاقات مع الآخرين، وعلى أي حال تعتبر جزءاً مهماً من بناء شبكة علاقات ممتدة وواسعة. [4]
- شارك بالأنشطة الجامعية: تنظّم الجامعات أنشطة متعددة في مجالات مختلفة، منها أنشطة التعارف للطلاب الجدد ومنها أنشطة دراسية واجتماعية وغيرها، احرص أن تكون موجوداً ومشاركاً بفاعلية في الأنشطة الجامعية.
- تابع الأشخاص والأنشطة على مواقع التواصل: سهّلت وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة الأمر، يمكنك الآن متابعة أنشطة الجامعة والفاعليات التي ينظمها الطلاب أو إدارة الجامعة من خلال الاشتراك بصفحة الجامعة على فيسبوك أو الانضمام لمجموعة الطلاب على واتساب.
- شارك خبراتك مع الآخرين: من الطرق الجيدة لتحقيق التواصل الفعال في الحياة الجامعية أن تشارك خبرتك مع الآخرين من خلال تقديم المساعدة في مجالات تتميز وتبرع فيها، وربما تبتكر نشاطاً خاصاً لنقل خبرتك المسرحية أو الموسيقية للآخرين، أو تعرض تقديم المساعدة في مادة دراسية صعبة لكنك تفهمها جيداً.
هناك جوانب سلبية للحياة الجامعية بطبيعة الحال، وينظر معظم الأشخاص إلى الحياة الجامعية كواحدة من أجمل أيام الحياة ومن أهم مراحلها، لكن هذا الشعور الإيجابي غالباً ما يكون بعد التخرج وربما بعد سنوات من مغادرة الجامعة، وأبرز سلبيات الحياة الجامعية:
- التوقعات غير الدقيقة: من الشائع أن يواجه الطلاب خيبة الأمل عند الانتقال إلى الحياة الجامعية بسبب التوقعات المرتفعة عن الجامعة والأوساط الجامعية، وربما يعتقد الطالب أن المرحلة الجامعية ستكون أقل ضغطاً من ناحية الدراسة وفيها فرص أكبر للاستمتاع والترفيه، لكن على أرض الواقع يواجه معظم الطلاب الجادّين أزمة في الوقت تجعل فرص الترفيه أقل، كذلك الأمر فيما يتعلق بالمادة العلمية نفسها والتوقعات التي يبنيها الطالب قبل الدخول إلى الجامعة، وحتى على مستوى التوقعات العاطفية والاجتماعية قد يواجه الطالب واقعاً مغايراً. [5]
- الضغط النفسي الشديد: المرحلة الجامعية من أصعب المراحل التي يمر بها الإنسان، حيث يتعرض الطالب الجامعي لضغط نفسي شديد في محاولة الموازنة بين حياته الاجتماعية ودراسته والتخطيط لمستقبله ومحاولة السعي لاكتساب الخبرة العملية في مجال دراسته... إلخ، وفي حال لم يتمكن الطالب من التعامل مع هذا الضغط الشديد قد يواجه نوبات من الإحباط والاكتئاب.
- المشاكل الاجتماعية: تجمع الجامعة فئات اجتماعية مختلفة وثقافات متباينة، وعادةً ما تظهر بعض الصعوبات الاجتماعية التي لم يختبرها الطالب في بيئته الضيقة قبل الجامعة، حيث تعتبر الحياة الجامعية مدخلاً مهماً لفهم الحياة الاجتماعية بطريقة أفضل، لكن الصعوبات الاجتماعية التي يعاني منها بعض الطلاب قد تكون سبباً في القلق الاجتماعي والشعور بالعزلة.
- المشاكل المالية: تتطلب الحياة الجامعية الكثير من المصاريف، ليس فقط مصاريف الدراسة الأساسية ومستلزمات الدراسة، وإنما أيضاً مصاريف شخصية ضخمة ليتمكن الطالب من التأقلم والتكيّف مع حياته الجامعية، والكثير من الطلاب يلجؤون للعمل مع الدراسة لتغطية مصاريفهم الجامعية، ما يعتبر ضغطاً إضافياً على الطالب.
- المشاكل الدراسية: يواجه الكثير من الطلاب مشاكل دراسية تؤثر على حياتهم الجامعية ككل، منها المشاكل التي تتعلق بتوقعات الطالب غير الدقيقة عن طبيعة التخصص، أو المشاكل التي تتعلق بفهم المواد الدرسية واستيعابها بشكل جيد، إضافة إلى الكثير من المشاكل التي يقع فيها الطلاب مع المدرسين والمصححين في الجامعة، وشعور الطلاب الدائم بالغبن والظلم في الكثير من مؤسسات التعليم العالي.
- مشاكل شخصية: قد تكون الحياة الجامعية بيئة خصبة لتفاقم المشاكل الشخصية، فمن يعاني من الخجل الاجتماعي مثلاً قد يتفاقم خجله في الحياة الجامعية بسبب عدم قدرته على التكيّف، ويتحول إلى قلق اجتماعي.
الانتقال من الثانوية إلى الجامعة ليس مجرد تطور بسيط في حياة الطالب، بل تتضمن الحياة الجامعية مجموعة كبيرة من التغييرات الجذرية في حياة الطلاب، يبدأ اختبارها من السنة الأولى وحتى التخرج، وتحقيق التكيف والتأقلم مع الحياة الجامعية من بداية الدراسة سيساعد الطالب على تحقيق التكيّف مع محيطه الجامعي وتحقيق التوافق الدراسي، ويمكن ذكر أهم فوائد وإيجابيات التأقلم مع الحياة الجامعية في النقاط التالية:
- الراحة والاستقرار النفسي: يرتبط التكيّف مع الحياة الجامعية ارتباطاً وثيقاً بالحالة النفسية للطالب طيلة فترة الدراسة الجامعية، وحتى بعد التخرج من الجامعة والدخول إلى الحياة العملية، فتحقيق التأقلم مع البيئة الجامعية يساعد الطالب على مواجهة الضغوطات الطبيعية خلال الدراسة الجامعية.
- الشعور بالانتماء: من أهم أهداف التأقلم مع الحياة الجامعية هو تحقيق الشعور بالانتماء الاجتماعي، حيث يعتبر الانتماء من أقوى الدوافع الإنسانية، ومع الشعور بالانتماء يستطيع الطالب تقديم أداء دراسي واجتماعي أفضل.
- التفوّق الدراسي: لا شكّ أن التأقلم مع الحياة الجامعية يزيد من دافع الدراسة لدى الطالب، كما يعزز التوافق الدراسي في المرحلة الجامعية من المنافسة الإيجابية بين الطلاب.
- تكوين الشخصية: يضع الإنسان اللمسات الأخيرة على شخصيته خلال المرحلة الجامعية، وقد يستطيع إحداث تغيرات كبيرة في شخصيته وطريقة تفكيره خلال فترة الدراسة الجامعية، لكن هل ستكون هذه التغيرات سلبية أم إيجابية؟ ذلك يتعلق بالدرجة الأولى بالتكيّف مع الدراسة الجامعية، الذي وإن لم يحقق نتائج إيجابية لكنه يحمي الطالب من النتائج السلبية لهذه المرحلة الانتقالية.
- الاستعداد جيداً لسوق العمل: جزء من التكيف مع الحياة الجامعية هو الاستعداد المثالي لدخول سوق العمل، لأن الطالب المتكيّف مع الحياة الاجتماعية يستطيع بناء شبكة علاقات اجتماعية مهمة في بداية الدخول إلى سوق العمل، كما أنه يكون أكثر ميلاً ورغبة في تطوير ذاته ومهاراته الشخصية خلال فترة الدراسة.
من الاستشارات التي وردتنا إلى مجتمع حِلّوها حول التأقلم والتكيّف مع الحياة الجامعي؛ شاب في السنة الثالثة يعاني من شعوره بالوحدة والعزلة بسبب انتقاله للدراسة في مدينة غير مدينته، ويقول أنه في السنة الأولى تجنب التواصل مع بعض الأشخاص الذين حاولوا التعرّف إليه بإصرار، لكنهم بعد مرور الوقت شعروا أنه لا يرغب بإقامة علاقات اجتماعية فتركوه على راحته، وهو يطلب الاستشارة كيف يمكن أن يبني حياة اجتماعية في الجامعة وفي المدينة التي يسكنها.
راجع الاستشارة كاملة ورأي الخبراء والقراء في حِلّوها من خلال النقر هنا.
استشارة أخرى تناقش واحدة من أهم قضايا التأقلم مع الحياة الجامعية، وهي تأثير الزملاء على طاقة الطالب ورغبته بالدراسة، تقول صاحبة الاستشارة -وهي طالبة طب في السنة الأولى- أنها كانت متفوقة في دراستها إلى أن تعرفت على زميلة لها وتعلقا ببعضهما، لكن زميلتها كانت سوداوية ومتشائمة وتقول أنها "سترسب وتطرد من الجامعة" وفي محاولة صاحبة المشكلة التخفيف عن صديقتها وجدت أنها بدأت تشاركها الأفكار السلبية، وانتهى الأمر برسوبها ودخولها في حالة من الاكتئاب وصلت إلى محاولة الانتحار!
اقرأ القصة كاملة وتفاعل القراء والخبراء من خلال النقر على هذا الرابط.