الخيانة الزوجية وعلاقتها بالاضطرابات النفسية
تتداخل الأمراض والاضطرابات العقلية والنفسية مع أنماط السلوك بشكل واضح وتأثر على خيارات وقرارات الشخص المضطرب، ومن هنا تظهر أهمية استشارة متخصص نفسي عندما يكون سلوك الخيانة متكرراً وخارجاً عن السيطرة، حيث يشير تكرار سلوك الخيانة الزوجية القهري إلى وجود اضطرابات وأمراض نفسية معينة تؤثر على التحكم بالدوافع أو تخلق دوافعاً جنسية قوية.
سنتعرف أكثر إلى العلاقة بين الاضطرابات النفسية والخيانة الزوجية في الفقرات القادمة
نظرياً لا يمكن القول أن الخيانة الزوجية بحد ذاتها اضطراب نفسي مستقل، فالتورط بالخيانة الزوجية بالنسبة للرجال أو النساء يمكن تصنيفه كإخفاق في "المواجهة الأخلاقية مع الدوافع" أكثر من تصنيفه كاضطراب عقلي ونفسي، وهذا الحال مع الكثير من السلوكيات المنحرفة، مثل السرقة التي لا تعتبر اضطراباً ما لم تكن سرقةً قهرية، وإنما لها دوافع جنائية لا يستطيع السارق السيطرة عليها فتنتقل من الأفكار والمشاعر إلى السلوك والفعل.
لكن عملياً؛ قد تكون الخيانة مظهراً من مظاهر الأمراض النفسية والاضطرابات العقلية، على وجه الخصوص تلك التي تؤثر على السيطرة الانفعالية والتحكّم بالسلوك، والتي تؤثر على نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الآخرين.
خلاصة القول أن العلاقة بين الخيانة الزوجية والاضطرابات العقلية والنفسية ليست علاقةً سببية ولا حتمية، فليس كل خائن مضطرب أو مريض نفسي، ولا يوجد اضطرابات نفسية تدفع إلى الخيانة بالضرورة، لكن وجود مشاكل أو أمراض نفسية قد يزيد من فرص التورط في الخيانة بسبب تأثير تلك الاضطرابات على سلامة التفكير والتوازن العاطفي والانفعالي.
نعتقد أن دوافع الخيانة الرئيسية موجودة لدى معظم الأزواج في فترات مختلفة من الزواج، مثل المشاكل الزوجية الطبيعية ومشاكل العلاقة الجنسية وأحياناً مشاكل شخصية... إلخ، لكن كيفية التعامل مع هذه الدوافع في المواجهة الأخلاقية مع الذات هي ما تجعل البعض يستجيب لهذه الدوافع وينزلق في الخيانة، والبعض لا يستجيب، ولذلك لا يصح القول أن كل زوجة غير راضية عن حياتها الجنسية مع زوجها ستكون خائنة بالضرورة، أو العكس، وذلك أن هذا الدافع ليس قهرياً بالنسبة للأشخاص الأسوياء نفسياً.
في حين أن بعض الأمراض والاضطرابات النفسية قد تكون عنصراً سلبياً في ترجيح الاستجابة لدوافع الخيانة الرئيسية، وربما حوّلتها من دوافع غير قهرية إلى دوافع قهرية لا يمكن السيطرة عليها من خلال المحاكمة الذاتية للموقف، مثل إدمان الجنس الذي يعتبر محرضاً رئيسياً للخيانات المتتالية دون القدرة على التوقف.
هناك مجموعة أسياسية من اضطرابات الشخصية والاضطرابات العقلية والنفسية التي قد تكون أعراضها من دوافع الخيانة، ومعظم الروابط بين هذه الاضطرابات وبين الخيانة الزوجية روابط غير مباشرة تتعلق بتأثير المرض النفسي على السيطرة والتحكم والنظرة للذات وللآخرين:
- اضطرابات القلق والاكتئاب: على الرغم أن اضطرابات القلق والاكتئاب قد تقود إلى فقدان الرغبة الجنسية -كدافع للخيانة- لكن هذه الاضطرابات تؤثر بشكل كبير على السيطرة والتحكم بالسلوك، فالاكتئاب بحد ذاته ليس سبباً للخيانة الزوجية، لكن قدرة المكتئب المنخفضة على التحكّم بأفعاله قد تجعله أكثر استجابة لفرص الخيانة، كما أن بعض المرضى بالاكتئاب يلجؤون للجنس كطريقة لتخفيف التوتر والحزن، وربما أصبحوا مدمنين على الخيانة كنوع من العلاج الذاتي، مع الأخذ بعين الاعتبار دور الشريك في حالة الاكتئاب، واحتمال أن تكون الخيانة انتقاماً من سبب الحزن، أو حتى انتقاماً من الذات.
- اضطراب الشخصية النرجسية: اضطراب الشخصية النرجسية قد يكون دافعاً قوياً للخيانة الزوجية، يعود ذلك لنظرة الفرد لنفسه وللآخرين، فالمصاب باضطراب الشخصية النرجسية لا ينظر إلى أفعاله أو دوافعه باعتبارها خاضعة لتقييم الآخرين أو المنظومة الأخلاقية العامة، وإن أقدم على الخيانة يتعامل مع ذلك وكأنه حق طبيعي له ولا يحق للشريك الاعتراض حتى، فالنرجسي لا يخطئ ولا يتعاطف ولا يعتذر!
المشكلة مع صاحب الشخصية النرجسية أنه يخفي شعوراً عميقاً باحتقار الذات، يغلِّفه بطبقة سميكة من الغرور والأنانية، وغالباً ما تتحكم طبقة الغرور والأنانية بدوافعه وتجعله أقل ميلاً للانصياع لمنظومة أخلاقية أو اجتماعية أو حتى دينية ما لم يكن جزءاً من هذه المنظومة بالأساس. - إدمان الجنس: أيضاً يعتبر إدمان الجنس من الاضطرابات شديدة التأثير في دوافع الخيانة الزوجية، والخيانة الزوجية في هذه الحالة ليست إلّا جزءاً من السلوك الإدماني، حيث يتجلى إدمان الجنس بإدمان الإباحية وإدمان العادة السرية وإدمان التحرش وغيرها، وليس بالضرورة أن يتورط مدمن الجنس بالخيانة من خلال علاقة جنسية كاملة، لكن هذا ليس بعيداً أو غريباً، ومن الشائع أن يكون الخائن المتسلسل مدمناً على الجنس.
غالباً ما يرتبط الإدمان على الجنس مع سلوك إدماني من نوع آخر مثل إدمان الكحول أو التبغ أو الإدمان السلوكي على القمار أو ألعاب الفيديو وغيرها، وذلك قد يعود لوجود قاعدة فيسيولوجية وعصبية وربما وراثية للإدمان بصفة عامة. [1] - اضطراب ثنائي القطب: من الملفت أن الدليل التشخيصي للاضطرابات العقلية والنفسية DSM-5 صنّف "الطيش الجنسي" ضمن أعراض اضطراب ثنائي القطب، فمن الشائع أن ينخرط المصابون باضطراب ثنائي القطب بمغامرات جنسية تستند إلى فرط الرغبة الجنسية وعدم القدرة على التحكم بالدوافع والسيطرة على السلوك، حيث يعاني أكثر من نصف المصابين باضطراب ثنائي القطب من فرط الرغبة الجنسية، فيما أشارت دراسة قديمة عام 1975 أن 29% من المصابين باضطراب ثنائي القطب خانوا الشريك أكثر من عشر مرات! [2]
- اضطراب الوسواس القهري: يلعب اضطراب الوسواس القهري دوراً حاسماً في تكرر سلوك معين بشكل قهري نتيجة الأفكار والمشاعر القهرية، وعلى الرغم من عدم وجود رابط واضح بين الخيانة والوسواس القهري؛ لكن انخراط المريض في الخيانة قد يتخذ طبيعة قهرية بسبب الخلل في السيطرة والتحكم بالأفكار والمشاعر والسلوك.
- اضطراب وسواس الخيانة القهري: هناك اضطراب فرعي من الوسواس القهري يدعى وسواس الخيانة القهري Cheating OCD، لكنه ليس كما يبدو، فالمريض بوسواس الخيانة القهري لا يكون خائناً بالضرورة، وإنما يعاني من أفكار قهرية حول الخيانة الزوجية، ويتجلى وسواس الخيانة القهري بحالتين رئيسيتين: [3]
- أفكار خيانة الشريك: حيث يعاني المريض من أفكار قهرية أنه خان شريكه أو على وشك خيانته، ويفكر بشكل مستمر وخارج عن السيطرة أنه سيخون شريكه في أي لحظة، أو خانه بالفعل دون أن يستطيع التمييز بين الواقع والأفكار التي تسيطر عليه، وقد يعترف بالخيانة التي لم تقع ويطلب السماح.
- أفكار التعرض للخيانة: حيث يعتقد المريض أنه تعرض للخيانة أو على وشك، وتسيطر عليه أفكار قهرية حول إخلاص الشريك، وقد تدفعه لبعض السلوكيات الروتينية القهرية.
- اضطرابات الإدمان على المخدرات: هناك علاقة وثيقة بين إدمان الكحول والمخدرات وبين الخيانة الزوجية، بل أن اللجوء إلى الكحول والمخدرات قد يكون من الوسائل التي يتبعها الشريك الخائن ليعيش اللحظة بعيداً عن التفكير العقلاني، وعندما يمتلك الفرد دوافعاً للخيانة لكنه لا يستجيب لهذه الدوافع في وعيه؛ فهو غالباً يستجيب لها تحت تأثير الكحول والمخدرات، وقد ذكرنا بالمقدمة أن التفكير بالخيانة بمثابة مواجهة مع الذات، وغياب الموانع والتفكير الواعي تحت تأثير المخدرات يلغي هذه المواجهة ويسمح للدوافع أن تتدفق بحرية إلى دائرة الفعل والسلوك.
من جهة أخرى غالباً ما يقود إدمان المخدرات والكحول إلى الانخراط في أوساط منحلّة وخالية من الضوابط الأخلاقية والاجتماعية، ما يعني محفزات إضافية للاستجابة لدوافع الخيانة الكامنة. [4] - مشاكل انخفاض احترام الذات: قد لا يتم تصنيف معظم مشاكل احترام الذات ضمن الاضطرابات بل ضمن أعراض الاضطرابات، لكن هذا لا ينفي الأثر الكبير الذي تلعبه النظرة إلى الذات في التورط بالخيانة الزوجية حتى عند الأشخاص الأسوياء عيادياً، حيث يعتبر انخفاض احترام الذات من الأسباب التي تدفع الرجال والنساء على حدٍّ سواء للبحث عن علاقات عاطفية وجنسية متعددة لإثبات الذات والتغلب على مشاعر النقص والدونية.
- إدمان الخيانة الزوجية: الإدمان على الخيانة ليس اضطراباً مستقلاً، لكنه من المشاكل النفسية التي يجب الوقوف عندها، حيث يكرر الفرد الخيانة الزوجية بدافع التكرار نفسه، لا نتيجة الاستجابة لدوافع عادية، وعادةً ما يرتبط إدمان الخيانة بقابلية الإدمان السلوكي عند الفرد، أو فقدان القدرة على الالتزام بعلاقات طويلة الأمد نتيجة الاعتياد على نمط حياة معين، أو حتى كنوع من الانتقام بعد التعرض لخيانات متتالية
ما يميّز إدمان الخيانة الزوجية عدم قدرة المريض على كبح الرغبة في الخيانة، وعدم الاهتمام بتفاصيل الخيانة بقدر الاهتمام بحصولها، والتخطيط المبسق للخيانة كما يفعل المجرمون المتسلسلون، بمعنى أن الظروف لا تلعب دوراً مهماً في اتخاذ قرار الخيانة، ولا تعتبر الخيانة في حالة الإدمان ورطة غير محسوبة أو نزوة، وإنما سلوك مخطط له بعناية، وقد تتطور دوافع تكرار الخيانة الزوجية لتشمل القدرة على الخيانة دون أن يتم اكتشافها من قبل الشريك. - اضطرابات أخرى لها علاقة بالخيانة: قد يكون هناك العديد من الاضطرابات الأخرى التي تتداخل أعراضها مع دوافع الخيانة الزوجية وترفع فرص انخراط المريض في سلوك الخيانة، مثل الفصام والاضطرابات الانشقاقية واضطرابات الهوية الجنسية أو الانحرافات الجنسية واضطراب الشخصية الحدية، لكن كما ذكرنا قلّما يكون هناك رابط مباشر بين المرض النفسي والخيانة، وغالباً ما تكون الخيانة نتيجة انخفاض قدرة المريض على السيطرة والتحكم أو إدراك الواقع والتعامل معه.
يقوم المعالج أو الطبيب النفسي أولاً بتشخيص الاضطراب والمرض النفسي من خلال استجواب المريض وفهم الأعراض، وتحديد التداخل بين أعراض الاضطراب النفسي وسلوك الخيانة الزوجية، ثم تبدأ رحلة العلاج التي لن تكون علاجاً للخيانة الزوجية بحد ذاتها وإنما علاجاً للاضطراب أو المرض النفسي الذي يقلل قدرة المريض على مقاومة دوافع الخيانة.
غالباً ما تركز العلاجات النفسية للخيانة الزوجية على العلاج السلوكي المعرفي بالتزامن مع الدعم الدوائي، وفي بعض الحالات الخاصة قد لا يستطيع المعالج النفسي تقديم العلاج المناسب فيقوم بتحويل المريض إلى طبيب الأمراض العقلية والعصبية.
ولا بد من الإشارة أن جزءاً أساسياً من العلاج النفسي للخيانة الزوجية هو إعطاء الشريك السوي -المخدوع- بعض التعليمات التي تساعده في تقبل مرض شريكه، والتعامل مع آثار الخيانة المرتبطة باضطراب نفسي، وكيفية شفاء الذات والمساعدة على شفاء الشريك.