هل يجب أن تتدخل في تربية أطفال الآخرين؟
مسؤوليّة تربية الأطفال والعناية بهم من أكثر المهمات والمسؤوليّات صعوبةً وخطورةً، فتربية الطّفل وتنشئته على القيم الأخلاقيّة الحميدة والمثل العليا في عصرنا اليوم تحديداً تواجه تحدّيات ومعيقات كثيرةً. أبرز تلك التّحديات تنوع مصادر التّربية والتّعليم وتدخّل أكثر من عامل وعنصر في تربية الأطفال اليوم: فالأم تربي والأب يربي، والمدرسة وكل من فيها يساهم في التّربية، كما الانترنت وأفلام الكرتون والرّسوم المتحركة وأبناء الجيران وسلوكياتهم وغيرها. كل تلك العناصر وغيرها تتدخّل في تربية الأطفال!
في بعض الأحيان يتوجّب على البيئة الاجتماعيّة المحيطة بالأطفال التدخل في تربيتهم! فعند تقصير وإهمال الأب والأم في تربية الأطفال يتدخّل أحد الأقارب للمساعدة في هذه المهمة، وقد يلقى رفضاً واستهجاناً من الأم والأب. كما في حالة سفر أحد الوالدّين وعجز الآخر عن إدارة ملف تربية الأطفال فقد يتم اللجوء لمربّية أو لأحد من أفراد الأسرة والأقارب للتّدخّل والمساندة.
وبعد هذه المرحلة العمريّة أي عندما ينخرط الطّفل بالعالم الخارجي من خلال المدرسة واللّعب مع الجيران وتكوين علاقات اجتماعيّة في نطاقه الاجتماعي تظهر عدّة تدخّلات في تربية أطفال الآخرين، فالمعلم أو المعلمة في المدرسة لهما دور كبير ومهم في تربية الأطفال وصقل شخصيّاتهم وتنمية مهاراتهم. وهنا يجب الانتباه لنقطة مهمة حساسة جداً ألا وهي التّوافق والتّواؤم بين مفاهيم التّربية التي يحصل عليها الطّفل من داخل المنزل مع تلك التي يحصل عليها من الخارج! فمع اختلاف العادات والثقافات والأفكار بين الشّعوب والمجتمعات قد يصيب الطّفل ارتباك في تقييم واختيار القيم والمفاهيم التي سيعتمدها في حياته!
فمثلاً في إيطاليا يتم تقديم النّبيذ للأطفال ويسمح لهم بتناوله مع وجبة العشاء! هذا ما تراه مجتمعات أخرى أمراً مرفوضاً بشكل قاطع، لذا يجب الانتباه لمصادر التّربية والأفكار التي يتم تقديمها للأطفال والغلبة دائماً للمصلحة الفضلى للأطفال. [5]
كما أن للإنترنت وما يشاهده الأطفال من أفلام كرتون ومسلسلات ومحتوى بشكل عام دور في تربية وتنشئة الأطفال والتّأثير على نظرتهم للأمور وتقبّلهم للأفكار التي قد تكون مغايرةً ومخالفةً للأعراف الاجتماعيّة في البيئة الجغرافيّة التي يعيشون فيها! لذا يكون دور الأهل الرّقابي حساساً ومؤثّراً في تصويب المفاهيم الخاطئة للأطفال والحفاظ على القيم والمفاهيم الصّحيحة والسّليمة لديهم.
ويتوجب الاتّفاق مع الوالدّين على التدخل في عمليّة تربية وتنشئة الأطفال، فمثلاً في الغرب عندما تهاجر أسرة مسلمة إلى بلد غير إسلامي يتم الاتّفاق مع مدرسة الأطفال على عدم تقديم وجبة طعام تتضمن لحم الخنزير على سبيل المثال، وهذا الاتّفاق والتّفاهم مع المدرسة يكمّل مفاهيم التّربية التي يعمل الوالدّان على زرعها لدى أطفالهم في البيت.
التدخل في تربية أطفال الآخرين يتم باحتمالين: الأول أن يتم التدخل بالتّوافق مع الأهل، والثاني أن يتم التدخل دون موافقة أو حتى علم في بعض الأحيان من الأهل بهذا التدخل.
- كيفيّة التدخل في الحالة الأولى أي بعلم وموافقة الأهل تتم من خلال المدرسة ومراكز الأنشطة الرّياضيّة التي يلتحق بها الأطفال، كما من خلال مساعدة مربّية خاصّة للأطفال ومساعدة الأقارب والأهل. وغالباً في هذا النّوع من التدخل لا مشاكل حيث أن الجميع يعلمون ضوابط الأبوين ومفاهيمهما ويعمل الجميع لدعم وتعزيز تلك القيم والمفاهيم وتصويب الأخطاء والعمل بشكل مستمر على تربية الأطفال على مفاهيم إيجابيّة وبنّاءة.
- وعن حدود الصّلاحيات في هذا التدخل فتكون منوطةً بما يصرّح به الأبوان، فهما في هذه المرحلة الأقدر على تحديد احتياجات أطفالهم وطرق التّعامل معهم، كذلك نمط التّربية الخاصّة بهم يضبط حدود وصلاحيات التدخل في تربية الأطفال.
- والحالة الثّانية التي يصعب على الأهل التدخل المباشر في منعها أو تغييرها ويكون التدخل ذلك من خلال الانترنت وأفلام الكرتون والمسلسلات والبرامج التي يتابعها الأطفال، ومن خلال اختلاطهم بزملائهم في المدرسة والذين يختلفون عنهم في نمط التّربية والمستوى الاجتماعي والاقتصادي ولهم تأثير على زملائهم لأنهم يخالطّونهم طيلة وقت الدّوام في المدرسة ويتأثرون بهم.
- في الحالة هذه لا ضوابط ولا صلاحيات محدّدة للتّدخّل في تربية أطفال الآخرين والتّأثير عليهم، لذا يتوجب ان يكون الدّافع لدى أي شخص يؤثر بهم هو دافع مصلحة الأطفال الفضلى وتغليبها على أي دوافع ومصالح أخرى.
- كما يتطلب من الأهل جهداً مضاعفاً لمراقبة أفكار أطفالهم وتغيرها تبعاً للعناصر والعوامل المؤثرة والأشخاصّ الغرباء الذين يتعاملون معهم في المدرسة والحي والأماكن التي يرتادونها. وتفعيل دور الرّقابة والاشراف والتّقييم يتم من خلال الحوار والنّقاش مع الأطفال، وسؤالهم عن الأشخاصّ والأفكار والأحداث التي يعيشونها في يومهم، ومن المهم الابتعاد عن أسلوب التّرهيب والتّخويف، لأن استخدام هذه الأساليب سينعكس على خوف الطّفل من البوح والحديث والنّقاش بصراحة مع الأهل وبالتّالي يتأثر بعناصر التّربية الخارجيّة دون قدرة للأهل على التّصويب والتّربية.
إحدى السّيدات أرسلت لنا على موقع حلوها طلباً للاستشارة والنّصيحة في تربية أطفالهم من قبل الآخرين فقالت: " طلبت من سلفتي ألا تتدخّل بتربية أطفالي.. فهل أنا مخطئة؟"
أجابتها أخصائيّة علم النّفس والتّثقيف الصّحي في موقع حلوها ميساء النّحلاوي: " أنت لست مخطئةً وكان من الأجدر أن تقومي بذلك منذ البداية، أتفهم علاقتكما المقربة واهتمامكما وحرصكما على الأولاد من باب حسن النّيّة لكن تعدّد المربين يضيع الولد فلا يعرف من المسؤول وكلمة من النّافذة.
الأم والأب هما المسؤولان عن تربية الأطفال وتدخّل الآخرين غير مرغوب به، كما أن تعرض الطّفل للتّهديد واللوم من أي كان رسالة خاطئة ستؤثر سلبيّاً على طريقة تفاعلهم مع الآخرين في المستقبل.
اشرحي لسلفتك وجهة نظرك بهدوء واتفقا على منهاج جديد تهتم كل منكما بأولادها".
وأجابت د. هداية نفسيه وتربية طفل في موقع حلوها على تساؤل "أخاف على ابني من أبناء أعمامه أن يفسدوا تربيته، ماذا أفعل؟":
"طفلك لايزال صغيراً فلا تخافي عليه من العصبيّة فهي فقط للتّعبير عن أمور داخليّة أو رغبة لا يستطيع التّعبير عنها باللّغة.
قيامك بإبعاده عن أبناء عمه قرار صائب لأن الطّفل في مرحلة الاكتساب. للتّربية السّليمة للطفل عليكي الاعتماد على النّصائح التّالية:
- إحاطة الطّفل بالحب والحنان وإشعاره بالأمان والاستقرار
- الانتباه إلى البرامج التي يشاهدها ويجب أن تراعي أن تكون هادفة وتعليميّة
- حاولي أن تاخدي الطّفل في فسح ومدينة الملاهي من أجل اللعب وتفريغ الطّاقة
- احرصي على التّفاعل الإيجابي بين الوالدّين والطّفل
- الاعتماد على الحوار والتّفاهم مع الطّفل على السّلوكات المرغوبة وغير المرغوبة ويجب دعم العلاقة التي تربط الاب بالطّفل".
باختلاف وسائل وطرق التّربية الحديثة والقديمة حتى يمكننا الجزم بأن أكثر الطّرق نفعاً وتأثيراً في بناء شخصيّات الأطفال وتربيتهم بشكل سوي وصحيح هي النّمذجة أو التّقليد! ونقصد به تقليد الأطفال للسّلوكيات والأفعال والتّصرفات التي يشاهدونها. فمثلاً نرى بعض الأطفال يقلّدون ويستخدمون كلمات ومصطلحات يستخدمها الأب أو الأم أو من يعيش معهم في المنزل!
ويعتبر الأطفال أسلوب النّمذجة أو أخذ نموذج حيّ من شخص كبير يرونه مثلاً أعلى وقدوةً هو الأقرب لهم، فهم يقومون بالتّقليد والاقتداء بهذا الشّخص في محاولة منهم للوصول لحالة النّضج التي يرونها لديه وحتى دون وعي وإدراك منهم.
إنّ تربية الأطفال وتعليمهم على القيم والسّلوكيات الأخلاقيّة يتم من خلال مشاهدتهم لأفعال الكبار في محيطهم وخاصّةً الذين يحترمونهم ويحبونهم، فيجب إدارة الغضب والتّحكم بالانفعالات وردّود الفعل والتّصرفات العفويّة أمام الأطفال وخاصّة في سنيهم الأولى حيث يلتقطون كلّ التّحركات والأفعال بانتباه وحرص شديدين. [3]
لذا فأسلوب الأم والأب في التّعامل مع بعضهما ومع الأطفال يساعد في تشكيل نموذج للتّربية غير المباشرة للطّفل وهي الأكثر تأثيراً كما قلنا! فعندما يرى الأطفال الصّغار أن الأهل يكذبون سيبدؤون هم باستخدام الكذب كأسلوب للدّفاع وتبرير الأخطاء أو الحصول على ما يريدونه، وفي المقابل عندما يرى الأطفال أن الأم والأب يتشاركان في تنظيف المنزل مثلاً فإنهم سيقتبسون منهم سلوك النّظافة والنّشاطات التي يرونها ويبدؤون بتقليدها حتى دون إرادة منهم بذلك فهو النّموذج البصري المرئي الذي يشكّل معرفتهم عن الحياة في ذلك العمر.
ومع الوقت يبدأ تفاعل الأسرة مع العوامل الخارجيّة والعناصر الأخرى التي تساهم في تربية الطّفل مثل الجيران والأقارب والمدرسة والبيئة المحيطة والتّلفاز والانترنت والاتّصال البشري المحيط بهم، كل تلك العناصر تشغل دوراً بارزاً ومؤثراً في تربية الأطفال. [4]