التغلب على مشاعر الحزن بعد الفقد والنهوض من جديد
كيف ينهض الإنسان من جديد بعد وفاة أحد والديه؟ كيف تتغلب الأم على مشاعر الحزن بعد فقدانها لطفلها؟ وما هو الحل لإنسان فقد وظيفته بعد سنوات عديدة من الخدمة؟ وكيف سيعيش ذلك بعد فقدانه لأحد أطرافه؟
الفقد هو صفة عامة مشتركة بين كل البشر في هذه الحياة، فلا يوجد على هذه البسيطة من لم يمر بحالة فقد، وقد يكون الفقد مسترجعًا أو غير مسترجع، فالفقد المسترجع هو الذي يمكن تعويضه واستعادة الشيء أو بديله وهو شائع جدًا بين الكبار والصغار وكل الفئات والأعمار مثل: حوادث السيارات، فقد الحبيب، الخسائر المادية البسيطة، فقد العمل، الخلافات وفقد الأصدقاء؛ ترك بيت العائلة، أو فقد البيت والاضطرار لبيعه، أو سفر أحد المقربين لفترة طويلة مثل الهجرة.
ولكن الفقد غير المسترجع هو الأكثر إيلاماً، حيث لا يمكن للإنسان استعاضة ما فقد أو استرجاعه أو إيجاد بديل له أو قد يجد طريقة لتعويضه ولكن بصعوبة بالغة، مثل: فقدان عزيز من الدرجة الأولى عن طريق الوفاة مثل وفاة ابن، بنت، زوج ...الخ وقد يكون وفاة شخص مؤثر في الحياة، أو وفاة صديق أو معلّم. أو قد يكون الفقد جسدياً كما في حالة بتر أو شلل أحد الأعضاء أو فقدان حاسة من الحواس، أوالمرض الذي لا يُشفى، أو حالات الإجهاض. وقد يكون الفقد بالطلاق أو الانفصال بين الزوجين، فالطلاق نوع من أنواع الفقد، وما يتبعه من أخذ أحد الوالدين للأولاد وابتعادهم عن الآخر تماماً وقد يعاني بعض الأشخاص من الفقد بالطلاق تمامًا مثل الفقد بالوفاة.
وقد يدخل في باب الفقد كذلك فقد المال الفادح أو الخسائر التجارية الكبيرة كما في الانهيار الاقتصادي مثلاً مثل فقدان رؤوس الأموال أو المصانع ...الخ ،أو فقد الفرص الكبيرة التي لا تتكرّر.
كل هذه الأمثلة عن حالات الفقد صعبة وتحتاج إلى إرادة وقوة لتجاوزها، فكل منا مرَّ في نوع من أنواع الفقد السابقة، ولكن كم من شخص استطاع تجاوز هذه المحنة والنهوض من بعدها لمتابعة مسير الحياة؟
1- من الضروري جدًا الحديث عن الفقد وكيفية النهوض بعد الفقد، لأن مبدأ التعامل مع الفقد يقوم على المشاركة! فعندما يسمع المرء عن الفقد الذي مر به الآخرين يهون عليه الفقد الذي تعرض له، ويدرك أنه ليس الوحيد في العالم الذي تعرض للفقد، فالمشاركة تساعد على تخطي الصعاب.
فعندما نرى كيف تعامل غيرنا مع الفقد بإيجابية، وتجاوزه بقوة وإيمان سيساعدنا على معرفة أننا لستا وحدنا الذين نمر في حالة الفقد هذه، بل سنتفاجئ بأن البعض حوّل المأساة أو الفقد إلى مبادرات إنسانية لدعم المجتمع، وبهذا نستطيع أن نبني توجهات فكرية إيجابية بعد الفقد.
2- لأن الجميع يرغب في تعلّم كيف يمكن أن يتعامل مع الخسارة أو الفقد في حالة التعرض لها مستقبلًا – لا سمح الله- لاكتساب مناعة وقوة لمواجهته وإن وقع لهم حادث سيتذكرون كل النصائح التي ستعينهم.
3- أما الأمر الثالث هو توعية الجميع في حال تعرض أحد الأصدقاء أو المقربون للفقد كيف يكون من الممكن مساعدتهم بطريقة صحيحة وإيجابية.
والهدف من هذه المقالة في كليتها هو تقوية إرادة الأشخاص ذاتيًا وتمكينهم في حالات الفقد التي نمر بها.
من الضروري أن نعرف نحن كأفراد تعرضنا للفقد أو كأفراد نتعامل مع الفاقد ما هي المشاعر التي يمر بها الفاقد، لأن الوعي لهذه المشاعر هو الخطوة الأولى في محاولة التعامل مع الفقد واستيعابه.
تتفاوت المشاعر التي يمر بها الفاقد ما بين حزن وغضب وندم ولوم وصدمة وشعور بهول المصيبة وغيرها، كلها أو بعضها، وتختلف ردود فعل الأشخاص في التعامل مع حالة الفقد الواحدة وحتى لو كانوا أقارب في نفس البيت، وكذلك تختلف طول فترات بقاء تأثيرها بين إنسان وآخر، فبعض الأشخاص تستمر حالة المشاعر هذه معه لفترة طويلة أو قصيرة حسب طبيعة الفرد.
واختلاف المشاعر هذه يعتمد على أمور عديدة منها الثقافة والوعي والتجربة والخبرة ويلعب العمر أحياناً دوراً في اختلاف طبيعة المشاعر وطول فترة استمرارها، وعلى رأس هذه جميعاً يتربع الإيمان وقوته وصدقه ورسوخه في حياة وعقل الفرد الفاقد، وتلعب الحالة النفسية أيضاً دوراً في تحديد هذه المشاعر فمن يمر في أزمة نفسية أو يعاني من اعتلال نفسي تكون ردة فعل مشاعره على الفقد مختلفة عن الشخص الصحيح نفسيًا. وأحيانً أخرى تختلف هذه المشاعر بوضع الصحة الجسدية وليس النفسية فقط. من هنا نرى أهمية عدم مقارنة ردود فعل الأشخاص ومشاعرهم تجاه عملية فقد بين بعضهم البعض لأن لكل منهم وضع مختلف عن الآخر وأكرر ولو كانوا إخوة في بيت واحد،وأعتقد أن كل منا مرَّ في مثل هذا الموقف.
وفي كل الأحوال مهما كانت المشاعر التي نمر بها في حالة الفقد فإن النصيحة الأساسية والرئيسة ألا نبالغ في أيّ منها، ولا ندع المشاعر السلبية تسيّطر علينا.
ويمرُ الشخص الفاقد كذلك بمراحل مختلفة من ردود الفعل تجاه الفقد منها:
1- حالة من السواد، والوجوم وكأن العالم قد سَكَن، وعم فيه الصمت.
2- يشعر البعض الآخر وكأنه يحلم، ويتمنى لو يستيقظ منه ويكتشف أن الفقد لم يحدث.
3- قد يمر البعض بمرحلة من النكران والإنكار، والتمويه وكأن شيئاً لم يحدث فتشعر ببرود غريب في مشاعره ويتابع حياته بطريقة لا يمكن تصديقها بأن الوضع طبيعي وكأن شيئاً لم يتغيّر.
4- وفي بعض الحالات يمر الفاقد بحالات الإدمان بكل أشكاله سواء كان التدخين أو شرب الكحول أو تناول المسكنات أو الأكل أو عدم الأكل.
ويصاحب هذه الحالات الشعور بالسخط والمرارة وكأن الفاقد يحاول الهروب من الوجع والخسارة، أوقد يدخل في مرحلة من اليأس والكآبة.
ومن الحالات المصاحبة للفقد أن الأشخاص يشعرون بظلمة الدنيا بوجههم وينعزلون عن الآخرين في بعض الأحيان، وتزداد الخطورة في حالة وجود المسؤولية على الشخص الذي تعرض للفقد من عمل وأولاد أو زوج أو عائلة عليهم رعايتها ومتابعتها. فعليهم أن يتعلموا ويدركوا كيفية النهوض والاستمرار بالحياة بعيدًا عن الأدوية المهدئة أو أي شيء يضر بالإنسان ويسحبهم دون وعي إلى حالات الإدمان، ونحن بالمجتمع كلنا معرضون لفقد بطريقة أو بأخرى.
ويجب أن نؤكد على أن الجميع يمر في مثل هذه المشاعر أو بعضها ولكن يجب ألا نبالغ في مشاعرنا لأننا نحرق أنفسنا، كل هذه المشاعر يجب أن نمر بها لا محالة، ولكن طول الفترات تتفاوت وتختلف بين إنسان وإنسان فالبعض يجتازها ويتجاوزها بلحظات ليصل إلى حالة الواقعية والتصديق بسرعة، والبعض الآخر يحتاج إلى سنوات بل وعشرات السنوات ولا يتمكن من اجتيازها. فأنا أعرف سيدة لا تزال أغراض وملابس زوجها كما هي بالتمام منذ أن توفي قبل سنوات عديدة، ولا تزال تتعامل مع نكران فقده بعد هذه الفترة الطويلة، بينما هناك بعض الأشخاص الذين يقومون بتوزيع كل أغراض المتوفي على سبيل المثال صدقة عن روحه بعد فترة من وفاته، ليتمكنوا من تجاوز المرحلة.
1- لا تدع المشاعر السلبية تسيطر عليك، فماذا يفيد الغضب؟ لن يغيّر شيئاً، من حقك أن تشعر بالغضب ولكن لا تجعله يسيطر عليك. لأن الشعور بالندم وجلد الذات لا يؤدي إلى نتيجة فهذه المشاعر السلبية التي تأتي بعد الفقد ليست حلولاً بل هي موانع ومصدات أمام عملية الشفاء وتجاوز المحنة، إن أردت حقًا التعامل مع الفقد الخطوة الأولى تكون بالوعي أن هذه المشاعر لن تأخذك إلى أي مكان، بل يجب أن تحوّل المشاعر لأفعال وتبدأ بالتصرف بعد فترة وجيزة لتجمع الحقائق وتتعامل مع الموقف وتتخذ القرار الصحيح أو تعرف الحل المطلوب، أو تتقبل الموضوع وتتابع حياتك.
2- بالقبول والرضا والتسليم بأن هذا قد حدث ويجب التعامل معه، وهو يحدث لغيري ولكل الناس فهو القدر. وما أروع من يصله خبر الفقد مهما كان نوعه وتكون ردة فعله الأولى "حسبي الله ونعم الوكيل"، أو "لا حول ولا قوة إلا بالله"، يجب أن يتم تعزيز الإيمان الحقيقي داخل أنفسنا بالقضاء والقدر، وبأن بعض الأمور قدر ونصيب من الله سبحانه وتعالى، ولا راد لقضاء الله، وقدّر الله وما شاء فعل، وأنه الخيرة فيما اختاره الله.
هذه المشاعر تدل على الإيمان الصادق الحقيقي وتوكل الإنسان على رب العزة وحده لا شريك له.
من كان يتحلى بهذه المشاعر يجد عزاءً كبيراً في تجاوز مشاعر الفقد بسرعة وسهولة، لأن الله يهب السلوى قبل البلوى.
فكلما ازداد الإيمان كلما كانت مراحل تجاوز الفقد والتعامل معه أسهل بكثير- اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه - يجب أن تؤمن أن هناك سببًا لكل ما يحدث، ولعلك لا تستطيع إدراك هذا السبب الآن، ربما ستدركلاحقًا أن هناك سببًا لكل ما يحدث فلا يوجد عشوائية في الفقد، أنظر إلى الصورة الكلية. وهو دوماً الخير من عند الله، وعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً.
3- نحن لن نموت بعد الفقد إلا إن كتب الله هذا لنا، فكثيرٌ من الأشخاص يعتقدون من شدة الحزن أو الألم أنهم سيموتون بل ويفكر بعضهم بالانتحار، ولكن هذا غير صحيح لأن الأعمار بيد الله، ولا نعرف متى سيحين موعد ساعتنا لمفارقة الحياة، لهذا أقول فكّر وكأنك ستعيش مئة عام هل تريد أن تقضيها بالهم والمشاعر السلبية؟ هناك سنين تنتظرنا ولا يعلم عددها إلا الله، وسنحاسب على هذه السنين، ألا يجدر بنا البدء بالعمل لتحسين الوضع وتجاوزه بل وتحويله إلى خير في حياتنا، ليس لأجلنا فقط بل ولأجل من حولنا ولأجل من نحبهم ولأجل من فقدناهم.
4- يجب اتخاذ القرار: “هل الخسارة تدمرني أم الخسارة تغيّرني!؟" يحتاج الفاقدُ إلى مواجهة الموقف لتغيّر الخسارة نظرته للدنيا نحو الأفضل. هو قدر ونصيب، ويصيب كل مخلوق على سطح هذه الأرض!
5- لكل فاقد أقول:" يجب أن تصل إلى مرحلة السلام الداخلي، ثم تبدأ بشق الطريق من جديد بفكر جديد، استعد ثقتك بالله وبنفسك وبقدراتك، ابدأ بوضع الأهداف، ابدأ ببناء لحظات مثمرة تعتمد عليها لتتقدم، لا يزال هناك لذة في الحياة ولا نزال أحياء.
6- استدر وواجه النور، لا تهرب من الألم ولا تطارد الظلام، لن يستطيع الآخرون مساعدتك على الخروج من حالة الألم بل عليك أن تساعد نفسك، هم يواسون ويدعمون ولكن القرار لك، احتوِ الألم وسيطر عليه "حوّطه"، ابدأ بإحصاء النعم التي تمتلكها وعدّها، وسترتفع قيمة الأشياء بنظرك، ثمنك بالحياة يقدّر بالنعم التي تمتلكها، ابدأ بتحديد أهدافك في مشوار الحياة، وإذا صادفك حاجزًا أو عائقًا اعرف أن الحياة لن تتوقف بل ستستمر، إذا استسلمنا ورضخنا للهم لن نستطيع النهوض ثانية فلا تستسلم.
7- لا تعلق في الماضي لأنه مضى ولا رجعة إليه ولا يمكن تغييره، لا تجلد ذاتك، نعم الحياة لن تعود مثل السابق ونحن واقعيون ونقدّر قيمة التغيير الحاصل، ولكن ليس بالضرورة أنها ستصبح أسوأ، فكم من حالات فقد كانت سبباً في الابداع وكانت سبباً في توسعة الرزق، أو تقوية الذات أو اكتشاف القدرات أو تحقيق الأهداف، فلا تهرب أو تخاف من المستقبل المجهول، بل يتحتم عليك أن تعيش الحاضر. لا تشعر بأنك في قارب يتلاطم بين أمواج بحر تائه، لا تعلق وسط التيار! وأكرر هناك سبب لكل ما يحدث، فلا يوجد عشوائية في الفقد، انظر إلى الصورة الكلية.
8- اعلم أن الذكريات لا تختفي ولن تزول أبداً مهما حاولنا أن ننسى، ولكن يجب أن نعيش ونتعايش مع هذه الذكريات بحلوها ومرها، ونحولها إلى شيء جميل يذكرنا بإيجابية بالفقد.
لن تنسى الماضي ولكن احمل معك ذكرياته الجميلة وخبرته وعظته فقط، وانظر للمستقبل بكل طاقة وإيجابية للتطوير والتعديل، الخسارة تعلمنا أن نفكر بالأولويات وهناك حياة وهناك أولاد وهناك عمل وهناك مسؤوليات وهناك دراسة على الرغم من الفقد،فعلينا الاستمرار شئنا أم أبَينا، الماضي لن يتغير والفقد لن يتغيّر ولكنه يغيّرنا ويغيّر نظرتنا للحياة وللكثير من الأمور حولنا.
9- كلمة "يا ريت" وكلمة "لو" لا تفيد بل تفتح باباً من عمل الشيطان وسؤال: "لماذا أنا؟"" لماذا لم يحدث لغيري؟"" لماذا الآن؟"" لماذا؟" لا يجدي نفعاً، فما حصل قد حصل ولن يتغيّرهو قدر ونصيب مكتوب، بل يجب أن تحول سؤالك إلى تساؤل: "لماذا لا يحدث معي كما يحدث مع غيري؟" ما الذي يعصمني من الوقوع في الفقد؟" أنا لست معصوماً من الفقد! كما هم فقدوا أنا سأفقد وتذكّر العبارة الأولى في بداية المقالة " الفقد صفة بشرية" ورب العالمين له حكمة دائماً في كل شيء، سبحانه وتعالى، وفي كل وقت وزمان عليك أن تقول (حسبي الله ونعم الوكيل ).
10- يجب أن نعي لاختلاف أثر الفقد على الحياة في الفترة اللاحقة، ولكن نتمنى أن يكون للفقد أثراً إيجابياً على حياتنا حيث يحول الفقد في بعض الأحيان حياتنا إلى بساطة أكثر، ويظهر لنا كم كانت الحياة تافهة ونحن نصارع الأمور المادية فيها ونكنز المال ولا نستمتع فيه؛ فمن تعامل مع حالات الفقد في حال موت أحد الأبوين يدرك هذا، فقد تغيّرت حياتي نحو الأفضل ألف مليون مرة بعد وفاة والدتي -رحمها الله- فبعد أن غسلناها وكفناها أدركت حقيقة كنت أعرفها ولكن لم اختبرها بأنها لم تأخذ معها سوى أعمالها الصالحة، فأصبح تركيزي منكباً على أعمالي وليس على كنز المال، وحولت حزني على فقد أمي إلى حزن نبيل فنذرت كل أعمالي في سبيل الله وعن روحها الطيبة ولو كنت أؤجر عليه، وتضاعفت أعمالي التي في سبيل الله بدون أجرة، وأصبحت حياتي أكثر بساطة ولم تعد تؤرقني الأمور المادية كالسابق وكتبت مدونات عديدة في الموضوع ومنها: "كم نحتاج إلى رصد الأعمال في بنك الآخرة بدلاً من كنز الأموال في بنك الدنيا"، بالفعل من يتعايش مع الفقد بإيمان يبدأ بالعيش ببساطة، وتهون عليه أمور كثيرة كانت في السابق هم، ويرى الفرص التي أمامه بصورة أفضل وأوضح، ويقدّر قيمة النعم التي بين يديه، وغالباً ما يتم غربلة الأصدقاء والعلاقات في مثل هذه المحن.
ولعل هذه الأخيرة ضرورية وهامة في زمن المصالح والعلاقات السطحية.
وخلاصة القول يُعَدُّ النهوض بعد الفقد نمط حياة مستمر ومنهج تعامل بعد حالة الفقد مهما كان نوعها.
الفقد هو قَدَرُ الله الواقع في كل لحظة وفي كل ساعة ويجب علينا أن نصبر عليه وألا يذهب بنا الحُزن كلَّ مذهب.
وتلعب العائلة كما الاصدقاء الدور الأكبر في تحسين نفسية المريض وخاصة الزوج أو الزوجة والأصدقاء المقربون، فالكلام المشجع يزيد من مناعة الشخص لأنه يحسّن من نفسيته وتزداد قدرته على مقاومة الموقف وتحمل الفقد. ويمكن مساعدة الفاقد كالآتي:
1- لا تطلب منه عدم البكاء! لأن البكاء راحة وهو مظهر عاطفي طبيعي. والفاقد يحب أن يستمع للكلام المشجع والمطمئن ولا يرغب برؤية الناس يبكون حوله، فاستعمل عبارات تشجيع حقيقية.
2- إذا لم تملك الكلمات المناسبة للتخفيف عن المريض، قم بأمور بسيطة، كعناقهم بحنية، أو إرسال رسالة قصيرة وتكتب فيها عبارات، مثل: نفكر بك طوال الوقت، ونثق بقوتك، إذا احتجت أية مساعدة نحن هنا، نحن بجانبك ولأجلك، أعتقد أنك انسان قوي، كما يجب أن تعلم أنني أهتم لأمرك كثيرًا، وأحبك وسأبقى دوماً إلى جانبك، أعلم أنك قادر على قهر الموقف، فمصابك ليس بالأمر السهل أبداً، وعليك أن تعلم أنك قوي جداً، وهذه اختبارات من الله علينا تقبلها بقول حسبي الله ونعم الوكيل...الخ.
3- إن أفضل ما يمكن أن يبديه المرء هو الحنان، فمن المهم الاستمرار في طرح عبارات التشجيع، سواء الشخصية أو عبر رسائل قصيرة، ويجب أن نحذر من إطلاق العبارات بدون تفكير بشكل عام
فربما تأتي بغير معناها، لذا التركيز على الحب والدعم هو القاعدة الأساسية، ولكن بخفة ظل واعطاء مساحة مناسبة للشخص الفاقد.
4- الناس المحيطة بنا لها دور كبير في تقديم الدعم في حالة الفقد فهم إما أن يعملوا على زيادة ثقتنا بأنفسنا أو يؤدوا إلى خلخلة ثقتنا بأنفسنا، وبشكل عام الناس قصدها خير وتنوي المساعدة ولكن عدم مرورهم بالتجربة يجعل الموضوع كمن "أتى ليكحلها عماها"، وأنصح عندما تتحدث مع الفاقد مواسياً ألا تستعمل عبارات مثل:"يا حرام!وشو رح تعمل؟ لا تظهر الشفقة بل التعاطف.
حيث يمكن أن يكون الأشخاص الزائرون أكثر حساسية إذا ما تخيلوا أنفسهم في موقع الشخص، هناك ضرورة أن يكون السؤال الأول الذي يخطر ببال الفرد قبل الحديث: "إذا ما كنت أمر بهذه الحالة من الفقد، فبماذا أريد أن يواسيني الناس؟ كيف تتمنى أن يكون أسلوب خطابهم وتعاملهم معك؟ فتصرف بناءً على ذلك.
5- ابتعد كل البعد عن اللوم والتوبيخ في حال كان المصاب سبباً في حدوث الفقد، ولا تقول له مجنون، أو " شو كنت بتفكر؟" "وين كان عقلك؟" " كيف ما انتبهت" .... الخ من هذه العبارات، لأن ما حدث قد حدث، ولن يمكن إرجاع الماضي أو تغيير الموقف، أو إرجاع الفقد، فلو كنا نعرف ما سيحدث لاخترنا الحل الأسلم دائماً، وهنا يتجلى الإيمان بالقدر لذا علينا التركيز على الروحانيات، فالتعزية تخفف ألم المصاب، وتهدِّئ من رَوْعِه وفزعه، وتسكِّنُ حزنه وجزعه. قال صلى الله عليه وسلم: من عَزَّى مصابًا فله مثل أجره.
6- أعلم أن جميع من سيأتي للزيارة هم من الأهل والأصدقاء، وهم على وعي بأن يتلفظوا كلاماً طيباً ولكن في بعض الأحيان يشعر الفاقد أنهم تلفظوا بكلام جارح، أو يتحسس من أي كلمة قد تقال، وهم لا يقصدون ذلك، لأن هدفهم الرئيس هو التخفيف عن الشخص الفاقد ولكنه في موقف حرج وأي كلمة ليست في محلها قد تؤذيه ولا يتقبل أي شيء بسهولة، لذا يجب الانتباه إلى ألفاظنا، وفي بعض الأحيان قُل كلمات بسيطة وكفى، لا تسهب ولا تهرف بالحديث فقد تزِّل دون وعي منك، فأن تكون صامتاً أفضل من أن تتحدث كيفما شئت، وفي كل الأحوال كن صادقًاً ولا تبالغ في التعبير.
7- من الضروري عدم قيام الزائر بسؤال الفاقد أو المصاب عما حدث؛ لأن ذلك يثقل عليه ويضجره، ويتعبه إعادة سرد القصة لأنها تفتح له أبواب الألم كلما حاول وصدها بتذكيره بالموقف. لذا لا تسأل ولا تتكلم أمامه بما يقلقه أويزعجه بل أظهر له من الرقة واللطف ما يَطِيب به خاطره. حمّله على الصبر بوعد الأجر وتذكيره بما في ذلك من الأحاديث.
8- إذا كنت لا تحتمل الموقف أو المنظر لا تزر ولا تقابل الشخص الفاقد، فالنظرة الجارحة من الآخرين مؤذية، فالشخص قد يتحمل وضعه ولكن الناس قساة بنظراتهم بدون أي تعليق. وأكرر ليس هذا وقت إرضاء فضولك لا تسأل أسئلة في غير محلها ولا تجرب أن تطرح مواضيع في غير محلها ولا تنفس همومك ومشاكلك عنده. ومن المهم أن يصغي الزائر للشخص الفاقد بدلاً من التحدث طوال الوقت، لعله يريد التعبير عن مشاعره فأعطه فرصة لذلك.
9- إذا أردت مكالمة الفاقد على الهاتف لا تكثر من الاتصال، وإن لم تتم إجابة مكالمتك لا تكرر محاولات الاتصال لأن هذا تكرار في غير محله، مكالمة واحدة أو العشرات نفس الدلالة بأنك حاولت الاتصال وسيرد عليك في وقت لاحق، أو تعاود أنت الاتصال في اليوم التالي، أو تتصل بشخص تعرفه قريب له وتبلغه تعزيتك بالفقد مهما كان نوعه.
10- لا تفرض نفسك وقم بزيارة الفاقد في الأوقات المحددة وإلا يجب أن تختار الوقت المناسب لذلك، وكذلك يجب أن تكون واعياً على طول مدة الزيارة فهذه يحددها طبيعة علاقتك مع الفاقد ويمكن أن تستأذنه إن رغب بأن تبقى معه فترة أطول وتكون ذكياً في أن تلمح الإجابة غير المباشرة في حال رغبته بالبقاء وحده أو أن يطلب منك المغادرة.
11- لا تسقط تجربتك عليه وكأن ما يناسبك يجب أن يناسبه حتماً، ولا تقارن حالته بغيره لأن كل شخص حالته وفقده عزيز عليه. وعندما مررت شخصياً بالفقد كنت أقول لا أريد أن تسقط حكمك عليّ، هذه حالتي وهذه مأساتي وهذا فقدي فلا تقارن، كل واحد فقده يختلف عن الآخر، وخسارته بالتالي تختلف، وألمه يختلف، وليس هناك صح وخطأ في هذا الموضوع فكل شخص يتعامل مع الأزمة بطريقة مختلفة، لذا لا تفرض سلوكاً معيّناً على الفاقد بل أخبره عن تجربتك واترك له حرية القرار إن كان سيحذو حذوك أم لا.
12- لا تقُم باتخاذ الحلول والإجراءات نيابة عنه ما لم تكن متأكداً من رضاه عن الأمر، بل يجب استشارته وابلاغه بأي فعل تنوي القيام به ظناً منك أنك تخفف عنه، فإن وافق تصّرف وإلا قد يعطيك البديل أو يشكرك ويطلب عدم أخذ أي إجراء، هو في حالة فقد ولكنه لم يفقد عقله وقدرته على اتخاذ قرارات خاصة بحياته، فيجب عدم اتخاذ قرارات بالنيابة عنه دون إعلامه.
13- لا تلهيه عن المشكلة، بل يجب التركيز على طرق سليمة ومباشرة ومفيدة للحل ومن واقع الحال، لأن الحياة ستستمر، فإذا كان هناك أطفال متعلقون بعملية الفقد مثلًا يجب الاهتمام بهم ورعايتهم وتطمين الفاقد أو المصاب انهم بخير، يجب الاهتمام بسير الحياة الطبيعية لأن العالم لن يتوقف فعلًا.وإن كنت زميله في العمل فيجب ادخال الطمأنينة إلى قلبه من ناحية العمل وأن الأمور تحت السيطرة أو تسأله عن رغبته باتخاذ إجراء معين.
14- وأخيرًا اعلم أن التقديم فعل وليس فقط قول،أعطه ما يحتاج إليه، وكن موجوداً ومستعداً لتقديم المساعدة ولكن في حدود التقديم، ادعم مادياً إن كان بحاجة إلى ذلك؛ لئلا يجتمع عوز وفقد!
15- اعلم أن الله قريب يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، فأكثر من الدعاء الطيب له ولو في ظهر الغيب.
وبالمجمل أهتم لأمرين: عدم إزعاجه، ومحاولة نفعه.
لا أراكم الله مكروهاً، ولكن كلنا عرضة لمثل هذه المواقف، وقد استسقيت هذه العبارات من تجربتي الشخصية بالفقد، وما مر معي في حياتي، ومن تجارب من تعاملت معهم.
وكفانا الله وإياكم شر الفقد ومدّكم بالصحة والعافية.
د. سناء مصطفى عبده