معنى التضحية في الحب وأشكال التضحية من أجل من تحب
هل الحب تضحية وعطاء دون مقابل؟ لا يوجد حب دون تضحية، ولا يمكن أن تستمر علاقة الحب الصحيّة دون تعب وصبر وعطاء، لكن فهم التضحية في الحب أهم من التضحية نفسها، كما أن التضحية من طرف واحد في الحب قد تكون سبباً أساسياً لانهيار العلاقة وفشلها، فما هي التضحية الحقيقية والضرورية في الحب؟ ومتى تكون التضحية في الحب متهوّرة وغير محسوبة وتقود إلى فشل العلاقة وانهيارها؟
التضحية من القيم الأساسية التي ترتبط بالحب والعلاقات العاطفية وتمتد إلى الارتباط الرسمي والزواج، ويمكن تعريف التضحية في الحب أنها ما يمنحه طرفا العلاقة لبعضهما بهدف الحفاظ على هذه العلاقة واستمراريتها، وهي أقرب إلى التسوية والتنازلات المتبادلة للوصول إلى حلول وسط، وليست تضحية دون مقابل؛ لأن المقابل هو الاستمرار والاستقرار. [1]
كما يمكن التمييز بين نوعين للتضحية من أجل من تحب:
- الأول هو التضحية الأساسية في الحب التي لا يمكن للعلاقة أن تنجح دونها، مثل التضحية بالوقت ومنح الشريك الأولوية والتضحيات الضرورية لتتويج علاقة الحب بالارتباط، وشرط هذا النوع من التضحية أن يكون متبادلاً بين الطرفين.
- والنوع الثاني هو التضحية الثانوية في الحب والتي تتضمن تضحيات مادية ومعنوية ليست ضرورية ويمكن للعلاقة أن تنجح دونها، وغالباً ما تكون هذه التضحيات في الحب تطوعية مثل التنازل عن بعض الحقوق الأساسية في العلاقة بشكل اختياري وظروف خاصة.
أشكال وأنواع التضحية من أجل من تحب
بعض التضحيات في الحب تعتبر الأساس في العلاقة بين الشريكين، وبعض التضحيات ترتبط أكثر بظروف علاقة الحب وقدرة الحبيبين على العطاء وحاجة كل منهما، ويمكن تحديد أبرز أشكال وأنواع التضحية في الحب على الشكل التالي:
- التضحية بالاستقلالية: خسارة جزء من الاستقلالية هي أولى التضحيات في الحب والعلاقات العاطفية، حيث يتطلب استمرار علاقات الحب أن تكون خيارات الفرد مدروسة بشكل لا يضر العلاقة ولا يسبب الأذى للطرف الآخر، ولا تعني التضحية بالاستقلالية أن يكون أحد أفراد العلاقة تابعاً للآخر، بل تعني أن أطراف العلاقة لا يمتلكون الحرية المطلقة في خياراتهم التي تؤثر على العلاقة بشكل خاص.
- التضحية بالوقت: تتطلب علاقة الحب وقتاً خاصّاً للشريك، وفي كثير من الأحيان قد تحتاج إلى خلق هذا الوقت في زحام الحياة السريعة والعمل أو الدراسة والالتزامات الأخرى، وربما تضطر للتخلي عن بعض العلاقات الاجتماعية الأخرى لحساب قضاء الوقت مع من تحب.
- التضحية بالعادات في الحب: من التضحيات الكبيرة التي تواجه الحب هي التضحية بالعادات، فبعض العادات قد تكون مزعجة للشريك، حتى إن كانت هذه العادات حرية شخصية -مثل عادات النوم أو الطعام أو التدخين- لكن تأثيرها السلبي على العلاقة يجعل التضحية ضرورية.
- التضحية في الخلافات: الخلافات والنزاعات بين الحبيبين هي الأوقات الأهم التي تظهر فيها الحاجة للتضحية، حيث يتطلب حل الخلافات تقديم بعض التنازلات من الطرفين مهما كانت طبيعة الخلافات، ويميل البعض لتسمية ذلك "التسوية في الحب" بدلاً من التضحية.
- التفهّم والتقبّل: تنشأ الخلافات الأولى في علاقة الحب نتيجة اكتشاف وتحديد بعض الاختلافات بين الحبيبين التي كانت مخبأة خلف غشاوة المشاعر المتقدة في البداية، وأولى التضحيات المطلوبة في الحب هي تقبّل هذه الاختلافات وتفهّمها، وعلى المدى الطويل يجب تفهّم الظروف الخاصة التي يمر بها الشريك وقد تدفعه لارتكاب بعض الأخطاء.
- التضحية بالرغبات: في كثير من المواقف تتناقض رغبات الحبيبين ويحتاج أحدهما للتنازل والتضحية، ويتطلب الحب القدرة على التحكّم بالرغبات الشخصية لصالح الحب والعلاقة، كما يتطلب فهم رغبات الطرف الآخر.
- التضحية المادية في الحب: على الرغم أن التضحية المادية في الحب ليست أساسية؛ لكن في كثير من الأحيان يتطلب استمرار العلاقة التنازل عن بعض الحقوق المادية أو تقديم الدعم المادي للشريك، ومن أشكال التضحية المادية في الحب أن تتنازل الفتاة عن بعض حقوقها المالية الأصيلة لتسهيل الارتباط والزواج بمن تحب.
- الاحتمال والصبر في الحب: تحمّل الأعباء والضغوط النفسية جزء أساسي من التضحية في الحب والعلاقات العاطفية، مثل التحكم بالغضب والسيطرة على الانفعال واستيعاب الأمور بموقف إيجابي.
- العمل على التغيير من أجل الحب: من التضحيات الكبيرة في الحب العمل على التغيير، فالشاب الذي يبدأ بمضاعفة ساعات العمل ويحاول أن يكون أكثر التزاماً لتأمين متطلبات الارتباط؛ يقدم واحدة من أهم وأكبر التضحيات في الحب، كذلك الفتاة التي تحاول أن تتغير وتتأقلم مع ظروف العلاقة لتجعل الارتباط قريباً ومريحاً للطرفين.
لا يمكن أن تكون التضحية في الحب من طرف واحد، حتى وإن لم تكن التضحية في الحب مشروطة؛ لكنها تتحول لخسارة عندما لا تقابلها تضحية مماثلة توازيها بالقيمة والأهمية، وكثيراً ما تكون التضحية في الحب من طرف واحد سبباً وجيهاً لفشل العلاقة وانهيارها.
التضحية من طرف واحد في الحب تخلق شعوراً بالظلم والغبن لدى الطرف المضحي، وتجعله يشعر بالاستغلال العاطفي دون الحصول على عوائد التضحية في الحب والتي تتضمن علاقة متوازنة بالدرجة الأولى، وبدلاً من حصاد ثمار التضحية في الحب سعادةً واستقراراً وتضحيةً متبادلة؛ تتحول العلاقة إلى علاقة سامّة تستنزف طاقة الطرف المضحي وتجعله تعيساً وغير قادرٍ على التضحية أو حتى تقدير التضحية المتأخرة من الشريك.
المعادلة البسيطة للتضحية في الحب أنها تضحية بدون مقابل لكنها تضحية متبادلة، ما أن تتحول لتضحية من طرف واحد حتى تصبح استنزافاً واستغلالاً يدفع العلاقة للانهيار والفشل. [3,2]
- خلق الثقة بين الحبيبين: الحب يشتعل في لحظة، لكن بناء الثقة بين الحبيبين يحتاج للكثير من الوقت والتجارب، والتضحية من العوامل الأساسية التي تساهم في بناء الثقة، حتى في أصغر المواقف التي يتعرض لها الحبيبان تكون التضحية عاملاً حاسماً في بناء الثقة.
- تحقيق التناغم والسعادة: التضحية في الحب هي تسوية بين الحبيبين تهدف إلى تذليل الخلافات والعقبات التي تواجه العلاقة، وعندما تكون هذه التضحية متبادلة ومدروسة ستلعب دوراً أساسياً في تحقيق التناغم والتفاهم في الحب، وتحقيق السعادة المنشودة من العلاقة.
- تحقيق الأهداف المشتركة: جزء من التضحية في الحب هو التخلي عن بعض الأهداف الشخصية لصالح الأهداف المشتركة، والأهداف المشتركة -التي تعتبر من أعمدة الحب- لا يمكن تحقيقها دون تضحية.
- تقليل الخلافات والشجار: عندما يتفهّم الشريكان قيمة التضحية في الحب ومعناها الحقيقي، ستنخفض فرص النزاع والخلاف بينهما، كما أن أسباب الخلافات طويلة الأمد في علاقة الحب غالباً ما يمكن حلها من خلال تقديم بعض التنازلات المتبادلة.
- الانتقال بالعلاقة لمرحلة جديدة: التضحية ليست شرطاً للحفاظ على علاقة الحب فقط، بل شرط أيضاً لتتويج علاقة الحب بالارتباط الرسمي، ثم الحفاظ على استقرار الحياة الزوجية، فالحاجة للتضحية أو "التسوية" ستكون أكبر بين الزوجين.
متى تصبح التضحية في الحب خطيرة على العلاقة؟
- التضحية المتهوّرة في الحب: من أخطر أشكال التضحية في الحب هي التضحيات غير المحسوبة والتي تتجاوز المطلوب لنجاح واستمرار العلاقة، وغالباً ما تكون التضحيات المتهوّرة في الحب نتيجة لسوء فهم العلاقة وسوء تقدير حجم ونوعية التضحيات المطلوبة، ومن الأمثلة الشائعة بين الأزواج مثلاً التضحيات المالية الكبيرة التي تقدمها الزوجة العاملة للأسرة دون حساب، ثم تخسرها جميعاً عند أول خلاف مع زوجها.
- التضحية والمساومة: في بعض العلاقات قد تكون التضحية موضوعاً للمساومة، ويتم طلب التضحية بشكل مباشر كبرهان على الحب، فيصبح الطرف الآخر مكرهاً على تضحية لا يقتنع بها؛ لإثبات صدق مشاعره، وهذا النمط من المساومة غالباً ما يقود إلى التضحية من طرف واحد.
- قد تكون التضحية سبب للخلافات: عندما يسيء الطرفان فهم التضحية غالباً ما تتحول من سبب للتفاهم والتناغم إلى سبب للخلافات، وربما الصراع على من يضحي أكثر من الآخر، وإن كانت التضحية تطوعية أم إجبارية.
- فاتورة التضحية في الحب! في بعض العلاقات العاطفية المضطربة تكون التضحية ورقة ضغط خفية يتم إخراجها عند الخلافات العادية أو الكبيرة، وكأن التضحية فاتورة مؤجلة يجب على المستفيد دفعها عند حصول خلاف.
- الندم على التضحية في الحب: من سلبيات التضحية في الحب أنها سبب أساسي للندم في حال فشل وانهيار العلاقة، خصوصاً عندما تكون هذه التضحية متهوّرة وغير مدروسة، وقد تكون التضحية المتهورة سبباً لانخفاض احترام الذات والشعور بالسذاجة وسوء التقدير والتصرف.
- استمرار العلاقات الميتة: في بعض العلاقات الميتة تكون التضحيات السابقة هي السبب الوحيد لاستمرار العلاقة على الرغم من كمية الأذى الذي تسببه للشريكين، حيث يعتقد أحدهما أنه مدين للآخر ولا يجب أن يتركه، أو يعتقد أنه قدم الكثير لهذه العلاقة ولا يمكن أن يتراجع وينسحب منها كي لا يشعر بالخسارة! [4,5]
تشبه التضحية في الحب نظرية العقد الاجتماعي في السياسة، فالتنازل عن بعض الحقوق لا يعني زوال هذه الحقوق دون مقابل، بل الهدف من التنازلات هو الحصول على امتيازات أخرى مثل الشعور بالأمان والرعاية والسعادة.