التعلق الزائد بالصديق والتبعية بين الأصدقاء
قد لا يتاح للإنسان اختيار عائلته ومجتمعه، ولكنه يختار أصدقائه وفق ميوله ورغباته ومعاييره، وهذا يفسر نوعاً ما ضرورة وجود الصديق لدى كل منا، وهنا نقصد الصديق المقرب ذلك الذي نشعر معه بتعلق متبادل كل منا تجاه الآخر، لكن في بعض الحالات قد يزيد هذا التعلق عن حدوده، ويعيق علاقة الصداقة عن ممارسة دورها ووظيفتها وربما تتحول العلاقة لتبيعة أحد الصديقين للآخر.
في ظل غياب التوازن في العلاقة بين الصديقين من حيث نظرة كل منها للآخر واحترامه له وتقديره قد يتحول الرابط بينهما لحالة استغلال أحدهما للآخر عن طريق تحويل نفسه لنقطة الاهتمام في العلاقة وتركيز مجمل النشاطات حوله، فتتحول علاقة الصداقة لعلاقة تبعية يكون فيها أحد الأصدقاء لديه تعلق عاطفي مرضي بالشخص الآخر. [1]
أعراض العلاقة التبعية بين الأصدقاء
تختلف حالة التعلق المرضي بالأصدقاء والاعتماد المتبادل القائم بين الصديقين من علاقة إلى أخرى، لكنها غالباً ما تحمل هذه الخواص أو البعض منها على الأقل فمثلاً: [1]
- الاعتماد على صديق واحد: فقدان التوازن في العلاقات مع الأسرة والأصدقاء واستبدالهم بصديق واحد حيث يظهر ذلك على شكل:
- استبدال الأب والأم والزملاء جميعهم بصديق واحد يعد الأكثر قرباً.
- الشعور بالقلق والتوتر إذا لم يحدث تواصل مع هذا الصديق لمدة يوم أو في حال عدم معرفة ماذا يحدث معه.
- التخلي عن الصداقات الأخرى وعن تمضية الوقت مع العائلة أو ممارسة الهوايات المختلفة حيث ينحصر الاهتمام فقط بالتوصل مع هذا الصديق
- التعلق الهوسي: يتحول هذا الصديق مع الوقت لمحور حياة الصديق الآخر ما يؤدي إلى:
- تفضيل رغبات واحتياجات ذلك الصديق عن الاحتياجات والرغبات الشخصية.
- إلغاء جميع الخطط والمشاريع والواجبات، عند اتصال الصديق والتقيّد به.
- تمييز الصديق وتلبية احتياجاته يعطي شعور بالتميز والأهمية.
- القلق المبالغ به على الصديق ومشاركته ألمه بعمق وتصبح مشاكله كأنها مشاكل شخصية لصاحب مشكلة التعلق المرضي.
- افتقاد الصديق إذا كان في علاقة: فقدان الأولوية وقلة الاهتمام التي يتمتع بها هذا الشخص عند دخول الصديق في علاقات صداقة جديدة ما ينتج عنه:
- التسبب بالانزعاج الشديد، والشعور بأنك نفقد هذا الصديق
- الخوف من خسارة الصديق.
- الشعور بالغيرة في حال كان الصديق مهتم بشخص آخر.
- رفض توسيع دائرة الأصدقاء: ما يجب أن يدركه من يعاني هذا الاضطراب أن أي أحد قد يرغب في إقامة علاقات صداقة جديدة وهذا لا يشكل تهديد لعلاقته على الإطلاق ولا داعي للشعور بالغيرة نتيجة انشغال أصدقائنا لبعض الوقت.
- السماح للصديق المقرب باتخاذ قرارات رئيسية لك: حيث يصبح اتخاذ القرارات قائم على مدى درجة رضى الأصدقاء عنها وليست كما يجب أن تكون ملائمة للشخص نفسه يجب التذكر أن الصديق هو من يهتم باحتياجاتنا ويقدم الدعم المعنوي أو المادي لنا دون أن يتدخل في قراراتنا الشخصية وأسلوب حياتنا
تنبع أهمية الدور البارز للصداقة من خلال توازن العلاقة بين الصديقين فلا يكون أحدهما طاغي على الآخر ومتسلط عليه، وهذا التوازن يهدف إلى:
- زيادة الشعور بالانتماء لدى كلا الصديقين لبعضهما.
- تقليل التوتر والاكتئاب وتعزيز الشعور بالسعادة.
- زيادة الثقة بالنفس وتقدير واحترام الذات.
- ممارسة النشاطات الاجتماعية بشكل مشترك للمساعدة في تنمية المهارات الفردية لكل شخص.
- كثيراً ما تكون هذه العلاقات جيدة لفترة من الوقت، حيث أن دور المانح يلبي العديد من الاحتياجات التي قد تترك أثراً إيجابياً مثل الشعور بالكفاءة والتمتع بالقرب من الأخرين، كما تلبي احتياجات المتلقي مثل حاجتهم للرعاية.
وفقدان هذا التوازن مع الوقت سوف يفرز مشاكل عديدة في علاقة الصداقة، حيث يبدأ الشخص المانح من الشّك في طبيعية علاقة الشخص الأخر به وإذا كانت نوع من الاستغلال يتم استخدامه فقط لتحقيق بعض الغايات ما قد يولد الشعور بالإحباط ما يؤثر سلباً على طبيعية العلاقة بين الصديقين.
يمكن أن تكون الفروق بين هذين النوعين من علاقات الصداقة في عدة جوانب مرتبطة بكل حالة بشكل منفرد، ومنها:
- التبعية السلوكية المتبادلة بين الأصدقاء: في العلاقات الطبيعية يصبح ما يحدث في حياة أحد الطرفين يؤثر في حياة الآخر والعكس صحيح، ويكون هنالك مستوى عالي من التكامل الذاتي وتداخل حياتهما بشكل كبير، مع احتفاظ كل من الطرفين بهوايات وانشطة منفردة، على عكس العلاقات التبعية حيث يتحول التكامل بين الفردين إلى التركيز على فرد واحد.
- تلبية حاجة كل من الطرفين: نتيجة العلاقة الوثيقة بين الصديقين يسعى كل فرد لتلبية حاجات صديقه ومشاركته مشاعره، والاهتمام به وتلبية حاجاته، بينما في العلاقات التبعية يتركز تلبية الحاجات على شخص واحد فقط على حساب اهمال الطرف الآخر.
- الثقة المتبادلة بين الأصدقاء: حيث يمكن للصديقين الاعتماد على بعضهما البعض وتقديم الدعم المعنوي والعاطفي، وتبادل الاسرار وبعض الأمور الخاصة بينهما، وهذا ما يتم فقدانه في علاقات الصداقة التبعية بين الطرفين.
- الموازنة في العطاء بين الأصدقاء: حيث يكون العطاء حالة متبادلة بين الطرفين وليس مطلوب من شخص واحد فقط على حساب الآخر.
- الكشف الذاتي المتبادل: مشاركة المعلومات الخاصة كلما زاد مستوى العلاقة مع الصديق، والتشارك بالكثير من الأسرار عن أنفسهم والاشياء الشخصية والعميقة، أما في العلاقات التبعية يقتصر العطاء على شخص واحد فقط.
من المحتمل أن تضمن العلاقة التبعية بعض التوازن المؤقت، لكن لتصبح العلاقة طبيعية يجب أن تتصف بالتوازن الدائم، ومن الممكن في حال تواجدت الرغبة إصلاح عيوب هذه العلاقة، وهذه بعض النصائح التي تساعد في ذلك: [3]
- قضاء بعض الوقت مع الأصدقاء الآخرين وباقي أفراد الأسرة وإعطاء المجال للأحداث الجديدة أن تحدث. فمن المفيد القيام بنشاطات متنوعة وكسر الروتين بين الحين والآخر والتعرف على الأصدقاء الجدد.
- حدد ما تكتسبه وما تتخلى عنه في علاقة الصداقة هذه وقم بتقييم العلاقة على هذا الأساس.
- أرسم حدود شخصية لتعامل الآخرين معك فتقوم بإخبار صديقك مثلاً ما يسمح له بفعله وما هو غير مسموح بتجاوزه.
- قم بوضع نمط حياة صحي خاص بك، ولا تتهاون في العناية بنفسك.
- كن نفسك ولا تحاول أن تكون ما يريد منك الآخرين أن تكونه، فأهدافك وقيمك أكثر أهمية من محاولة إرضاء شخص ما.
- في علاقة الصداقة قم بتقديم الدعم للصديق وليس الحلول، فلا يمكنك حل مشاكله نيابة عنه.
- قم بتحديد احتياجاتك وحاول أن تطلبها والسعي للحصول عليها، وقم بالحديث مع الأصدقاء عنها.
من مشاركات أحد متابعين موقع حلوها، حيث يقول بأن لديه مشكلة تكمن في تعلقه المفرط بأصدقائه إلى درجة يهتم بهم بشكل زائد ومزعج أيضاً، ونتيجة هذه المشكلة فهو يخسر أصدقائه، فاهتمامه الزائد بأصدقائه أصبح غير مرغوب في هذه الأيام، ويطلب الاستشارة والحل.
وأجابته الخبيرة في موقع حلوها الدكتورة سناء مصطفى عبده بأن معه الحق فمع سرعة الحياة وازدحامها وكثرة أعبائها بهذه الأيام أصبح الضغط الناتج عن اهتمام الأصدقاء عبئ جديد، ونصحته بأن الاعتدال والوسطية مطلوبين في كل الأمور حتى في علاقات الصداقة، كما أضافت:
- بأنه يجب أن يكون لطيفاً ويسأل كل فترة عن أصدقائه دون أن يثقل عليهم فالضغط برأي الخبيرة يولد الانفجار، فالصداقة مطلوبة وهي علاقة ثمينة لكن دون إفراط.
- يجب مثلاً أن يحدد أوقات مناسبة للقاء بالأصدقاء.
- كما يجب ألا يتدخل كثيراً في خصوصياتهم.
- وإذا رغب بالمساعدة يجب أن يعرض خدماته بطريقة راقية ومهذبة.
لمراجعة الاستشارة الكاملة مع أراء الخبراء وتفاعل مجتمع حلوها انقر على الرابط، كما يمكنكم في أي وقت طلب الاستشارة من الخبراء المختصين في موقع حِلّوها من خلال النقر على هذا الرابط.