مهارات الحوار والتواصل وقواعد إدارة النقاش
مهارات الحوار هي مجموعة من المهارات الأساسية التي تساعد الشخص على المشاركة في الأحاديث والنقاشات المتنوعة سواء في الحياة الشخصية أو في الاجتماعات أو المناظرات، وعلى الرغم أن جزءاً كبيراً من مهارات الحوار يكتسبه الفرد بالتدريج والممارسة أو يكون من السمات الأساسية لشخصيته؛ لكن الكثير من المهارات الأخرى يمكن التدرب عليها وممارستها بشكل واعٍ حتى إتقانها.
يتم تعريف الحوار أنه طريقة التواصل الأساسية بين الأشخاص الذين تجمع بينهم أفكار معينة أو مواضيع مشتركة، ويعتبر النقاش شكلاً أكثر عمقاً من الحوار، حيث يرتبط النقاش غالباً باتخاذ قرار أو موقف، بينما يرتبط الحوار أكثر بفهم وتبادل وجهات النظر حول موضوع معين، وهذه الأنماط تختلف بطبيعة الحال عن الجدل والمناظرة.
ومفهوم فن الحوار والتحاور يقوم على إتقان مهارات الحوار وإدارة النقاش ليكون حواراً بناءً ومفيداً، كما يرتبط فن الحوار بالعديد من المهارات الشخصية الأخرى مثل مهارة الإقناع والتأثير، ومهارة الاستماع والإنصات، ومهارة الرد والمواجهة بدبلوماسية؛ وغيرها من المهارات التي تعتبر أساسية لإتقان فن الحوار والتواصل. [1]
- الاحترام في الحوار: الاحترام من أهم متطلبات الحوار والتواصل، وعلى الرغم أن الاحترام في الحوار يعكس ثقافة الشخص وتربيته ومبادئه الأساسية، لكنه أيضاً من المهارات التي يمكن أن يتدرب عليها الفرد ويكتسبها، وأحياناً قد يكون المطلوب في الحوار والنقاش هو التعبير عن الاحترام بشكلٍ واضح والتأكيد عليه، وطلب الاحترام من الآخرين بأسلوب مناسب.
- مهارة الاستماع والإنصات: النقاش الناجح والحوار الفعال يقوم على الاستماع أكثر من الحديث، ومهارة الاستماع لا تعني فقط إعطاء الفرصة للآخرين للكلام والتعبير عن أنفسهم، بل محاولة استيعاب ما يقوله الآخرون بشكل صحيح من خلال التركيز معهم وتجنب عوامل التشتيت، إضافة إلى طرح الأسئلة والتعليقات المناسبة لتأكيد وصول الرسالة بشكل صحيح.
- مهارة ترتيب الأفكار: الترتيب الجيد للأفكار من أهم مهارات الحوار والتواصل، وتتضمن مهارة ترتيب الأفكار في الحوار والنقاش العمل على تتبع الروابط بين الأفكار المطروحة للنقاش، والعمل على طرح الأفكار الخاصة بشكل متسلسل ومترابط، وهذه المهارة تحتاج إلى بعض التدريب والممارسة للوصول إلى تقنيات ترتيب الأفكار الأفضل.
- المهارات اللفظية للحوار: تتضمن المهارات اللفظية للحوار القدرة على استخدام اللغة المناسبة لموضوع الحوار وللأشخاص المشاركين، وصياغة الخطاب بشكل يتناسب معهم، كما تتضمن المهارات اللفظية استخدام المصطلحات أو العبارات المحددة التي تعبّر عن وجهة نظرنا بشكل دقيق، إضافة إلى التحكّم بنبرة الصوت وارتفاعه.
- إتقان لغة الجسد: لغة الجسد جزء رئيسي من كل حوار أو نقاش، فإتقان قراءة تعابير الآخرين وانفعالاتهم التي تظهر على جسدهم؛ يعتبر من أهم المهارات للتحاور وإدارة النقاش، ونذكّر هنا أن لغة الجسد تُقرأ ولا تُكتب، فالمطلوب منك أن تطوّر مهارة قراءة لغة الجسد، وأما ضبط حركاتك ونبرة صوتك فيجب أن ينبع من ممارسة كي لا يبدو مصطنعاً، وغالباً ما تكون الثقة بالنفس مفتاحاً للتعبير بلغة الجسد بشكل مثالي دون الحاجة إلى التصنع.
- التعليق والملاحظات: من المهارات الكلامية الضرورية للحوار والتواصل، وتتضمن مهارة التعليق اختيار الوقت المناسب للتعليق أو إعطاء ملاحظة، واختيار الصيغة المناسبة للموقف وللفكرة، كما يجب أن تكون التعليقات عامل مساعدة لتسهيل الحوار، فيجب تجنب التعليقات الشخصية أو الساخرة أو التي تجعل الحوار يخرج عن الموضوع.
- مهارة طرح الأسئلة: بما أن الحوار عملية تواصل ثنائية الاتجاه؛ فإن الأسئلة من الآليات الفعالة لجعل الحوار ممتع ومفيد وواضح، لكن طرح الأسئلة ليس عشوائياً، ويجب أن يكون حكيماً وفي الوقت المناسب والشكل المناسب، وأحد أهداف طرح الأسئلة في الحوار التأكد من وصول الآراء والأفكار وفهمها بشكل مناسب.
- المرونة في الحوار: تتضمن مهارة المرونة في الحوار القدرة على فهم وجهات النظر المختلفة واستيعابها والتعامل معها من جهة، والقدرة على مسايرة الحوار والمضي فيه حتى وإن انحرف عن مساره أو عاد إلى نقطة البداية من جهة أخرى، وتعتبر المرونة من أهم المهارات اللازمة لإدارة أو المشاركة في حوار فعّال، كما تتجلى المرونة بالتعبير عن قناعات جديدة بعد الحوار أو النقاش.
- مهارات الإقناع والتأثير: النوع الأبسط من التحاور لا يقوم على الإقناع بقدر ما يقوم على تبادل الأفكار والآراء أو التجارب، لكن الأنواع الأكثر تعقيداً مثل النقاش والجدال والمناظرة؛ جميعها تتطلب قدرة على التأثير بالآخرين وإقناعهم لأن الإقناع أحد أهداف هذه الأشكال من التحاور، وتبدأ مهارة الإقناع من المعرفة والإلمام بالموضوع ولا تنتهي عند أسلوب طرح الفكرة وطريقة عرضها والمرونة في التعامل مع الرأي المعارض أو الخصم.
- الثبات الانفعالي: يتطلب الحوار والتواصل قدرة فائقة على ضبط النفس وكتمان المشاعر أو السيطرة على الانفعال، ليس فقط المشاعر السلبية أو مشاعر الغضب والضيق، بل أيضاً مشاعر السعادة والفرح والاقتناع، حيث تقوم مهارة الثبات الانفعالي في الحوار على التحكّم بالانفعالات المناسبة وكيفية ظهورها، وكتم الانفعالات غير المناسبة.
الفرق الأساسي بين الحوار والنقاش؛ أن النقاش يهدف إلى الدفاع عن فكرة أو إقناع الآخر بوجهة نظر مختلفة عن وجهة نظره، وعلى الرغم أن النقاش أكثر حدة من الحوار العادي؛ لكنه لا يصل إلى حدة المناظرة والمجادلة.
وهذه أهم خمسة قواعد للنقاش:
- الاحترام وتقبّل وجهات النظر: أولى قواعد النقاش أن يتحلى جميع الأطراف بقدرٍ من الاحترام لبعضهم ولآراء بعضهم، وأن يستطيع أطراف النقاش تقبّل وجهات النظر الأخرى حتى وإن لم تكن مقنعة، فتقبل وجهات النظر لا يعني التسليم بها أو تبنيها، بل يعني احترامها والرد عليها بطريقة محترمة في سياق النقاش الفعّال.
- الاستماع وتجنب المقاطعة: المقاطعة أثناء النقاش غالباً ما تقود إلى توتر المتحاورين وانحراف النقاش إلى سجال وتشويش وفوضى، لذلك يعتبر الاستماع الجيد وتنظيم الأدوار بشكل ضمني من أهم قواعد النقاش.
- الحفاظ على موضوع النقاش: غالباً ما تتفرع النقاشات وتتشعب إلى مواضيع جانبية، ومن قواعد النقاش أن يستطيع الأطراف الحفاظ على الموضوع الأساسي للنقاش قد الممكن، والانتباه إلى انحرافات النقاش وتصحيحها في الوقت المناسب.
- ضبط التشنج والانفعال: بما أن النقاش من أشكال التحاور التي تتضمن خلافاً في وجهة النظر فمن الشائع أن يتوتر النقاش وتعلو الأصوات، ومن قواعد النقاش الرئيسية القدرة على السيطرة وضبط التشنج والانفعال.
- تجنب المغالطات المنطقية في النقاش: هناك مجموعة من السلوكيات السلبية الشائعة للأفراد خلال النقاش تسمى "المغالطات المنطقية" منها مثلاً مغالطة رجل القش التي تقوم على تسخيف حجج الخصم والالتفاف عليها وجعلها تبدو ساذجة حتى للذي طرحها، كذلك مغالطة القطيع التي تقوم على الاستعانة بالدلائل الشائعة التي يؤمن بها العامة كحجة في النقاش حتى وإن لم تكن هذه الدلائل صحيحة.
اقرأ مقالنا عن أهم 12 مغالطة منطيقة في النقاش مع الشرح والأمثلة من خلال النقر على هذا الرابط.
إضافة إلى المهارات التي ذكرناها، هناك بعض المهارات الأساسية التي تحتاجها لقيادة النقاش أو الحوار، من أهم مهارات قيادة النقاش:
- الشخصية القيادية: الشخصية القيادية تمتاز ببعض الصفات المميزة، أهمها القوة والحزم والقدرة على فض النزاعات أو الخلافات والسيطرة على الحوار، إضافة إلى الحماسة والشجاعة والقدرة على التأثير، وهذه السمات وغيرها يمكن أن تكون أصيلة في الشخصية أو مكتسبة بالتدريب والممارسة.
- فهم الفروق بين أنواع الحوار: فهم أنواع الحوار الأساسية ومتطلبات كل نوع من أنواع التحاور يعتبر من أهم عوامل قيادة النقاش، ويمكن هنا تحديد أربعة أنواع أساسية للمحادثات:
- الحوار: وهو التواصل المنفتح والودود غالباً بهدف تبادل وجهات النظر أو البحث في موضوع معين.
- النقاش: وهو شكل أكثر حدة من الحوار يتناول قضية واضحة ومحددة ويهدف إلى اتخاذ قرار أو إثبات وجهة نظر دون ضحد الأخرى بالضرورة.
- المناظرة: تقوم غالباً بين اتجاهين متناقضين أو متصارعين، والتركيز في المناظرة فعلياً يكون على كشف عيوب أفكار الطرف الآخر وإثبات خطئه وضعف حجته.
- الخطاب: وهو طريقة أحادية الاتجاه غالباً تقوم على طرح أفكارك بشكل مباشر على مجموعة من الجمهور، وقد يتبعها نقاش أو حوار حول ما ورد في خطابك.
- المعرفة والثقافة: لن تستطيع قيادة النقاش إن لم تكن ملمّاً بموضوع النقاش بالدرجة الأولى، ثم مثقفاً بشكل عام، ولتطوير مهارات قيادة النقاش لا بد من الحفاظ على تطوير الذات والاطلاع المستمر وتغذية المعرفة بشتى أنواعها.
- الحيادية والموضوعية: لقيادة النقاش يجب أن تتحلى بالموضوعية وترك التصورات المسبقة أو الاعتقادات العامة وتجنب تأثيرها على سير النقاش.
- العدالة في إدارة النقاش: تتضمن العدالة في النقاش توزيع الأدوار والفرص بين أطراف النقاش مهما بلغ عددهم، والسماح للآخرين بالتعبير عن أفكارهم والدفاع عنها بشكلٍ عادل، وضمان أن يحصل المشاركون بالنقاش على حقهم بالتعبير والتقبل والاحترام.
- الخبرة في إدارة النقاش: تستعين الجمعيات والمنظمات وحتى الحكومات بأشخاص لتسيير جلسات الحوار والنقاش، والميزة الأساسية لمسيّر النقاش أن يمتلك الخبرة الكافية في التعامل مع معضلات ومشاكل النقاش، والتعامل مع الأفراد، وهذه الخبرة يتم اكتسابها من خلال الممارسة المستمرة لتسيير النقاشات.
- اختر الوقت المناسب للحوار، حتى في الحوارات الشخصية العابرة يجب أن تكون حكيماً في اختيار الوقت المناسب لتصنع حواراً ناجحاً.
- حدد موقفك من الحوار، وذلك بناءً على مدى معرفتك وضلوعك بموضوع الحوار، ومدى عمق علاقتك مع المتحاورين وأهداف الحوار -الذي قد يكون للمتعة فقط- فهل موقفك من الحوار هو مشارك رئيسي أم معلم أم مستمع... إلخ.
- تحلى بالصبر والمرونة، ولا تستعجل نتائج الحوار أو تختصر أدوار الآخرين.
- تعلم متى تتوقف عن المحاورة، ومتى تنسحب من الحوار وكيف تنسحب، فعندما تشعر أن وجهة نظرك لا تحظى بالاحترام الكافي عليك أن تنسحب من الحوار، أو على الأقل أن تدافع عن وجهة نظرك وتطلب من الآخرين احترامها أو إنهاء الحوار.
- لا تكن استعراضياً في الحوار والنقاش، وحاول أن تكون مرتاحاً وعلى طبيعتك، والجدير بالذكر أن المناظرة والجدال قد تحتاج إلى الاستعراض والتصنع، لكنه أيضاً استعراض مدروس وله أصوله.
- من الأفضل أن تكون حذراً بالتعامل مع محاورك من ناحية اللمس أو وضع اليد على الكتف أو إلقاء الدعابات أو الاقتراب منه أكثر من اللازم.
- من آداب الحوار الناجح حفظ أسرار الحوار إن لم يكن الموضوع عاماً، فالحوار حول الأمور الخاصة يجب أن يبقى محفوظاً ولا يتحول إلى سيرة عامة.
يواجه الكثيرون صعوبة في فتح مواضيع للنقاش أو الحوار، وربما تؤثر هذه الصعوبات على الثقة بالنفس أو تعزز الشعور بالعزلة بسبب عدم القدرة على فتح الحوار أو النقاش مع الآخرين، وعلى الرغم أن النقاشات الفعالة والحوارات الجيدة في العلاقات الاجتماعية غالباً ما تبدأ بشكل عفوي، لكن هناك بعض النصائح لتفتح حديثاً مع الآخرين أو نقاشاً، منها مثلاً:
- اطرح مواضيعاً تهم الآخرين، فالحديث عن الأمور التي تهمك أنت قد لا يكون مناسباً لأصدقائك أو زملائك.
- شارك بالمواضيع المطروحة للنقاش، فالمشاركة بنقاش قائم تكسبك خبرة فتح المواضيع في المستقبل.
- طوّر نفسك باستمرار ولا تفوّت فرصة لاكتساب خبرة جديدة أو معرفة جديدة.
- انضم إلى مجموعات اجتماعية جديدة من خلال العمل التطوعي أو الانضمام للمجموعات الرياضية أو مجموعات تمارس هوايتك المفضلة.
- حاول أن تبدأ نقاشات بسيطة مع المقربين منك، ويمكنك أن تطلب من الأصدقاء المقربين مساعدتك على فتح مواضيع النقاش.
- طوّر مهاراتك اللغوية والكلامية من خلال القراءة والاطلاع والتدريب على نبرة الصوت وطريقة الكلام.
- تجنب فتح النقاش من خلال طرح الأسئلة المباشرة دون مناسبة، واعمل على فتح الحوارات بطريقة ذكية باستغلال جميع الظروف.
- لا تناقش أشخاصاً تعتقد أنهم غير جديرين بالنقاش أو غير محترمين أو يتنمرون عليك ويتعاملون معك بفوقية، وتأكد أن تناقش الأشخاص المناسبين فقط.
- لا تُضِع وقتك بنقاشات عقيمة أو غير فعالة، ولا تدخل النقاش من أجل النقاش فقط.